ينطلق الإنسان المؤمن في مواقفه وممارساته من التطلع لرضا الله سبحانه وتعالى، ويسعى لكي تكون كلّ أعماله وكل ممارساته متطابقة مع أوامر الله، وحينها يستحق الأجر والثواب، ويسبغ الله على عمله البركة والتوفيق. وهذا ما كان لثورة أبي عبدالله الحسين الذي نعيش هذه الأيام ذكرى عاشورائه المجيدة.
ورد في رواية عن الإمام علي بن موسى الرضا أنه قال: «أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا. قيل وكيف يحيي أمركم؟ قال : يتعلم علومنا وينشرها بين الناس، فإن الناس لو عرفوا محاسن كلامنا لاتبعونا» 1 .
الحسين لم يتحرك من أجل مكسب شخصي، أو منصب قيادي، أو مصلحة لمنطقة أو طائفة، إنما تحرك من أجل القيم، ومن أجل الله تعالى، هذا ما كان يصرح به في كل مفصل من مفاصل ثورته، وعند كل منعطف من منعطفات مسيرته، فقد قال منذ بداية تحركه عند خروجه من المدينة: «إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا، ولا مفسدًا ولا ظالمًا، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر» ...
تستقبلنا مطلع كل عام هجري جديد ذكرى ثورة أبي عبدالله الحسين، وقد شاء الله تعالى للمسلمين أن يستقبلوا عامهم ويستفتحوه بهذه الذكرى العظيمة، لتذكرهم بمسؤولية الإصلاح وواجب التغيير، فالإمام الحسين إنما تحرك من أجل الإصلاح في الأمة.
في مقابل السياسات الأموية والعباسية القائمة على تهميش دور أهل البيت في الأمة، وعلى محاصرتهم والتعتيم على فضائلهم ومعارفهم، وإخفاء ما يجري بحقّهم من ضغوط وتضييق، في مقابل هذه السياسة، وجّه أهل البيت شيعتهم، بأن يتوارثوا ويشيعوا في أوساطهم إحياء ذكر أهل البيت، وإحياء أمرهم، لإفشال السياسة الأموية ضدهم.
هذا مختصر لبحث استعرضت فيه اربع رؤى اساسية تتداولها الساحة الاسلامية في تحليل (اهداف ودوافع وغايات نهضة الحسين(ع) وحركته) ثم علَّقتُ عليها بشكل مختصر بما اراه مفيدا ثم ختمتُ ذلك برؤية خامسة هي حصيلة دراساتي حول النهضة الحسينية اقدِّر انها اكثر استيعابا لهدف النهضة الحسينية ، فان استطاعت ان تفتح امام القارئ الكريم آفاقا جديدة وزادت من ايمانه واعتقاده بالدور الرسالي للحسين(ع) فهو حسبي من البحث وهو من توفيق الله تعالى ، وان كانت الاخرى فهو بقصوري وتقصيري واسأله الله تعالى ان يعفو عني .
يعود تاريخ البكاء على الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام في معتقد الشيعة إلى زمان النبي صلى الله عليه وآله ، وذلك لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله هو أول من بكى على الحسين عليه السلام ، وتبعه على ذلك صحابته . و يعتقد الشيعة الإمامية بأن البكاء على الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام فيه فضل عظيم وثواب لا يحصى ، مع ما فيه من التأسي برسول الله صلى الله عليه وآله وإظهار المحبة لأهل بيته عليهم السلام ، وقد رويت أحاديث دالة على بكاء أئمة أهل البيت عليهم السلام على الحسين عليه السلام .
إن ثقافة التبرير، وروح الخنوع وقبول الذل هي أسباب تخلف الأمة وعبوديتها وللآخر بل هي مشارط ذبح قيم الرسالة ومبادئ السماء ومعارف الإسلام، لأن الهروب من تحمل المسؤولية هو المرتع الذي تعشعش فيه وساوس شياطين الإنس والجن، وتتكاثر فيه بكتيريا الفساد والمنكرات، وثم تتلوث البيئة الإجتماعية بسموم الثقافة الجاهلية والأفكار الضالة، فتخور الروح وتنحط النفوس المريضة وتتزين الشهوات والأموال وتغر الدنيا زينة ولهواً ولعباً وتفاخر وتكاثراً في الأموال والأولاد.
ولكي يعيش الإنسان حياة السعادة والعز لابد أن يرفض الحياة مع الظالمين «إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما» إن الموت بعز سعادة حقيقة، أما الحياة مع ذل الظلم لا تعطي إلا الشقاء والعبودية، ففي الحياة مع الظالمين موت حقيقي، وفي الموت رفضاً للظلم والظالمين حياة حقيقة ملؤها السعادة.
نريد بـ (الظاهرة الحسينية) : الحركة الحسينية في المجتمع الاسلامي منذ خروج الحسين(عليه السلام) من المدينة ليلا، لليتين بقيتا من رجب، هو واهل بيته ووصولهم الى مكة في الثالث من شعبان، ثم خروجهم من مكة في اليوم الثامن من ذي الحجة سنة ستين هجرية ثم وصوله الى كربلاء في الليلة الاولى من المحرم سنة احدى وستين هجرية وتنامي قطعات الجيش الاموي خلال الليالي العشر الى ثلاثين الف او يزيدون ...
الأخلاق هي قاعدة الدين وهدف البعثة المهدية، (إنما بعثت لأتم مكارم الأخلاق)، وهي ركيزة النهضة الحسينية وصبغتها، التي أطرت كل مسيرتها، إن النهضة الحسينية جسدت الأخلاق السامية في سلوك القائد، والأدب الرفيع في سلوك الأتباع والأنصار فشكلت أكبر مدرسة واقعية للأخلاق الإنسانية والأدب البشري.
تأتي عاشوراء الحسين وكربلاء زينب لتوقظ المرأة من سباتها وتقلها من غفلتها وتنشلها من التيه الذي قطف عقلها ورؤيتها وبصيرتها . وتأتي زينب عليها السلام لتكشف سوء الممثلة وقبح المغنية وسفالة العارضة ورذالة الراقصة ومن ثم ترمي بها في قاع المزبلة التي تقتات فيها الحشرات وتتوالد فيها الميكروبات .
يشهد المجتمع الشيعي أيام العشرة الأولى ولياليها بشكل خاص من شهر المحرم في كل سنة حركة غير اعتيادية من النشاط العاطفي والفكري تتمثل بإقامة آلاف المآتم على الحسين (عليه السلام) ، بل مئات الآلاف . وقد ارتبط الشيعة مصيريا بهذه المآتم فاصبحت من أهم معالم وجودهم الاجتماعي منذ فجر تأريخهم ، وقد تحملوا من أجل المحافظة عليها شتى ألوان الاضطهاد .
وخرج الحسين من أجل كسر طوق الطغيان والهام المجتمع إرادة رفض الظلم والثورة عليه وتحقيق الحرية الإنسانية لكل البشرية " يا شيعة آل سفيان إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرار في دنياكم ". هذه الكلمة الحسينية انطلقت تدوي في سماء الزمن ، وأعماق المكان ، وضمير كل إنسان لرفض كل سلطة طاغية ؛ بأي ثوب تلبست بثوب السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة أو الدين أو العائلة أو الاجتماع . واستجاب الحر الذي كان من شيعة آل سفيان لهذا النداء الذي هز ضميره ، وأثار عقله ، وأخرجه من غفلته ، وبراثن الظلم والظالمين ، ويقول لبيك :يا حسين وما هي إلا لحظات ويضرج بدم الحرية فداءاً للحسين ونهجه ، ويحرج من ربق العبودية للظالمين ، ويحقق حقيقة الحرية كما وصفه الحسين " أنت حر كما سمتك أمك حراً ".
لقد أراد بعضهم أن يحمل الشيعة مسؤولية قتل الإمام الحسين ، محتجاً بكلمات خاطب بها الإمام القوم المجتمعين على قتله في كربلاء ، الذين كانوا أخلاطاً من الناس استنفرهم عبيد الله بن زياد والي يزيد بن معاوية على الكوفة والبصرة لمحاربة الحسين عليه السلام . ومن البديهي عند الباحثين أن تحميل الشيعة هذه المسؤولية لم يصدر من أي من المؤرخين السابقين الذين دوَّنوا الأحداث التاريخية الواقعة في تلك الفترة ، مع كثرة أعداء الشيعة وشدة معاداة الدولتين الأموية والعباسية للشيعة الذين ما فتئوا في القيام بالثورات في أنحاء مختلفة من الدولة الإسلامية المترامية الأطراف . على أن الباحث في حوادث كربلاء وما تمخضت عنه من قتل الحسين عليه السلام يدرك أن قتلة الحسين عليه السلام لم يكونوا من الشيعة ، بل ليس فيهم شيعي واحد معروف .
كثير من المسائل الفقهية المهمة التي اختلفت فيها آراء أساطين العلماء قديماً وحديثاً ، وكثر فيها الأخذ والرد ، والنقض والإبرام ، وربما ألفت فيها رسائل وكتب ، إلا أن أكثر تلك المسائل لا يكون في طرحها بين العلماء ولا عند العوام أي حذر أو محذور ، وقد لا يتردد الفقيه في طرح رأيه المخالف لما هو المشهور عند علماء الإمامية ، مع أن بعض تلكم المسائل ربما يرتبط بأمور مهمة ، تمس الدماء ، والفروج ، والأعراض ، والأموال . إلا أن بعض المسائل الفقهية أخذت أبعاداً أخرى ، فصار من يطرح رأيه فيها عرضة للطعن والنقد ، أو عرضة لما هو أكثر من ذلك .
في كل عام يحيي المؤمنون مآتم سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام في جميع أرجاء العالم ، ويبذلون الجهود المضنية ليلاً ونهاراً من أجل إقامتها بالصورة التي تتحقق بها الفائدة المرجوة منها ، وينفقون الأموال الطائلة في سبيلها ، ويداومون على الحضور فيها ، جزى الله الجميع خير جزاء العاملين المحسنين ، وأدام الله علينا هذه النعمة العظيمة ونحن في أتم خير وعافية . وخطباء المنبر الحسيني قاموا بمهمتهم خير قيام ، وبذلوا جهدهم وطاقتهم ، كثر الله من أمثالهم ، ووفقهم لما يحبه ويرضاه .
من لا يعرف ان السيدة زينب بنت علي وفاطمة هي شقيقة الامام الحسين ( عليهم جميعا صلوات الله ) ؟ بلى ولكن حين يجعل هذا التعبير عنوانا لكتاب فإن له معنى أعمق : فالسيدة زينب كانت الجزء المكمل لمسيرة السبط الشهيد وإذا كانت واقعة الطف من اقدار الله سبحانه فإن من تقديره الحكيم ان يكتمل الجزء الثاني والهام من المسيرة على يد من تكون شخصيتها مثيلة لشخصية اخيها الحسين تماما ، لا في الجوانب المادية فقط ، وانما في كافة الجوانب .