شكلت ثورة الإمام الحسين انعطافة كبيرة في تاريخ ومسيرة الأمة، ونهضة في العقول والأفكار، وصدمة في النفوس والقلوب، ولذلك لم يقتصر أثرها على اللحظة التاريخية التي وقعت فيها؛ بل امتد تأثيرها إلى كل العصور والأزمان, يستلهم منها الأحرار في العالم مفاهيم العدالة والحرية والحق والخير.
قد كثرت التساؤلات في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد الانفتاح العلمي والتواصل الفكري عبر المواقع الإلكترونية؛ وما ذلك إلّا لأنّ أذهان بعض مَن تطلَّع إلى هذا اللفظ تصور أنّه تعبير أدبي بُولِغ فيه للتعبير عن حصول الثواب لمَن يقيم المآتم على سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
مِن عُلمائنا مَنْ لا يفرِّق بين (الشَّعائر) و(المراسيم) فالمضمون واحد، فكلُّ ما يشكِّل إحياءً لذكرى عاشوراء، ويملك الشَّرعيَّة فهو (شعائر عاشورائيَّة) وهو (مراسيم عاشورائيَّة). والرَّأي الآخر: يُفرِّق بين مصطلح (الشَّعائر العاشورائيَّة) ومصطلح (المراسيم العاشورائيَّة).
في تاريخ المجتمعات البشرية هناك أحداث متميّزة بعمق تأثيراتها، وسعة انعكاساتها على رقعة الزمان والمكان، وفي تاريخنا الإسلامي تبرز نهضة الإمام الحسين ، وشهادته في كربلاء، سنة 61هـ، كحدث فريد متميّز، لا يزال الاحتفاء به والتفاعل معه يتجدّد في محيط بشري واسع كلّ عام، بأعلى درجات التفاعل، رغم مرور أربعة عشر قرنًا على وقوعه، ويتجلّى التفاعل الأبرز في أيام ذكرى هذا الحدث، في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام، مطلع كلّ عام هجري.
ثمة دروس أساسية تطلقها ثورة الإمام الحسين عبر الأجيال والتاريخ. ولعل من أهم هذه الدروس، هو ضرورة العمل على صيانة الكرامة الإنسانية، ورفض كل محاولات امتهانها ومسخها. فعاشوراء الحسين ، تربطنا ارتباطا جوهريا بقيمة الكرامة. وتعلمنا أن الإنسان أو المجتمع الذي تمتهن كرامته وتهدر حقوقه الإنسانية، عليه العمل والسعي لإزالة الذل وصيانة الكرامة الإنسانية والمحافظة على حقوق الإنسان.
ثورة الإمام الحسين (عليه السّلام) هي من أهم الثورات التي شغلت فكر الإنسانية ، وأخذت مجالا كبيراً من التاريخ الإسلامي لأنّها حدث غير عادي ومهم جدّاً. فكان لا بدّ للمؤرّخ مهما كانت ميوله ومعتقداته أن يشير إليها بإيجاز أو بإسهاب ، وذلك ـ طبعاً ـ من وجهة نظره الخاصة ، وحسب سعة اطلاعه الفكري وضيقه.
ان قيام الامام الحسين (ع) ونهضته الالهية هي امتداد لرسالة الانبياء، وفي كل فصل من فصول كربلاء درس وعبرة قد استلهمت من تاريخ الرسل والانبياء والمصلحين. وما أشبه قيام سيد الشهداء الامام الحسين عليه الصلاة والسلام برسالة موسى (ع) من عدة وجوه ومن عدة نواحي.
عندما نتأمل في التاريخ الإسلامي بعد واقعة كربلاء الأليمة نجد أن العديد من الثورات ضد الحكم الأموي وبعدها ضد الحكم العباسي قد انطلقت بشعار: يا لثارات الحسين عليه السلام. وبغض النظر عن تقييم تلك الثورات، ينتابني سؤال مهم: هل كان الإمام الحسين عليه السلام ثائراً؟
إنّ إحياء ذكرى عاشوراء هو للعبرة والإتّعاظ وتوضيح الدرس العملي والتطبيق لآيات كتاب الله الآمرة بالثورة على الحاكم الظالم ولو من موقع إسلامه العام، فمجرد كون الحاكم مسلماً لا يمنع من القيام ضدّه لتصحيح مسار الأمور عندما ينحرف بها عن جادة الإستقامة والهداية والعدل والحق، ولذلك نرى القرآن يصرّح بأن من لم يحكم بما أنزل الله فهو الكافر والفاسق والظالم.
حديث الامام الحسين يمتد مع الزمان الى كل عصر وكل مرحلة، ويمتد مع المكان الى كل موقع وكل مصر، لانه حديث الانسان بما له من تحدي وإرادة، وحديث الانسان بما فيه من ضعف وعجز، والانسان بارادته وبايمانه ويقينه يتحدى كل ضعف وعجز في وجوده أو في كيان الآخرين.
أمر الله سبحانه وتعالى في غير موضع من القرآن الكريم بالوحدة والاتحاد والتوحد، ونهى عن التفرق والشقاق والتنازع، كما في قوله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ... ﴾1، فالتمسك بحبل الله المتين -والذي هو دينه وقرآنه وعترة نبيه- يؤدي إلى الوحدة والتوحد؛ وهي مصدر قوة ومنعة وعزة وتوفيق ونجاح، وأما التفرق والتنازع فهي مصدر ضعف وخوار وهوان وفشل.
لا يخفى على الباحث الخبير أنّ الثورة التي قادها الإمام الحسين (عليه السلام) ضدّ الحاكم الجائر "يزيد بن معاوية" مغتصب الخلافة الإسلامية وراثةً عن أبيه كانت ثورة هادفة إلى إصلاح مسيرة الأمة بعد الفساد الذي طرأ عليها، وكانت قمة الإنحراف قد حصلت وتحقّقت من خلال استلام يزيد للخلافة وإدارة شؤون الأمة الإسلامية مع ما هو عليه من مواصفات الكفر والنفاق والزندقة والإنحراف عن الصراط المستقيم.
لقد عزم الإمام الحسين على رفض الصلح بكل مستوياته؛ لأنّ المرحلة التي كان يتحرك فيها، لا تستجيب لأية مصلحة إسلامية في الصلح، خلافاً للمرحلة السابقة التي عاشها مع أخيه الإمام الحسن في حربه مع معاوية، وهذا مما يجعل من مسألة النتائج الخطرة أمراً طبيعياً جداً.
كربلاء ليست مدرسة للبطولة الثورية فقط، وانما هي أيضاً مدرسة لبطولة الانسان حينما يخرج من ذاته، من شح نفسه من حدوده الضيقة ليملأ الدنيا شجاعة وبطولة .. كربلاء مدرسة الوفاء، مدرسة التبتل والضراع، مدرسة الحب والتضحية، مدرسة العلم والتقوى، بالإضافة الى أنها مدرسة الجهاد والاستشهاد.
لقد كان القرآن حاضراً مع الحسين في عاشوراء، فهو لم يرفع السيف في وجه الطغاة والجائرين إلا دفاعاً عن رسالة الله وكتابه. لم يكن الإمام الحسين عليه السلام طالباً لسلطة أو جاه، بل إنما نهض ضد الضلال والإنحراف لإعادة الروح إلى الدين وتذكير الأمة بالقرآن.