الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

مقام الزهراء عليها السلام

روى الزمخشري في الكشاف عند ذكر قصة زكريا ومريم عليهما السلام عن النبي صلى الله عليه واله:  «أَنَّهُ جَاعَ فِي زَمَنِ قَحْطٍ، فَأَهْدَتْ لَهُ فَاطِمَةُ عليها السلام رَغِيفَيْنِ وَبَضْعَةَ لحْمٍ آثَرَتْهُ بِهَا، فَرَجَعَ بِهَا إِلَيْهَا فَقَالَ: هَلُمِّي يَا بُنَيَّةُ، وَكَشَفَتْ عَنِ الطَّبَقِ، فَإِذَا هُوَ مَمْلُوءٌ خُبْزاً وَلَحماً، فَبُهِتَتْ وَعَلِمَتْ أَنَّهَا نَزَلَتْ مِنَ اللهِ، فَقَالَ لَهَا: أَنَّى لَكِ هذا؟ قالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ. فَقَالَ صلى الله عليه واله: الحَمْدُ لِلهِ الَّذِي جَعَلَكِ شَبِيهَةَ سَيِّدَةِ نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه واله عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالحَسَنَ وَالحُسَيْنَ وَجَمِيعَ أَهْلِ بَيْتِهِ عليهم السلام حَتَّى شَبِعُوا، وَبَقِيَ الطَّعَامُ كَمَا هُوَ، وَأَوْسَعَتْ فَاطِمَةُ عَلَى جِيرَانِهَا» 1.
وعن صحيح الترمذي، عن صبيح مولى أم سلمة، وزيد بن أرقم قالا: إنّ رسول الله صلى الله عليه واله قال لعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام: «أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُم» 2.

وعن ابن خالويه في كتاب الآل يرفعه عن الرضا عن آبائه عن علي عليهم السلام، قال رسول الله صلى الله عليه واله: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ: يَا مَعْشَرَ الخَلَائِقِ غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ حَتَّى تَجُوزَ فَاطِمَةُ عليها السلام بِنْتُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه واله» 3.
وفي رواية أخرى:
«يَا أَهْلَ الجَمْعِ! نَكِّسُوا رُؤُوسَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ حَتَّى تَجُوزَ فَاطِمَةُ عليها السلام عَلَى الصِّرَاطِ فَتَمُرُّ وَمَعَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ جَارِيَةٍ مِنَ الحُورِ الْعِين» 4.

وروى البخاري في صحيحه بسنده أن رسول الله صلى الله عليه واله قال: «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي» 5.

وروى هذا المضمون أكثر علماء الحديث من الفريقَين بأسانيد صحيحة ونصوص صريحة، حتى كان البعض يستشهد به بوصفها قضية مفروغاً من صحتها. فهذا أبو الفرج الأصبهاني يحدثنا: أن عبدالله ابن الحسن المثنى ابن الإمام الحسن السبط عليه السلام دخل على عمر بن عبد العزيز وهو (أي عبد الله) حديث السن وله وقار وتمكين، فرفع عمر مجلسه وأكرمه وقضى حوائجه. فَسُئِلَ عمر عن ذلك، فقال: إنَّ الثقة حدثني أن رسول الله صلى الله عليه واله قال: «فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّيْ يَسُرُّنِيْ مَا يَسُرُّهَا، وَيُغْضِبُنِيْ مَا يُغْضِبُهَا».
فعبد الله بضعة من بضعة رسول الله صلى الله عليه واله.
وعن ابن سعد وابن المثنى عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: «يَا فَاطِمَةُ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْضَبُ لِغَضَبِكِ وَيَرْضَى لِرِضَاك».
وروى أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني بسنده عَنْ مَسْرُوقٍ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ المُؤْمِنِيِنَ قَالَتْ: «إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه واله عِنْدَهُ جَمِيعًا لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام تَمْشِي لَا وَاللهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه واله، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ: مَرْحَبًا بِابْنَتِي.
ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ؛ فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ.
فَقُلْتُ لَهَا: أَنَا مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ، خَصَّكِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه واله بِالسِّرِّ مِنْ بَيْنِنَا، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ.
فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه واله سَأَلْتُهَا: عَمَّا سَارَّكِ؟
قَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه واله سِرَّهُ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ قُلْتُ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنْ الْحَقِّ لَمَّا أَخْبَرْتِنِي.
قَالَتْ: أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ. فَأَخْبَرَتْنِي.
قَالَتْ: أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أَرَى الْأَجَلَ إِلَّا قَدْ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي؛ فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ. قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ. فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، قَالَ: يَا فَاطِمَةُ! أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟» 6.
وقد روى علماء الحديث هذا الخبر بأسانيد كثيرة، ونصٍّ واحدٍ، أو مختلف قليلًا.
وفي الاستيعاب بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: «سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ مَرْيَمُ، ثُمَّ فَاطِمَةُ بِنْتِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ خَدِيْجَةُ، ثُمَّ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» 7.
وروي عن الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي عن كلٍّ من البخاري ومسلم والترمذي عن النبي صلى الله عليه واله قال: «كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيْرٌ، وَلَمْ يَكمُلُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بْنَةُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ بْنَةُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَخَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ» 8.

وهذان النصَّان مرويَّان في كتب الحديث بأسانيد كثيرة مستفيضة. وهناك في الأحاديث ما يؤكد أن فاطمة أفضلهن جميعاً. بيد أن مريم سيدة نساء عالَمها، وفاطمة سيدة نساء العالمين جميعاً. ويؤيد ذلك ما روي من قول النبي صلى الله عليه واله لفاطمة: «أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّة»، ولا شك في أن هذه الأمة أفضل من سائر الأمم، فسيدتها أفضل من سائر السيدات أيضاً.
روى الحاكم في المستدرك أنه كان رسول الله صلى الله عليه واله إذا رجع من غزوة أو سفر أتى المسجد فصلَّى ركعتين، ثم ثَنَّى بفاطمة، ثم يأتي أزواجه.
ولكنّ النبي كان إذا أراد سفراً أو غزوةً اختتم وداعه بفاطمة بعد كل أزواجه، كما يرويه لنا الحاكم أيضاً عن ابن عمران أنه قال: «كَانَ إِذَا سَافَرَ كَانَ آخِرَ النَّاسِ عَهْداً بِهِ فَاطِمَةُ» 9.
وهذه الواقعة مأثورة في كتب الحديث بأسانيد مستفيضة.
وفي كتاب الاستيعاب عن عائشة أنها سُئلت عن أحب الناس إلى رسول الله؟ فقالت: فاطمة. فسُئلت: فمن الرجال؟ قالت: زوجها.
وفي الكتاب نفسه بسند مرفوع إلى ابن بريد عن أبيه قال: كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه واله فاطمة ومن الرجال عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
وتقول عائشة في الحديث الذي ذكره الحاكم في المستدرك عن جميع بن عمير، تقول بعدما سألت عن علي: تسألينني عن رجل والله ما أعلم رجلًا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه واله من عليّ، ولا في الأرض امرأة كانت أحب إلى رسول الله صلى الله عليه واله من امرأته.
وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن النبي صلى الله عليه واله قوله: «فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّة» 10.

  • 1. الكشاف، الزمخشري، ج 1، ص 358.
  • 2. ذخائر العقبى، أحمد بن عبدالله الطبري، ص 25.
  • 3. بحار الأنوار، ج 43، ص 52- 53.
  • 4. بحار الأنوار، ج 43، ص 53.
  • 5. صحيح البخاري، ج 4، ص 210.
  • 6. صحيح البخاري، ج 7، ص 141.
  • 7. الاستيعاب، ابن عبدالبر، ج 4، ص 1823.
  • 8. الفصول المهمة، لابن الصباغ، ج 1، ص 659.
  • 9. المستدرك على الصحيحين، الحاكم، ج 3، ص 169.
  • 10. المصدر: كتاب فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) قدوة وأسوة ، لآية الله السيد محمد تقي المدرسي دامت بركاته.