مجموع الأصوات: 51
نشر قبل 5 سنوات
القراءات: 5402

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

اولوية احترام الناس

للدين مهمتان رئيسيتان في حياة الانسان:

الأولى: تنظيم علاقة الانسان مع ربه، بأن يتعرف على خالقه، ويؤمن به وبوحدانيته، ويلتزم بعبادته والخضوع له.  ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ... 1.

الثانية: تنظيم علاقة الانسان مع أبناء جنسه، بحيث تكون قائمة على العدل، والاحترام المتبادل للحقوق  ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ... 2.
فعلاقة الانسان مع الناس قضية جوهرية من صميم الدين، وهي ليست متروكة لمزاج الانسان واهوائه، فلست حراً في ان تتعامل مع الآخرين كما تحب وتشاء، بل انت مقيد بضوابط شرعية تلزمك بمراعاة حقوق الآخرين، واحترام مصالحهم المادية والمعنوية.
واذا آمن الانسان بربه والتزم بأداء الواجبات العبادية لله من صلاة وصوم وحج وما شابه، فإن ذلك لا يحقق له حالة التدين، ولا يوفر فيه مصداقية العبودية لله تعالى، ما لم يقترن بحسن علاقته مع الناس، وأدائه لحقوقهم.
فكما أمرك الله تعالى بالصلاة والصيام وسائر العبادات، امرك ايضاً بالعدل والاحسان، والتعامل الصحيح مع المحيط الاجتماعي، ولا يصح لك ان تأخذ بجزء وتترك الجزء الآخر.
 ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ 3.
ثم أن الإيمان بالله، وأداء الشعائر والعبادات، ثمرتهما ونتيجتهما يجب ان تظهر وتنعكس على سلوك الانسان وتعامله مع الناس، والاّ فما جدوى ذلك الإيمان الذي لا يردع عن الظلم؟ وما قيمة تلك العبادة التي لا تدفع إلى الخير؟

الإساءة إلى الغير ظلم عظيم

في رؤية الدين لا شيء أسوأ من ان يعتدي الانسان على حقوق الآخرين، او يسيء اليهم مادياً أو معنوياً، ان الله تعالى قد يغفر للانسان اذا ما قصّر أو أخطأ تجاه خالقه شرط التوحيد  ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ... 4. ولكنه تعالى لا يتساهل ولا يغفر للإنسان تقصيره وخطأه تجاه الآخرين.
ويصنّف أمير المؤمنين  أنواع الظلم إلى ثلاثة أصناف ويعتبر أن ظلم الناس هو الظلم الأخطر بعد الشرك بالله تعالى يقول :
«ألا وإن الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفر، وظلم لا يترك، وظلم مغفور لا يطلب، فاما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله.. وأما الظلم الذي يغفر، فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات، واما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص هناك شديد».
ان ايذاء أي انسان بجرح مشاعره أو اهانة كرامته، أو تشويه سمعته، يعتبر ظلماً لا يترك، بل يحاسب عليه الانسان يوم القيامة حساباً عسيرا.
كان سعــد بن معاذ صحابياً جليلاً مجاهداً في سبيل الله حتى اصيب بجرح خطير في المعركة واستشهد بعد فترة من المعاناة والالم، وقد شهد الرسول  في حقه حين عاده في مرضه قائلاً:
«اللهم ان سعداً قد جاهد في سبيلك، وصدق رسولك، وقضى الذي عليه، فتقّبل روحه بخير ما تقبلت به روحاً» وعند وفاته شارك الرسول في تشييعه ودفنه، ومع هذه المكانة والمنزلة الا أنه اصابته ضمّة - أي عصرة في قبره -. فلنكن حذرين جداً في تعاملنا مع الآخرين، وحتى عوائلنا وابنائنا، فاننا محاسبون امام الله تعالى عن تصرفاتنا مع الناس، ولن تغني عنا صلاتنا ولا عباداتنا اذا ما قصرنا او تجاوزنا على حقوق الآخرين المادية أو المعنوية.

ممارسات خاطئة

يبالغ بعض المتدينين في ادائهم لبعض الشعائر والاعمال العبادية، بطريقة تسبب ايذاءً ومزاحمة للأخرين، ويتصورون انهم بتلك المبالغة ينالون الاجر والثواب من الله تعالى، وفي الحقيقة إنهم يحمّلون انفسهم الوزر والاثم من حيث يشعرون أو لا يشعرون.
فمثلاً: ما يحدث في الحج من محاولة بعض الحجيج الاقتراب من الكعبة في الطواف او استلام الحجر الاسود، بطريقة المغالبة والمزاحمة، مما يؤدي الى الاضرار بالنفس وبالآخرين، وايذاء الغير حرام بينما تقبيل الحجر الاسود مستحب وكذلك الاقتراب من الكعبة، وهل يصح اداء المستحب بارتكاب المحّرم؟
وقد نجد بعض الناس يحرصون على ان يكونوا في الصفوف الاولى لصلاة الجماعة، وذلك مستحب بلا ريب، وفيه اجر كبير لكنه اذا استلزم ايذاء الآخرين ومدافعتهم، وجرح مشاعرهم، فانه يتحول الى سبب للاثم والوزر.
وضمن هذا السياق ما تعارف عليه البعض من رفع صوت المكبرات والسّماعات (الميكرفونات) اثناء تلاوة القرآن، أو قراءة الادعية، ومجالس العزاء، في اوقات راحة الناس المجاورين للمسجد أو الحسينية أو المنزل مع عدم الحاجة الى ذلك فالمستمعون عدد محدود داخل المكان، وصوت المكبّرة يخترق المسافات، مما يزاحم راحة المجاورين، وقد يكون فيها مرضى أو اطفال أوما اشبه، أو أن صوت المكبّرة يزاحم مجلساً آخر ومسجداً آخر، فتتعارض الاصوات وتتداخل مما يعطي انطباعاً سلبياً عن الحالة الدينية، واغلب المساجد في بلادنا يستخدمون مكبّرة الصوت اثناء صلاة الجماعة، وبشكل مزعج، رغم تحذير وزارة الاوقاف من ذلك.

ان مثل هذه الممارسات خطأ، يكسب اصحابها الاثم، لانه لا يطاع الله من حيث يعصى، ولا يرضى الله تعالى بايذاء الآخرين وازعاجهم.

بين حقوق الله وحقوق الناس

يهتم الإنسان المسلم بالتزاماته العبادية مع الله كالصلاة والصوم والحج... ويحرص على تأديتها حسب الأحكام الشرعية، متقرباً بذلك إلى الله تعالى. وما ينبغي التأكيد عليه هو أن احترام مشاعر الناس، ورعاية حقوقهم المعنوية، لا يقل أهمية عند الله تعالى من تلك العبادات والشعائر الدينية، بل يظهر من بعض النصوص والأحكام أولوية حقوق الناس. كما ورد عن الإمام علي : «جعل الله سبحانه حقوق عباده مقدمة على حقوقه، فمن قام بحقوق عباد الله كان ذلك مؤدياً إلى القيام بحقوق الله».
ونذكر بعض الموارد التي يتبين منها موقعية احترام مشاعر الناس في الإطار العبادي.
1- إن المبادرة للصلاة إذا حان وقتها أمر مطلوب من الناحية الشرعية وإذا أقيمت الصلاة للجماعة تكون أكثر تأكيداً، ورسول الله  هو الأحرص على هذه الإلتزامات الشرعية، لكن الرواية الواردة عن أنس رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة ورجل يناجي رسول الله  فما زال يناجيه حتى نام أصحابه، ثم قام فصلى.
2- ويصلي رسول الله  بالمسلمين جماعة، فيطيل في سجوده أكثر من المعهود فيسأله القوم بعد الصلاة: يا رسول الله لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها، كأنما يوحي إليك. فقال :« لم يوح إليّ، ولكن ابني - الحسن بن علي - كان على كتفي فكرهت أن أعجله حتى نزل».
3- ويسمع رسول الله  بكاء طفل وهو يصلي بأصحابه جماعة، فيخفف صلاته رحمة بذلك الطفل، ورعاية لعواطف أمه. روى أبو قتادة عن النبي  قولـه: «إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوّل فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوّز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه».
وفي رواية عنه : «فأتجوّز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه».
وعن أنس بن مالك: وإن كان  ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخاف أن تفتن أمه.
4- وللصوم المستحب فضل عظيم وأجر كبير، لكنك إذا دعيت للطعام من قبل أحد اخوانك المسلمين، فإن استجابتك له أرجح عند الله تعالى من اكمال الصيام.
إن هذه الأحكام والتوجيهات الدينية تريد تربية الإنسان المسلم على احترام مشاعر الآخرين، وحفظ كرامتهم ومكانتهم، وأن ذلك مورد لرضى الله سبحانه، ومخالفته توجب سخطه، والمتدين الذي يهتم بضبط أحكام وضوئه وصلاته، عليه أن يكون أكثر اهتماماً بضبط أسلوب تعامله وعلاقته مع الناس. فقد قيل لرسول الله : إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وتؤذي جيرانها. فقال : «هي في النار». 5