حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
آية الولاية
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين .
قال الله تعالى : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 1 .
هذه الآية المباركة تسمّى في الكتب بـ «آية الولاية» ، استدلّ بها الإمامية على إمامة أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وكما ذكرنا من قبل ، لابدّ من الرجوع إلى السنّة لتعيين مَن نزلت فيه الآية المباركة ، وبعبارة أُخرى لمعرفة شأن نزول الآية .
ثمّ بعد معرفة شأن نزول الآية المباركة ، لابدّ من بيان وجه الاستدلال بها على إمامة أمير المؤمنين ، ثمّ يأتي دور الإشكالات والاعتراضات والمناقشات التي نجدها في كتب الكلام والعقائد من قبل علماء السنّة في الاستدلال .
فالبحث إذن يكون في جهات :
الجهة الاُولى
في شأن نزول هذه الآية المباركة
أجمعت الطائفة الإماميّة ، ورواياتهم بهذا الأمر متواترة ، بأنّ الآية المباركة نزلت عندما تصدّق أمير المؤمنين سلام الله عليه بخاتمه على السائل ، وهو في أثناء الصلاة وفي حال الركوع . فالأمر مفروغ منه من جهة الشيعة الاماميّة .
إلاّ أنّ هذا المقدار لا يكفي للاستدلال على الطرف المقابل ، كما ذكرنا من قبل ، فله أن يطالب برواة هذا الخبر من أهل السنّة ، من المحدّثين والمفسّرين ، وله أيضاً أن يطالب بصحّة سند هذا الخبر في كتب السنّة ، ليكون حجّة عليه .
ونحن على طبق هذه القاعدة المقرّرة في أُصول البحث والمناظرة ، نذكر في الجهة الاُولى أسماء بعض من روى هذه القضيّة ، ونزول هذه الآية المباركة في أمير المؤمنين ، في خصوص تصدّقه في حال الركوع بخاتمه على الفقير ، على السائل ، لتتمّ الحجّة حينئذ على من يرى حجيّة كتبه ، على من يرى اعتبار رواياته ، على من يلتزم بلوازم مذهبه ، فحينئذ تتمّ الجهة الاُولى ، ويتعيّن مَن نزلت فيه الآية المباركة ، ويكون الخبر متّفقاً عليه بين الطرفين ، ومقبولاً بين الخصمين أو المتخاصمين .
قول المفسرين
- يعترف القاضي الإيجي في كتابه المواقف في علم الكلام وهو من أهم متون أهل السنّة في علم الكلام وأصول الدين ، فالقاضي الايجي المتوفّى سنة 756 هـ يعترف بإجماع المفسّرين على نزول الآية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة المتعلّقة بأمير المؤمنين (عليه السلام) 2 .
- وأيضاً يعترف بهذا الاجماع : الشريف الجرجاني المتوفّى سنة 816 هـ ، في كتابه شرح المواقف في علم الكلام ، وهذا الكتاب متناً وشرحاً مطبوع وموجود الان بين أيدينا 3.
- وممّن يعترف بإجماع المفسّرين على نزول الآية المباركة في شأن علي (عليه السلام) : سعد الدين التفتازاني المتوفّى سنة 793 هـ ، في كتابه شرح المقاصد 4 ، وشرح المقاصد أيضاً من أهم كتب القوم في علم الكلام ، ومن شاء فليرجع إلى كتاب كشف الظنون ليجد أهميّة هذا الكتاب بين القوم ، وفي أوساطهم العلميّة ، حيث كان هذا الكتاب من جملة كتبهم التي يتدارسونها في حوزاتهم العلميّة ، لذلك كثر منهم الشرح والتعليق على هذا الكتاب .
- وممّن يعترف بإجماع المفسّرين من أهل السنّة على نزول الآية المباركة في أمير المؤمنين ، في هذه القضيّة الخاصّة : علاء الدين القوشجي السمرقندي في كتابه شرح التجريد ، وهذا الكتاب أيضاً مطبوع وموجود بين أيدينا 5 .
فعلماء الكلام الذين يبحثون عن أدلة الإمامة ، وعمّا يقول الطرفان في مقام الاستدلال ، وعمّا يحتجّ به كلّ من الطرفين على مدّعاه ، يقولون بنزول الآية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة .
إذن ، فالمفسّرون من أهل السنّة مجمعون على نزول الآية المباركة في هذه القضيّة ، والمعترِف بهذا الإجماع كبار علماء القوم في علم الكلام ، الذين يرجع إليهم ويعتمد على أقوالهم ويستند إلى كتبهم .
قول المحدثين
فقد رأيت من رواة هذا الحديث في كتبهم :
- الحافظ عبد الرزّاق الصنعاني ، صاحب كتاب المصنّف ، وهو شيخ البخاري صاحب الصحيح .
- الحافظ عبد بن حميد ، صاحب كتاب المسند .
- الحافظ رزين بن معاوية العبدري الاندلسي ، صاحب الجمع بين الصحاح الستّة .
- الحافظ النسائي ، صاحب الصحيح ، روى هذا الحديث في صحيحه .
- الحافظ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، صاحب التاريخ المعروف والتفسير المعروف المشهور .
- ابن أبي حاتم الحافظ الرازي المحدّث المفسّر المشهور ، الذي يعتقد ابن تيميّة في منهاج السنّة بأنّ تفسير ابن أبي حاتم خال من الموضوعات .
- الحافظ أبو الشيخ الإصفهاني .
- الحافظ ابن عساكر الدمشقي .
- الحافظ أبو بكر ابن مردويه الإصفهاني .
- الحافظ أبو القاسم الطبراني .
- الحافظ الخطيب البغدادي .
- الحافظ أبو بكر الهيثمي .
- الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي .
- الحافظ المحبّ الطبري شيخ الحرم المكّي .
- الحافظ جلال الدين السيوطي ، المجدّد في القرن العاشر عند أهل السنّة .
- الحافظ الشيخ علي المتّقي الهندي ، صاحب كتاب كنز العمّال .
هؤلاء جماعة من أعلام الائمّة في القرون المختلفة ، يروون هذا الحديث في كتبهم .
يقول الآلوسي صاحب التفسير المسمّى بروح المعاني : غالب الاخباريين على أنّ هذه الآية نزلت في علي كرّم الله وجهه 6 .
فالقضيّة بين المفسّرين مجمع عليها ، وغالب المحدّثين والاخباريين ينصّون على هذا ، ويقولون بنزول الآية في علي ويروون هذا الحديث . وذكرت لكم أسماء جماعة من أعلامهم ، منذ زمن البخاري إلى القرن الحادي عشر .
ولو أنّك تراجع تفسير ابن كثير في ذيل هذه الآية المباركة 7 ، تجده يعترف بصحّة بعض أسانيد هذه الأخبار ، واعتراف ابن كثير بصحّة بعض هذه الأسانيد يمكن أن يكون لنا حجة على الخصوم ، لانّ اعتراف مثل ابن كثير بصحّة هذه الروايات ، وهو ممّن لا نرتضيه نحن ونراه رجلاً متعصّباً في تفسيره وتاريخه ، هذا الاعتراف له قيمته العلميّة .
وأنا شخصيّاً راجعت عدّة من أسانيد هذه الرواية ، ولاحظت كلمات علماء الجرح والتعديل من كبار علمائهم في رجال هذه الروايات والأسانيد ، ورأيت تلك الأسانيد صحيحة على ضوء كلمات علمائهم .
منها هذا الحديث الذي أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 8 ، فإنّه يرويه عن أبي سعيد الاشج ، عن الفضل بن دكين ، عن موسى بن قيس الحضرمي ، عن سلمة بن كهيل قال : تصدّق علي بخاتمه وهو راكع فنزلت الآية : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ... ﴾ 1 إلى آخرها .
فإذن ، هذا الخبر مجمع عليه بين المفسّرين ، وعليه غالب المحدّثين باعتراف الآلوسي ، وذكرت لكم أسامي عدّة من رواته من الأعلام ، وذكرت لكم اعتراف ابن كثير بصحّة بعض أسانيده ، كما أنّي شخصيّاً حقّقت بعض الأسانيد على ضوء كلمات علمائهم وصحّحتها على طبق قواعدهم .
وقد اشتهر هذا الخبر وثبت ، بحيث يروى أنّ حسّان بن ثابت الشاعر الأنصاري الصحابي المعروف ، قد نظم هذه المنقبة وهذه القضيّة في شعر له ، ـ ومن الناقلين لهذا الشعر هو الآلوسي البغدادي صاحب روح المعاني 6 ـ يقول في شعر له :
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً *** زكاةً فدتك النفس يا خيرَ راكعِ
فأنـزل فيـك الله خيـرَ ولايـة *** وأثـبتـها أثـنى كتاب الشرايع
إذن ، هذه القضيّة لا يمكن المناقشة في سندها بشكل من الأشكال ، ولا مجال لان تكذّب هذه القضيّة . أو تضعّف روايات هذه القضيّة .
مع ابن تيمية
وإذا بلغ الأمر إلى هذه المرحلة ، فلا بأس لو أقرأ لكم عبارة ابن تيميّة حول هذا الحديث وهذا الاستدلال ، نصّ عبارته هكذا ، يقول هذا الرجل :
قد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى أنّ هذه الآية نزلت في علي لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة ، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل ، وكذبه بيّن .
ويضيف هذا الرجل : وأجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في علي بخصوصه ، وأنّ عليّاً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة ، وأجمع أهل العلم بالحديث على أنّ القصّة المروية في ذلك من الكذب الموضوع ، وأنّ جمهور الاُمّة لم تسمع هذا الخبر 9 .
فليسمع المقلّدون لابن تيميّة في بحوثهم العلميّة ، ولينتبه أُولئك الذين يأخذون من مثل هذا الرجل عقائدهم وأحكامهم وسننهم وآدابهم .
فالقاضي الايجي والشريف الجرجاني وكبار علماء الكلام ـ وهذه كتبهم موجودة ـ ينصّون على إجماع المفسّرين بنزول الآية المباركة في علي في القصّة الخاصّة هذه ، ويقول هذا الرجل : إنّ بعض الكذّابين قد وضع هذا الخبر المفترى ، وعلي لم يتصدّق بخاتمه ، وأجمع أهل العلم في الحديث !!
أتصوّر أنّه يقصد من أهل العلم حيث يدّعي الإجماع يقصد نفسه فقط أو مع بعض الملتفّين حوله ، فإذا رأى نفسه هذا الرأي ، ورأى اثنين أو ثلاثة من الأشخاص يقولون برأيه ، فيدّعي إجماع أهل الحديث وأهل النقل وإجماع الاُمّة كلّهم على ما يراه هو ، وكأنّ الإجماع في كيسه ، متى ما أراد أن يخرجه من كيسه أخرجه وصرفه إلى الناس ، وعلى الناس أن يقبلوا منه ما يدّعي .
وعلى كلّ حال ، فهذه القضيّة واردة في كتبهم وكتبنا ، في تفاسيرهم وتفاسيرنا ، في كتبهم في الحديث وكتبنا .
مثلاً : لو أنّكم تراجعون من التفاسير : تفسير الثعلبي وهو مخطوط ، تفسير الطبري ،وأسباب النزول للواحدي ، وتفسير الفخر الرازي ، وتفسير البغوي ، وتفسير النسفي ، وتفسير القرطبي ، وتفسير أبي السعود ، وتفسير الشوكاني ، وتفسير ابن كثير ، وتفسير الآلوسي ، والدر المنثور للسيوطي .
لرأيتم كلّهم ينقلون هذا الخبر ، بعضهم يروي بالسند ، وبعضهم يرسل الخبر 10 ، وكأنّ هؤلاء كلّهم ليسوا من هذه الاُمّة .
وعلى كلّ حال ، فالقضيّة لا تقبل أيّ شك وأيّ مناقشة من جهة السند ، ومن ناحية شأن النزول ، وحينئذ ينتهي بحثنا عن الجهة الاُولى ، أي جهة شأن نزول الآية المباركة وقضيّة أمير المؤمنين وتصدّقه بخاتمه وهو راكع.
الجهة الثانية
وجه الاستدلال بالآية المباركة على الإمامة
وجه الاستدلال يتوقّف على بيان مفردات الآية المباركة ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 1 .
فكلمة (إنّما) تدلّ على الحصر ، لم ينكر أحد منهم دلالة إنّما على الحصر .
(وليّكم) هذه الولاية بأيّ معنى ؟ سنبحث عن معنى الولاية في حديث الغدير بالتفصيل ، وأيضاً في حديث الولاية ، عندنا آية الولاية وهي هذه الآية التي هي موضوع بحثنا في هذه الليلة ، وعندنا حديث الولاية وهو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «علي منّي وأنا من علي وهو وليّكم من بعدي» ، فكلمة «الولاية» موجودة في هذه الآية المباركة بعنوان «وليّكم» ، وأيضاً في ذلك الحديث بعنوان «وليّكم» .
معنى الولاية
الولاية :
مشترك ، إمّا مشترك معنوي ، وإمّا مشترك لفظي ، نحن نعتقد بالدرجة الاُولى أن تكون الولاية مشتركاً معنويّاً ، فمعنى الولاية إذا قيل : فلان وليّ فلان ، أي فلان هو القائم بأمر فلان ، فلان ولي هذه الصغيرة ، أي القائم بشؤون هذه الصغيرة ، فلان وليّ الأمر أي القائم بشؤون هذا الأمر ، ولذا يقال للسلطان ولي ، هذا المعنى هو واقع معنى الولاية .
ونجد هذا المعنى في كلّ مورد ذكر مورداً للولاية مثلاً : الصديق وليّ ، الجار وليّ ، الحليف وليّ ، الأب وليّ ، الله وليّ ، ورسوله وليّ ، وهكذا في الموارد الاُخرى من الأولياء .
هذا المعنى موجود في جميع هذه الموارد ، وهو القيام بالأمر ، هذا هو معنى الولاية على ضوء كلمات علماء اللغة ، فلو تراجعون كتب اللغة تجدون أنّ هذه الكلمة يذكرون لها هذا المعنى الأساسي ، وهذا المعنى موجود في جميع تلك الموارد المتعددة مثلاً : الجار له الولاية أي الجار له الاولويّة في أن يقوم بأمور جاره ، يعني لو أنّ مشكلة حدثت لشخص فأقرب الناس في مساعدته في تلك المشكلة والقيام بشؤون هذا الشخص يكون جاره ، هذا حقّ الجوار ، مثلاً الحليف كذلك ، مثلاً الناصر أو الأخ ، هذه كلّها ولايات ، لكن المعنى الوحداني الموجود في جميع هذه الموارد هو القيام بالأمر .
هذا بناء على أن تكون الولاية مشتركاً معنويّاً .
وأمّا إذا جعلنا الولاية مشتركاً لفظيّاً ، فمعنى ذلك أن يكون هناك مصاديق متعدّدة ومعاني متعدّدة للّفظ الواحد ، مثل كلمة العين ، كلمة العين مشترك لفظي ، ويشترك في هذا : العين الجارية ، والعين الباصرة ، وعين الشمس ، وغير ذلك كما قرأتم في الكتب الاُصوليّة .
فالاشتراك ينقسم إلى اشتراك معنوي واشتراك لفظي ، في الدرجة الاُولى نستظهر أن تكون الولاية مشتركاً معنويّاً ، وعلى فرض كون المراد من الولاية المعنى المشترك بالاشتراك اللفظي ، فيكون من معاني لفظ الولاية : الأحقية بالأمر ، الاولويّة بالأمر ، فهذا يكون من جملة معاني لفظ الولاية ، وحينئذ لتعيين هذا المعنى نحتاج إلى قرينة معيّنة ، كسائر الألفاظ المشتركة بالاشتراك اللفظي .
وحينئذ لو رجعنا إلى القرائن الموجودة في مثل هذا المورد ، لرأينا أنّ القرائن الحاليّة والقرائن اللفظيّة ، وبعبارة أُخرى القرائن المقاميّة والقرائن اللفظيّة كلّها تدلّ على أنّ المراد من الولاية في هذه الآية المعنى الذي تقصده الإمامية ، وهو الاولويّة والأحقية بالأمر .
ومن جملة القرائن اللفظيّة نفس الروايات الواردة في هذا المورد .
يقول الفضل ابن روزبهان في ردّه 11 على العلاّمة الحلّي رحمة الله عليه : إنّ القرائن تدلّ على أنّ المراد من الولاية هنا النصرة ، فـ ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ... ﴾ 1 ، أي إنّما ناصركم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة إلى آخر الآية المباركة .
فابن روزبهان يجعل الولاية بمعنى النصرة ، والنصرة أحد معاني لفظ الولاية كما في الكتب اللغويّة ، لكن الروايات أنفسها ونفس الروايات الواردة في القضيّة تنفي أن يكون المراد من الولاية هنا النصرة .
مثلاً هذه الرواية ـ وهي موجودة في تفسير الفخر الرازي ، موجودة في تفسير الثعلبي ، موجودة في كتب أُخرى 12 ـ : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا علم بأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه للسائل ، تضرّع إلى الله وقال : «اللهمّ إنّ أخي موسى سألك قال : ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ﴾ 13 فأوحيت إليه : ﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ ﴾ 14 ، اللهمّ وإنّي عبدك ونبيّك فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً أُشدد به ظهري . . .» قال أبو ذر : فوالله ما استتمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الكلمة حتّى هبط عليه الأمين جبرائيل بهذه الآية : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ... ﴾ 1 إلى آخر الآية .
فهل يعقل وهل يرتضي عاقل فاهم له أدنى إلمام بالقضايا ، وباللغة ، وبأُسلوب القرآن ، وبالقضايا الواردة عن رسول الله ، هل يعقل حمل الولاية في هذه الآية مع هذه القرائن على النصرة ؟ بأن يكون رسول الله يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يعلن إلى الملا ، إلى الناس ، بأنّ عليّاً ناصركم ، فيتضرّع رسول الله بهذا التضرّع إلى الله سبحانه وتعالى في هذا المورد ، فيطلب من الله نزول آية تفيد بأنّ عليّاً ناصر المؤمنين ؟ وهل كان من شك في كون عليّاً ناصراً للمؤمنين حتّى يتضرّع رسول الله في مثل هذا المورد ، مع هذه القرائن ، وبهذا الشكل من التضرّع إلى الله سبحانه وتعالى ، وقبل أن يستتمّ رسول الله كلامه تنزل الآية من قبل الله ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ... ﴾ 1 أي إنّما ناصركم الله ورسوله والذين آمنوا إلى آخر الآية ؟ هل يعقل أن يكون المراد من (وليّكم) أي ناصركم في هذه الآية مع هذه القرائن ؟
إذن ، لو أصبحت «الولاية» مشتركاً لفظيّاً ، وكنّا نحتاج إلى القرائن المعيّنة للمعنى المراد ، فالقرائن الحاليّة والقرائن اللفظيّة كلّها تعيّن المعنى ، وتكون كلمة «الولاية» بمعنى : الاولويّة ، فالاولويّة الثابتة لله وللرسول ثابتة للذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون .
إذن ، عرفنا معنى «إنّما» ومعنى «الولاية» في هذه الآية .
ثمّ الواو في ﴿ ... وَالَّذِينَ آمَنُوا ... ﴾ 1 هذه الواو عاطفة ، وأمّا الواو التي تأتي قبل ﴿ ... وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 1 هذه الواو الحاليّة ـ وهم راكعون ـ أي في حال الركوع .
حينئذ يتمّ الاستدلال ، إنّما وليّكم أي إنّما الأولى بكم : الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة في حال الركوع ، والروايات قد عيّنت المراد من الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون .
فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية وإلى هذه المرحلة وصلنا . إذن تمّ بيان شأن نزول الآية المباركة ، وتمّ بيان وجه الاستدلال بالآية المباركة بالنظر إلى مفرداتها واحدة واحدة .
الجهة الثالثة
الاعتراضات والمناقشات
وحينئذ ، يأتي دور الاعتراضات :
أمّا اعتراض شيخ الإسلام ابن تيميّة ، فقد عرفتم أنّه ليس باعتراض وإنّما هو افتراء ، لا على الاماميّة فقط ، وإنّما افتراء على عموم المفسّرين والمحدّثين من أهل السنّة أيضاً ، افتراء على المتكلّمين من كبار علماء طائفته ، وهذا ديدن هذا الرجل في كتابه ، وقد تتبّعت كتابه من أوّله إلى آخره ، واستخرجت منه النقاط التي لو اطّلعتم عليها لايّدتم من قال بكفر هذا الرجل ، لا بكفره بل بكفر من سمّاه بشيخ الإسلام .
تبقى الاعتراضات الاُخرى :
الاعتراض الاول
هو الاعتراض في معنى الولاية ، وقد ذكرناه .
وذكرنا أنّ قائله هو الفضل ابن روزبهان الذي ردّ على العلاّمة الحلّي بكتابه إبطال الباطل ، وردّ عليه السيّد القاضي نور الله التستري بكتاب إحقاق الحق ، وأيضاً ردّ عليه الشيخ المظفر في كتاب دلائل الصدق .
الاعتراض الثاني
احتمال أن تكون الواو في ﴿ ... وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 1 واو عاطفة لا واو حاليّة ، وحينئذ يسقط الاستدلال ، لانّا ـ نحن الطلبة ـ نقول : إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال ، الاستدلال يتوقّف على أن تكون الواو هذه حاليّة ، فالذي أعطى الخاتم ، إعطاؤه كان حال كونه راكعاً ، وهو علي (عليه السلام) ، أمّا لو كانت الواو عاطفة يكون المعنى ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 1 أي هم يركعون ، يؤتون الزكاة ويصلّون ويركعون ، إذن لا علاقة للآية المباركة بالقضيّة ، فهذا الاحتمال إنْ تمّ سقط الاستدلال .
لكنّ هذا الاحتمال يندفع بمجرّد نظرة سريعة إلى الروايات الواردة في القضيّة ، تلك الروايات التي تجدونها بأقل تقدير لو ترجعون إلى الدر المنثور ، لوجدتم الروايات هناك ، وهي صريحة في كون الواو هذه حاليّة . . . .
ففي هذا الكتاب وغيره من المصادر عدّة روايات وردت تقول : تصدّق علي وهو راكع 8 ، حتّى في رواية تجدونها في الدر المنثور أيضاً هذه الرواية هكذا : إنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) سأل السائل ، سأل ذلك المسكين الذي أعطاه الإمام خاتمه ، سأله قائلاً : «على أيّ حال أعطاكه» ـ أي الخاتم ـ ؟ قال : أعطاني وهو راكع 15 .
فالرسول نفسه يسأله : على أيّ حال أعطاكه ؟ يقول : أعطاني وهو راكع ، فالواو حاليّة ، ولا مجال لهذا الإشكال .
الاعتراض الثالث
هذا الاعتراض فيه أُمور :
الأمر الاوّل : من أين كان لعلي ذلك الخاتم ؟ من أين حصل عليه ؟
الأمر الثاني : ما قيمة هذا الخاتم وبأيّ ثمن كان يسوى في ذلك الوقت ؟ ولا يستحقّ شيء من هذا القبيل من الاعتراض أن ينظر إليه ويبحث عنه .
نعم يبقى :
الأمر الثالث : وله وجه ما ، وهو أنّه يفترض أن يكون علي (عليه السلام) في حال الصلاة منشغلاً بالله سبحانه وتعالى ، منصرفاً عن هذا العالم ، ولذا عندنا في بعض الروايات أنّه لمّا أُصيب في بعض الحروب بسهم في رجله وأُريد إخراج ذلك السهم من رجله ، قيل انتظروا ليقف إلى الصلاة ، وأخرجوا السهم من رجله وهو في حال الصلاة ، لأنه حينئذ لا يشعر بالألم ، المفترض أن يكون أمير المؤمنين هكذا ، ففي أثناء الصلاة وهو مشغول بالله سبحانه وتعالى كيف يسمع صوت السائل ؟ وكيف يلتفت إلى السائل ؟ وكيف يشير إليه ويومي بالتقدم نحوه ، ثمّ يرسل يده ليخرج الخاتم من أصبعه ؟ وهذا كلّه انشغال بأُمور دنيويّة ، عدول عن التكلّم مع الله سبحانه وتعالى ، والاشتغال بذلك العالم .
هذا الإشكال قد يسمّى بإشكال عرفاني ، لانّ الإشكال السابق مثلاً حيث أرادوا جعل الواو عاطفة لا حاليّة إشكال نحوي ، وليكن الإشكال السابق عليه في الولاية إشكالاً لغوياً ، فلنسمّ هذا الإشكال بالإشكال العرفاني ، فالله سبحانه وتعالى عندما يخاطب أمير المؤمنين في الصلاة وعلي يخاطبه ، وهما يتخاطبان ، وهو منشغل بالله سبحانه وتعالى ، كيف يلتفت إلى هذا العالم ؟
والجواب :
أوّلاً : لقد عُدّت هذه القضيّة عند الله ورسوله وسائر المؤمنين من مناقب أمير المؤمنين ، فلو كان لهذا الإشكال أدنى مجال لمّا عدّ فعله من مناقبه .
وثانياً : هذا الالتفات لم يكن من أمير المؤمنين إلى أمر دنيوي ، وإنّما كانت عبادة في ضمن عبادة .
ولعلّ الأفضل والأولى أنْ نرجع إلى أهل السنّة أنفسهم ، الذين لهم ذوق عرفاني ، في نفس الوقت الذي هم من أهل السنّة ، ومن كبار أهل السنّة :
يقول الآلوسي 16 : قد سئل ابن الجوزي 17 هذا السؤال ، فأجاب بشعر ، وقد سجّلت الشعر ، والجواب أيضاً جواب عرفاني في نفس ذلك العالم ، يقول :
يسقي ويشربُ لا تلهيه سكرتهُ *** عن النديم ولا يلهو عن الناسِ
أطاعَهُ سُكرُهُ حتّى تمكّـن من *** فعلِ الصحاةِ فهذا واحدُ الناسِ
هذا شعر ابن الجوزي الحنبلي ، الذي نعتقد بأنّه متعصّب ، لانّه في كثير من الموارد نرى أمثال ابن تيميّة والفضل ابن روزبهان وأمثالهما يعتمدون على كتب هذا الشخص في ردّ فضائل أمير المؤمنين ومناقبه ، أمّا في مثل هذا المورد يجيب عن السؤال بالشعر المذكور .
أمير المؤمنين (عليه السلام) جمع في صفاته الأضداد ، هذا موجود في حال أمير المؤمنين ، وإلاّ لم يكن واحد الناس ، وإلاّ لم يكن متفرّداً بفضائله ومناقبه ، وإلاّ لم يكن وصيّاً لرسول الله ، وإلاّ لم يكن كفواً للزهراء البتول بضعة رسول الله ، وإلى آخره .
فحينئذ هذا الإشكال أيضاً ممّا لا يرتضيه أحدٌ في حقّ أمير المؤمنين ، بأن يقال : إنّ عليّاً انصرف في أثناء صلاته إلى الدنيا ، انصرف إلى أمر دنيوي .
نعم وجدت في كتب أصحابنا ـ ولم أجد حتّى الآن هذه الرواية في كتب غير أصحابنا ـ : عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : تصدّقت بخاتمي أربعين مرّة ولم تنزل في حقّي آية .
إذن هذا الاعتراض أيضاً لا مجال له .
الاعتراض الرابع
وهو الاعتراض المهم الذي له وجه علميّ ، قالوا : بأنّ عليّاً مفرد ، ولماذا جاءت الألفاظ بصيغة الجمع : ﴿ ... وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 1 .
هذا الإشكال له وجه ، ولا يختصّ هذا الإشكال والاعتراض بهذه الآية ، عندنا آيات أُخرى أيضاً ، وآية المباهلة نفسها التي قرأناها أيضاً بصيغة الجمع ، إلاّ أنّ رسول الله جاء بعلي ، مع أنّ اللفظ لفظ جمع ﴿ ... وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ... ﴾ 18 وجاء بفاطمة والحال أنّ اللفظ لفظ جمع «النساء» ، هذا الاعتراض يأتي في كثير من الموارد التي تقع مورد الاستدلال ، وفي سائر البحوث العلمية المختلفة لا في بحث الإمامة فقط .
الزمخشري الذي هو من كبار علماء العامّة ، وليس من أصحابنا الاماميّة ، صاحب الكشّاف وغير الكشّاف من الكتب الكثيرة في العلوم المختلفة ، يجيب عن هذا الإشكال ، وتعلمون أنّ الزمخشري تفسيره تفسير للقرآن من الناحيّة الادبيّة والبلاغيّة ، هذه ميزة تفسير الكشّاف للزمخشري ، وهذا شيء معروف عن تفسير الزمخشري ، وأهل الخبرة يعلمون بهذا .
يجيب الزمخشري عن هذا ما ملخّصه : بأنّ الفائدة في مجيء اللفظ بصيغة الجمع في مثل هذه الموارد هو ترغيب الناس في مثل فعل أمير المؤمنين ، لينبّه أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذا الحد من الحرص على الإحسان إلى الفقراء والمساكين ، يكونون حريصين على مساعدة الفقراء وإعانة المساكين ، حتّى في أثناء الصلاة ، وهذا شيء مطلوب من عموم المؤمنين ، ولذا جاءت الآية بصيغة الجمع . هذا جواب الزمخشري 19 .
فإذن ، لا يوافق الزمخشري على هذا الاعتراض ، بل يجيب عنه بوجه يرتضيه هو ويرتضيه كثير من العلماء الآخرين .
ولكن لو لم نرتض هذا الوجه ولم نوافق عليه ، فقد وجدنا في القرآن الكريم وفي السنّة النبويّة الثابتة الصحيحة ، وفي الاستعمالات العربيّة الصحيحة الفصيحة : أنّ اللفظ يأتي بصيغة الجمع والمقصود شخص واحد ، كثير من هذا الاستعمال موجود في القرآن وفي السنّة وفي الموارد الاُخرى ، وهذا شيء موجود .
مضافاً إلى جواب يجيب به بعض علمائنا وعلمائهم : أنّه في مثل هذا المورد أراد الله سبحانه وتعالى أن يعظّم هذه الفضيلة أو هذا الفعل من علي ، وجاء بلفظ الجمع إكراماً لعلي ولما فعله في هذه القضيّة.
وتبقى نظرية أُخرى ، أتذكّر أنّ السيّد شرف الدين رحمة الله عليه يذكر هذه النظرية وهذا الجواب ويقول : لو أنّ الآية جاءت بصيغة المفرد ، لبادر أعداء أمير المؤمنين من المنافقين إلى التصرّف في القرآن الكريم وتحريف آياته المباركات عداءً لأمير المؤمنين ، إذ ليست هذه الآية وحدها بل هناك آيات أُخرى أيضاً جاءت بصيغة الجمع ، والمراد فيها علي فقط ، فلو أنّه جاء بصيغة المفرد لبادر أُولئك وانبروا إلى التصرّف في القرآن الكريم .
إنّه في مثل هذه الحالة يكون الكناية ، صيغة الجمع ، أبلغ من التصريح ـ بأن يأتي اللفظ بصيغة المفرد ، والذي آمن وصلّى وتصدّق بخاتمه في الصلاة في الركوع أو آتى الزكاة وهو راكع ـ والروايات تقول هو علي ، فيكون اللفظ وإن لم يكن صريحاً باسمه إلاّ أنّه أدل على التصريح ، أدل على المطلب من التصريح ، من باب الكناية أبلغ من التصريح . يختار السيد شرف الدين هذا الوجه 20 .
ويؤيّد هذا الوجه رواية واردة عن إمامنا الصادق (عليه السلام) بسند معتبر ، يقول الراوي للإمام : لماذا لم يأت اسم علي في القرآن بصراحة بتعبيري أنا ، لماذا لم يصرّح الله سبحانه وتعالى باسم علي في القرآن الكريم ؟ فأجاب الإمام (عليه السلام) : لو جاء اسمه بصراحة وبكلّ وضوح في القرآن الكريم لحذف المنافقون اسمه ووقع التصرّف في القرآن ، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يحفظ القرآن ﴿ ... وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ 21.
وهذه وجوه تذكر جواباً عن السؤال : لماذا جاءت الكلمة أو الكلمات بصيغة الجمع ؟
ولعلّ أوفق الوجوه في أنظار عموم الناس وأقربها إلى الفهم : أنّ هذا الاستعمال له نظائر كثيرة في القرآن الكريم ، وفي السنّة النبويّة ، وفي الاستعمالات الصحيحة الفصيحة ، ثم إن الروايات المعتبرة المتّفق عليها دلّت على أنّ المراد هنا خصوص علي (عليه السلام) .
إذن ، مجيء اللفظ بصيغة الجمع لابدّ وأن يكون لنكتة ، تلك النكتة ذكرها الزمخشري بشكل ، والطبرسي بنحو آخر ، والسيد شرف الدين بنحو ثالث ، وهكذا .
وإذا راجعتم كتاب الغدير لوجدتم الشيخ الأميني رحمة الله عليه يذكر قسماً من الآيات التي جاءت بصيغة الجمع وأُريد منها الشخص الواحد ، ويذكر الروايات والمصادر التي يُستند إليها في شأن نزول تلك الآيات الواردة بصيغة الجمع والمراد منها المفرد .
فإذن ، لا غرابة في هذه الجهة .
هذه عمدة الاعتراضات المطروحة حول هذه الآية المباركة .
إذن ، بيّنّا شأن نزول الآية ، وبيّنّا وجه الاستدلال بالآية ، وتعرّضنا لعمدة المناقشات في هذا الاستدلال ، وحينئذ لا يبقى شيء آخر نحتاج إلى ذكره .
نعم ، هناك بعض الأحاديث أيضاً ـ كما أشرت من قبل ـ هي مؤيّدة لاستدلالنا بهذه الآية المباركة على إمامة أمير المؤمنين ، منها حديث الغدير ، ومنها حديث الولاية الذي أشرت إليه من قبل .
فحينئذ ، لا أظنّ أنّ الباحث الحر المنصف يبقى متردّداً في قبول استدلال أصحابنا بهذه الآية المباركة على إمامة أمير المؤمنين ، فتكون الآية من جملة أدلّة إمامته عن طريق ثبوت الاولويّة له ، تلك الاولويّة الثابتة لله ولرسوله ، فيكون علي وليّاً للمؤمنين ، كما أنّ النبي وليّ المؤمنين ، وهذه المنقبة والفضيلة لم تثبت لغير علي ، وقد ذكرنا منذ اليوم الاوّل أنّ طرف النزاع أبو بكر ، وليس لأبي بكر مثل هذه المنقبة والمنزلة عند الله ورسوله .
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين 22 .
- 1. a. b. c. d. e. f. g. h. i. j. k. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 55، الصفحة: 117.
- 2. المواقف في علم الكلام : 405 .
- 3. شرح المواقف 8 / 360 .
- 4. شرح المقاصد 5 / 170 .
- 5. شرح التجريد للقوشجي : 368 .
- 6. a. b. روح المعاني 6 / 168 .
- 7. تفسير ابن كثير 2 / 64 .
- 8. a. b. تفسير ابن أبي حاتم 4 / 1162 .
- 9. منهاج السنّة 2 / 30 .
- 10. تفسير ابن أبي حاتم 4 / 1162 ، تفسير الطبري 6 / 186 ، تفسير السمعاني 2/47 ، أسباب النزول : 113 ، تفسير العز الدمشقي 1 / 393 ، تفسير ابن كثير 2 / 64 ، الكشاف 1 / 649 ، الدرّ المنثور 3 / 105 .
وراجع من كتب الحديث مثلاً : جامع الاصول 9 / 478 ، المعجم الاوسط 7 / 129 ، تاريخ دمشق 42 / 356 . - 11. إحقاق الحقّ 2 / 408 .
- 12. تفسير الرازي11 / 25 ، تفسير الثعلبي ـ مخطوط .
- 13. القران الكريم: سورة طه (20)، الآيات: 25 - 35، الصفحة: 313.
- 14. القران الكريم: سورة طه (20)، الآية: 36، الصفحة: 313.
- 15. الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 3 / 105 .
- 16. روح المعاني 6 / 169 .
- 17. ابن الجوزي هذا جدّ سبط ابن الجوزي ، وإنّما نبّهنا على هذا ، لانّه قد يقع اشتباه بين ابن الجوزي وسبط ابن الجوزي ، فالمراد هنا : أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي الحافظ ، صاحب المؤلّفات الكثيرة ، المتوفى سنة 597 هـ .
- 18. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 61، الصفحة: 57.
- 19. تفسير الكشّاف 1 / 649 .
- 20. المراجعات : 263 .
- 21. القران الكريم: سورة الحجر (15)، الآية: 9، الصفحة: 262.
- 22. كتاب : آية الولاية من سلسلة الندوات العقائدية للسيد علي الحسيني الميلاني .