بأدنى مراجعة لكُتُب التفسير والسِيَر وكلمات الفقهاء في ذلك يتّضح أنّ الأمر ليس بتلك الحدّة التي كانت تُتُصوّر عن العصر الجاهلي المُظلم وإمكان تأثيره على التشريعات الإسلاميّة الناصعة البيضاء والسهلة السمحاء.
دلّت الآية على أنّ الأرض ذاتها خُلقت قَبل السماء وإنْ كان دَحوها أي بسطها وتسطيح قِشرتها قد تأخّر بعد ذلك بأيّام . وهذه الأيّام هي من أيّام الله التي يَعلم هو مَداها ، وليست مِن أيّام الناس ، وقد خُلقت الأرض في يومَين ، وجعل فيها الرواسي وقدّر فهيا الأقوات أيضاً في يومَين ، فهذه أربعة أيّام ، تمّت بها خِلقة الأرض وما فيه من جبالٍ وأرزاقٍ وبركات ، ثُمّ استوى إلى السماء فخلقهنّ في يومَين ، فتلك ستة أيام على ما جاء في آيات أُخرى .
إن المراد بالروح الذي تحدثت عنه الآية كما دلت عليه الروايات الشريفة الواردة ، في تفسير قوله تعالى : ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ... ﴾ هو جبرئيل عليه السلام . . وهذا هو المنسجم مع السياق ، من حيث إنهم إنما يسألون عن موضوع الوحي.
لم تنفِ الآية الأُولى التكليم رأساً ، وإنّما نَفَته على الطريقة المعهودة بين الناس حيث يقع مشافهةً ، نعم تكليمه تعالى يقع على طرائق ثلاث: إمّا وحياً وهو النَفث في الرَوع ، أو بإسماع الصوت من غير أن يُرى شخص المتكلّم ، أو بإرسال رسول ـ ملك الوحي ـ وهو جبرائيل (عليه السلام) والتكليم والنداء في الآيتَين هُما من النوع الثاني أي التكليم من وراء حجاب ، إذن فلا منافاة.
الشرك تارة يكون شركا عملياً ، وتارة يكون شركا قلبيا .
أما الشرك العملي فهو صرف شيء العبادة لغير الله تعالى ، كما لو صلى لمخلوق ، أو صام له ، فإن الصلاة والصيام عبادتان لا ينبغي صرفهما إلا لله سبحانه ، ومن فعل ذلك فقد أشرك ، سواء اعتقد ألوهية المعبود أم لم يعتقد بها .
وقد ذَكَر المفسّرون هنا وجوهاً ، أوجهُها ـ ما عن ابن مسعود والحسن وقتادة واختاره أبو مسلم ـ أنّه بمعنى الإشراف عليها ليَشهدوا ذلك العرض الرهيب ، فالمؤمنون يَجوزونها ويَدنون منها ويَمرّون بها وهي تتأجّج وتتميّز وتتلمّظ ، ويَرَون العتاة ينزعون فيقذفون فيها .
ولكن يعارض ذلك ما روي عن الكلبي ، من أن الآية قد نزلت في المدينة في غزوة بدر 1 . وعن الواقدي : أنها نزلت في بني قريظة والنضير 2 . وأيضاً فإن الآية في سورة الأنفال ، وهي مدنية لا مكية .
في تأويل هذه الآية جوابان : أحدهما : إنه أراد بقوله ﴿ ... أَحَبُّ إِلَيَّ ... ﴾ أخف علي وأسهل ، ولم يرد المحبة التي هي الإرادة على الحقيقة . وهذا يجري مجرى أن يخير أحدنا بين الفعلين ينزلان به ويكرههما ويشقان عليه ، فيقول في الجواب كذا أحب إلي ، وإنما يريد ما ذكرناه من السهولة والخفة . والوجه الآخر : إنه أراد أن توطيني نفسي وتصبيري لها على السجن أحب إلي من مواقعة المعصية .
ان المقصود من قول ان الشفاعة لله لیس هو ان الله تعالى یستشفع لدى غیره، اذ ان لا احد اعظم واجل من الله وانما المراد هو ان مسالة الشفاعة بیده ومن دون اذنه لیس لاحد ان یشفع لآخر وهذا هو ما اکدت علیه الایات القرآنیة کما جاء فی الایة الشریفة: ﴿ ... مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ... ﴾1 ولهذا فان دعوى ان طلب الشفاعة من غیر الله یعد شرکاً لیس صحیحاً وذلک ان وصف طلب فعل من غیر الله لا یقدر علیه الا الله شرک لا معنى له.
نجيب على هذا الاشكال بعدة اجابات منها: لو سلمنا أن لفظ الأهل يطلق حتى على الأجنة من الأقارب فالمراد هو أن الزهراء عليها السلام هي أول أهله صلى الله عليه وآله الموجودين ، لا أول الموجودين والذين سيوجدون بعد ذلك ، فلا يشمل كلامه صلى الله عليه وآله جنين الزهراء عليها السلام ، فلا يكون هذا الإشكال وارداً . ...
إن الله جلّ جلاله هو الغيب، إن الرسالات السماوية هي الغيب، إن الآخرة هي الغيب، إن الإمامة في أهل البيت وعصمتهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هي الغيب. وإن أبرز وأهم غيب في حياتنا، هو الإيمان بوجود وظهور وانتصار الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف، ولكن لماذا؟ . .
إنّ البيئة التي يَرسمها الإسلام للحياة الاجتماعيّة ـ سواء في صورتها الصُغرى ( الأُسرة ) أو الكبرى العامّة ـ تجعل من وظائف الرجل أثقل ، وإنّ مسؤوليّته في حمل أعباء الحياة أشمل ، حسبَما أُوتيَ مِن قدرةٍ وتفكيرٍ أوسع ، فكان بطبيعة الحال أنْ يُجعل نصيبُه مِن الميراث أكثر .
إنّه تعالى يرفض أوّلاً تلك العادات الجاهليّة التي كانت تَحرم النساء عن الميراث .
ان إبراهيم عليه السلام إنما قال ذلك في زمان مهلة النظر ، وعند كمال عقله وحضور ما يوجب عليه النظر بقلبه وتحريك الدواعي على الفكر والتأمل له ، لأن إبراهيم ( ع ) لم يخلق عارفا بالله تعالى ، وإنما اكتسب المعرفة لما أكمل الله تعالى عقله وخوفه من ترك النظر بالخواطر والدواعي. أو ان يكون قال ذلك مستفهما ، وأسقط حرف الاستفهام للاستغناء عنه ، وقد جاء في الشعر ذلك كثيرا.
أولاً : إنّ مَن يتكلّم بالصواب في الآية الأُولى هم الملائكة أو المؤمنون ، والكلام الصواب هنا هي الشفاعة بالحقّ على ما ذَكَره المفسّرون ، وفي الحديث عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) وقد سُئل عن هذه الآية قال : ( نحن واللّه المأذون لهم يوم القيامة ، والقائلون صواباً : نُمجّد ربّنا ونُصلّي على نبيّنا ونَشفع لشيعتنا ) 1 . وثانياً : مواطن القيامة متفاوتة ومواقفها متنوّعة ، فقوله ﴿ ... لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ ... ﴾ 2 خطاب إلى الكَفّار العنيد وقرينه الشيطان الذي أغواه ، حيث يقول الشيطان : ﴿ ... رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ 3 ، ويحاول الكافر أنْ يَجعل اللّوم على الّذي أغواه ، فكان النهي موجّهاً إليهم : لا تختصموا لديَّ بل اجعلوا بأسَكم بينكم فليس منعاً عن التخاصم على الإطلاق .
توجد في مصادرنا أخبار آحاد بوجود نقص في القرآن ، وقد ردَّها علماؤنا ، لأنا نعتقد بعصمة القرآن وسلامته من التحريف . بل إن مذهبنا كله مبني على إطاعة وصية النبي صلى الله عليه وآله بإتباع القرآن و العترة ومعناه أن القرآن كان موجوداً مجموعاً من عهده صلى الله عليه وآله . لكن المشكلة أنه توجد في مصادر السنيين أخبار أكثر قد تزيد على المئة حديث وأثر ، وفيها الصحيح الصريح بنقص القرآن وزيادته ! فلا بد لهم أيضاً أن يردوها لمخالفتها للمجمع عليه بين الأمة من سلامة القرآن من الزيادة والنقصان . فمن غير الإنصاف أن ينظر إلى ما يوجد في مصادرنا وقد ردَّه علماؤنا ، وتُغمض العيون عما يوجد في مصادر غيرنا ، وهو أكثر منه وأصح عندهم ! ونعتقد بأنه يجب ردها جميعاً .
يحتوي السؤال على نقاط : 1 ـ إنّ القرآن الكريم ، ليس من صُنْع الرسول صلى الله عليه وآله لأنّه كان اُمّياً لم يدرس ولم يتعلّم عند أحد ، فالعقل يمنع أن يكون القرآن منه . 2 ـ احتمال أن يكون القرآن من صُنْع الجنّ الصالحين أو الملائكة . 3 ـ لم يدلّ العقل على أنّ القرآن منزل من اللَّه تعالى .
بسم الله الرحمن الرحيم أولاً : إن الوجه الذي نعتمد عليه في إثبات عدم شمول آية التطهير لنساء النبي هو أن عنوان «أهل البيت» لا يصدق على الزوجة ؛ حيث إن المراد بعنوان «أهل البيت» هو من كان الرابط بينه وبين البيت رابطا رحمياً ، ولذلك ورد عن زيد بن أرقم : هل أن الزوجة من أهل بيت الرجل؟ قال : «المرأة بيته وليست من أهل بيته ؛ لأن الزوجة تكون مع الرجل برهة من الدهر ثم يفارقها» ، ففرق بين عنوان «أهله» وعنوان «أهل بيته» ؛ فإن «أهل بيته» بحسب اللغة العربية ينصرف إلى من كان بينه وبين البيت علقة رحمية ، ولذلك يخرج نساء النبي عن الآية بنفس عنوان «أهل البيت» .
ما يمكن استنباطه من بعض الأيات الناظرة لأصل الخلقة والذي تؤكده بعض الروايات ، هو أن آدم و حوّاء (عليهما السلام) خلقوا من طينة واحدة ، ولا تفضيل لأحد على الآخر من هذا الجانب ، أي جانب الخلقة ، كما يقول الله تعالى في كتابه : ﴿ ... يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ... ﴾1 .
احتلت الإمامة في الفكر الشيعي مقاماً مرموقاً حيث أولاها مفكّرو الشيعة أهمية كبرى، إذ اعتبروا الإمامة مقاماً ومنصباً إلهياً لابدّ لصاحبه أن ينصب من قبل اللّه تعالى.