حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
ما منا الا مسموم او مقتول
نص الشبهة:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
قال الشيخ المفيد (رحمه الله)، في كتابه شرح عقائد الصدوق ص63: «فأما ما ذكره أبو جعفر «الصدوق» من مضي نبينا (صلى الله عليه وآله)، والأئمة (عليهم السلام) بالسم والقتل، فمنه ما ثبت ومنه ما لم يثبت، والمقطوع به أن أمير المؤمنين والحسن والحسين، خرجوا من الدنيا بالقتل، ولم يمت أحدهم حتف أنفه، وممن مضى بعدهم مسموماً موسى بن جعفر ويقوى في النفس أمر الرضا، وإن كان فيه شك، فلا طريق إلى الحكم فيمن عداهم بأنهم سموا أو اغتيلوا صبراً فالخبر بذلك يجري مجرى الإرجاف وليس إلى تيقنه سبيل». انتهى كلامه.
السؤال: ما هي مواقع الخلل في هذا الكلام، وما هو رأيكم في هذه المسألة؟ أفيدونا مما آتاكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فقد سألتمونا عما قاله الشيخ المفيد قدس سره، فيما يرتبط باستشهاد بعض أئمة أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم)، وأن ذلك لم يثبت عنده، وأن الخبر بذلك يجري مجرى الإرجاف..
ونقول في الجواب: إنه لا ريب في أن الشيخ المفيد (رحمه الله) هو من أعاظم علماء الإمامية، وله مكانته الرفيعة، وأثره العظيم في حفظ المذهب، وفي الذب عنه، وفي ترويجه، فجزاه الله عن الإسلام خير جزاء وأوفاه.
غير أن علينا أن لا ننسى أنه (رحمه الله) كان يعيش في بغداد، عاصمة الخلافة العباسية.
ومن الواضح: أن أسلاف الحكام في بغداد، هم الذي دبروا لارتكاب جرائم قتل الأئمة (صلوات الله وسلامه عليهم).
ولم يكن العباسيون بالذين يتساهلون مع أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، بل سجل لنا التاريخ عنهم أموراً هائلة تظهر: أنهم كانوا أشد عليهم من الأمويين. وفي كتابنا الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)، نبذة صالحة لإعطاء الانطباع عن هذا الأمر، وعمقه، ومداه.
وفي إلماحة إلى ذلك هنا نقول: إن الإمام الحسين (عليه السلام)، لم يعش في زمن العباسيين، ولا حاربهم، بل هو قد قضى شهيداً مظلوماً بسيوف أعدائهم الأمويين، وقد حاول العباسيون أن يستفيدوا من مظلوميته هذه في حركتهم المناهضة لبني أمية، فرفعوا شعار الأخذ بثارات الحسين (عليه السلام)..
كما أن مما لا شبهة فيه: أن الإمام الحسين (عليه السلام) هو أقدس رجل مشى على وجه الأرض بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، وعلي والحسن (عليهما السلام). ومع ذلك، فإن العباسيين قد قصدوا قبره بالهدم، وحرثوه، وقطعوا الشجر من حوله.. وهو ما فعله المنصور العباسي، والرشيد والمتوكل و.. كما أنهم قد قطعوا السبل للوصول إلى كربلاء لزيارة القبر الشريف، وعاقبوا زواره بأشد العقوبات، حتى بالقتل..
فإذا كان هذا هو موقفهم من قبر الحسين! « الشهيد »! ومن زوار ذلك القبر الشريف، فماذا سيكون موقفهم من الأئمة المعاصرين لهم؟! والذين تتعاظم هواجسهم، وخوفهم منهم!!.
إن التاريخ يحدثنا: أن سيرتهم معهم ومع شيعتهم قد أنست الناس سيرة وسياسات بني أمية، مع أهل البيت (عليهم السلام) ومع من يتشيع لهم، ويتصل بهم.. حتى قال الشاعر:
تالله ما فعلت أمية منهم *** معشار ما فعلت بنو العباس
وإذا ما لمحنا أحياناً شيئاً من التخفيف من وطأة هذه السياسة، فقد كان ذلك استجابة لمقتضيات فرضت نفسها، أو لانشغالهم بأمور حاضرة فرضت عليهم المبادرة لمعالجتها، وتأجيل ما سواها..
وفي جميع الأحوال، نقول: إن الشيخ المفيد (رحمه الله) كان يعيش في ظل حكم هؤلاء، الذين ورثوا عن أسلافهم الحقد، والضغينة، على أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، وقد كان الحديث عن قتل الأئمة يعنيهم مباشرة، دون كل من سواهم..
فهل تراهم سوف يسمحون للشيخ المفيد أو لغيره وهم أصحاب السلطة والهيمنة السياسية والعسكرية والثقافية والأمنية، إلخ.. بإثارة هذا الاتهام ضد أسلافهم؟! وأن يصبح موضع تداول بين الناس، ويصبح جزءاً من ثقافتهم، وأن يدون في الكتب والأسفار لينتقل إلى الأجيال اللاحقة؟!
أم تراهم سيمنعون منه، لكي لا يصبح وسيلة طعن، وسند إدانة يبرر للناس الذين يرتبطون بأهل البيت إيمانياً وعاطفياً بأن يكرهوهم، وأن يزيد حبهم، وتعاطفهم مع الخط المناوئ لهم، والذي تراود هؤلاء الحكام الشكوك حول إمكانيات فرص التعامل معه، ومداه وآفاقه؟!
إن أسلافهم الأمويين قد قتلوا الحسين (عليه السلام)، وقتلوا زيداً، ويحيى وغيرهم جهاراً نهاراً.. وحملوا النساء والأطفال سبايا وطافوا بهم البلاد.. ولكنهم لم يسمحوا للناس بأن يتداولوا الحديث عن تلك الجرائم بحرية، وبصدقية، ووضوح..
فهل يسمح العباسيون بكشف وتداول أمر لا يمكنهم الاعتراف به؟!.. بل هم يظهرون للناس إدانتهم له، ويجهدون لإقناعهم ببراءتهم منه؟!..
فراجع ما سجله الحديث والتاريخ من مواقف لهم في هذا السياق تجاه الإمام الرضا، والإمام الكاظم، وسواهما من الأئمة (عليهم السلام)، حيث كانوا يقتلونهم بالسم، ثم يظهرون للناس بمظهر البريء، ويمشون في جنازتهم، ويكشفون أجسادهم للشهود ليشهدوا ببراءتهم من دمهم، ومن سيجرؤ على أن يشهد بضد ما يريدون؟ وأن يقول خلاف ما يحبون؟!
وكل ذلك يوضح لنا: مدى صعوبة إظهار وإشاعة أخبار استشهاد الأئمة الطاهرين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، على أيدي أسلاف الحكام، في عصر الشيخ المفيد، أو في عصر غيره.
ثانياً: لنفترض أن من الممكن تدوين ذلك، ولكن السؤال هو: هل إن الشيخ المفيد كان قادراً على أن يجمع مؤلفات السابقين عليه، في عصر كان يصعب فيه التنقل في البلاد، ولم يكن هناك وسائل ارتباط، ولا كانت هناك وسائل لتكثير الكتب، وتوزيعها.. أو وسائل لكشف مطالبها ومحتوياتها، سوى القراءة المباشرة والشاملة؟!..
كما أن الكتّاب والقراء في تلك العصور، لم يكونوا من الكثرة بحيث يمكن مقايستهم بمن يقرأ ويكتب في عصرنا الحاضر.. بل كان الغالب على الناس هو الأمية، والجهل..
يضاف إلى ذلك: أن الحالة المادية للناس لم تكن تفي بمتطلبات حياتهم، ولا تلبي حاجاتهم.. فضلاً عن أن يتمكنوا من شراء ما يحتاجون إليه من كتب، والتفرغ لقراءتها، والإطلاع على ما فيها، فضلاً عن شراء ما لا يرون أنهم بحاجة إليه..
إلى غير ذلك من عوامل قد توافرت وتضافرت، قد كان من شأنها أن تقلل من فرص الحصول على النصوص التي تفيد في جلاء الحقيقة، فكيف إذا كانت هذه النصوص مضطهدة من أكثر من فريق..
ومنها السلطة، وتحاول التخفي في حنايا وثنايا الكتب المهجورة، أو البعيدة عن الأنظار، والتي تقبع في زوايا الإهمال بانتظار الوقت الذي تسوق أحدهم الصدفة إليها، وينشط أو يجد الوقت للاطلاع عليها..
وهل كان الشيخ المفيد قادراً على جمع تلك المؤلفات، ثم تصيد هذه الشوارد من الأخبار من نوادر تلك الكتب والأسفار؟!..
ثالثاً: إن مما لا شك فيه أن العلماء المتأخرين. قد استطاعوا أن يجمعوا مؤلفات كثيرة من مختلف البلاد، وأن يقفوا حتى على كتب الفئات والأشخاص التي بقيت محظورة طيلة مئات السنين، إما تقية من أصحابها، أو بقرارات وسياسات من السلطة الغاشمة.. أو لغير ذلك من أسباب.
وهناك كتب قد ظهرت وكان مؤلفوها قد اطلعوا على مصادر لم تصل إلينا أيضاً.. وقد يسرت الوسائل الحديثة وصول الكتاب أي كتاب كان إلى كل إنسان. كما أنها قد يسرت الحصول على كل فكرة فيه.. مهما كان نوعها، أو حجمها، دون أن يحتاج ذلك إلى بذل أي جهد يذكر..
وهذا ما يجعل أهل هذا العصر أقدر على الوصول إلى المعلومات المتنوعة، من مختلف المصادر، وأن يستفيدوا منها، ويوظفوها في تحقيقاتهم وبحوثهم على أكمل وجه. ولذلك، فإن هناك الكثير من الأمور قد أثبتتها التحقيقات والدراسات، في حين أن الدراسات والتحقيقات السابقة كانت قاصرة عن نيلها، وعن الوصول إلى الكثير مما يفيد في استجلائها، والوقوف على وجه الصواب فيها..
رابعاً: إننا بعد كل هذا الذي قدمناه، نقول: إن الشيخ المفيد (رحمه الله) حين يقول إنه لا طريق لإثبات استشهاد من عدا علي والحسنين، والكاظم والرضا (عليهم السلام).. وأن الخبر بالنسبة إليه في قتل أو سم من عدا هؤلاء يجري مجرى الإرجاف، وليس إلى تيقنه سبيل..
نعم.. إنه (رحمه الله) حين يقول ذلك لو استبعدنا شبح احتمال التقية في قوله هذا فإنما يقوله، لأنه قد راجع ما توفر لديه من معلومات.. وقد ظهر له أنه غير قادر على تحصيل اليقين منها بذلك..
لكن هذا لا يعني أن يكون الآخرون الذين لديهم مصادر أكثر، ونصوص أوفر. ولا يكلفهم استخراجها إلا اليسير من الوقت والجهد نعم لا يعني أن يكون هؤلاء غير قادرين على تحصيل الأدلة، أو امتلاك الحجة على حدوث ذلك السم أو القتل الذي تعرضوا له (عليهم السلام)..
وخلاصة القول: أنه يمكن للشيخ المفيد (رحمه الله) أن يقول: لم أجد.. وليس له أن يقول: لا سبيل إلى اليقين، إلا إذا كان يقصد بذلك يقينه هو.. لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود..
وكل ذلك يعطينا: أنه لا يصح الاكتفاء بما ذكره في هذا المجال.. ولا يكون قوله ملزماً للباحثين بعده.. ولا هو مما يصح الاحتجاج به على النفي..
ولا نبالغ إذا قلنا: إن لدينا ما يصلح للاستدلال به على نقض كلام الشيخ المفيد.. سواء في ذلك النصوص العامة التي وردت في سياق: ما منا إلا مقتول أو مسموم. أو نحو ذلك، أو النصوص الخاصة التي صرحت في كل إمام بخصوصه بأنه قد قتل بالسم، أو نحو ذلك بغيره..
فراجع: المؤلفات والمصادر لتقف على حقيقة الحال..
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.. 1.
- 1. مختصر مفيد ( أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة )، السيد جعفر مرتضى العاملي، « المجموعة الثالثة »، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1423 ـ 2002، السؤال (163).