حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
دراسة حياة الأئمة شمولا وعمقا
بداية
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى ، محمد وآله الطيبين الطاهرين . .
وبعد . .
فإن الحديث عن الأئمة ، وعن حياتهم ، ومواقفهم وممارساتهم ليس حديثاً عن أشخاص لهم ميزات وخصائص محدودة ، ذات طابع فردي تمتاز بها شخصية ما على حد ما عرفناه وألفناه .
وإنما هو حديث عن الإسلام بشتى مجالاته ، ومختلف أبعاده ، وأروع خصائصه ، وبكل ما فيه من شمولية ، وأصالة وعمق .
إنه حديث عن الحياة بحلوها ومرها ، وبكل ما لها من اتساع وامتداد ، وغموض ووضوح وهو أيضاً حديث عن هذا الكون الرحب ، وعن كل ما فيه من عجائب وغرائب وآيات بينات .
حديث عن الدنيا والآخرة بآفاقهما الرحبة ، وبجميع ما فيهما ولهما من ميزات ، وسمات .
وإذن . . فليس بوسع أي باحث أو مؤرخ أن يستوعب حياتهم عليهم الصلاة والسلام . ولا أن يعكس لنا الصورة الدقيقة والطافحة بكل النبضات الحية في شخصيتهم ، وفي مواقفهم ومجمل سلوكهم ، إلا إذا استطاع أن يدرك بعمق كل حقائق الإسلام ، ويقف على واقع تأثيراته في كل حياتهم ، وفي كنه شخصياتهم ، ومن ثم انعكاساته على سائر المواقف ، وعلى كل المفردات ، والحركات ، والسلوك ، والتعامل مع كل ما ومن يحيط بهم .
ولا نظن احداً يستطيع أن يدعي أنه قد بلغ هذا المستوى أو وُفِّق لمثل هذا المقام الرفيع ، إلا إن كان واحداً منهم عليهم السلام ، أو من يدانيهم فكراً وعلماً ، وفضيلة وخلوصاً ، وصفاءً ، كسلمان الفارسي وأبي ذر و اضرابهما وأين وأنّى لنا بأمثال هؤلاء ، أو بمن هم دونهم بمراتب .
ولكن ذلك لا يعين أن نقف هكذا عاجزين ، ولا أن نرتد خائبين ، بل لابد من خوض غمار البحث ، واقتحام هذا العباب الزاخر بالخير والبركات ، والعبر والعظات ، من أجل أن يستفيد كل منا حسب ما تؤهله له قدراته ، وتسمح له به إمكاناته ، فإن ذلك نور على نور وهو محض الخير الذي من شأنه أن يؤهل لخير أوفى وأوفر وأكبر ولبركات أعم وأتم وأكثر .
وليست هذه المحاولة من الأخ الفاضل والمهذب الكامل حجة الإسلام الشيخ رسول جعفريان ، إلا من أجل أنه أراد أن يقتحم آفاق النور لتلامس اشراقته قلبه ، ويغمر لجين سناه عقله وروحه ، فعاد بالخير الكثير ، وبالعطاء الوفير ، فشكر الله سعيه ، ووفقه وهداه سبل الخير والرشاد ، والفلاح والسداد .
آفاق البحث
وإذ قد عرفنا : أن الحديث عن الأئمة عليهم الصلاة والسلام ليس تاريخاً لأشخاص ، فيما نعرفه من مفردات التاريخ لهم .
وإنما هو تاريخ الرعاية الإلهية لهذا الإنسان ، الذي أراد الله له أن تتجسد فيه كل آمال الأنبياء وجهودهم ، على امتداد التاريخ البشري ، فإنهم عليهم السلام هم التجسيد الحي ، والنموذج الفذ للخلافة الإلهية على الأرض ، بكل ما لهذه الكلمة من معنى ، وبجميع ، ما تحمله من مداليل . نعم لقد تجسد في شخصيتهم الإنسان الكامل الذي واجه الحياة ، بالإرادة والوعي والحكمة ، والحزم ، وواجهته الحياة بكل ما تملك من سلبيات ، وما تختزنه من مصاعب ومشكلات وما انطوت عليه من مهالك ، وآفات . فقهرتها إرادته ، التي هي امتداد لإرادة الله سبحانه ، واحبط مكرها وعيه ، لأنه ينظر بعين الله ، وانتصرت عليها حكمته ، وأناف على جبروتها حزمه ، لأن ذلك منه كان بتعليم الله وتسديده ، وتوفيقه وتأييده .
ومن هنا . . فإنه يصبح من الوضوح بمكان حاجتنا إلى فهم حياة الأئمة عليهم السلام من خلال فهم كل الظروف ، والأحوال التي ساهمت في فرض واقع معين كان لابد لهم من أن يعايشوه ، وأن يتعاملوا معه ، في كل مجال ، وعلى كل صعيد .
سواء في ذلك ما ربما يعتبره البعض يقع في الدائرة الخاصة في حياتهم الشخصية عليهم السلام أو في ما يفترض أنه الدائرة الأوسع من الحياة العامة في ظروف العمل السياسي والاجتماعي والتربوي العام ، وما يرتبط بذلك أو ينتهي إليه ، بسبيل ، أو بآخر .
وكل ما تقدم إنما يدلل على حقيقة واحدة ، ويؤكدها ، ألا وهي الصعوبة البالغة وحجم المشاق التي لابد وأن تواجه أي باحث يريد أن يفتح نافذة على الآفاق الرحبة في حياتهم صلوات الله وسلامه عليهم ، ويؤرخ لها ولو في المستوى الأدنى ، مهما أراد أن يقتصد ويقتصر على الضروري من الشواهد والدلائل .
سؤال . . وسؤال آخر
ولكن ما تقدم يفرض علينا الإجابة على سؤال ملحٍ ، وهو :
هل يكفي ما بأيدينا من نصوص ومصادر لهذا المهم ، ويفي بهذا الغرض ، ويحقق تلك الغاية ؟!
وإذا كانت الإجابة الصحيحة والصريحة بالنفي ، فإن السؤال الآخر الذي يواجهنا هو :
هل استطعنا أن نوظف كل ما لدينا من نصوص وهل استفدنا من جميع المصادر التي بحوزتنا بالشكل الكافي ، وبالمستوى المطلوب ؟!
وطبيعي أن تكون الإجابة الصحيحة والصريحة هي كالإجابة السابقة بالنفي أيضاً ، فإن الكل يعلم : أننا لم نستطع أن نستثمر ما بأيدينا من نصوص في مجال فهم حياتهم عليهم السلام ، والانطلاق في آفاقها الرحبة واللامحدودة .
بل إننا لن نكون مسرفين في القول ، إذا قررنا : أننا حتى الآن لم نقم بما هو ضروري في مجال التحضير للأجواء والمناخات ، وتقريب الوسائل التي تؤهلنا ، ولو لأن نقدم معلومات عامة منسقة بصورة فنية صحيحة أو فقل لم نقم حتى بفهرسة إجمالية تقربنا إلى معرفة القيمة الحقيقة لما نملكه من تراث نافع في هذا المجال ، أو ذاك .
فضلاً عن أن نقوم بدراسة النصوص وتمحصيها ، ثم ربطها بمناشئها وتأثيراتها في غاياتها بصورة علمية معمقة ومفيدة ، ولو في دائرة محدودة .
وإن كنا قد نجد لمحات ولمعات متناثرة هنا وهناك ، لم تنل حظها من البحث والتقصي ، ولا استطاعت أن تربط نفسها بما عداها ، مما كانت لها تأثيرات ـ به أو فيه ـ بمستويات متفاوتة .
تاريخان . . غير متجانسين
ولعل مما يزيد الأمر صعوبة ، وإشكالاً : أننا إذا وضعنا تاريخ الأئمة عليهم الصلاة والسلام ، إلى جانب هذا التاريخ الذي يدعي أنه يسجل وقائع وأحداث الفترة الزمنية التي عايشها الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم .
لو وضعناهما أمام باحث أو ناقد لا يملك أية خلفيات تعطيه تصوراً عن حقيقة تطورات الأحداث ، وتأثير السياسات ، فإنه سيجد : أنهما تاريخان غير منسجمين ، بل وحتى غير متجانسين ، ولسوف يخيل إليه : أن الأئمة لا يعيشون الأحداث ولا يشعرون بما يحيط بهم بل لهم عالمهم الخاص بهم ، المنغلق والمنطوي على نفسه ، وللآخرين عالم آخر ، لا يشبه ذاك العالم لا من قريب ، ولا من بعيد .
ولكن الباحث الألمعي ، والمدقق الخبير ، الذي اطلع على حقيقة التطورات ، وما رسمته السياسات في المجالات المختلفة ، لسوف يجد عكس ذلك تماماً ، ولسوف يكتشف : أن الأئمة عليهم السلام يلامسون الواقع عن قرب ، ويسجلون الموقف الرسالي المسؤول ، والواعي ، تجاه كل ما يجري ، ويدور حولهم .
ولعلهم عليهم السلام يمثلون في أحيان كثيرة أعمق العوامل تأثيراً في مجمل الواقع السياسي ، والاجتماعي ، والثقافي ، والتربوي ، على مستوى الأمة بأسرها ، فضلاً عن تأثيرهم العميق ، في الدائرة التي يبدو ـ للوهلة الأولى ـ أنهم يعيشون فيها ، ويتعاملون معها .
التزوير . . والأصالة
وفي مجال فهم عوامل هذا الاختلاف الظاهر بين ذينك التاريخين ، لابد من التأكيد على الحقيقة التالية :
وهي : أن ذلك الفريق الذي اهتم بتسجيل بعض اللمحات من حياة الأئمة ومواقفهم عليهم السلام . يختلف كثيراً في عقليته ، وفي مفاهيمه ، وفي طموحاته ، ثم في حوافزه ودوافعه ، وكذلك في أهدافه وغاياته ـ يختلف كثيراً ـ عن ذلك الفريق الذي تصدى للتاريخ لتلك الفترة الزمنية ، التي عايشها الأئمة عليهم السلام .
والأهم من ذلك هو ذلك الاختلاف الظاهر ، والأساسي بين هذا الفريق وذاك في مجمل المعايير والمنطلقات التي رضيها كلُّ لنفسه ، وانطلق منها لتمييز الحق من الباطل ، والصحيح من السقيم ، وعلى أساسها كان الرد أو القبول ، والخروج ، والدخول ، في مختلف المواقع والمواضع .
حيث وجدنا : أن المنطلقات ، والمعايير ، التي انطلق منها ، وتحرك على أساسها أولئك الذين أرخوا لتلك الحقبة من الزمن ، كتبوا ما يسمى بـ "التاريخ الإسلامي" قد كانت في مجملها مزيفة ومضللة أريد منها تكريس الانحراف ، وتأكيده ، وتبريره ، والحفاظ عليه ، وتسديده .
ولا نقول ذلك تعصباً ، ولا تجنياً على التاريخ والمؤرخين ، ما دام أن الكل يعترف لنا بحقيقة :
أن التاريخ المكتوب ليس هو تاريخ الشعوب والأمم ، ولا يملك القدرة على أن يعكس لنا آمالها ، ولا آلامها ، ولا معاناتها أو حركتها في واقع الحياة .
وإنما هو تاريخ الحكام والسلاطين ، ومن يدور في فلكهم .
وحتى تاريخ الحكام هذا ، فإنه لم يستطع أن يعكس واقعهم بأمانة ودقة ونزاهة ، مادام انه غير قادر إلا على تسجيل ما يرضي الحكام ، ويصب في مصلحتهم ، ويقوي من سلطانهم ، مهما كان ذلك محرفاً غير نقي ، أو مزور وغير واقعي .
فلم يكن ثمة مؤرخ يملك حرية الرأي ، ولا هو مطلق التصرف فيما يريد أن يقول أو يكتب . كيف وهو يرى بأم عينه كيف أن رواية واحدة يرويها أحدهم في فضل علي عليه السلام ، تثير عليه غضب الحاكم ، فيصدر أمره بجلده مئات السياط .
ويروي الطبري حديث الطبري ، فيرجم العامة داره ، حتى كان على بابه تل من الحجارة .
ويروي أحدهم رواية حول مناظرة بين آدم وموسى عليهم السلام ، فيشكل الأمر على احد الحاضرين ولا يعرف أين اجتمع آدم وموسى ، وبين موت ذاك . وولادة هذا المئات من السنين ، فيدعوا الخليفة له بالنطع والسيف ، إلى آخر ما هنالك مما يحتاج استقصاؤه إلى وقت طويل وجهد وافر .
أضف إلى جميع ما تقدم : أن ما كتب وسجل ، فإنما كتب بعقلية خرافية ، قاصرة وغير ناضجة في أحيان كثيرة .
ولا أقل من أن كثيراً منهم ينطلق من تعصبات مقيتة ، أو من هوى مذهبي رخيص لا يلتزم بالمنطق السليم ، ولا يهتدي بهدى العقل ، ولا يؤمن بالحوار والفكر كأسلوب أفضل للتوضيح وللتصحيح .
هذا . . إلى جانب أهواء وطموحات لا مشروعة ولا مسؤولة ، تتوسل بالتحوير والتزوير . لتتوصل إلى المناصب والمآرب .
ومن خلال ذلك كله ، وسواه ، فإنه يصبح من الطبيعي : أن لا يجد الباحث في كتب التاريخ الملامح الحقيقة للشخصيات التي تقف في موقع التحدي للحكام ، ولمخططاتهم ، وتتصدى لأصحاب الأهواء المذهبية ، والتعصبات العرقية ، وغيرها ، ولانحرافاتهم .
هذه الشخصيات التي تركت آثاراً عميقة وخطيرة في واقع الحياة السياسية والاجتماعية ، والعلمية والتربوية وغير ذلك .
ومن هنا . . فإننا نعرف : أنه لابد من البحث عن الأيدي الأمينة والمخلصة التي تستطيع أن ترسم الملامح الحقيقية لهؤلاء الأفذاذ من الرجال . ثم محاولة التقاط ما تناثر هنا وهناك من لمعات ، أو ندّ من لفتات ولمحات ، لم يجد الحكام فيها خطراً ، ولربما أراد المؤرخون أن يقضوا بها وطراً .
بين الإفراط . . والتفريط
وبعد . . فإننا نشعر : أن من الضروري الإشارة هنا إلى ذلك النهج من البحث ، الذي يفرط في الاعتماد على الغيب في فهمه لمواقف الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وتفسيرها . ويفصلهم عن واقع الحياة وحركتها ، ويصورهم على أنهم يحركون الحياة ، ويتعاملون معها بصورة خفية ، ومن وراء الحجب ، ولا تكاد تذكر له أمراً عن إمام حتى يصدمك بالقول بأن ذاك أمام له حكمه الخاص به حتى كأن الإمام لا يجوز الائتمام به ، وليس قوله وفعله وتقريره حجة علينا وعلى الناس جميعاً .
وذلك إن دل على شيء ، فإنما يدل على أن صاحب هذا النهج من البحث والفكر يعاني من مشكلة فهمه الخاطئ للأئمة عليهم السلام ، ولدورهم ، الذي رصدهم الله للقيام به ، ألا وهو نفس دور الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي أرسله الله سبحانه مبلغاً ومعلماً ، ومربياً ، وقائداً ، وقاضياً ، وحاكماً إلى آخر ما هنالك من مهمات صرح بها القرآن الكريم ، ولهج بها النبي العظيم صلى الله عليه وآله وسلم .
كما أنه لم يأخذ بنظر الاعتبار تأكيدات القرآن والرسل على بشريتهم : ﴿ ... قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً ﴾ 1 ﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً ﴾ 2 .
﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ﴾ 3 .
إلى آخر ما هنالك من آيات لها هذا الطابع ، أو تصب في هذا الاتجاه .
وفي مقابل ذلك ، فإننا لا نوافق الآخرين أبداً ، بل نخطؤهم بقوة في نظرتهم المادية إلى الأئمة عليهم السلام ، بعيداً عن عنصر الغيب ، والكرامات الإلهية فيفسرون مواقفهم عليهم السلام وكل سلوكهم ، وأنحاء تعاملهم ، ويفهمونها على أساس مادي ، خاضع لحسابات رياضية ، له آثار ونتائج طبيعية وذاتية بالدرجة الأولى .
وهم يتجاهلون بذلك هاتيك النصوص التي لها طابع غيبي ، على أساس الألطاف الخفية ، والكرامة الإلهية لعباد الله الأصفياء ، وحججه على عباده ، وأمنائه في بلاده .
فلا يكاد يقترب من تلك النصوص والآثار التي تسجل ـ على سبيل المثال ـ حقيقة : أنه يوم قتل الحسين عليه السلام لم يرفع حجر في بيت المقدس إلا ووجد تحته دم عبيط .
ثم ظهور الحمرة في يوم عاشوراء ، وقول زينب عليها الصلاة والسلام لابن زياد أفعجبتم أن مطرت السماء دماً ولا يتصدى لبحث ذلك وتأييده ، أو رده وتفنيده وليفترض لنا أن زينب عليها السلام إنما تفترض الحدث ولا تنقله وتسجله على أنه حقيقة واقعة .
وهم أبعد ما يكونون عن الحديث عن كلام الرأس المقدس فوق الرمح بالآية الكريمة :
﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ﴾ 4 .
بالإضافة إلى حديث ارتفاع جدران المسجد ، حينما همت عليها السلام بالدعاء على الذين يضطهدون أمير المؤمنين عليه السلام ، ويغتصبون حقه ، بعد ضربهم لها وإسقاطهم جنينها حين وفات أبيها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .
إلى غير ذلك من نصوص وآثار ، تشير إلى ظهور الكرامات ، وخوارق العادات لهم عليهم السلام ، وشمول الله لهم بألطافه الخفية ، تماماً كتلك المعجزات والكرامات التي سجلها القرآن للأنبياء ، كما في قضية عصا موسى ، ونقل عرش ملكة سبأ ، وغير ذلك .
نعم . . إن هؤلاء الباحثين والكتاب ، لا يكادون يقتربون من النصوص التي لها هذا الطابع ، وتصب في هذا الاتجاه ، حتى كأنهم لا يريدون الاعتراف بها ، أو أنهم يخجلون من وجودها . تماماً كخجل البعض منهم وإبائه من طرح موضوع الإمام المهدي الغائب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين في أي من كتبه وأبحاثه ، متمحلاً أعذاراً واهية لا تسمن ولا تغني من جوع .
ولا ندري إن كان بعد ثبوت صحة هذه النصوص ، وسلامتها ، يمكن لهؤلاء أن لا يعتبروها جزءاً من تاريخ الأئمة ، ومن حياتهم .
وأخيراً . .
فإننا نؤكد لهؤلاء ولغيرهم على حقيقة : أن الأئمة عليهم السلام إنما يمثلون الرعاية الإلهية لإنسانية الإنسان ، من خلال الاعتراف بواقعية وجوده المادي ، ثم الانطلاق بهذا الواقع بالذات ، والسمو به إلى المطلق إلى رحاب الله سبحانه ، من خلال الإمداد الغيبي حيث يكون ذلك ضرورياً ، وإكرامه بالكرامات الظاهرة واكتنافه بالألطاف الإلهية الخفية اللامحدودة ، حيث يصبح محلاً وأهلاً لها .
أما أولئك الذين يحجمون دور الأئمة ، ويقصرونه على الأخلاق ، مثلاً أو على الدور الاجتماعي ، أو خصوص التحرك السياسي مثلاً ، ويصبون كل تصوراتهم في هذا القالب المحدود أو ذاك ، فإنما يقدمون للآخرين صورة تفقد معظم معالمها الأساسية ، ولا يمكن أن يعكس بحث كهذا واقع حياتهم ، وحقيقة دورهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
مدخل دراسة ، تعوزه الفهرسة
ولقد كان بودي ان أسهم بدوري ببحوث تتناول بعض جوانب حياتهم عليهم السلام . وهذه أمنية عزيزة علي ، وأثيرة لدي . وقد كنت قبل سنوات قد سجلت بعض النقاط ، المؤهلة للبحث بصورة أكثر إلحاحا ، على أن تمثل بمجموعها مدخلاً معقولاً لدراسة حياتهم عليهم السلام ، وإن كانت ربما تكون لا تستوعب كل ما يجب ، وما ينبغي .
وقد بقيت هذه النقاط متناثرة تائهة ، يعوزها التنسيق ، والتبويب والفهرسة وقد سنح بخاطري الآن أن أقدمها إلى القراء كما كانت عليه ، عل أن ينفع الله بها ، من يسعفه التوفيق للبحث والتقصي في حياتهم صلوات الله وسلامه عليهم .
والنقاط هي التالية :
1 ـ إن من الطبيعي إعطاء لمحة عن تواريخهم عليهم الصلاة والسلام كيوم الولادة ، ويوم الوفاة ، والسنة والشهر ، ومحل السكنى والأولاد والزوجات ، والأصحاب وسائر النقاط التي تمثل الجانب الفردي والشخصي لهم عليهم السلام .
وذلك بصورة علمية صحيحة ، فيها من التحقيق ، ما يزيل شبهة وريب أو ترديد .
2 ـ لماذا تعدد الأئمة عليهم السلام ، سؤال لابد من الإجابة عليه . . وهل يمكن أن يكون لما نراه من اختلاف وتميز المواقف لكل إمام بالنسبة للإمام الآخر ، فهذا تراه يهتم بالتربية العقائدية ، وذاك يهتم بنشر المعارف الفقهية ، وثالث يهتم بالناحية السياسية ، إلى غير ذلك مما تفرضه عقليات ، وحاجات الأمة في الأزمنة المختلفة ـ هل يمكن أن يكون لذلك صلة بتعدد الأئمة عليهم السلام ، أم أن ذلك لمحض الصدفة واقتضاء الحالات والظروف الطارئة ؟ مع العلم بأن بعض الأئمة قد تصدوا لأكثر من مجال أيضاً .
3 ـ بيان الطرق التي اتبعها الأئمة لمعالجة الانحرافات الفكرية ، وإيراد أمثلة على ذلك ، سواء في النواحي العقائدية ، أو الفقهية ، أو في التفسير ، أو في السلوك الإنساني ، والأخلاقيات ، أو في المواقف من القضايا الحساسة والمصيرية ، وغير ذلك .
4 ـ محاولاتهم طرح الإسلام العملي ، الذي يرتبط بالغيب ، ويندفع نحوه ، مع مقارنة بين ذلك وبين ظاهرة التصوف الذي اهتم بالرياضة الروحية ، وأهمل الجانب الثقافي والعلمي . وبيان الفوارق بينهما وكذلك الحال بالنسبة لذلك الإسلام النظري الذي اهتم بالناحية الثقافية والعلمية ، وحشر المفاهيم الجافة والنظريات الفارغة من النفحات الروحية ، ومن الارتباط بالغيب .
5 ـ الملاحظة الدقيقة لموقفهم عليهم السلام من أهل الحديث ، ومن المعتزلة ، وسائر الحركات الدينية والفكرية والفرق المختلفة التي كانت تحاول فرض نفسها ، وبلورة أفكارها هذا بالإضافة إلى مواقفهم عليهم السلام من الفقهاء المنحرفين ، وعلماء السوء ، ووعاظ السلاطين .
6 ـ ولابد أيضاً من إلماحة سريعة إلى سر موقفهم (ع) السكوت في قضية خلق القرآن ، وسبب أمرهم شيعتهم بعدم التدخل في الجدل القائم حولها .
مع إلماحة سريعة بأهداف طرح مسألة كهذه ، ثم النتائج التي تحققت في هذا الاتجاه .
7- ثم هناك موقفهم عليهم السلام من الثقافات الغربية الوافدة عن طريق أهل الكتاب ، وعن طريق الترجمات لكتب سائر الأمم ، أو اختلاط المسلمين بعد الفتوحات ، وغيرها بالأمم الأخرى ، وإطلاعهم على ما عندها من أفكار ومذاهب .
ولا يجب أن ننسى مواقفهم عليهم السلام من التحريفات ، التي كان يتعرض لها الإسلام الخالص من قبل اليهود والنصارى الذين أظهروا الإسلام . ومن قبل القصاصين ، وأهل الحديث من طالبي الشهرة والمال ، وكذلك تحريف الحكام والسلاطين للإسلام ، ليوافق مذاهبهم ومشاربهم السياسية ، ويخدم طموحاتهم ، وتوجهاتهم السياسية ، ومصالحهم الشخصية ، أو القبلية والإقليمية .
8 ـ ولابد من بيان موقفهم من تفسير القرآن بصورة غير واقعية ، ومن التلاعب بالسنة النبوية الشريفة .
ثم التعرف على الموازين والمعايير والضوابط التي اتبعوها أو أرشدوا إليها والتي يتمكن الناس من خلالها من معرفة ذلك الجانب العريض من النصوص ، واستبعاده كما ويتمكن شيعتهم بواسطتها من فهم القرآن فهماً سليماً غير متأثر بما هو غريب عن الدين وتشريعاته ، وعن الإسلام ومفاهيمه .
ودراسة قضية الكندي هنا تصبح ضرورية لفهم بعض أساليب الأئمة في مواجهة حالات الإنحراف الفكري ، إذا كانت منطلقة من شبهة ، ولم يكن له خلفيات ، ذات طابع غير أخلاقي ، ولا إنساني .
9 ـ كما لابد من دراسة السر في أنهم عليهم السلام لم يتركوا للناس آثاراً مكتوبة ، مادام أن ذلك يحسم النزاع في أمور كثيرة . مع ان تدوين العلوم كان في زمنهم على قدمٍ وساق ، ورغم أن أمير المؤمنين عليه السلام قد كتب الجفر والجامعة وغير ذلك ، لكن ما كتبه عليه السلام قد بقي عندهم ، ولم يتجاوزهم إلى غيرهم .
وذلك يحتم دراسة صحيفة الرضا عليه السلام ، وغير ذلك مما ينسب إليهم عليهم الصلاة والسلام لمعرفة إن كانت من إملاءاته ، أم أنها من مكتوباته ، وقد بقيت لأنه كان ثمة فرق بين هذا العلم وذاك ، او بين عصر وآخر ، لابد من تحقيق ذلك وإيضاحه .
أضف إلى ذلك : أننا نجدهم عليهم السلام يشجعون شيعتهم باستمرار على تدوين العلوم ، واتقانها ، لابد من تفصيل وقائع ذلك بصورة واضحة .
10 ـ لابد من البحث حول كرامات الأئمة عليهم السلام ، والإجابة على سؤال : هل كان الأئمة بحاجة إلى ظهور تلك الكرامات على أيديهم ؟ وما الفرق بين الكرامة والمعجزة ؟ ثم ما الفرق بين كراماتهم وبين ما ينسب إلى غيرهم من المتصوفة وسواهم . وهل كان ذلك صحيحاً ؟ أم أن كرامات الصوفية وغيرهم موضع شك وريب ؟ لابد من ذكر مبررات ذلك إن كان . وإذا كان ثمة مبالغات غير معقولة ، فلابد من الإشارة إلى ذلك مع التركيز على فهم ظروفه ومبرراته .
كما أنه لابد من دراسة ما ينسب إلى المرتاضين حتى من غير المسلمين من خوارق . . وكذا ما ربما يقال من حصوله لبعض غير المسلمين ممن لهم اعتقادات غير صحيحة .
وهل يدخل في هذا المورد ـ الكرامات ـ اخباراتهم عليهم السلام بالأمور الغيبية وعن المستقبل ، وهل كانت ذلك من هذا الباب ، أم أن بعضه من العلم الخاص ، وبعضه ليس من هذا ولا ذاك ، وإنما هو معرفة للنتائج من خلال دراسة الظروف الموضوعية بدقة ووعي ؟!
كما انه لابد من معرفة السبب في أن علياً عليه السلام قد كان يهتم بإظهار هذا الأمر ، أعني الأخبار بالمغيبات ، وقد كان يهتم بإظهار هذا الأمر ، أعني الإخبار بالمغيبات ، وقد بلغت إخباراته حداً جعل بعض الناس يتهمونه بالتكهن وحتى بالكذب ـ والعياذ بالله ـ .
مع ذكر نماذج مما تحقق من إخباراته الغيبية عليه الصلاة والسلام .
11 ـ حدود علوم الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم وكيفية علمهم مع تسجيل الملاحظة التي تقول : إنهم عليهم السلام كانوا باستمرار يؤكدون على أن لديهم من العلوم والمعارف الخاصة ما ليس عند غيرهم ، وأنهم إنما تلقوا ذلك من رسول الله (ص) الذي هو مصدر الوحي ، ومن ذلك قولهم : إن عندهم الجفر والجامعة كتاب علي (ع) وغير ذلك . وما هو السر في ذلك ؟
12 ـ محاولة إعطاء وصف دقيق ـ مع الأمثلة الكثيرة ـ لشخصياتهم في أبعادها المختلفة ، وإبراز فضائلهم ومزاياهم النفسية ، بالإضافة إلى التعرف على سلوكهم الإنساني والأخلاقي .
ثم إعطاء تصور عن حياتهم الخاصة ، ووصف دقيق لتعاملهم مع أبنائهم وسائر أفراد عوائلهم ، وحركاتهم داخل بيوتهم ، وتصرفاتهم مطلقاً ، حتى مع ضيوفهم ، أو حينما يكون ثمة ما يوجب فرحاً وسروراً أو حزناً وجزعاً .
13 ـ ملاحظة مصادر أموالهم وحجمها ، من اين كانوا يحصلون عليها وكيف ؟ وفي أي شيء كانوا ينفقونها ؟ وما هو مدى تأثير المال في حياتهم وفي روحياتهم ونفسياتهم ؟
ثم الإشارة إلى حقيقة موقفهم من عطايا الحكام ، ومتى تقبلوها ، ولماذا ؟ وهل كان رفضهم لها يعني ـ بنظر الحاكم الظالم ـ تحدياً ، وإعلاناً للحرب ضده .
ولابد من معرفة السر في أن أمير المؤمنين عليه السلام قد كان ينفق على نفسه من أمواله في المدينة ، وهل كان يأخذ من بيت المال عطاءً ، وفي أي شيء كان ينفقه ، وكيف جاز له أخذ العطاء ، إذا كان يملك من البساتين ما تقدر صدقته ، أو غلته بأربعين ألف دينار في السنة ؟! وهل كانوا عليهم السلام يتناولون من الخمس شيئاً ، وكذا من غيره من الحقوق الشرعية ، ولماذا ؟
هذا بالإضافة إلى توضيح كيف أنهم عليهم السلام كانوا يصرون على العمل في مزارعهم وبساتينهم بأنفسهم .
ثم البحث عن سرّ مطالباتهم ببعض ما انتزع منهم من أراضٍ ، وماذا كان مصير الخمس في عهد علي عليه السلام .
14 ـ أساليبهم التربوية لشيعتهم ، وأسس وأساليب تعاملهم معهم . وكيفيات ربطهم الناس بقضية أهل البيت عليهم السلام ، عقائدياً وعاطفياً وثقافياً وغير ذلك ، وتأثيرات هذه المركزية الدينية على الحالة الفكرية وعلى الانسجام في الفهم للأمور وفي المواقف والتطلعات ، والآمال هذا إلى جانب موقفهم من كل الثقافات الأخرى وأن كل ما لا يخرج من هذا البيت فهو زخرف ، ومدى تأثير ذلك في صيانة الفكر والعقائد ، والمفاهيم لدى الناس الذين كانوا مرتبطين بهم .
15 ـ هذا بالإضافة إلى تسليط الضوء على الحالة التنظيمية الدقيقة التي ركزوها فيما بين شيعتهم ، والماحة إلى دور وكلائهم في مختلف الأقطار ، وحدود صلاحيات ووظائف أولئك الوكلاء ، ثم معالجات الأئمة عليهم السلام للخلافات التي ربما كانت تنشأ فيما بين هؤلاء الوكلاء ، مع التركيز الدقيق على الانضباطية في الحالة التنظيمية ، حتى إنهم ليرجعون الأموال لأحد الأشخاص ، ليدفعه إلى الوكيل الذي كان في بلد ذلك الشخص .
16 ـ الأساليب الحربية ، ومبادئ الحرب عندهم ، هذا بالإضافة إلى المبررات التي كانت تكفي ـ في رأيهم الذي هو رأي الإسلام ـ لخوض الحروب ومكابدة ويلاتها . هذا بالإضافة إلى بيان الحدود التي تفرض إيقاف تلك الحرب ، ومبررات التخلي عنها .
ووصف دقيق لتعاملهم الإنساني مع أعدائهم ، ورفض منطق التشفي ، وأسباب ذلك وتأثيراته .
17 ـ إبراز اهتمام الأئمة عليهم السلام بتربية متخصصين في العلوم والفنون ، فهذا متكلم ، وذاك فقيه ، وآخر كيميائي ، وهكذا . . ثم اهتمامهم في أن لا يتجاوز كل منهم حدود اختصاصه وإرجاع الآخرين حين تمس الحاجة إلى أصحاب الاختصاصات هذه كل حسب ما يتناسب مع ما يطلبه ويريده .
هذا . . إلى جانب إبراز المستوى الثقافي لأصحابهم عليهم السلام حتى لقد أصبحوا في عهد الإمام الصادق ، والكاظم عليهما السلام هم الطليعة المثقفة والواعية ، وأرباب الفكر والعلم في الأمة الإسلامية ، وهيمنوا على الثقافة العامة بصورة واضحة . ودراسة تأثيرات ذلك على صقل الفكر وانتقاء المقولات لدى أرباب الفرق والمذاهب الأخرى ، هذا . . بالإضافة إلى تاثيرات ذلك على السياسة والسياسيين ومواقفهم من الأئمة عليهم السلام ، ومن الشيعة بصورة عامة .
18 ـ بيان اهتمام الأئمة عليهم السلام بتعليل الأحكام الشرعية وغيرها ، حتى لقد ألفت الكتب فيما روي عنهم عليهم السلام من علل أو من حكم ودراسة الطابع والخصائص التي كانت تتميز به تلك التعليلات والموضوعات والنواحي التي أبرزتها أكثر من غيرها .
19 ـ بيان أنهم عليهم السلام كانوا لا يستعملون التقية في بعض القضايا الحساسة ، رغم خطورة ذلك على حياتهم ، كقضية : أنهم الأحق بالإمامة من كل أحد ، وقضية النص على علي عليه السلام فما هو سر ذلك ؟ وما هي الأساليب التي استفادوا منها لإقناع الناس بهذا الأمر الخطير . ثم إظهار أنهم كانوا يركزون في إثبات ذلك على أمرين :
أحدهما : إظهار وإثبات : أن لديهم علوماً خاصة ، ورثوها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا توجد لدى أي كان من البشر .
الثاني :قضية النص
20 ـ كيف لا يتم الإتصال فيما بين الأئمة عليهم السلام وبين القاعدة الشعبية ، وبسائر أفراد شيعتهم ، الذين كانوا في ضيق شديد ، ومحنة عظيمة من قبل حكام الجور ، وكثير منهم في السجون ، أو مشردون في البلاد .
مع إعطاء لمحة عن الأساليب والوسائل التي كان كبار شيعتهم يتوسلون بها للاتصال بهم ولاسيما في الظروف الصعبة والحرجة .
21 ـ لابد من إعطاء لمحة عن نشاطات الأئمة حينما كانوا في سجون الطواغيت ، سواء في ذلك نشاطاتهم فيما بين الناس الذين يسيرون في الخط الآخر ، أي في ركاب الحكام أو ينتمون إلى فرق أخرى ليست على علاقات طيبة مع خط أهل البيت عليهم السلام ، حتى لنجد يحيى بن خالد البرمكي يشكو إلى الرشيد بأن الإمام الكاظم وهو تحت هيمنتهم ، ورقابتهم قد أفسد عليهم قلوب شيعتهم .
22 ـ وبعد . . فإن الملاحظ هو : ان الإمام السجاد عليه السلام قد كان يهتم بالموالي وشرائهم وعتقهم بصورة متميزة عن باقي الأئمة باستثناء ما عرف عن أمير المؤمنين (ع) وكان يعلمهم ويثقفهم ، وكان يكتب ذنوبهم في كتاب ، ثم يذكرهم بها ويعتقهم وقد أعتق ألوفاً كثيرة منهم . لابد من دراسة دقائق تعامله (ع) معهم وظروف عتقه لهم وآثار هذا التعامل ودوافعه . مع الالتفات إلى ان هذا منه (ع) يجيء في وقت كان فيه الحكام يمارسون سياسة التمييز العنصري ، وتفضيل العرب على كل من سواهم .
ثم . . الإلماح إلى دور الموالي في نشر الإسلام ولاسيما التشيع لأهل البيت ، ثم ما كان لهم من دور في نشر الإسلام في الأمم الأخرى بصورة عامة .
كما أنه لابد من دراسة ظاهرة تزوج نفس الأئمة (ع) بغير العربيات بكثرة ، حتى أن عددا منهم قد ولد من هؤلاء النساء بالذات .
كما أن لمعرفة الأئمة بلغات الأمم آثار لها طابعها الخاص ، لابد من الإطلاع عليه والإلمام به وبمناشئه .
23 ـ ثم هناك موضوع التمهيد منهم عليهم السلام لغيبة الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه ، وكيف بدأوا يحتجبون عن الناس منذ عهد الإمام الهادي عليه السلام ، ليعودوا شيعتهم على هذه الظاهرة .
هذا بالإضافة إلى أن الإمام الجواد والهادي قد تصديا لمقام الإمامة في سن مبكر جداً ، أي في الخامسة أو فوقها بسنوات معدودة . مع ملاحظة مدى تأثير ذلك على موقف الشيعة وعلى فكرهم ، ثم على موقعهم بين أهل الملل الأخرى .
مع الإشارة إلى أن الإمام المهدي قد غاب وهو صغير السن ، وذلك بعد وفاة والده عليه السلام .
24 ـ ولابد من الحديث عن مساهمة الأئمة عليهم السلام في النهضة العلمية ، وعن تصريحاتهم أو تلميحاتهم إلى حقائق علمية ، لم يمكن اكتشافها ، أو فقل إدراكها إلا بعد قرون من الزمن . وعن بعض القواعد والمباني التي ساعدت على تحقق هذه النهضة العلمية ، مع ذكر أمثلة صريحة ويقينية في هذا المجال ، مع ملاحظة تنوع العلوم ، ومن اشتهر من أصحابه بالتصدي إليها كجابر بن حيان وغيره .
25 ـ ومن الأمور الجديرة بالبحث "الدعاء" عند الأئمة ، ولاسيما بالنسبة لأمير المؤمنين ، والسجاد ، والحسين عليهم السلام ، مع تقييم وبحث للصحيفة السجادية ، ومضامينها المختلفة ، وموضوعاتها المتنوعة ، السياسية ، والعقائدية ، والتربوية ، والأخلاقية وغير ذلك . مع الإشارة إلى ما يلاحظ من المد والجزر في مستوى اعتمادهم صلوات الله وسلامه على طريقة الدعاء في إبلاغ وتحقيق مقاصدهم الإعلامية والتعليمية والتربوية .
كما لابد من إلماحة ولو سريعة بما كان يعاني منه الناس من جهل مطبق ، وتجهيل متعمد لهم بالإضافة إلى ظاهرة التحريف التي كانت تستهدف الإسلام والمسلمين في تلك الفترة ، حتى إن بني هاشم ، وهم أقرب الناس إلى مصدر الوحي والتنزيل كانوا إلى أن مضت سبع سنين من إمامة الباقر عليه السلام لا يعرفون كيف يصلون ، ولا كيف يحجون .
كما أن من المفيد جداً تقديم دراسة لرسالة الحقوق للإمام السجاد ، ولعهد أمير المؤمنين عليه السلام للأشتر ، وتوحيد المفضل ، والرسالة الطبية الذهبية .
26 ـ وإذا كنا نجد : أنه لم يكن يعرف بإمامة السجاد سوى ثلاثة أشخاص ، أو خمسة ، حسب اختلاف النقل ، فلابد من معرفة الخطوات التي اتخذها الإمام السجاد عليه السلام لتهيئة الأجواء لمدرسة الباقر والصادق صلوات الله وسلامه عليهما .
مع أن الناس بعد قتل الحسين ، وبسبب السياسة الأموية البغيضة قد انصرفوا عن أهل البيت ، ولم يبق بينهم بنظرهم شخصية كبيرة تعنوا لها الحياة بالتسليم والخضوع وكيف استطاع السجاد عليه السلام أن يصبح الرجل العظيم الذي يجله حتى أعداؤه ومخالفوه أكثر من أي إمام آخر ، فهل كان ذلك لأنهم رأوا فيه انصرافاً عن طلب الحكم والسلطة ؟ أم لغير ذلك من الأمور .
وما هو مدى صحة ما يقال من أنه عليه السلام قد غاب عن الناس عشر سنين ليعيش في البادية ، وما هو تفسير ذلك على تقدير صحته .
27 ـ ما هي دوافع الحركات الشيعية وغيرها كالزيدية وكحركات الغلاة ، وكذلك سائر الحركات التي قامت ضد الحكم والحاكمين ، مثل حركات الخوارج ، وما هو موقف الأئمة (ع) من هذه الحركات ، وكيف كانوا يوفقون بين آرائهم فيها ، وبين حفظ موقعهم وهم يواجهون ظاهرة اندفاع الناس نحوها .
ولماذا نهى علي (ع) عن قتال الخوارج بعده . وما هو موقف الشيعة والأئمة فيهم .
28 ـ ولابد أيضاً من دراسة حقيقة موقف الأئمة من الحكام وموقف الحكام من الأئمة ، وكيف أمكن لهم الحفاظ على التشيع ، مع أنه كان يواجه الحكام على مدى التاريخ ، ومع ان التعاليم التي كان يؤمن بها الشيعة هي على النقيض تماماً مما يسعى الحكام له ، ويعملون من أجله .
وقد رأينا : أن حكومة الجبارين ما حاربت مذهباً إلا وخنقته في مهده ، وقطعت أوصاله ، إلا أن يسير في ركابها ويدور في فلكها ويجند نفسه ويحرف تعاليمه لتصبح في خدمتها ، وقد كان المعتزلة فرقة قوية في منطقها وكانت تملك هي مقاليد السلطة على مستوى الخلافة الإسلامية كلها ، ولكنها حين رأت السلطة : أنها في غنى عنها وناصرت خصومها فإنها أصبحت في خبر كان ، وأصبح أصحاب نحلة أهل الحديث ، وهي من السخافة بمكان هم المسيطرون ، وهم الحاكمون ، وبقيت نحلتهم ودامت ، وقعدت وقامت ، وإن كان الأشعري قد حاول طلاء وجهها ببعض الأصباغ التي لم تستطع التخفيف من بشاعة ملامحها ، حين يتأمل بها المتأملون ، ويلتفت إلى ملامحها الشوهاء الواعون . ولابد أيضاً من التوقف على الأساليب التي كان ينتهجها الحكام لإبعاد الناس عن الأئمة ، ومنها أسلوب التخويف والملاحقة كما أن من الضروري الإلفات إلى أن الشدة وغيرها من الأساليب كان الحكام يحاولون من خلالها إبعاد الناس عن أهل البيت عليهم السلام ، قد كانت تنتج عكس ما يريدون وخلاف ما كانوا إليه يطمحون ، حيث يزداد الناس في كثير من الأحيان تعلقاً بأهل البيت ، ثم محاولة تفسير ذلك بالشكل المعقول والمقبول .
مع تقديم أطروحة كاملة عن نظرتهم عليهم السلام إلى الحكم والحاكمين ، وعن الموقف الشرعي منهم ، وأساليب التعامل معهم .
29 ـ ومن اللازم أيضاً تفسير ظاهرة عدم ثورة الأئمة بعد الحسين (ع) على الحكام ، مع وجود ثورات كثيرة قام بها الزيدية وغيرهم .
كما أن من الضروري معرفة حقيقة موقف الأئمة من ثورة زيد والمختار ، وكذلك سائر الثورات التي كانت ترفع شعار الحق والعدل ، كثورة الحسين الهرش وثورة الحرة بالمدينة بالإضافة إلى ثورة الحسين بن علي في المدينة ، وسائر ثورات العلويين .
ولماذا كانوا عليهم السلام يرغبون باستمرار هذه الثورات ، ويقولون لشيعتهم : ما زالت الزيدية لكم وقاء أبداً ، ويقولون أيضاً : ما مضمونه ما زلت أنا و شيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد . أو نحو ذلك .
وكيف يمكن تفسير هذا الكلام ، وعلى أي معنى يحمل .
مع أننا لا نجد في علاقات نفس هذا الإمام بالثائرين ، ما يشجع ، أو ما يستحق أن يقال عنه : إنه علاقات طبيعية على أقل تقدير ، وذلك بسبب وجود كثير من الفجوات والمشاكل فيما بينه وبينهم .
30 ـ يضاف إلى ما تقدم : دراسة محاولاتهم عليهم السلام إدخال بعض الشخصيات الشيعية ـ ولو مع التقية ـ إلى المراكز الحساسة في الدولة التي يحكمها الظالمون ، كما هو الحال في ابن يقطين في دولة الرشيد العباسي . وقد بقي بعض الشيعة يحاولون النفوذ إلى بعض المراكز في الحكومات ، حتى بعد عصر الأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
ولكنهم في نفس الوقت يمنعون صفوان الجمال من كراء جماله لهارون الرشيد حتى أداء فريضة الحج ، فكيف نوفق بين هذين الموقفين .
ومن المفيد جداً أيضاً : التعرف على الأساليب العملية في مجال الدعوة ، والشعر ، والكرامات ، والإخبار بالمغيبات .
بل نجد عطاياهم للشعراء مثيرة للعجب ، لكثرتها ، حتى يرد سؤال : أليس الفقراء كانوا أولى بهذا المال من هذا الشاعر ؟
كما لابد من دراسة استشهادات علي عليه السلام والحسين كذلك لحديث الغدير في رحبة الكوفة وفي منى وغير ذلك من المواضع .
وهناك أيضاً موضوع تخصيص الإمام الباقر عليه السلام ثمان ماءة درهم يندبنه بعد موته في منى في موسم الحج لمدة عشر سنين .
هذا بالإضافة إلى حثهم الشديد والأكيد على إقامة مجالس العزاء والبكاء على الحسين عليه السلام .
إلى غير ذلك من أساليب تعليمية وإعلامية اختاروها في مجال دعوتهم إلى الله سبحانه ، وكلها مشروعة ، ومؤثرة .
32 ـ وإذا كان الاهتمام بالإبتعاد عن مذهب أهل البيت ، وبالجعل والاختلاق للحديث ـ قد تجلى في القرن الأول أكثر منه في الذي يليه فإننا نلاحظ قلة المأثورات في الفقه في القرن الأول ، ولم يكن ثمة تحديد واضح لكثير من المسائل والأحكام في تلك الفترة ، وقد يكون ذلك لأجل تفويت الفرصة على الوضاعين وأعداء الحق . وقد يكون لغير ذلك أيضاً . ثم بدأ التركيز على المسائل الفقهية وتحديدها ، وتحديد الحق في غيرها من المسائل العقائدية منها وغيرها ـ قد بدأ بعد ذلك القرن ، أي من زمن الباقر عليه السلام .
أو فقل بعد مضي سبع سنين من إمامته كما أشارت إليه بعض النصوص .
كما أن إظهار الجانب العقائدي السياسي والتدبيري قد كان في عهد الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام أكثر منه في عهد سائر الأئمة من ولده .
33 ـ كما لابد من دراسة مواقفهم عليهم السلام من الثقافات الوافدة ، والمعايير التي رسموها لشيعتهم لقبول ما يمكن قبوله منها ، ورد ما يجب ردّه ، مع بيان ما قبلوه مطلقاً ، وما قبلوه بشرط ، وما لم يقبلوه مطلقاً أيضاً .
34 ـ وأخيراً . . لابد من معالجة موضوع الغيبة وفوائدها وآثارها وكيف ربى الأئمة شيعتهم على الاستقلال الفكري ، بإعطائهم الضوابط والمعايير العامة التي تمكنهم ـ لو روعيت ـ من اتخاذ الموقف الصحيح في مختلف الحالات والظروف ، وعلى مر الزمان .
كما لابد من دراسة الزلزال الكبير الذي أحدثته الغيبة رغم الإعداد لها بإمامة الجواد والهادي وهما صغيران ، وباحتجاب العسكريين عن الناس أيضاً تمهيداً لذلك ، وغير ذلك مما يجده الباحث المتتبع 5 .
- 1. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 93 ، الصفحة : 291 .
- 2. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 94 ، الصفحة : 291 .
- 3. القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 9 ، الصفحة : 129 .
- 4. القران الكريم : سورة الكهف ( 18 ) ، الآية : 9 ، الصفحة : 294 .
- 5. السيد جعفر مرتضى العاملي ، قم المقدسة ، مقدمة كتاب حول حياة الأئمة ، لحجة الإسلام الشيخ رسول جعفريان .