نشر قبل 6 سنوات
مجموع الأصوات: 70
القراءات: 6922

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

حول اعراب كلمة (...والمقيمين...)

نص الشبهة: 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

﴿ لَٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ..

أ: لماذا جاءت عبارة ﴿ ... وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ... منصوبة لا مرفوعة؟!

ب: لماذا لم يأت ما بعدها منصوباً مثلها؟!

ج: كيف سيختلف المعنى لو كانت عبارة ﴿ ... وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ... مرفوعة؟!

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

الجواب: 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
بالنسبة للسؤال عن إعراب كلمة﴿ ... وَالْمُقِيمِينَ ...
نقول: إن كلمة:﴿ ... وَالْمُقِيمِينَ ... منصوبة بفعل مقدر، ككلمة «أَخُصُ»، أو ما بمعناها. وهذا النوع من التقدير معروف، ومتداول عند أهل اللسان في الموارد المشابهة.
وأما دوافع اختيار هذه الطريقة في البيان، فهي مختلفة بحسب الموارد، ولا شك في أن التعبير عن شدة الاهتمام بالمنصوب بالفعل المقدر، وبيان حساسيته، وتمييزه عما عداه هو الأمر الظاهر والعنوان العام لهذا النوع من البيانات..
وإذا أردنا أن نقترب إلى مضمون هذه الآية، فإننا نقول:
إن إقامة الصلاة إقامة حقيقية وواقعية، وتامة، لا يمكن أن تكون إلا من المعصوم، وربما يشير إلى ذلك قوله تعالى:﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 1
حيث اعتبرت هذه الآية أن للولاية ثلاثة أركان تعتمد عليها، وترتكز إليها، هي:
1 ـ فعل الإيمان عن قصد واختيار، حيث قال:﴿ ... وَالَّذِينَ آمَنُوا ... 1.. ولم يقل: والمؤمنون.. إذ إن كلمة ﴿ ... وَالْمُؤْمِنُونَ ... لا تشير إلى الإختيار والقصد، والالتفات والمعرفة بالإيمان، حيث يحتمل أن يكون الإيمان قد جاءهم بالوراثة العفوية، التي لا تحتاج إلى مبررات قصد، ومرجحات اختيار.. بخلاف قوله:﴿ ... وَالَّذِينَ آمَنُوا ... 1..
2 ـ إقامة الصلاة عن قصد واختيار، والتفات، وتعمد لهذه الإقامة.. حيث قال:﴿ ... وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ... 2، ولم يقل: يصلون. لأن الإنسان قد يفعل الصلاة، وتسقط عنه، ولكنها صلاة يشعر بالاضطرار إلى أدائها، ويقوم إليها بدون حماس ورغبة، بل باستثقال، ويؤديها بدون توجه، وخالية عن الروحانية، وليس لها أي أثر في حياته.
ولذلك لا تجد آية في القرآن تقول: صلوا. بل الآيات بصورة عامة تأمر بإقامة الصلاة. وإقامتها تعني تجسدها، وحضورها، وبعث القوة والنشاط فيها، وبعث نفحات القوة فيها، لتصبح متماسكة، وظاهرة للعيان.
والمعصوم هو القادر على إقامتها بصورة حقيقية بحيث تكون تامة القوة، ولا تعاني من أي وهن أو ضعف في أي من أجزائها وأركانها..
3 ـ أن يؤتي الزكاة، ولكن بحيث يكون هذا الإيتاء من تجليات تلك الصلاة، وفي حال حضورها وقيامها بصورة عملية، حضوراً فاعلاً ومؤثراً..
فلا يكون إيتاء الزكاة مجرد إعطاء للمال الذي قد يكون الباعث له أسباب مختلفة، بل لابد أن يكون إيتاءً ظاهر البواعث والمناشئ، واضح الغايات والأهداف، متمازجاً مع النفحات الروحية، وزاخراً بها، بل فانياً فيها.
وهذا لا يكون إلا من مثل الإمام علي صلوات الله وسلامه عليه..
ولأجل ذلك نلاحظ: أن أخطر قضية، وأعظم مقام، بعد مقام النبوة الخاتمة، قد منح لأمير المؤمنين استناداً إلى هذه الأمور الثلاثة، والتي هي نتيجة للعلم الإلهي والزهد والانقطاع إلى الله، وتصفيته وتزكية النفس والروح..
ولم ترد إشارة في هذا المورد بالذات إلى علي عليه السلام، ولا إلى تضحياته، وجهاده، ومناقبه، وفضائله، وكراماته، وزهده و.. و.. الخ. فإن العلم الغزير، والكثير، قد لا يكون هو الأمر الفاصل، في أمر الإمامة، وقد ألمح القرآن إلى ذلك الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها..
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ 3
وقال تعالى:﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ 4
كما أن كل جهاد وكل تضحية، وكل زهد وتوكل، وكل كرامة ومقام، فإنما هو مرتكز إلى تلك العناصر الثلاثة، ومنبثق منها، ومن جهة أخرى فإنه لا يمكن إيكال الأمر إلى الإيمان بما هو مجرد إيمان، ولو كان وراثياً وعفوياً، على غير معرفة وقصد، ومن دون ترجيح واختيار له، بل هو يحتاج إلى الصلاة والزكاة لتقويته وترسيخه، وبثه في كل كيان الإنسان ليسكن في كل وجوده، ويستقر في عمق وجدانه، وفطرته ومشاعره، وكيانه، ويكون هو العين التي يبصر بها، والأذن التي يسمع بها، واليد التي يبطش بها..
وهكذا يقال بالنسبة للإيمان باليوم الآخر.. وسائر ما ذكرته الآية.
فظهر بذلك أهمية إقامة الصلاة، ولزوم توجيه الأنظار إلى هذا الأمر وخطورته وقيمته، فصح أن يقول في الآية الكريمة التي هي مورد البحث: ﴿ ... وَالْمُقِيمِينَ ... 2بالنصب على تقدير «أخص:﴿ ... وَالْمُقِيمِينَ ... 2..
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين 5..