مجموع الأصوات: 18
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1370

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

العلوم الاجتماعية وظاهرة العنف

لقد توقفت العلوم الاجتماعية والإنسانية كثيراً أمام ظاهرة العنف، دراسة وتوصيفاً وتحليلاً. دراسة لمعرفة كيف تنشأ هذه الظاهرة وتتطور وتتجذر، وتوصيفاً لمعرفة ملامحها وأنماطها وصورها، وتحليلاً لمعرفة عناصرها ومكوناتها ومنطقها الداخلي. وقد عكست هذه العلوم خبرتها المعرفية والمنهجية في التعامل مع هذه الظاهرة، التي فرضت وجوداً يستدعي الاهتمام بها بدرجة عالية، بسبب حساسيتها وخطورتها من جهة، وبسبب آثارها وتداعياتها من جهة أخرى.
ولأن العنف ظاهرة قابلة للانقسام والتعدد من حيث توصيفاتها وأنماطها، لهذا فقد خضعت هذه الظاهرة إلى دراسات وتحليلات عديدة بحسب تعدد العلوم الاجتماعية والإنسانية. فعلماء النفس حاولوا دراسة هذه الظاهرة من ناحية دوافعها النفسية، باعتبار أن العنف في نظرهم يمثل سلوكاً عدوانياً له دوافعه النفسية الغريزية أو المكتسبة. الغريزية كالغضب والانفعال، والمكتسبة وهي تلك المؤثرات المتراكمة التي يتعرض إليها الفرد في داخل بيئته الأسرية، أو بيئته الاجتماعية، وحتى بيئته الإنسانية بعد أن تحول العالم إلى ما يشبه القرية الصغيرة مع شدة ما حصل فيه من تشابك وترابط. فالإنسان الذي يتعرض إلى العنف باستمرار، أو يعيش في بيئة يمارس فيها العنف، أو يكون معرضا لتأثيرات العنف المرئية والمسموعة والمقروءة، تكون له قابلية أكبر في أن يصدر منه سلوك عنيف في بعض المواقف والحالات، أو في كثير منها.
وعلماء الاجتماع حاولوا دراسة هذه الظاهرة من ناحية دوافعها الاجتماعية، باعتبار أن العنف يمثل ظاهرة اجتماعية تأثراً وتأثيراً، وليس مجرد ظاهرة فردية. تأثراً من حيث الدواعي والمسببات، وتأثيراً من حيث النتائج والتداعيات. وباعتبار أن العنف غالبا ما يتصل بمفهوم الجماعة، وخطورته حينما يظهر في سلوك الجماعات.
وعلماء السياسة حاولوا دراسة هذه الظاهرة أيضاً، باعتبارها ظاهرة سياسية لها دوافعها السياسية في أكثر الأحيان، وباعتبار أنها ترتبط بمفهوم السلطة من حيث التأثير عليها، أو من حيث العمل على الوصول إليها. وهكذا علماء القانون الخاص والعام، الجنائي والدولي، حاولوا دراسة هذه الظاهرة باعتبارها تتصف بسلوك يتجاوز القانون ويعتدي على حرمة النظام العام، وتترتب عليه إزهاق للنفوس، وتدمير للممتلكات، وتعطيل للأعمال، وإضرار بالاقتصاد الوطني وبالحياة الاقتصادية للمواطنين. وأصبحت تأثيراته وتداعياته تتجاوز حدود الدولة وتمتد إلى العلاقات الدولية.
بالإضافة إلى علماء التربية والأخلاق الذين حاولوا دراسة هذه الظاهرة باعتبارها تتسبب في إيذاء الآخرين والإضرار بهم، ولأنها تنطلق حسب رؤيتهم من دوافع عدوانية، ومن سلوك غير سوي طارىء أو راسخ. وتتشكل في سلوك عدواني، أو سلوك غير سوي يتناقض مع قيم التربية في بناء الإنسان الصالح، ومع قيم الأخلاق في تهذيب النفس وإصلاحها.
لهذا ينبغي الاستفادة من خبرات هذه العلوم ومعارفها ومنهجياتها في طرائق النظر لهذه الظاهرة، وأساليب التعامل معها، وفي فهمها وتوصيفها وتفسيرها1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ، العدد 13815.