مجموع الأصوات: 57
نشر قبل 3 سنوات
القراءات: 3841

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

العامل الاجتماعي والاقتصادي في تفسير ظاهرة العنف

يحاول هذا العامل الاجتماعي والاقتصادي أن يقدم تفسيراً لظاهرة العنف من جهتين، من جهة عامة، ومن جهة خاصة. من جهة عامة وترتبط بالبيئة الاجتماعية التي تكونت فيها ظاهرة العنف، ومحاولة البحث عن علاقة هذه الظاهرة بطبيعة التكوينات الاجتماعية والاقتصادية في تلك البيئة. وذلك لمعرفة وتحديد نوعية المؤثرات الاجتماعية والاقتصادية، وحجمها ووزنها في التأثير على تلك الظاهرة. ومن جهة خاصة وترتبط بظاهرة العنف نفسها باعتبارها تمثل ظاهرة اجتماعية، وترتبط بمفهوم الجماعة أو الجماعات. بمعنى أن من ينتهج مثل هذا السلوك يتشكلون في أنماط جماعية. والبحث من هذه الجهة يتصل في محاولة تفسير هذه الظاهرة والكشف عنها، بتطبيق المنظور الاجتماعي والاقتصادي عليها.
وفي نطاق هذا العامل الاجتماعي والاقتصادي هناك العديد من النظريات التي حاولت أن تقدم تفسيرات وتحليلات وحتى استشرافات لظاهرة العنف. الظاهرة التي استشرت وتوسعت بشكل فادح وخطير للغاية. ومن بين هذه النظريات، سوف أكتفي بالحديث عن ثلاث منها، قد تكون من أهم النظريات التي يرجع إليها المشتغلون في الدراسات الاجتماعية، والمطبقة في هذا الشأن.
النظرية الأولى: هناك من يرى أن ظاهرة العنف لها علاقة بطبيعة التكوين الاجتماعي الذي يتصل بجانب السن. وحسب هذه النظرية أن العنف يظهر عند الجماعات التي يغلب عليها أو على زعامتها الجيل الشاب. ويستدل على ذلك بأدلة حسية وموضوعية من الواقع التطبيقي، تفيد بأن معظم الجماعات التي سلكت نهج العنف هي جماعات شابة من حيث تكوينها البشري. وهذا يصدق على معظم الجماعات التي ظهرت في العالم العربي. وتعاضد هذه الأدلة بتحليلات تفيد أن بعض الجماعات تجاوزت وتخلت عن مسلك العنف حينما تجاوزت مرحلة التكوين الشبابي. وذلك باعتبار أن مرحلة الشباب هي المرحلة التي يغلب عليها الحماس والاندفاع، وسرعة الانفعال، وعدم تقدير المواقف والأمور بعقلانية هادئة وبنظر بعيد.
النظرية الثانية: وهناك من يرى أن ظاهرة العنف لها علاقة بطبيعة التكوينات الاجتماعية التي تتصل بجانب نوعية البيئة. وحسب هذه النظرية أن العنف يظهر غالباً عند الجماعات التي تنتمي إلى بيئات تتصف حياتها العامة بالقسوة والخشونة، كالبيئات التي لها تكوينات صحراوية أو جبلية. وتزداد القناعة بهذا الرأي عند الدارسين إذا صاحب تلك البيئات انخفاض وتراجع في مستويات التمدن العام. ولهذا يقال أن العنف في مصر ظهر في المناطق القبلية أكثر من المناطق البحرية لهذا السبب. وهكذا الحال في مناطق أخرى كالجزائر وأفغانستان.
النظرية الثالثة: وحسب هذه النظرية أن ظاهرة العنف لها علاقة بطبيعة التكوينات الاجتماعية الاقتصادية التي تتصل بالجانب الطبقي، ولهذا يظهر العنف غالباً عند الجماعات التي يغلب على تكوينها البشري الانتماء إلى الطبقة الفقيرة والمحرومة أو المتوسطة بصورة عامة، خصوصاً في البيئات التي يحدث فيها اختلالات طبقية حادة، وتتفاوت فيها الفوارق الاجتماعية بصورة كبيرة، كالذي حدث مع الظاهرة التي وصفت في العراق بالظاهرة الصدرية حيث غلب على تكوينها البشري من الطبقة الفقيرة والمحرومة، كما غلب على زعامتها جيل الشباب. وهكذا الحال في مناطق أخرى.
هذه هي أبرز النظريات التي تصنف على العامل الاجتماعي والاقتصادي في تفسير وتحليل ظاهرة العنف. وهي نظريات يمكن تطبيقها والاستفادة منها بطريقة نسبية، وكل واحدة منها تفسر جانباً أساسياً في الظاهرة، وليس كامل الظاهرة، أو الإحاطة التامة بها1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء 7 يوليو 2004م، العدد 13829.