حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام ومدّة بقائها بعد أبيها
لمّا قبض رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ونال الزهراء عليها السلام ما نالها من القوم ، لزمت الفراش ، ونحل جسمها ومرضت مرضاً شديداً 1 ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلىٰ أن توفيت ( صلوات الله عليها ) 2 وكان أمير المؤمنين عليه السلام يمرضها بنفسه ، وتعينه علىٰ ذلك أسماء بنت عميس 3.
فلمّا نعيت إليها نفسها ، أوصت أمير المؤمنين عليه السلام أن يتزوج بابنة أُختها أُمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لحبّها لأولادها ، وأن يتخذ لها نعشاً وصفته له ، وأن لا يدع أحداً يشهد جنازتها ممن ظلمها ، ولا يصلي عليها أحد منهم ، وأن يتولىٰ أمرها بنفسه ، ويدفنها في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار 4.
وروي أنّ أسماء بنت عميس هي التي وصفت صورة النعش لفاطمة عليها السلام قبل وفاتها ، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : « أول نعش أُحدث في الإسلام نعش فاطمة عليها السلام ، إنّها اشتكت شكوتها التي قبضت فيها ، وقالت لأسماء : إنّي نحلت وذهب لحمي ، ألا تجعلي لي شيئاً يسترني ؟
قالت أسماء : إنّي كنت بأرض الحبشة ، فرأيتهم يصنعون شيئاً ، أفلا أصنع لك ، فإن أعجبك صنعت لك ؟ قالت : نعم. فدعت بسرير فأكبّته لوجهه ، ثمّ دعت بجرائد فشددتها علىٰ قوائمه ، ثم جلّلته ثوباً ، فقالت : هكذا رأيتهم يصنعون.
فقالت عليها السلام : اصنعي لي مثله ، استريني سترك الله من النار » 5 .
قال ابن عباس رضياللهعنه : فقبضت فاطمة عليها السلام فارتجّت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء ، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم 6، واجتمعت نساء بني هاشم في دارها ، فصرخن صرخة واحدة ، كادت المدينة تتزعزع من صراخهن ، وهن يقلن : يا سيدتاه ، يا بنت رسول الله ، وأقبل الناس إلىٰ علي عليه السلام مثل عرف الفرس وهو جالس ، والحسن والحسين عليهم السلام بين يديه يبكيان ، فبكىٰ الناس لبكائهما.
وخرجت أُمّ كلثوم عليها السلام وعليها برقعها تجرّ ذيلها ، متجلّلة برداء عليها تسحبه ، وهي تقول : يا أبتاه ، يا رسول الله ، الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً 7.
وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام وقع علىٰ وجهه وهو يقول : « بمن العزاء يا بنت محمد ، كنت بك أتعزّىٰ ، ففيم العزاء من بعدك ؟ » 8.
واجتمع الناس وهم يرجون أن تخرج جنازة الزهراء عليها السلام فيصلّوا عليها ، فخرج أبو ذر رضياللهعنه وقال : انصرفوا ، فإنّ ابنة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قد أُخّر إخراجها في هذه العشية ، فقام الناس وانصرفوا 9.
غُسلها عليها السلام
لمّا توفيت فاطمة عليها السلام قام أمير المؤمنين عليه السلام بجميع ما أوصته ، فتولىٰ غسلها بنفسه 10، وكفّنها في سبعة أثواب 11. وقيل : أعانته علىٰ غسلها أسماء بنت عميس بوصية من الزهراء عليها السلام 12، وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر الحسن والحسين عليهما السلام يدخلان الماء 13، وكانت أسماء تصبّ عليه 14.
ولم يحضرها إلّا الحسن ، والحسين ، وزينب ، وأُمّ كلثوم ، وفضة جاريتها ، وأسماء بنت عميس 15.
وعن أُمّ سلمة ، وسلمىٰ امرأة أبي رافع ، وعبدالله بن محمد بن عقيل ، قالوا : إنّ الزهراء عليها السلام اغتسلت قبل مماتها كأحسن ما كانت تغتسل ، وتحنّطت ولبست ثيابها الجدد ، واستقبلت القبلة ، وقالت : « إنّي مقبوضة فلا أكشفن ، فاني قد اغتسلت » فتوفّيت عليها السلام وحملها علي عليه السلام بغُسلها 16.
وهذا الخبر معارض بما تقدّم من وصيتها بالغُسل ، وأنّ أمير المؤمنين عليه السلام تولّىٰ غسلها ، كما أنّ الحكم علىٰ خلافه ، إذ لا يجوز الدفن إلّا بعد الغسل سوىٰ في مواضع ليس هذا منها.
وأوّل العلّامة المجلسي رحمهالله هذا الخبر بكونها عليها السلام لم تنه عن الغسل ، بل نهت عن كشف بدنها لغرض التنظيف 17، فجمع بين الخبرين ، مستدلاً برواية ورقة بن عبدالله الأزدي ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : « والله لقد أخذت في أمرها ، وغسلتها في قميصها ، ولم أكشفه عنها ، فوالله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهّرة » 18.
وقال سبط ابن الجوزي : قد تكون مخصوصة بذلك 14، وبنحوه قال علي ابن عيسىٰ الاربلي 19.
وقال السيوطي : هذا حديث غريب ، وإسناده جيد... فإن صحّت هذه القصة ، عُدّ ذلك في خصائصها 20.
الصلاة عليها عليها السلام
تولّىٰ أمير المؤمنين عليه السلام الصلاة علىٰ فاطمة عليها السلام وكبر خمساً 21، وكان معه الحسن والحسين عليهما السلام 22 ونفر من بني هاشم ومن خواصه عليه السلام ، منهم العباس عمه ، وعقيل ، والفضل بن العباس ، وأبو ذر ، وسلمان ، والمقداد ، وحذيفة ، وعبدالله بن مسعود ، وعمّار ، والزبير ، وبريدة 23.
وقد وضع البعض رواية شاذة نادرة ، مفادها أن أبا بكر صلّىٰ علىٰ فاطمة عليها السلام وكبّر أربعاً 24. والهدف من وضع هذه الرواية واضح ، هو الدلالة علىٰ أن فاطمة عليها السلام ماتت وهي راضية عن الشيخين ، لكنها معارضة لما روي في الصحيح من أن الزهراء عليها السلام ماتت وهي ساخطة عليهما وأوصت أن لا يحضرا جنازتها ، ولا يصليا عليها ، ولمّا ماتت دفنها زوجها علي عليه السلام ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّىٰ عليها علي عليه السلام 25، وقد ردّ كثير من الأعلام هذه الرواية وكذّبوها 26.
قال سلامة الموصلي :
لمّا قضت فاطم الزهراء غسّلها عن أمرها بعلها الهادي وسبطاهـا
وقام حتىٰ أتىٰ بطن البقيع بها ليـــــــلاً فصـــــلّىٰ عليها ثمّ واراهـا
ولم يصلِّ عليها منهمُ أحـــــــدٌ حاشا لها من صلاة القوم حاشاها 27
دفنها
لمّا جنّ الليل ومضىٰ شطره ونامت العيون ، أخرجها أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام ومعهم نفر من بني هاشم وبعض من خواصّ أمير المؤمنين عليه السلام ، ودفنوها في جوف الليل ، وغيّبوا قبرها ، وسوّىٰ علي عليه السلام
حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتىٰ لا يعرف قبرها ، وسوّىٰ قبرها مع الأرض ليخفىٰ موضعه 28، وروي أنّه عليه السلام رشّ أربعين قبراً حتىٰ لا يبين قبرها من غيره من القبور فيصلّوا عليها 29.
وسُئل ابن عباس : متىٰ دفنتم فاطمة عليها السلام ؟ فقال : دفناها بليلٍ بعد هدأة.
قيل : فمن صلّىٰ عليها ؟ قال : علي عليه السلام 30.
قال الشيخ كاظم الاُزري رحمهالله :
و لأيّ الاُمــور تـــــــدفن ســــراً بضعة المصطفىٰ و يعفىٰ ثراها
فمضت وهي أعظم الناس وجداً في فم الدهر غصّة من جواها
وثوت لا يرىٰ لها الناس مثوىٰ أيّ قدس يضمّه مثواها 31
وعن الأصبغ بن نباته ، أنه سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن علّة دفنه لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ليلاً. فقال عليه السلام : « إنّها كانت ساخطة علىٰ قومٍ كرهت حضورهم جنازتها » 32.
وعن علي بن أبي حمزة ، قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام لأيّ علّة دُفِنت فاطمة بالليل ، ولم تدفن بالنهار ؟ فقال عليه السلام : « لأنّها أوصت أن لا يصلي عليها رجال » 33.
وهكذا يغيّب قبر أحبّ الناس إلىٰ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم وأعزّهم عليه في مجتمع لم يبل فيه قميص رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، فحُرِمت الاُمّة من قدس الزهراء عليها السلام وثواب زيارة بقعتها حتىٰ قيام الساعة.
لقد عبّرت الزهراء عليها السلام في وصيتها بتغييب قبرها عن مظلوميتها واغتصاب حقوقها ، فجعلت ذلك موضع تساؤل عبر الأجيال يحكي قصة ظلامة الزهراء عليها السلام وهضم حقوقها والاعتداء عليها ، وقد بانت آثار ذلك منذ صبيحة الليلة التي دفنت فيها.
روىٰ محمد بن همام باسناده عن رجاله ، قال : إنّ المسلمين لما علموا وفاة فاطمة عليها السلام جاءوا إلىٰ البقيع ، فوجدوا فيه أربعين قبراً ، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور ، فضجّ الناس ، ولام بعضهم بعضاً ، وقالوا : لم يخلف نبيكم إلّا بنتاً واحدة ، تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها ولا دفنها ولا الصلاة عليها ، ولا تعرفوا قبرها ؟! 34 35.
- 1. راجع الرويات في هذا المعنىٰ في الاحتجاج / الطبري : 83 ودلائل الإمامة / الطبراني : 134. وكتاب سليم : 40. ودعائم الإسلام 1 : 232. ووصفت عليها السلام بالشهيدة في كثير من الروايات والزيارات. راجع الكافي 1 : 458 / 2. والمزار / المفيد : 156. والمقنعة / المفيدة : 459. وتهذيب الأحكام / الطوسي 6 : 10 / 19. والبلد الأمين / الكفعمي : 178.
- 2. روضة الواعظين / الفتال : 151. والمناقب / ابن شهرآشوب 3 : 362. وبحار الأنوار 43 : 191 / 20.
- 3. أمالي المفيد : 281 / 7. وأمالي الطوسي : 109 / 166. وبحار الأنوار 43 : 211 / 40. وقيل : إنّ أسماء التي حضرت زواج الزهراء عليها السلام ووفاتها ، هي غير أسماء بنت عميس ، فلعلّها مصحفة عن سلمىٰ امرأة أبي رافع ، أو سلمىٰ بنت عميس امرأة حمزة ( رضي الله عنه ) ، أو أسماء بنت يزيد بن السكن.
- 4. روضة الواعظين / الفتال : 151. والمناقب / ابن شهرآشوب 3 : 362. وأمالي المفيد : 281 / 7. وأمالي الطوسي : 109 / 166. وبحار الأنوار 43 : 181 و 192 و 211 / 40.
- 5. تهذيب الأحكام / الطوسي 1 : 469 / 185. وبحار الأنوار 43 : 213 / 43. وراجع أيضاً كشف الغمة / الاربلي 1 : 503 ـ 504. ومستدرك الحاكم 3 : 162. وحلية الأولياء / أبو نعيم 2 : 43. والاستيعاب / ابن عبد البرّ 4 : 378. ومقتل الحسين عليه السلام / الخوارزمي 1 : 82. وفاء الوفا / السمهودي 3 : 903 ـ 905. وذخائر العقبىٰ / المحب الطبري : 54.
- 6. كتاب سُليم : 213. وبحار الأنوار 43 : 199.
- 7. روضة الواعظين / الفتال : 151 ـ 152. وبحار الأنوار 43 : 192.
- 8. كشف الغمة 1 : 501. وبحار الأنوار 43 : 187.
- 9. روضة الواعظين / الفتال : 152. وبحار الأنوار 43 : 192.
- 10. راجع : الكافي / الكليني 1 : 459 / 4. وعلل الشرائع / الصدوق : 184 / 1 ـ باب (148). وكشف الغمة / الاربلي 1 : 502. وتهذيب الأحكام / الطوسي 1 : 440 / 67. ودلائل الإمامة / الطبري : 136. وتاج المواليد / الطبرسي : 98 ـ ضمن مجموعة نفيسة. والاستيعاب / ابن عبدالبر 4 : 379. وتاريخ المدينة / ابن شبة 1 109. وفاء الوفا / السمهودي 3 : 903. وبحار الأنوار 43 : 184 و 188 و 206 / 32 و33 ، 81 : 299 / 18.
- 11. بحار الأنوار 43 : 201 / 30 ، 81 : 335 / 36.
- 12. الذرية الطاهرة / الدولابي : 152 / 202. والسنن الكبرىٰ / البيهقي 3 : 396. والمناقب / ابن شهرآشوب 3 : 364. وكشف الغمة / الاربلي 1 : 500. والاستيعاب / ابن عبدالبر 4 : 379. والإصابة / ابن حجر 4 : 378. وذخائر العقبىٰ / المحب الطبري : 53. وفاء الوفا / السمهودي 3 : 903. وبحار الأنوار 43 : 184 و 195 و 189 ، 81 : 300 / 18.
- 13. كشف الغمة / الاربلي 1 : 500. وبحار الأنوار 43 : 186 ، 81 : 300 / 18.
- 14. a. b. تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : 319.
- 15. دلائل الإمامة / الطبري : 136. وبحار الأنوار 43 : 171.
- 16. الأمالي / الطوسي : 400 / 893. وفاء الوفا / السمهودي 3 : 902 ـ 903. وتاريخ المدينة / ابن شبة 1 : 108. ومسند أحمد 6 : 461 ـ 462. ومقتل الحسين عليه السلام / الخوارزمي 1 : 81. والطبقات الكبرىٰ / ابن سعد 8 : 27. وأُسد الغابة 5 : 590. وذخائر العقبىٰ : 53. ومجمع الزوائد 9 : 210 ـ 211. والثغور الباسمة / السيوطي : 49. وكشف الغمة 1 : 501 ـ 502. وبحار الأنوار 43 : 172 / 12 و 183 و 187.
- 17. بحار الأنوار 43 : 172 و 188.
- 18. بحار الأنوار 43 : 179.
- 19. كشف الغمة 1 : 502. وبحار الأنوار 43 : 188.
- 20. الثغور الباسمة / السيوطي : 50.
- 21. كشف الغمة 1 : 502. وبحار الأنوار 43 : 188 ، 81 : 390 / 55.
- 22. دلائل الإمامة / الطبري : 136. وبحار الأنوار 43 : 171 / 11.
- 23. روضة الواعظين / الفتال : 152. ورجال الكشي : 7 / 13. والخصال / الصدوق : 360 / 50. والاختصاص / المفيد : 5. والمناقب / ابن شهرآشوب 3 : 363. وتاج المواليد / الطبرسي : 98 ـ 99. وبحار الأنوار 43 : 210 / 39.
- 24. الطبقات الكبرىٰ / ابن سعد 8 : 29.
- 25. راجع : صحيح البخاري 5 : 288 / 256 ـ كتاب المغازي. وصحيح مسلم 3 : 1380 / 1759 ـ كتاب الجهاد والسير. وسنن أبي داود 3 : 142 / 2968 ـ باب صفايا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. والمستدرك / الحاكم 3 : 162. وتاريخ المدينة / ابن شبة 1 : 110. والسيرة الحلبية 3 : 361 ـ 362. والكافي / الكليني 1 : 458. وعلل الشرائع / الصدوق : 185 و188 و189 ، ومضت في المبحث الأول المزيد من تخريجاته.
- 26. راجع : شرح ابن أبي الحديد 16 : 279 ـ 280. والشافي / المرتضىٰ 4 : 113.
- 27. المناقب / ابن شهرآشوب 3 : 363.
- 28. روضة الواعظين / الفتال : 152. وبحار الأنوار 43 : 193.
- 29. المناقب / ابن شهرآشوب 3 : 363. والشافي / المرتضىٰ 4 : 115. وتلخيص الشافي 3 : 130. ودلائل الإمامة / الطبري : 136. وبحار الأنوار 43 : 183.
- 30. الشافي / المرتضىٰ 4 : 113. وتلخيص الشافي / الطوسي 3 : 130. وشرح ابن أبي الحديد 16 : 279 ـ 280. والطبقات الكبرىٰ / ابن سعد 8 : 30.
- 31. الاُزرية : 141 ـ دار الأضواء.
- 32. الأمالي / الصدوق : 755 / 1018. والمناقب / ابن شهرآشوب 3 : 363. وبحار الأنوار 43 : 183. و209 / 37.
- 33. علل الشرائع / الصدوق 1 : 185 باب (149).
- 34. دلائل الإمامة : 136. وبحار الأنوار 43 : 212 / 41.
- 35. المصدر: كتاب سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام، للدكتور علي موسى الكعبي.













