حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
كيف قتل خليفة المسلمين سيدنا عثمان
و إذا ما سألت أحدهم كيف يقتل خليفة المسلمين سيدنا عثمان ذو النورين؟ فسيجيبك بأن المصريين - و هم كفرة - جاؤوا و قتلوه و ينهي الموضوع كله بجملتين .
و لكن عندما وجدت الفرصة للبحث و قراءة التاريخ وجدت أن قتلة عثمان بالدرجة الأولى هم الصحابة أنفسهم و في مقدمتهم أم المؤمنين عائشة التي كانت تنادى بقتله و إباحة دمه على رؤوس الأشهاد فكانت تقول " اقتلوا نعثلا فقد كفر " 1.
كذلك نجد طلحة و الزبير و محمد بن أبي بكر و غيرهم من مشاهير الصحابة و قد حاصروه و منعوه من شرب الماء ليجبروه على الاستقالة ، و يحدثنا المؤرخون أن الصحابة هم الذين منعوا دفن جثته في مقابر المسلمين فدفن في " حش كوكب " بدون غسل و لا كفن ، سبحان الله ، كيف يقال لنا إنه قتل مظلوما و أن الذين قتلوه ليسوا مسلمين ، و هذه القضية هي الأخرى كقضية فاطمة و أبي بكر ، فإما أن يكون عثمان مظلوما و عند ذلك نحكم على الصحابة الذين قتلوه أو شاركوا في قتله بأنهم قتلة مجرمون لأنهم قتلوا خليفة المسلمين ظلما و عدوانا و تتبعوا جنازته يحصبونها بالحجارة و أهانوه حيا و ميتا أو أن هؤلاء الصحابة استباحوا قتل عثمان لما اقترفه من أفعال تتنافى مع الإسلام كما جاء ذلك في كتب التاريخ ، و ليس هناك احتمال وسط إلا إذا كذبنا التاريخ و أخذنا بالتمويه " بأن المصريين و هم كفرة هم الذين قتلوه " .
و في كلا الاحتمالين نفي قاطع لمقولة عدالة الصحابة أجمعين دون استثناء فأما أن يكون عثمان غير عادل أو يكون قتلته غير عدول و كلهم من الصحابة و بذلك تبطل دعوانا .
و تبقى دعوى شيعة أهل البيت القائلين بعدالة البعض منهم دون الآخر .
و نتساءل عن حرب الجمل التي أشعلت نارها أم المؤمنين عائشة إذ كانت هي التي قادتها بنفسها ، فكيف تخرج أم المؤمنين عائشة من بيتها التي أمرها الله بالاستقرار فيه بقوله تعالى : ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ... ﴾ 2 .
و نسأل بأي حق استباحت أم المؤمنين قتال خليفة المسلمين علي بن أبي طالب . و هو ولي كل مؤمن و مؤمنة .
و كالعادة و بكل بساطة يجيبنا علماؤنا بأنها لا تحب الإمام عليا لأنه أشار على رسول الله بتطليقها في حادثة الإفك ، و يريد هؤلاء إقناعنا بأن هذه الحادثة " إن صحت " و هي إشارة علي على النبي بتطليقها كافية بأن تعصي أمر ربها و تهتك سترا ضربه عليها رسول الله ، و تركب جملا نهاها رسول الله أن تركبه و حذرها أن تنبحها كلاب الحوأب 3 ، و تقطع المسافات البعيدة من المدينة إلى مكة و منها إلى البصرة ، و تستبيح قتل الأبرياء و محاربة أمير المؤمنين و الصحابة الذين بايعوه ، و تتسبب في قتل ألوف المسلمين كما ذكر ذلك المؤرخون 4 كل ذلك لأنها لا تحب الإمام عليا الذي أشار بتطليقها و مع ذلك لم يطلقها النبي ، فلماذا كل هذه الكراهية و قد سجل المؤرخون لها مواقف عدائية للإمام علي لا يمكن تفسيرها ، فقد كانت راجعة من مكة عندما أعلموها في الطريق بأن عثمانا قتل ففرحت فرحا شديدا و لكنها عندما علمت بأن الناس بايعوا عليا غضبت و قالت : وددت أن السماء انطبقت على الأرض قبل أن يليها ابن أبي طالب و قالت ردوني و بدأت تشعل نار الفتنة للثورة على علي الذي لا تريد ذكر اسمه كما سجله المؤرخون عليها ، أفلم تسمع أم المؤمنين قول الرسول ( صلى الله عليه و آله ) : " بأن حب على إيمان و بغضه نفاق 5 حتى قال بعض الصحابة : " كنا لا نعرف المنافقين إلا ببغضهم لعلي " .
أو لم تسمع أم المؤمنين قول النبي : " من كنت مولاه فعلي مولاه " ... إنها لا شك سمعت كل ذلك و لكنها لا تحبه و لا تذكر اسمه بل إنها لما سمعت بموته سجدت شكرا لله 6.
و دعني من كل هذا فأنا لا أريد البحث عن تاريخ أم المؤمنين عائشة و لكن أريد الاستدلال على مخالفة كثير من الصحابة لمبادئ الإسلام و تخلفهم عن أوامر رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، و يكفيني من فتنة أم المؤمنين دليل واحد أجمع عليه المؤرخون ، قالوا لما جازت عائشة ماء الحوأب و نبحتها كلابها تذكرت تحذير زوجها رسول الله و نهيه إياها أن تكون هي صاحبة الجمل ، فبكت و قالت ردوني ، ردوني .
و لكن طلحة و الزبير جاءاها بخمسين رجلا جعلا لهم جَعْلاً ، فأقسموا بالله أن هذا ليس بماء الحوأب فواصلت مسيرها حتى البصرة ، و يذكر المؤرخون أنها أول شهادة زور في الإسلام 7.
دلونا أيها المسلمون يا أصحاب العقول النيرة على حل لهذا الإشكال ، أهؤلاء هم الصحابة الأجلاء الذين نحكم نحن بعدالتهم و نجعلهم أفضل البشر بعد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ! فيشهدون شهادة الزور التي عدها رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) من الكبائر الموبقة التي تقود إلى النار .
و السؤال نفسه يعود دائما و يتكرر أيهم على الحق و أيهم على الباطل ، فإما أن يكون علي و من معه ظالمين و على غير الحق ، و إما أن تكون عائشة و من معها و طلحة و الزبير و من معهم ظالمين و على غير الحق و ليس هناك احتمال ثالث ، و الباحث المنصف لا أراه إلا مائلا لأحقية علي الذي يدور الحق معه حيث دار ، نابذا فتنة " أم المؤمنين عائشة " و أتباعها الذين أوقدوا نارها و ما أطفأوها حتى أكلت الأخضر و اليابس و بقيت آثارها إلى اليوم .
و لمزيد البحث و ليطمئن قلبي أقول أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر ، قال : لما سار طلحة و الزبير و عائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر و الحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه و قام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه فسمعت عمارا يقول : إن عائشة قد سارت إلى البصرة و والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا و الآخرة ، و لكن الله تبارك و تعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي 8.
كما أخرج البخاري أيضا في كتاب الشروط باب ما جاء في بيوت أزواج النبي ، قال : قام النبي ( صلى الله عليه و آله ) خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال هاهنا الفتنة ، هاهنا الفتنة ، هاهنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان 9.
كما أخرج البخاري في صحيحه عنها أشياء عجيبة و غريبة في سوء أدبها مع النبي حتى ضربها أبوها فأسال دمها و في تظاهرها على النبي حتى هددها الله بالطلاق و أن يبدله ربه خيرا منها و هذه قصص أخرى يطول شرحها .
و بعد كل هذا أتسأل كيف استحقت عائشة كل هذا التقدير و الاحترام من أهل السنة و الجماعة ، أ لأنها زوج النبي ، فزوجاته كثيرات و فيهن من هي أفضل من عائشة بتصريح النبي نفسه 10.
أم لأنها ابنة أبي بكر ! أم لأنها هي التي لعبت الدور الكبير في إنكار وصية النبي لعلي حتى قالت عندما ذكروا عندها أن النبي أوصى لعلي : قالت من قاله ؟ لقد رأيت النبي ( صلى الله عليه و آله ) و إني لمسندته إلى صدري فدعا بالطست فانحنى فمات فما شعرت فكيف أوصى إلى علي 11.
أم لأنها حاربته حربا لا هوادة فيها و أولاده من بعده حتى اعترضت جنازة الحسن سيد شباب أهل الجنة و منعت أن يدفن بجانب جده رسول الله قائلة : لا تدخلوا بيتي من لا أحب و نسيت أو تجاهلت قول الرسول فيه و في أخيه : " الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة " ، أو قوله : " أحب الله من أحبهما و أبغض الله من أبغضهما " ، أو قوله : " أنا حرب لمن حاربكم و سلم لمن سالمكم " ، و غير ذلك كثير لست في معرض الكلام عنه ... كيف لا و هما ريحانتاه من هذه الأمة .
و لا غرابة فقد سمعت في حق علي أضعاف ذلك و لكنها و رغم تحذير النبي ( صلى الله عليه و آله ) لها ، أبت إلا محاربته و تأليب الناس عليه و إنكار فضله و فضائله . و من أجل ذلك أحبها الأمويون و أنزلوها تلك المنزلة العظيمة التي تقصر عنها المنازل و رووا في فضلها ما ملأ المطامير و سارت به الركبان حتى جعلوها المرجع الأكبر للأمة الإسلامية لان عندها وحدها نصف الدين .
و لعل نصف الدين الثاني خصوا به أبا هريرة الذي روى لهم ما يشتهون فقربوه و ولوه إمارة المدينة و بنوا له قصر العقيق بعد ما كان معدما ، و لقبوه براوية الإسلام .
و بذلك سهل على بني أمية أن يكون لهم دين كامل جديد ليس فيه من كتاب الله و سنة رسوله إلا ما تهواه أنفسهم و يتقوى به ملكهم و سلطانهم و خليق بهذا الدين أن يكون لعبا و هزوا مليئا بالمتناقضات و الخرافات ، و بذلك طمست الحقائق و حلت محلها الظلمات ، و قد حملوا الناس عليها و أغروهم بها حتى أصبح دين الله عندهم مهزلة من المهازل لا يقيمون له وزنا و لا يخافون من الله كخوفهم من معاوية .
و عندما نسأل بعض علمائنا عن حرب معاوية لعلي و قد بايعه المهاجرون و الأنصار ، تلك الحرب الطاحنة التي سببت انقسام المسلمين إلى سنة و شيعة و انصدع الإسلام و لم يلتئم حتى اليوم ، فإنهم يجيبون كالعادة و بكل سهولة قائلين : إن عليا و معاوية صحابيان جليلان اجتهدا فعلي اجتهد و أصاب فله أجران أما معاوية فاجتهد و أخطأ و له أجر واحد .
و ليس من حقنا نحن أن نحكم لهم أو عليهم و قد قال الله تعالى : ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ 12.
هكذا - و للأسف - تكون إجاباتنا و هي كما ترى سفسطة لا يقول بها عقل و لا دين و لا يقر بها شرع ، اللهم إني أبرأ إليك من خطل الآراء و زلل الأهواء و ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ﴾ 13.
كيف يحكم العقل السليم باجتهاد معاوية و يعطيه أجراً على حربه إمام المسلمين و قتله المؤمنين الأبرياء و ارتكابه الجرائم و الآثام التي لا يحصي عددها إلا الله و قد اشتهر عند المؤرخين بقتله معارضيه و تصفيتهم بطريقته المشهورة و هو إطعامهم عسلا مسموما و كان يقول : " إن لله جنودا من عسل " .
كيف يحكم هؤلاء باجتهاده و يعطونه أجرا و قد كان إمام الفئة الباغية ؟ ففي الحديث المشهور الذي أخرجه كل المحدثين من السنة و الشيعة و سواهم : " ويح عمار تقتله الفئة الباغية " و لم يختلف اثنان من المسلمين على أن الذي قتل عمارا و أصحابه هو معاوية ! كيف يحكمون باجتهاده و قد قتل حجر بن عدي و أصحابه صبرا و دفنهم في مرج عذراء ببادية الشام لأنهم امتنعوا عن سب علي بن أبي طالب .
كيف يريدونه صحابيا عادلا و قد دس السم للحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة و قتله .
كيف ينزهونه و قد أخذ البيعة من الأمة بالقوة و القهر لنفسه أولا ثم لابنه الفاسق يزيد من بعده و بدل نظام الشورى بالملكية القيصرية 14.
كيف يحكمون باجتهاده و يعطونه أجرا و قد حمل الناس على لعن علي و أهل البيت ذرية المصطفى من فوق المنابر ، و قتل الصحابة الذين امتنعوا عن ذلك و أصبحت سنة متبعة يهرم عليها الكبير و يشيب عليها الصغير فلا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
و السؤال يعود دائما و يتكرر و يلح : ترى أي الفريقين على الحق و أيهما على الباطل ؟ فإما أن يكون علي و شيعته ظالمين و على غير الحق .
و إما أن يكون معاوية و أتباعه ظالمين و على غير الحق ، و قد أوضح رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) كل شيء .
و في كلا الحالين فإن عدالة الصحابة كلهم من غير استثناء أمر مستحيل ، لا ينسجم مع المنطق السليم .
و لكل هذه المواضيع أمثلة كثيرة لا يحصي عددها إلا الله و لو أردت الدخول في التفصيل و بحث هذه المواضيع من كل جوانبها لاحتجت إلى مجلدات كثيرة و لكنني رمت الاختصار و أخذت في هذا البحث بعض الأمثلة و هي بحمد الله كافية لإبطال مزاعم قومي الذين جمدوا فكري ردحا من الزمن و حجروا علي أن أفقه الحديث أو أحلل الأحداث التاريخية بميزان العقل و المقاييس الشرعية التي علمنا إياها القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة .
و لذلك سوف أتمرد على نفسي و أنفض عني غبار التعصب الذي غلفوني به و أتحرر من القيود و الأغلال التي كبلوني بها أكثر من عشرين عاما و لسان حالي يقول لهم : يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي و جعلني من المكرمين .
يا ليت قومي اكتشفوا العالم الذي يجهلونه و يعادونه دون أن يعرفوه 15.
-
المقطع السابق: شهادة الشيخين على نفسيهما
-
المقطع اللاحق: بداية التحول
-
ثمّ اهتديت
- 1. تاريخ الطبري ج 4 ص 407 تاريخ ابن الأثير ج 3 ص 206 لسان العرب ج 14 ص 193 تاج العروس ج 8 ص 141 العقد الفريد ج 4 ص 290 .
- 2. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 33، الصفحة: 422.
- 3. الإمامة و السياسة .
- 4. الطبري و ابن الأثير و المدائني و غيرهم من المؤرخين الذين أرخوا حوادث سنة ست و ثلاثين للهجرة .
- 5. صحيح مسلم ج 1 ص 48 .
- 6. الطبري و ابن الأثير و الفتنة الكبرى و كل المؤرخين الذي أرخوا حوادث سنة أربعين للهجرة .
- 7. الطبري و ابن الأثير و المدائني و غيرهم من المؤرخين الذين أرخوا لسنة ست و ثلاثين للهجرة .
- 8. صحيح البخاري ج 4 ص 161 .
- 9. صحيح البخاري ص 128 .
- 10. صحيح الترمذي ، الاستيعاب ترجمة صفية ، الإصابة ترجمة صفية أم المؤمنين .
- 11. صحيح البخاري ج 3 ص 68 باب مرض النبي و وفاته .
- 12. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 141، الصفحة: 21.
- 13. القران الكريم: سورة المؤمنون (23)، الآية: 97، الصفحة: 348.
- 14. راجع : الخلافة و الملك للمودودي . و يوم الإسلام لأحمد الأمين .
- 15. المصدر:كتاب ثم إهتديت، للشيخ محمد التيجاني.