حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
كم من أكلة منعت أكلات
الحذر من عمل شيء يمنعك عن أشياء
«كم من أكلة منعت أكلات»
في اهتمام الإنسان و عنايته بما يفعله بما فيه الطعام و نوعيته روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في باب الحكم، قوله (ع) «كَمْ مِنْ أَكْلَةٍ مَنَعَتْ أَكَلَاتٍ»1، و أَكْلَة هي المرّة من الأكل و الجمع أَكَلات و أَكْلات.
و الحكمة تجري مجرى المثل و يضرب للشيء الذي يمنع عن أشياء، أو يضرب لمن فعل فعلا و كان هذا الفعل سببا في حرمانه من أمور حسنة أخرى، و في الأكل صارت أكلته هذه سببا في حرمانه غيرها من الأكلات، و هذا كثير عند الناس فإنّهم يعملون دزن تدقيق و عناية ما يمنعهم من أعمال أخرى.
و في تمام نهج البلاغة :«أَلَا وَإِنَّ مَعَ كُلِّ جُرْعَةٍ شَرَقاً، وَإِنَّ لِكُلِّ أَكْلَةٍ غَصَصاً، وَ كَمْ مِنْ أَكْلَةٍ مَنَعَتْ أَكَلَاتٍ». و سياق النص هنا هو في الأطعمة و الأكل.
و المعنى البسيط للحكمة هو أنّ الإنسان يأكل أكلة أو أكلا غير ملائم له، أو ملائم و لكنه يفرط في تناوله فيسبب له مرض أو مضاعفات مرضية سلبية، أو تفاقم لمرضه، فيضطر أن يمتنع عن الطعام و الأكلات بعدها حتى يصح من مرضه، و قد لا يصح.
و الافراط مضر بالإنسان و مفسد له في الأكل و غير الأكل، و متى ما أفرط الإنسان في غذائه و أكله و أُتخم فإنّه قد عرّض نفسه للمرض، فإذا ما مرض سيضطر أن يتجنب تناول وجبات و أكلات، و ممكن أن تتفاقم حالته.
و بالنسبة للمفهوم العام في «كَمْ مِنْ أَكْلَةٍ مَنَعَتْ أَكَلَاتٍ» هو دعوة إلى الانتباه و الحذر، و أنّ على الإنسان الامتناع عن المقدمات التي تأتي بنتائج سلبية عليه مباشرة أو غير مباشرة، في الأكل، و عموم الرغبات و الشهوات، و في الكلام و اللسان، و في الأفعال و الأعمال، و على الإنسان العاقل السعي بألا يقوم بايّ شيئ يؤدي إلى فساد أخلاقه أو دينه، أو يسبب له أضرار دون حق.
و كأمثلة: قد يقوم الإنسان بقبول رشوة يستمتع بها فتمنعه من وظيفته في بلد يحّرم الرشوة و يطبق القانون.
أو يتقرب شخص من حاكم ظالم يفرح بقربه و يسعد بأنسه فيخسّره ذلك القرب لاحقا الحاكم و المحكوم.
و قد يظهر شخص على برنامج تلفزيوني فيُمنع الظهور لاحقا بسبب هذا الظهور.
و قد ينطبق على ما يقوم به بعض الرياضيين من استعمال عقاقير منشطة لزيادة نشاطه و قوته فيُكتشف فتمنعه تلك من المسابقات اللاحقة، و هكذا يعمل الإنسان أشياء تمنعه عن أشياء.
و إذا كان الكلام في المنطوق –كما هو السياق في تمام نهج البلاغة- يمكن أن تمنع الأكلةُ الأكلات اللاحقة في حالات كثيرة، منها: إذا أكل ما يضر البدن مطلقا، أو حالة العجلة في الأكل و سرعة الابتلاع، أو عدم مضغ الأكل أو الطعام بصورة جيدة، أو عدم الاهتمام بنوعية الأكل المناسب للشخص نفسه، أو حالة وضع طعام كثير في الفم و في المعدة، أو في حالات تناول أطعمة بها سموم غذائية، أو حالات بها تلف في الأطعمة المأكولة أو فاسدة، أو أطعمة تؤثر على أمراض عند الآكل و تسبب مضاعفات له، أو غيرها من الحالات، ففي مثل هذه الحالات ممكن أن تسبب الأكلة مشاكل صحية أو أضرار في الجسم تمنع بعدها أكلات لاحقة حتى يطيب الآكل من تلك الأضرار، و قد لا يطيب.
و مثله أيضا يُروى عن أمير المؤمنين عليه السلام: «كَمْ مِنْ لَذَّةٍ دَنِيَّةٍ مَنَعَتْ سَنِيَّ [سَنَا] دَرَجَاتٍ»2، و كذلك «كَمْ مِنْ شَهْوَةٍ مَنَعَتْ رُتْبَةً»3. و قد ينطبق هذا على ما تقوم به بعض الدول حين ارتكاب أحد المسؤولين مخالفة شهوانية فيحرم من منصبه البارز أو وظيفته المتقدمة بسبب هذه المخالفة.
و قريب منه ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام «وَ كَمْ مِنْ شَهْوَةِ سَاعَةٍ أَوْرَثَتْ حُزْناً طَوِيلاً»4، و مطلق الشهوة تشمل كل ما يشتهيه الإنسان من الملذات الدنيوية، و المعنى السلبي هو في الشهوة المحرمة، و ارتكاب الذنب بقرينة ما سبقها من قوله عليه السلام «تَرْكُ اَلْخَطِيئَةِ أَيْسَرُ مِنْ طَلَبِ اَلتَّوْبَةِ»4. و الحكمة كاملة هي «تَرْكُ اَلْخَطِيئَةِ أَيْسَرُ مِنْ طَلَبِ اَلتَّوْبَةِ، وَ كَمْ مِنْ شَهْوَةِ سَاعَةٍ أَوْرَثَتْ حُزْناً طَوِيلاً، وَ اَلْمَوْتُ فَضَحَ اَلدُّنْيَا فَلَمْ يَتْرُكْ لِذِي لُبٍّ فَرَحاً»5.
و تشير الحكمة «كم من أكلة ..» إلى ضرورة العناية بالأكل و نوعيته و مقداره، و عدم الإسراف و الإفراط و في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «إِنَّ فِي اَلْقُرْآنِ لَآيَةً تَجْمَعُ اَلطِّبَّ كُلَّهُ كُلُوا وَ اِشْرَبُوا وَ لاٰ تُسْرِفُوا»6، فالاعتدال في الأكل و الشرب من ضروريات صحة جسم الإنسان.
و من تعاليمه عليه السلام ضرورة تذكّر و تصور نتائج و عواقب الطعام حين أكله و التلذذ به فلا يستميت الآكل بالتلذذ به دون حساب فإنّه قد يؤدي إلى توجع و تألم و بالتالي إلى الحاجة إلى الدواء المرّ، كما في الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام االتي وضعها ابن أبي الحديد في نهاية شرحه للنهج، قال «يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يَتَذَكَّرَ عِندَ حَلاوَةِ الغِذاءِ مَرارَةَ الدَّواءِ»7.
و في الروايات إرشاد كبير إلى الانتباه فيما يضعة الإنسان في معدته و أنّها الجزء الرئيسي الذي يسبب المرض و الاعتلال، كما أنّ التحكم بكمية الطعام و التقليل منه الجزء الرئيسي للدواء، كما يروى عنهم عن جدهم صلوات الله و سلامه عليهم، «وَ أَعْلَمُ أَنَّ اَلْمَعِدَةَ بَيْتُ اَلدَّاءِ، وَ أَنَّ اَلْحِمْيَةَ هِيَ اَلدَّوَاءُ، وَ أُعَوِّدُ اَلْبَدَنَ مَا اِعْتَادَ»8. و الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام «لَوْ أَنَّ اَلنَّاسَ قَصَّرُوا فِي اَلطَّعَامِ لاَسْتَقَامَتْ أَبْدَانُهُمْ»9.
و عدد من الروايات عنهم عليهم السلام في هذا المضمون، منها عن أمير المؤمنين عليه السلام «مَنْ كَثُرَ أَكْلُهُ قَلَّتْ صِحَّتُهُ وَ ثَقُلَتْ عَلَى نَفْسِهِ مَؤُنَتُهُ». غرر الحکم، ص646، و كذلك «لا تَجتَمِعُ الصِّحَّةُ وَالنَّهَمُ»10، «إِيَّاكَ وَ اَلْبِطْنَةَ فَمَنْ لَزِمَهَا كَثُرَتْ أَسْقَامُهُ وَ فَسُدَتْ أَحْلاَمُهُ»11، و البطنة هي الامتلاء الشَّديد من الطَّعام.
و من تعاليمهم عليهم السلام الطبية:
ما روي في الخصال قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِلْحَسَنِ اِبْنِهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:
«يَا بُنَيَّ أَ لاَ أُعَلِّمُكَ أَرْبَعَ خِصَالٍ تَسْتَغْنِي بِهَا عَنِ اَلطِّبِّ، فَقَالَ بَلَى يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ. قَالَ لاَ تَجْلِسْ عَلَى اَلطَّعَامِ إِلاَّ وَ أَنْتَ جَائِعٌ، وَ لاَ تَقُمْ عَنِ اَلطَّعَامِ إِلاَّ وَ أَنْتَ تَشْتَهِيهِ، وَ جَوِّدِ اَلْمَضْغَ، وَ إِذَا نِمْتَ فَاعْرِضْ نَفْسَكَ عَلَى اَلْخَلاَءِ، فَإِذَا اِسْتَعْمَلْتَ هَذَا اِسْتَغْنَيْتَ عَنِ اَلطِّبِّ»12.
و روي عن أمير المؤمنين علیه السلام «إِذَا أَرَادَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ صَلاَحَ عَبْدٍ أَلْهَمَهُ قِلَّةَ اَلْكَلاَمِ، وَ قِلَّةَ اَلطَّعَامِ، وَ قِلَّةَ اَلْمَنَامِ»13.
و في فن العلاقات روي عن أمير المؤمنين عليه السلام «كُنْ كَالنَّحْلَةِ إِذَا أَكَلَتْ أَكَلَتْ طَيِّباً، وَ إِذَا وَضَعَتْ وَضَعَتْ طَيِّباً، وَ إِنْ وَقَعَتْ عَلَى عُودٍ لَمْ تُكَسِّرْهُ»14.
و في الدّعاء«اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ الْوَاسِعِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ رِزْقاً وَاسِعاً حَلَالاً طَيِّباً».
- 1. حكمة 171.
- 2. عيون الحكم و المواعظ،ص٣٨٠.
- 3. غرر الحكم،ص513.
- 4. a. b. الکافي،ج2ص451.
- 5. الکافي،ج2،ص451.
- 6. بحار الأنوار،ج59ص267.
- 7. شرح نهج البلاغة، ج٢٠، ص٢٧٢.
- 8. علل الشرایع،ج1ص98.
- 9. مکارم الأخلاق، ص362.
- 10. عیون الحکم، ص533.
- 11. غرر الحکم، ص165.
- 12. الخصال،ج1ص228.
- 13. غرر الحکم و درر الکلم، ص289.
- 14. غرر الحکم و درر الکلم، ص532.