الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

شبهات حول إقامة الحكم الإسلامي في عصر الغيبة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على سادة الخلق محمّد وآله أجمعين.

ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري ونوّر قلبي وفكري واجعل عملي هذا خالصاً لوجهك الكريم، وارزقني مرافقة سادتي الذين أتولاّهم محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام في يوم القيامة وفي الجنة، وأرني وجه سيّدي ومولاي الإمام صاحب الزمان في هذه الدنيا، واجعلني من أنصاره وأعوانه ومن المستشهدين بين يديه، إنّك سميع مجيب.

وبعد، فهذا بحث مختصر حول ولاية الأمر في زمن الغيبة يشتمل على مقدّمة وعدّة مسائل.

أما المقدّمة ففي ردّ شبهات القائلين بأنّ إقامة الحكم الإسلامي يجب أن تتأجّل لزمان ظهور الحجّة عجل اللّه تعالى فرجه.

فقد يقول القائل من الجهلة الغافلين عن حقيقة شريعة سيّد المرسلين (صلى الله عليه وآله): إنّ محاولة استلام الحكم وإدارة الأُمّة ليست من وظيفة المسلمين في عصر غيبة الإمام الحجّة (عليه السلام)؛ لأنّ الظروف غير مؤاتية لذلك، ولو كانت الظروف مؤاتية لذلك لكان اللّه تعالى يظهر المعصوم (عليه السلام) لإدارة الحكم. وأدلّة الجهاد إنّما بيّنت وجوب الجهاد وأحكامه للظروف التي يمكن فيها الانتصار وتحكيم كلمة الحقّ، ولا إطلاق لها لفرض العجز ـ كما هو واضح ـ ولولا العجز وقصور الظروف عن تحقّق الحقّ لما غاب الإمام المعصوم عن الساحة.

وتشهد للعجز عن إعلاء كلمة الحقّ النواهي الواردة عن الخروج والجهاد في عصر الغيبة من قبيل ما ورد من قوله (عليه السلام): «كُلُّ راية تُرفع قبل قيام القائم فَصَاحِبُها طاغوت يُعبد من دون اللّه»1، وما ورد من «أنّ الجهاد مع غير الإمام المفترض طاعته حرام»2.

أقول: قد ورد في الجزء الأوّل من كتاب «دراسات في ولاية الفقيه» بحث مفصّل حول أنّ الحكومة الإسلاميّة داخلة في صميم هويّة نظام الدين الإسلامي، وأنّه بدونها لا يمكن تطبيق مساحة واسعة جدّاً من أحكام الإسلام وأهدافه. ونحن لا نهدف الدخول في هذا البحث، فإنّه مبحوث بشكل مشبع في ذاك الكتاب، ولكنّي أقول: إنّ هذا قد يورث القطع للإنسان بأنّ ضرورة العمل في سبيل إقامة الحكم الإسلاميّ لا تختصّ بزمان الظهور ولو أدّى ذلك إلى التضحيات وإراقة الدماء بعد العلم بأنّ دين الإسلام ليس ديناً مختصّاً بزمان الظهور، ولا أقصد بذلك ـ طبعاً ـ ضرورة الخوض في القتال والحروب وحتّى اليائسة منها، بل أقصد العمل وفق المقاييس الاجتماعيّة وتحت قيادة حكيمة ووفق الشروط التي يرى بالرؤية الاجتماعيّة السياسيّة أنّ العمل ضمنها صحيح ومعقول وإن كان النصر بيد اللّه، فقد يتّفق الانتصار وقد يتّفق الانكسار، كما كان الحال كذلك في حروب رسول (صلى الله عليه وآله).

 

وقد لا يحصل هذا القطع لإنسان ما بسبب بعض الشبهات:

 

 

هذا، ولنا تعليق على كلّ هذه الأحاديث لا ينجو منه عدا الحديث الثاني من القسم الثاني من روايات التقيّة ـ أعني ما يدلّ على استمرار التقيّة إلى زمان الظهور ـ وهو أنّها جميعاً وردت قبل قصّة حسين بن عليّ في وقعة ( فخ ) الذي لم يرد بشأنه أيّ ذمّ، بل ورد المدح الكثير على نقل صاحب كتاب مقاتل الطالبيين وإن كان متّهماً في نقله المديح لكونه زيدي المذهب، في حين أنّ وصول الذم في مثل هذه المسألة ـ ولو كان خروجه مقبولا واقعاً ـ عن الإمام (عليه السلام)أمر طبيعي ومترقّب جداً، وقلّة وصول المدح أيضاً أمر طبيعي ولو كان واقعاً ممدوحاً، وذلك بسبب جوّ الاختناق الطاغي وقتئذ على الوضع الاجتماعي من قبل الطغاة المتحكّمين ،فمن المترقّب أن يردنا الذمّ الكثير إمّا كذباً بدسّ أعوان الظلمة للأكاذيب في صالح السلطة، أو تقية من قبل الإمام (عليه السلام)، فلو لم يصلنا ولا ذمّواحد ووصلنا المدح كان ذلك قرينة قطعية على مشروعية الخروج قبل الظهورفي الجملة، وأنّ كلّ نصّ ورد قبل هذا التاريخ على المنع لو كان صادراًحقّاً من المعصوم وقصد به الإطلاق فهو محمول على التقيّة، وليس مراداًبالإرادة الجديّة.

ويشهد لذلك أنّ روايات المنع معارضة بروايات عديدة دلّت على مشروعية الخروج قبل الظهور في الجملة، وقد أوردناها في كتابنا «الكفاح المسلح في الإسلام»، وهي غير تامّة سنداً إلاّ رواية واحدة منها، وهي ما مضى من رواية العيص التامّة سنداً، والتي ورد فيها قوله: «ولا تقولوا خرج زيد فإنّ زيداً كان عالماً، وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه، وإنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه...»3.

وبغضّ النظر عن كلّ ما ذكرناه يأتي هنا أيضاً ما أشرنا إليه في روايات مشروطية الجهاد بحضور الإمام من أنّ إسقاط الحكومات الاستعمارية المعادية للإسلام دفاع عن بيضة الإسلام والمسلمين، فلا شكّ في وجوبه وعدم مشموليته لما هو المقصود من إطلاقات المنع لو تمّت سنداً ودلالة.

هذا تمام ما أردنا أن نبيّنه هنا باختصار حول جواز الخروج على الطغاة في عصر الغيبة ومحاولة إقامة الحكم الإسلامي 4.

  • 1. وسائل الشيعة ۱۱: ۳۷، الباب ۱۳ من أبواب جهاد العدوّ، الحديث ٦.
  • 2. المصدر السابق ۱۱: ۳۲، الباب ۱۲ من أبواب جهاد العدوّ، الحديث الأول.
  • 3. وسائل الشيعة ۱۱: ۳٦، الباب ۱۳ من أبواب جهاد العدو، الحديث الأوّل.
  • 4. المصدر: كتاب ولاية اللأمر في عصر الغيبة، لسماحة السيد كاظم الحائري.