حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
تفويت شماتة الأعداء عند المصائب و أعمال تخفيف المصيبة
الصبر على المصيبة مصيبة للشامت
في الحث على الصبر و التجلّد عند المصيبة، و إفشال شماتة الأعداء و تفويتها روي عن الإمام الجواد عليه السلام عن جده أمير المؤمنين (ع)، «اَلصَّبْرُ عَلَى اَلْمُصِيبَةِ، مُصِيبَةٌ على الشَّامِتِ بها»1، و تروى عن أمير المؤمنين عليه السلام، و قد أخذوا العلوم عن رسول الله صلى الله عليه و آله.
الصبر هنا أي التحلّي بالجلّد و تحمّل المصيبة، و عدم إظهار الشكوى من ألم أو بلوى، و في الآية:﴿ ... رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ... ﴾ 2.
و مطلق المصيبة يشمل كل مكروه و شدة و ابتلاء يحل بالإنسان، و منها مصيبة الموت على أقارب الميت، و الجمع مصائب و مصيبات.
و المراد هو دعوة و حث للصبر عند حلول المصائب و تحمّلها و عدم إعطاء فرصة للأعداء للشماتة، لأن الأعداء يظهرون فرحا و اغتباطا بمصائب الآخرين من خصومهم، فإذا رأوا صاحب المصيبة بقوته و تجلّده و صلابته أثّر حالُه عليهم، و تم تفويت شماتتهم و فرحهم، و نقلت المصيبة إليهم، و في غرر الحكم أنّ الصبر يفل شماتة الأعداء و يكسرها، قال أمير المؤمنين عليه السلام «الصَّبْرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ يَفُلُّ حَدَّ الشَّامِتِ»3، و قد تُقرأ «الصَّبْرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ يَفُلُّ جد الشَّامِتِ».فالصبر يفقد العدوّ شماتته، و «إِذَا صَبَرْتَ لِلْمِحْنَةِ فَلَلْتَ حَدَّهَا»4.
و الإنسان عند المصيبة بين حالتين إمّا الصبر أو الجزع، فإن صبر فله أجر و ثواب الصبر، و ينتج عنه إفشال شماتة العدوّ و فرحهم، و إن جزع خسر الأجر و الثواب و أعطى أعدائه فرصة للشماتة و الفرح، و في كل الحالين في الصبر أو الجزع سيجري القدر فالمناسب هو الصبر، و في تعزية امير المؤمنين عليه السلام، قال: «إِنْ صَبَرْتَ جَرَى عَلَيْكَ الْقَدَرُ وَ أَنْتَ مَأْجُورٌ، وَ إِنْ جَزِعْتَ جَرَى عَلَيْكَ الْقَدَرُ وَ أَنْتَ مَأْزُورٌ»5، فالأجر و الثواب مع الصبر على المصيبة، و في الغرر عن أمير المؤمنين (ع) «الصَّبْرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ يُجْزِلُ الْمَثُوبَةَ»6، أي يعظّم الثواب و الجزاء.
و وردت عنهم عليهم السلام عددا من الروايات في هذا المقام و في الرواية عن أمير المؤمنين في تضاعف المصيبة مع عدم الصبر فتصبح أربع مصائب بدل واحدة، قوله (ع) «أَضْيَقُ مَا يَكُونُ اَلْحَرَجُ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ اَلْفَرَجُ، مَعَ أَنَّ اَلْكَارِهَ تَزْدَادُ مُصِيبَتُهُ، فَإِنَّ فَوَاتَ اَلْأَجْرِ مُصِيبَةٌ أُخْرَى وَ اَلْكَرَاهَةُ اَلْمُوجِبَةُ لِحُزْنِ اَلْقَلْبِ مُصِيبَةٌ عَظِيمَةٌ، وَ مِنْ ثَمَّ قِيلَ اَلْمُصِيبَةُ لِلصَّابِرِ وَاحِدَةٌ وَ لِلْجَازِعِ اِثْنَتَانِ بَلْ لَهُ أَرْبَعُ مُصِيبَاتٍ اَلثَّلاَثَةُ اَلْمَذْكُورَةُ وَ شَمَاتَةُ اَلْأَعْدَاءِ، وَ مِنْ ثَمَّ قِيلَ اَلصَّبْرُ عِنْدَ اَلْمُصِيبَةِ مُصِيبَةٌ عَلَى اَلشَّامِتِ»7. و لعل الرواية تنتهي عند كلمة "مصيبة عظيمة"، و ما بعدها – و من ثم قيل حتى آخرها- تعليق على الرواية لا نص فيها، و لكنها مذكورة في البحار كنص رواية واحدة و ليس بها تعليق.
و المصائب الأربع هي:
1- المصيبة الأصل من موت أو حادث أو بلاء.
2- فوات الأجر و الثواب مع عدم الصبر، فهذه مصيبة إضافية ثانية مخصوصة بعدم الصبر.
3- الكراهة الموجبة لحزن القلب و هي مصيبة عظيمة.
4- شماتة الأعداء و فرحهم و سرورهم فهذه مصيبة رابعة.
و ذكرت الرواية عن النبي (ص) مصيبتين مع عدم الصبر إضافة إلى المصيبة الأصل، قال: «وَ مَنْ صَبَرَ عَلَى مَنْ يَكْرَهُ أَدْرَكَ مَا يُحِبُّ، وَ اَلصَّبْرُ عَلَى اَلْمُصِيبَةِ مُصِيبَةٌ لِلشَّامِتِ بِهَا، وَ اَلْجَزَعُ عَلَيْهَا مُصِيبَةٌ ثَانِيَةٌ بِفَوَاتِ اَلثَّوَابِ وَ هِيَ أَعْظَمُ اَلْمَصَائِبِ»8، و المصائب هي المصيبة الأصل، و شماتة الأعداء، و فوات الثواب بالجزع عند المصيبة.
و من الأمور المهمة التي تخفف المصيبة:
الصبر
قال تعالى:﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ 9، و الصبر يسكن و يخفف المصائب، روي عن أمير المؤمنين (ع): «بالصَّبرِ تَخِفُّ المِحنَةُ»10، «مَنْ صَبَرَ هَانَتْ مُصِيبَتُهُ»11.
و في غرر الحكم أيضا روي عنه عليه السلام عدد من الروايات في ضرورة الصبر عند المصيبة و البلاء، قال عليه السلام: «الصَّبْرُ يُهَوِّنُ الْفَجِيعَةَ»12، و«الصَّبْرُ عُدَّةٌ لِلْبَلَاءِ»13، و«الصَّبْرُ عَلَى الْمَصَائِبِ مِنْ أَفْضَلِ الْمَوَاهِبِ»14، و«إِنِ ابْتَلَاكُمُ اللَّهُ بِمُصِيبَةٍ فَاصْبِرُوا»15، «إِذَا ابْتُلِيتَ فَاصْبِرْ»16، و«الصَّبْرُ يَنْزِلُ عَلَى قَدْرِ الْمُصِيبَةِ»17.
و الاسترجاع
بتلاوة الآية ﴿ ... إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ 18، و الإقرار الكامل بـالعبودية المطلقة للّه، قال تعالى:﴿ ... وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ 19. و عن الإمام الحسين (ع) عن أمير المؤمنين (ع) عن رسول الله (ص)، قال:«مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَقَالَ إِذَا ذَكَرَهَا ﴿ ... إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ 18 جَدَّدَ اَللَّهُ لَهُ أَجْرَهَا مِثْلَ مَا كَانَ لَهُ يَوْمَ أَصَابَتْهُ»20.
و روي عن الإمام الباقر (ع) أنّه قال: «مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ فَيَسْتَرْجِعُ عِنْدَ ذِكْرِهِ اَلْمُصِيبَةَ وَ يَصْبِرُ حِينَ تَفْجَأُهُ إِلاَّ غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَ كُلَّمَا ذَكَرَ مُصِيبَتَهُ فَاسْتَرْجَعَ عِنْدَ ذِكْرِ اَلْمُصِيبَةِ غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ كُلَّ ذَنْبٍ اِكْتَسَبَ فِيمَا بَيْنَهُمَا»21.
و روي عن الإمام الصادق (ع) قال: «مَنْ ذَكَرَ مُصِيبَتَهُ وَ لَوْ بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ:﴿ ... إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ 18 وَ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ 22 اَللَّهُمَّ آجِرْنِي عَلَى مُصِيبَتِي، وَ أَخْلِفْ عَلَيَّ أَفْضَلَ مِنْهَا، كَانَ لَهُ مِنَ اَلْأَجْرِ مِثْلُ مَا كَانَ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ»21.
و الصلاة
فإنّ فيها ذكر الله و الارتباط به، قال تعالى:﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ 23، و في مسكن الفؤاد «أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَانَ إِذَا نَزَلَ بِأَهْلِهِ شِدَّةٌ أَمَرَهُمْ بِالصَّلاَةِ ثُمَّ قَرَأَ وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاٰةِ وَ اِصْطَبِرْ عَلَيْهٰا»24.
و ذكر مصيبة رحيل رسول الله (ص)، و أهل بيته (ع)
و روي عن الإمام الصادق (ع) قال: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ فِيَّ فَإِنَّهَا أَعْظَمُ اَلْمَصَائِبِ»، وسائل الشیعة، ج3، ص268، و عن الإمام الصادق (ع) أيضا قال: «مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَذْكُرْ مُصَابَهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ اَلْمَصَائِبِ»25.
و في الرواية عن الإمام الحسن المجتبى (ع) قبل شهادته قال مخاطبا للحسين (ع) : «وَ لَكِنْ لاَ يَوْمَ كَيَوْمِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ»26.
فأعظم المصائب التي حلت على أهل البيت بعد رسول الله (ص) للمؤمن الموالي شهادة الإمام الحسين عليه السلام و أهل بيته (ع) و أصحابه (ع)، و ما جرى على أهل بيته من نساء و أطفال عند الأسر و السبي، و المؤمن في خاتمة الزيارة المروية عن الإمام الباقر عليه السلام يختمها بسجدة و فيها حمد و دعاء، «اللّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ لَكَ عَلى مُصابِهِمْ، الحَمْدُ للهِ عَلى عَظِيمِ رَزِيَّتِي، اللّهُمَّ ارْزُقْنِي شَفاعَةَ الحُسَيْنِ يَوْمَ الوُرُودِ وَثَبِّتْ لِي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الحُسَيْنِ وَ أَصْحابِ الحُسَيْنِ الَّذِينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الحُسَيْنِ عَلَيهِ السَّلامُ»27.
«اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ اَلْعَافِيَةَ مِنْ جَهْدِ اَلْبَلاَءِ وَ شَمَاتَةِ اَلْأَعْدَاءِ وَ سُوءِ اَلْقَضَاءِ وَ دَرَكِ اَلشَّقَاءِ وَ مِنَ اَلضَّرَرِ فِي اَلْمَعِيشَةِ وَ أَنْ تَبْتَلِيَنِي بِبَلاَءٍ لاَ طَاقَةَ لِي بِهِ،..»28.
- 1. کشف الغمة في معرفة الأئمة،ج2، ص349. عوالم العلوم، ج23، ص275.
- 2. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 250، الصفحة: 41.
- 3. غرر الحكم، ص 78.
- 4. غرر الحكم،ص283.
- 5. نهج البلاغة، حكمة 291.
- 6. غرر الحكم، ص85.
- 7. بحار الأنوار،ج68، ص75.
- 8. إرشاد القلوب، ج1، ص74.
- 9. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 45، الصفحة: 7.
- 10. غرر الحكم، ص297.
- 11. غرر الحكم، ص583.
- 12. ص37.
- 13. ص45.
- 14. ص78.
- 15. ص255.
- 16. ص281.
- 17. ص77.
- 18. a. b. c. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 156، الصفحة: 24.
- 19. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 155 و 156، الصفحة: 24.
- 20. بحار الأنوار، ج79، ص141، مسکّن الفؤاد، ص49.
- 21. a. b. الکافي، ج3، ص 224.
- 22. القران الكريم: سورة الفاتحة (1)، الآية: 2، الصفحة: 1.
- 23. القران الكريم: سورة الرعد (13)، الآية: 28، الصفحة: 252.
- 24. مسكن الفؤاد، ج1ص50.
- 25. الکافي، ج3، ص 220.
- 26. الأمالی (للصدوق)، ص 115.
- 27. المصباح (للکفعمی)، ص482.
- 28. تهذيب الأحكام، ج3، ص87.













