حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
القواعد الربانية لترشيد حق الحرية
محتويات
- 1ـ الغاية من خلق الإنسان
- 2 ـ الدنيا كلها عبارة عن قاعة إمتحان كبرى للإنسان
- 3 ـ الثواب و العقاب
- 4ـ قوانين تبين الحق من الباطل و الصواب من الخطأ
- 5 ـ ضبط أفعال الإنسان و إحصاؤها
- تأهيل الإنسان لممارسة حق الحرية
- 1. تصرفات الإنسان خلال فترة الإعداد و التأهيل
- 2. شرطان لممارسة الإنسان حقه بالحرية
- 3. الإنسان الحر يحدد مصيره بنفسه
- 4. حق الحرية يبيع الدنيا كلها للإنسان ، و يملكه نفسه
- 5. إحساس الإنسان الحر و التزامه الذاتي نحو الجميع
- 1ـ الغاية من خلق الإنسان
- 2 ـ الدنيا كلها عبارة عن قاعة إمتحان كبرى للإنسان
- 3 ـ الثواب و العقاب
- 4ـ قوانين تبين الحق من الباطل و الصواب من الخطأ
- 5 ـ ضبط أفعال الإنسان و إحصاؤها
- تأهيل الإنسان لممارسة حق الحرية
- 1. تصرفات الإنسان خلال فترة الإعداد و التأهيل
- 2. شرطان لممارسة الإنسان حقه بالحرية
- 3. الإنسان الحر يحدد مصيره بنفسه
- 4. حق الحرية يبيع الدنيا كلها للإنسان ، و يملكه نفسه
- 5. إحساس الإنسان الحر و التزامه الذاتي نحو الجميع
1ـ الغاية من خلق الإنسان
باستقراء أحكام الشرائع الإلهية ، و على الأخص الشريعة الإسلامية الخاتمة و المهيمنة ، نجد خمس قواعد إلهية كبرى لترشيد حق الحرية ، و إبقائه دائماً في إطار الشرعية و الصواب ، ليحصل الإنسان على المنفعة التي توخاها الله تعالى من إعطائه له و بذلك حدد الغاية الأساسية من إيجاده .
لقد خلق الله الإنسان لغاية أولى رئيسية هي عبادة الله عز و جل بدليل قوله تعالى ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ 1 و كل ما في الكون من آيات أدلة قاطعة على وجود الله و استحقاقه للعبادة و جدارته بالطاعة و تفرده بالملك في الدارين .
و العبادة بالمعنى الإسلامي شاملة ، و يمكن ردها إلى أربعة أنواع : نية ، قول ، فعل ، تقدير . و من هنا كانت الدنيا كلها بمثابة مسجد أو محل للعبادة أو وقت للعبادة . و من هنا أصبحت جميع أعمال الإنسان الصالحة عبادات يثاب عليها و تقربه إلى الله تعالى ، حتى ممارسته لشهوته في حدود القانون . فحق الحرية نعمة كبرى ، بمثابة تخويل إلهي مطلق ، لكنه مقيد بالغاية فهو كحق الوكالة العامة الذي يخول الوكيل القيام بأي تصرف لكن بالحدود التي لا تلحق الضرر بالموكل و لا بالوكيل نفسه و لا بالغير . و هذا يستدعي من الإنسان أن يأخذ بعين الإعتبار حقوق الله تعالى الذي منحه هذا الحق ، و حق أخيه الإنسان و حقه بالحرية ، و حق المجتمع الذي يعيش فيه ، و السلطة التي تحكم المجتمع ، فإن فعل ذلك ، فإن ممارسته لحقه لا تصبح ممارسة حق شخصي فحسب ، بل تصبح إتياناً بعمل تعبدي يقربه إلى الله ، و يثيبه الله عليه .
2 ـ الدنيا كلها عبارة عن قاعة إمتحان كبرى للإنسان
إن الدنيا كلها عبارة عن قاعة إمتحان كبرى للإنسان ، فقد خلق الله الموت و الحياة و ما على الأرض ، و السماوات و ما فيهن و ما تحتهن ، ليبلو أو يمتحن أفراد و جماعات بني الإنسان أيهم أحسن عملاً ، و من منهم يستحق الثواب و من يستحق العقاب ، و من الناجح و من الساقط ؟ على ضوء الأعمال و التصرفات التي يقومون بها بمحض رضاهم و اختيارهم أثناء ممارسة كل منهم لحقه بالحرية . قال تعالى : ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ ... ﴾ 2 . ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ... ﴾ 3 . ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ 4 .
فكل ما على الأرض و في السماء ، له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بعملية الإبتلاء أو الإمتحان أو الفحص الإلهي . فالموت لإنهاء دورة الحياة و إغلاق قاعة الإمتحان ، و البعث و الحشر ليحاسب كل إنسان على الأعمال التي قام بها بحريته و اختياره ، فما كان منها حسناً سجّل له ، و ما كان منها خبيثاً سجل عليه ، فإذا رجحت مجموعة حسناته على مجموعة سيئاته دخل الجنة ثواباً له ، و إن رجحت سيئاته على حسناته دخل النار عقاباً على سوء أفعاله . و هذا يشكل حافزاً ذاتياً للإنسان ليحسن استعمال حقه بالحرية . و لا يخفى ما يولده هذا الإحساس من رقابة ذاتية أثناء ممارسته لحقه بالحرية ، لتكون في إطارها الصحيح .
3 ـ الثواب و العقاب
تلعب فكرتا الثواب و العقاب دوراً بارزاً في ترشيد حق الإنسان بالحرية ، لإبقاء هذا الحق ضمن نظام المشروعية و الصواب ، حتى لو مارسه الإنسان على إطلاقه .
فالله سبحانه و تعالى يريد أن يثبت عباده الصالحين ، و يساعدهم على النجاح بالإبتلاء الإلهي خلال دورة الحياة الدنيا ، ثم يدخلهم الجنة كمثوبة لهم على حسن عبادتهم وطاعتهم له . كذلك يريد أن يعاقب الذين سقطوا بالإبتلاء أو الإمتحان بالرغم من أنه هيأ لهم كل أسباب النجاح فاستحقوا النار أو جهنم عقوبة لهم .
و تستمر دورة الحياة الدنيا حتى يتوفر من الساقطين بالإمتحان الإلهي ما يكفي ليملأ جهنم ، و يتوفر عدد من الناجحين يكفي ليملأ الجنة ، فإذا توفرت الأعداد اللازمة لملئ الجنة و النار ، عندئذٍ تنتهي دورة الحياة الدنيا ، و تقوم القيامة حيث تبدأ دورة الحياة العليا التي لا موت بعدها ، و في تلك الحياة العليا يكافأ الصالحون بالثواب ، و يعاقب الطالحون بالعقاب . بدليل قوله تعالى : ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ 5 . و قوله تعالى : ﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ 6 . و لا يخفى ما لفكرتي الثواب و العقاب من تأثير على نفس الإنسان و سلوكه، و أثر ذلك في ترشيده أثناء ممارسته لحقه في الحرية ، ليبقى دائماً ضمن إطار المشروعية الإلهية .
4ـ قوانين تبين الحق من الباطل و الصواب من الخطأ
رحمةً من الله بالإنسان ، و حتى يثيبه أو يعاقبه ، أوجد تعليمات أو تشريعات أو قوانين تبين ما هو الحق و ما هو الباطل ، و ما هو الصواب و الخطأ .
و لإشاعة هذه القوانين بين الناس و تعريفهم بها ، أرسل النبيين و الرسل مبشرين و منذرين ، و معهم هذه القوانين أو الشرائع التي تبين بوضوح ما هو الحق والباطل ، و تتضمن حوافز لفعل الحق و اتباعه ، و الإبتعاد عن الباطل و اجتنابه .
و قد أرسل الله الآلاف المؤلفة من الرسل و الأنبياء ( عليهم السلام ) لتحقيق هذه الغاية ، ثم ختمهم بخاتم النبيين محمد ( صلى الله عليه و آله ) ، بالشريعة الجامعة الشاملة و النهائية .
ثم إن الله سبحانه و تعالى زود الإنسان بقدرة التمييز بين الخير و الشر ، و الحق و الباطل ، و النافع و الضار ، و توارثت الأجيال البشرية الشرائع الإلهية ، و أصبح من اليسير على كل إنسان أن يميز النافع و الضار له و لغيره ، و هذا كله يشكل ترشيداً حقيقياً للإنسان أثناء ممارسته لحقه بالحرية ، إذ أن الفرصة متاحة أمامه ليمارس حقه على هدى و بصيرة و بمسؤولية ، و يترفع عن الضرر بنفسه و غيره ، و عن العدوان على نفسه و غيره ، و عن الإقتراب من الفواحش ما ظهر منها و ما بطن ، فإذا تمت هذه الترفعات كان حق الإنسان بالحرية مطلقاً ، و لا تملك أية سلطة تقييده .
5 ـ ضبط أفعال الإنسان و إحصاؤها
اقتضت حكمته تعالى أن يضبط ضبطاً تاماً نوايا و أفعال و أقوال و تقديرات الإنسان المكلف و أن يحصيها ، و ذلك لضرورات الحكم الإلهي الذي سيصدره أحكم الحاكمين ، و لتحقيق العدل الإلهي الذي سينشره أعدل العادلين .
و لله القدرة على إحكام هذا الضبط و إحصائه ، و الإحاطة التامة بكل مايصدر عن الإنسان قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ 7 . ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ 8 . ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ 9 . و الذي هو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد ، و يعلم ما توسوس به نفس الإنسان ، و يملك الرقابة التامة على كل لفظ يصدر من الإنسان ، و يحاسبه على مقدار الذرة من الخير و الشر ، متمكنٌ موضوعاً و قادرٌ كل القدرة على أن يضبط و يحصي كل أفعال الإنسان و أقواله و تقريراته و نواياه ، و له القدرة على أن يعرف ماضيه و حاضره و مستقبله ، و له القدرة على أن يحسب و يقدّر تصرفات الإنسان بصورة مسبقة خلال فترة حياته ، و القدرة على أن يجعل هذا التقدير المسبق مطابقاً حرفياً لما سيفعله الإنسان بعد هذا التقدير ، و مطابقاً حرفياً للعلم اليقيني أو القضاء المدون عنده تعالى بصورة مسبقة .
و إحساس الإنسان بقدرة الله على ضبط أعماله و أقواله و نواياه و إحصائها جميعاً ، يرشّد حقه باستعمال حريته ترشيداً كاملاً ، فيبقى بمحض إرادته ضمن إطار الحق والصواب أثناء ممارسته لحقه المطلق بالحرية .
تأهيل الإنسان لممارسة حق الحرية
جاء في المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مايلي و بالحرف : « يولد جميع الناس أحراراً متساويين في الكرامة و الحقوق . . . » .
و قد سبقت الإشارة أيضاً إلى أن حق الحرية هو بمثابة تخويل إلهي جعله الله في الإنسان . لكن الإنسان بمجرد ولادته لايستطيع استعمال هذا التخويل الإلهي المغروس فيه ، لأنه يجب أن يكون ثمرة إختيار حر ، و الإختيار يتولد من العقل و الإدراك ، و عندما يولد يكون عقله و إدراكه محدودين عاجزين عن الإختيار ، لذلك اقتضت حكمة الله تعالى أن يخضع المولود لفترة حضانه و رعاية و تأهيل ، يوضع خلالها تحت الإشراف المباشر و المكثف لمراقبة نموه بشكل عام و نمو عقله و إدراكه ، و أولى الناس بالإشراف عليه إسرته و بالأخص أمه و أبوه ، حيث يؤذن له بممارسة حقه في حدود معينة تحت إشراف أسرته و وليه ، لأنه إذا استقل باستعمال حقه قد يؤذي نفسه و غيره ، تماماً كمن يسلم سلاحاً لمن لا يجيد استعماله .
و تمتد هذه الفترة من حياة الإنسان إلى وصوله سن البلوغ ، و تكامل نمو عقله و إدراكه و ملكاته و جسمه بشكل عام ، و بعدها يمكنه أن يمارس حقه دون أي إشراف و إذن من أحد ، لأن استعماله له يعمل عفوياً و آلياً و بالقدرة الإلهية ، داخل في تكوينه و متداخل في عملية خلقه .
1. تصرفات الإنسان خلال فترة الإعداد و التأهيل
التصرفات و الأفعال التي من الممكن أن تصدر من الإنسان خلال فترة الإعداد و التأهيل ، الواقعة بين تاريخ ولادته الى بلوغه ، و خاصة في مرحلة التمييز و المراهقة واحدة من أربعة :
1 . التصرفات الضارة به محضاً ، فكل تصرف منها باطل بطلاناً مطلقاً و بحكم المعدوم ، و لا يترتب عليه أي أثر .
2 . التصرفات النافعة له محضاً ، فكل تصرف أو فعل منها صحيح و نافذ بحقه .
3 . التصرفات الدائرة بين النفع و الضرر موقوفة على إجازة وليه ، فإن أجازها نفذت بحقه ، و إن لم يجزها لم يعتد بها ولم يترتب عليه أي أثر .
4 . الأضرار الناتجه عن تصرفه التي قد تصيب الغير ، يلزمه جبرها من ماله الخاص إن كان له مال خاص ، و يلزم وليه بجبرها عتباره هو المسؤول عن رعايته هذه الفترة .
و خلال هذه الفترة ، يمكن له أن يكتسب لذمته المالية المستقلة عن غيرها من الذمم فلو وهبه أو تبرع له أو أوصى له إنسان آخر ، دخلت في ذمته حتى و لو كان وليداً .
2. شرطان لممارسة الإنسان حقه بالحرية
يتمكن الإنسان من ممارسة حقه بالحرية بعد توافر شرطين أساسيين :
1 . سن البلوغ ، أي اجتيازه الفترة الواقعة بين الولادة و البلوغ .
2 . سلامة العقل و الإدراك ، لأن القدرة على الإختيار تتوقف على سلامتهما ، فلا يكفي البلوغ بل يتوجب أن يكون سليم العقل و الإدراك و ليس مجنوناً و لا معتوهاً و لا سفيهاً ، و لا محجوراً عليه لأي سبب ، فإذا كان فيه عيب من هذه العيوب ، فلا يسمح له بممارسة حقه بالحرية ، لأنه سيؤذي نفسه حتماً أو غيره ، و دفع المفاسد أولى من جلب المصالح .
3. الإنسان الحر يحدد مصيره بنفسه
أعطى الله الإنسان القدرة على فعل الخير و الصواب ، أو الشر والخطأ ، و منحه القدرة على التمييز بينهما ، و حمله مسؤولية أفعاله و تصرفاته و أقواله و نواياه ، و خوله الحق بتحديد مصيره بمحض حريته و إختياره .
فإذا استعمل هذا الحق على الوجه الذي أرشده الله اليه فقد نجا و كان محموداً في الدنيا و الآخرة ، و مرتاح الضمير و سعيداً في الدارين . أما إذا استعمل حقه على غير الوجه الذي أرشده الله اليه ، فقد خاب و كان من المذمومين في الدنيا و الآخرة ، و عاش مثقل الضمير شقياً في الدارين .
و في كلتا الحالتين فإن الإنسان الحر هو الذي يحدد مصيره بنفسه ، و بمحض اختياره بدون إكراه من أحد . قال الإمام علي ( عليه السلام ) : « إن الله كلف تخييراً ، و نهى تحذيراً ، و أعطى على القليل كثيراً ، ولم يعص مغلوباً ، ولم يطع مكرهاً . . . » 10 .
فالإمام علي قد ركز على فكرة الإختيار و التخيير ، و على فكرة عدم إكراه الإنسان على الفعل . و أوضح الإمام الرضا ما أجمله الإمام علي بالنص المتقدم بقوله ( عليه السلام ) : ( إن الله عز و جل لم يطع بإكراه ولم يعص بغلبة ، ولم يهمل العباد في ملكه ، هو المالك لما ملكهم ، و القادر على ما أقدرهم عليه ، فإن إئتمر العبد بطاعته لم يكن الله عنها صاداً ، و لا منها مانعاً ، و إن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم و بين ذلك فعل ، و إن لم يحل ففعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه بل هم الذين أدخلوا أنفسهم » 11 .
فالقوة التي يستعين بها الإنسان على القيام بالأفعال و التصرفات الصحيحة هي من الله و القوة التي يستعين بها الإنسان للقيام بالأعمال الطالحة هي من الله أيضاً ، و القدرة على الإختيار و مكنه الحرية هيمن الله أيضاً ، لكن ضرورات الإبتلاء الإلهي اقتضت أن يكون فعل الإنسان بإختياره و حريته ، حتى يستحق الثواب أو العقاب .
فالإنسان الذي أطاع الله لم يكن مجبراً على هذه الطاعة ، بل اختار الطاعة ولم يجبر عليها ، و الإنسان الذي عصى الله ، اختار المعصية ولم يجبر عليها .
4. حق الحرية يبيع الدنيا كلها للإنسان ، و يملكه نفسه
في معرض بيان حق المنعم بالولاء المترتب بذمة الرقيق لسيده الذي أعتقه و حرره قال الإمام على بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) مخاطباً الرقيق الذي تحرر ، و مذكراً إياه بعظيم نعمة حق الحرية : « أخرجك من ذل الرق و وحشته إلى عز الحرية و أنسها ، و أطلقك من أسر الملكة ، و رفع عنك حلق العبودية و أوجدك رايحة العز . وأخرجك من سجن القهر و دفع عنك العسر ، و بسط لك لسان الإنصاف . و أباحك الدنيا كلها ، فملك نفسك و حل أمرك ، و فرغك لعبادة ربك » 12 . و هذا الوصف الدقيق لجوانب من حق الحرية ، و بلاء العبودية ، يكشف أهمية حق الحرية بالنسبة للإنسان ، فالحرية : عز و أنس ، و انطلاق من الأسر ، و خروج من سجن القهر ، و دفع للعسر .
إن حق الحرية يرتفع بالإنسان إلى المكانة التي يستحق فيها التكريم و التفضيل الإلهيين . أما بلاء العبودية و الرق فإنه ذل للإنسان و وحشة يجعل منه مجرد غرض و حاجة ، يتم امتلاكها كما يتم امتلاك الأشياء ، و يتم ربطها و تربيقها بالحلق و السلاسل كما يتم ربط و ربق الخيل و الحمير و البغال ، و يوضع في جدران أربع و يغلق عليه كالأنعام في سجن قهر ، لا يملك شيئاً من الدنيا ، لأن الملكية محظورة على الأرقاء و العبيد . إنها مسخ لإنسانية الإنسان و استهتار بالتكريم و التفضيل الإلهي للإنسان ، و حيلولة بين الإنسان و بين تحقيق الغاية من وجوده في هذه الحياة الدنيا .
و المجتمع البشري الذي يفعل بالإنسان هكذا ، مجتمع متخلف فاسد ، يحمل في ذاته بذور فنائه و دماره ، لأن الحرية هبة الله لكل إنسان ، و المستعبد المسترق سرقها و غصبها ، و منع الإنسان من أن يحقق الغاية النبيلة التي أوجده الله من أجلها . و من يصادر حق الإنسان بالحرية ، فهو مسترق مستعبد ، و ماسخ عصري لإنسانية الإنسان ، و بفعله هذا يضع نفسه بالصف المعادي لله و للإنسان .
5. إحساس الإنسان الحر و التزامه الذاتي نحو الجميع
الإنسان الذي يتمتع بحق الحرية ، يحس و يلمس بأنه المالك الوحيد لنفسه ، و أنه الصانع الفعلي لمصيره ، و أن الكائنات كلها مسخرة له بإذن ربها و خالقها ، و أنه سيد هذه الكائنات بالفعل ، و لا تملك قوة في الأرض و لا في السماء الحق بحرمانه من هذه السيادة ، و هذه القدرات التي أعطاه إياها الله ، تولد لديه الإحساس الذاتي بأنه شئ مهم في هذا الكون ، و أنه مسؤول يتحمل جزءاً من إدارة هذا الكون و عدم وضع العوائق في وجه حركة هذا النظام الدائمة ، و الإحساس بأنه عضو مهم في الأسرة البشرية و ليس مجرد رقم حسابي ، و بالتالي فهو يتأثر سلباً أو إيجاباً ، بما يصيب المجتمع الذي يعيش فيه و ما يصيب الأسرة البشرية الكبرى التي ينتمى اليها من خير أو شر ، أو تقدم أو تأخر .
كل هذا يولد لديه الإحساس الذاتي العميق بالتزامه الذاتي نحو المجتمع ، و بمسؤوليته الذاتية نحو الجميع ، و أن سلامة المجتمع الذي يعيش فيه ، و الأسرة البشرية الكبرى التي ينتمي اليها تتوقف على عمق هذا الإحساس الذاتي ، و عمق الإلتزام الذاتي نحو الجميع ، و أصالته وشموله .
إن الإنسان الذي يتمتع بحق الحرية ، و يستشعر عظمة هذا الحق فيترجمه إلى التزام ذاتي نحو الجميع ، كالشمس الساطعة في رابعة السماء ، و كالبدر المكتمل ، و كالغيث الشامل العام ، ينتفع به مجتمعه كله ، و الأسرة البشرية التي ينتمي اليها كلها .
و هذا الإحساس الذاتي ، نحو الجميع مرتبط بالإنسان كإنسان ، بغض النظر عن كونه متمتعاً بحق الحرية ، أو مستعبداً محروماً من هذا الحق .
لكن الإنسان المتمتع بحق الحرية وحده الذي يستطيع ترجمة هذا الإلتزام الذاتي إلى واقع عملي ، و من النظرية إلى التطبيق و من الكلمة إلى الحركة ، بغض النظر عن دين أو عرف أو لون أو ملة أولئك الأفراد و الجماعات .
أما الإنسان المستعبد فلا يملك هذه الإمكانات ، لأن حقه بالحرية معطل مصادر .
و لا يقتصر إلتزام الإنسان الحر الذاتي على مجتمعه ، بل يشمل الأسرة البشرية بكاملها ، فهو معني تماماً بآلامها و آمالها و أخبارها .
فالإنسان أي إنسان يحس في قرارة نفسه إحساساً ذاتياً بأنه ملتزم ذاتياً ، و أن عليه حقوقاً لله ، و حقوقاً لنفسه ، و حقاً لأمه ، و حقاً لأبيه ، و حقاً لولده ، و حقاً لأخيه ، و حقاً لزوجته ، و لأحفاده ، و أعمامه ، و عماته ، و أخواله ، و خالاته ، و أولادهم و حقاً للإنسان كإنسان ، و حقاً لمن يسدي اليه المعروف ، و حقاً لمن يجالسه ، و حقاً نحو جاره ، و حقاً نحو صاحبه ، و حقاً نحو شريكه ، و حقاً نحوالمال الذي يملكه ، و حقاً نحو الدائن أو الغريم ، و حقاً نحو خليطه و حقاً نحو من ينصحه ، و حقاً نحو كبير السن ، و حقاً نحو الصغير ، و حقاً نحو السائل ، و حقاً تجاه أهل ملته ، و حقاً تجاه أهل الملل الأخرى ، و التزاماً و حقاً نحو السلطة الشرعية القائمة في المجتمع ، و تجاه الأشخاص و الهيئات المتخصصة بتنوير المجتمع و إصلاحه . . . الخ .
و بالرغم من كثرة هذه الإلتزامات الذاتية و الحقوق التي رتبها الإنسان الحر على نفسه ، إلا أنها في حدود طاقته 13.
- 1. القران الكريم : سورة الذاريات ( 51 ) ، الآية : 56 ، الصفحة : 523 .
- 2. القران الكريم : سورة الملك ( 67 ) ، الآية : 2 ، الصفحة : 562 .
- 3. القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 222 .
- 4. القران الكريم : سورة الكهف ( 18 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 294 .
- 5. القران الكريم : سورة السجدة ( 32 ) ، الآية : 13 ، الصفحة : 416 .
- 6. القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 118 و 119 ، الصفحة : 235 .
- 7. القران الكريم : سورة ق ( 50 ) ، الآية : 16 ، الصفحة : 519 .
- 8. القران الكريم : سورة ق ( 50 ) ، الآية : 18 ، الصفحة : 519 .
- 9. القران الكريم : سورة الزلزلة ( 99 ) ، الآية : 7 و 8 ، الصفحة : 599 .
- 10. توحيد الصدوق : 380 و عقائد الإسلام في القرآن الكريم للسيد مرتضى العسكري : 455 و كتابنا معالم أهل بيت النبوة : 123 .
- 11. توحيد الصدوق : 361 .
- 12. رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين ، مرجع سابق فقرة ، 25 / 264 .
- 13. المصدر: كتاب حقوق الإنسان عند اهل بيت النبوة و الفكر المعاصر ، الفصل الثالث .