مجموع الأصوات: 50
نشر قبل 4 سنوات
القراءات: 5658

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

القرآن الكريم اشرف الكتب وانفعها في الدنيا والآخرة

عندما نريد الحديث عن القرآن الكريم، فنحن لا نتحدث عن كتاب قصصي أو تاريخي أو أدبي وانما عن كتاب أنزله الله عز وجل على نبينا الخاتم محمد(صلى الله عليه وآله) ليكون هذا القرآن كتاب النور والإيمان والهداية والإرشاد للإنسان إلى يوم القيامة،ولذا تعهد الله بحفظ هذا القرآن من التزييف والتحريف كما قال تعالى:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ 1.
ولا شك أن القرآن الذي هو كلام الله للبشرية جمعاء يراد منه الأخذ بيد الإنسان نحو ما فيه خيره ونجاته في الدنيا والآخرة، ولذا طلب منا رب العزة عز وجل "التدبّر" في أمر هذا القرآن وأن لا نغفل عنه في حياتنا كما قال تعالى:﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ 2. وهذه الآية تشير بوضوح إلى ضرورة أن لا يهمل المسلم أمر القرآن بل عليه أن يتعهده بالرعاية والعناية، وأن يلتزم بما ورد فيه من مفاهيم وأحكام وقوانين ليضمن لنفسه منزلة ومكانة عند الله سبحانه وتعالى.

وقد ورد في الحديث عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): إن أردت عيش السعداء، وميتة الشهداء، والنجاة يوم الحشر، والأمن يوم الخوف والنور يوم الظلمات، والظل يوم الحرور، والري يوم العطش، والوزن يوم الخفة، والهدى يوم الضلالة، فادرس القرآن، فانه ذكر الرحمان، وحرز من الشيطان، ورُجحان في الميزان.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادى الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان:"زيادة في هدى"أو"نقصان من عمى3.

وإذا كانت المواصفات التي ذكرها النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) في هذين الحديثين بهذا المقدار من المكانة والأهمية في حياة الإنسان، فانهما يدلان كذلك على أن هذا القرآن هو أشرف الكتب وأنفعها للإنسان في حياته الدنيا لأنه يخرج الإنسان من طرق الضلالة إلى طريق الهداية ومن الكفر إلى الإيمان، ومن الشر إلى الخير، ومن الفساد إلى الصلاح،ومن الاعوجاج إلى الإستقامة، وماذا يطلب الإنسان المريد للنجاة عند الله يوم القيامة أكثر من هذا؟

وشرف الشيئ يمكن الاستدلال عليه من خلال منافعه وفوائده، فكلما كانت الفوائد والمنافع كبيرة ومهمة ولها تأثيرها البالغ في حياة الإنسان معنوياً أو مادياً كلما كان شرف الشيئ أكبر وأعظم ، ولا يمكن أن نتصور أنه يوجد كتاب أكثر نفعاً للإنسان من القرآن في الدنيا والآخرة، فالقرآن الذي هو أشرف الكتب وأعظمها نفعاً فيما لو تمسك الإنسان به، هو أيضاً أكثرها خطراً على الإنسان فيما لو أهمله وتخلى عنه ولم يعمل به.

وأما منافع القرآن في الدنيا والآخرة فيمكن الحديث حولها بما يلي:

أولا: المنافع الإيمانية في الدنيا

١- تجارة رابحة مع الله عز وجل: قال تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾ 4

٢- الحديث مع الله عز وجل: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا أحب أحدكم أن يحدث ربه فليقرأ القرآن.

٣- جلاء القلوب: عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل: يا رسول الله فما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن.

٤- القرآن حياة القلوب: عن النبي (صلى الله عليه وآله): يا بني لا تغفل عن قراءة القرآن، فإن القرآن يحي القلب، وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، الرواية عن كثير بن سليم.

٥- القرآن والتذكير بالجنة والنار: كان الإمام الرضا (عليه السلام) في خراسان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن، فإذا مر بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة وتعوذ به من النار.

٦- كيفية التعامل مع آيات القرآن: إن القرآن نزل على خمسة وجوه: حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فأعملوا بالحلال، ودعوا الحرام، وأعملوا بالمحكم ودعوا المتشابه واعتبروا بالأمثال والحديث وارد عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وعنه أيضاً: أنزل القرآن على سبعة أحرف، أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل.

7- أعظم آية وأعدلها وأخوفها وأرجاها في القرآن: عن النبي (صلى الله عليه وآله) أعظم آية في القرآن آية الكرسي، ،وأعدل آية﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ... 5 وأخوف آية﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ 6 وأرجى آية في القرآن﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ 7

8- الاستماع إلى القرآن: قال تعالى: وإذا قرأ القرآن فأستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ 8، وقوله تعالى: ( إن الذين أوتوا العلم من قبلها إذا يتلى عليهم آياته يخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً)﴿ ... إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا 9

وأما منافع القرآن في الآخرة فهي لا تقل أهمية عن منافعه في الدنيا، بل هي مرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً لأنه لا انفكاك بين منافع القرآن الدنيوية الإيمانية والمنافع الأخروية، لأنه من لم يستفِد من المنافع الإيمانية للقرآن في الدنيا لن يستفيد من منافع القرآن الأخروية، فمن ضيع القرآن في الدنيا أضاعه في الآخرة، لأن منافع القرآن الإيمانية في الدنيا هي عبارة عن الالتزام بما يقتضيه القرآن من فعل الواجب وترك الحرام والقيام بأفعال الخير والتحلي بالأخلاق الحميدة والصفات الجيدة، ومعاشرة الناس بالمعروف ورفع الأذى ودفعه عنهم والإحسان إلى المحتاجين أو غير ذلك من المنافع التي تشير إليها آيات القرآن وسوره المباركة.

ثانياً: المنافع الإيمانية الأخروية للقرآن

1- الأجر والثواب: من استمع آية من القرآن خير له من تبير واهباً، والتبير إسم جبل عظيم باليمن " الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعنه (صلى الله عليه وآله): يدفع عن قارئ القرآن بلاء الدنيا ويدفع عن مستمع القرآن بلاء الآخرة، وعنه (صلى الله عليه وآله): من استمع إلى آية من كتاب الله كتب له حسنة مضاعفة، ومن تلا آية من كتاب الله كانت له نوراً يوم القيامة.

2- القرآن قرة العين يوم القيامة: عن النبي(صلى الله عليه وآله) ما من عين فاضت من قراءة القرآن إلا قرت يوم القيامة.

3- القرآن أمان من العذاب يوم القيامة: عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): عليك بقراءة القرآن فإن قراءته كفارة للذنوب وستر في النار وأمان من العذاب، وعنه (صلى الله عليه وآله) إقراؤا القرآن واستظهروه، فإن الله لا يعذب قلباً وعا القرآن، وعنه (صلى الله عليه وآله): لا تغرنكم هذه المصاحف المعلقة، إن الله تعالى لا يعذب قلباً وعى القرآن.

4- أجر تعليم القرآن: عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله):  ألا من تعلم القرآن وعلمه وعمل بما فيه فأنا له سائق إلى الجنة ودليل إلى الجنة)، وعنه (صلى الله عليه وآله):  من علم ولداً له القرآن قلده قلادة يعجب منها الأولون والآخرون يوم القيامة.

5- أجر قارئ القرآن: عن النبي (صلى الله عليه وآله): يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة إقرأ و أصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شئ معه منه.

وما ذكرناه من المنافع للقرآن في الدنيا والآخرة هو غيض من فيض ونبذة عن أهمية هذا الكتاب الذي هو دستور الأمة ونورها ونبراسها والضوء الذي تستنير به حين تداهمنا الخطوب وتهجم علينا الفتن والمحن والشدائد، فالقرآن هو الذي يعطينا القوة والقدرة على تمييز الحق من الباطل ، والخير من الشر، ويحدد لنا الموقع الصحيح الذي يجب أن تكون الأمة فيه حتى لا تضيع ولا تنحرف عن جادة الحق والعدل والصواب والاستقامة. والشرط الأساس للاستفادة من منافع القرآن التي ذكرنا بعضها هو الالتزام التام به والعمل بمضامينه والوقوف عندما أمرنا بالوقوف عنده، فلا نتجاوزه ولا نفسره وفق أهوائنا ورغباتنا وشهواتنا، لأن في هذه الحالة لن نتمكن من الانتفاع منه، وإنما نكون من المستغلين له والمنتفعين به بغير ما أراد الله سبحانه وتعالى وهذا يجرنا إلى الحساب والمساءلة من الله عز وجل، وقد ورد النهي الصريح عن تأويل القرآن وتفسيره بما يتناسب مع الرغبات والأهواء، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): في حديث قدسي: قال الله جل جلاله: ما آمن بي من فسر برأيه كلامي، وعن النبي (صلى الله عليه وآله): من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار، وعنه (صلى الله عليه وآله): من قال في القرآن بغير ما علم جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار وعن الإمام الصادق (عليه السلام): من فسر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر، وإن أخطأ كان إثمه عليه.

وكذلك من تعلم القرآن ولم يعمل به ولم يهتد بهديه ويلتزم بتعاليمه ويعمل بأحكامه، وإنما كان هدفه طلب الدنيا ونعيمها وزخارفها ومثل هذا الإنسان يكون قد أضاع الفرصة على نفسه يوم القيامة وسيكون حسابه عسيراً لأنه تعامل مع أشرف كتاب وأنفعه في غير موضعه، وهدفه، وقد جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله): من قرأ القرآن يريد به السمع والتماساً بشئ لقي الله عز وجل يوم القيامة أعمى فيقول: ﴿ ... رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ ... 10.

من كل ما سبق يتضح مما لا مجال للشك أن القرآن أشرف الكتب وأنفعها للإنسان يوم القيامة اذا التزم به كما أراد الله ونبيه (صلى الله عليه وآله)، لأنه بذلك تنفتح له أبواب الرحمة والمغفرة ويكون مؤهلاً لدخول الجنة لأنه أطاع القرآن وعمل به ولم ينحرف عنه ولم يستغله لأغراض دنيوية لا ربط لها بالنجاة يوم القيامة، وتعامل معه على أنه النور والمنقذ والمدخل للوصول إلى الله بالطريقة التي تنجيه يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وصافٍ ومتجرد وشفاف.

وأخيراً نسأل الله أن يجعلنا من الذين يتعاملون مع القرآن على أنه أشرف كتاب وأكثر كتاب نفعاً للإنسان في الدنيا والآخرة ، وهو كذلك بلا شك لمن أيقن أن نجاته يوم القيامة مرتبطة بمدى تعلقه وعمله والتزامه بالقرآن الذي يقول الله عنه في محكم كتابه﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ 11، ويقول أيضاً:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ 12

والحمد لله رب العالمين13