حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
القاسم المشترك في كلام القانونيين
ظهر من التعريفات التي نقلناها في البحث السابق في المجال القانوني بأن القانونيين اختلفوا في تقرير مفهوم الحق كما هو شأن الفقهاء، ومع ذلك يمكن الخروج بجامع لأقوالهم، فالاختلاف بينهم واضح وبيِّن ولا يمكن إدعاء خلاف ذلك، لكن عند التدقيق يمكن تكوين رؤية واضحة تشكِّل جامعاً لتقريراتهم بحيث تزاح بعض التفاصيل والجزئيات التي ربما تكون هي السبب في تباعد التقريرات تلك من حيث الدقة في التعريف.
وقبل كل شيء ينبغي التنبيه إلى أن التدقيق في تقرير مفهوم الحق في المجال القانوني -كما كان الشأن في الفقهي- ليس عملاً ترفيّاً أو استعراضاً علمياً، بل لما يترتب عليه من تطبيقات عملية، إذ أن كل تقرير يستتبع مميزات من نوع خاص، كما هو ملاحَظ لكل من تأمل في التعريفات المذكورة.
وعليه فالذي يبدو بعد تتبع التعريفات تلك، أن الخُلوص إلى تقرير وتعريف دِقِّي لمفهوم الحق من الصعوبة بمكان، إذ أن كل تعريف يُقتَرَح يمكن أن يُعترَض عليه بعدم شموله لبعض الأفراد الداخلة ضرورةً ضمن مفهوم الحق، أو بشموله لأفراد أخرى ليست داخلة في حريم هذا المفهوم ولا هي من مقوِّماته، أي لا هو جامع للأفراد ولا مانع للأغيار، ويمكن ملاحظة ذلك جلياً فيما استعرضناه من تعريفات في قسم النظرية التقليدية، فإن اقتران الحق بالإرادة يُخرِج عديم الإرادة كالصبي مع التسليم بأنه صاحب حق، كما أنه يُدخِل الولي القائم على الصبي وينزِّله منزلة صاحب الحق مع التسليم أيضاً بأنه ليس صاحب حق، وهكذا.
لذلك فالقول بصعوبة تقرير تعريف جامع لجميع الأفراد ومانع لجميع الأغيار لا مجازفة فيه، الأمر نفسه الذي يُواجِه المختص في كثير من الحقول العلمية، بل في البحث المفاهيمي غالباً، ويمكن الوقوع على ذلك في تعريف الأصوليين لعلم الأصول، والفقهاء للقواعد الفقهية، والفلاسفة للفلسفة، بل حتى في جزئيات وفروع هذه العلوم وغيرها.
والأقرب للذوق أن مفهوم الحق مطّاط، يمتد من جهة وينكمش من أخرى، فهو في حقيقته امتيازات يتمتع بها الأفراد كما جاء في الكلام السابق للدكتور الحاج، وتأتي هذه الامتيازات من القانون وتُحمى بطريقة قانونية بحسب ما جاء في كلام مضى للبلجيكي دابان. لكن هذه الامتيازات ليس من الضرورة أن تكون من قبيل التسلط أو التملك، فقد تكون كذلك كما قال به دابان، وقد تكون بمعنى أحدهما دون الآخر، أو بمعنى ثالث دونهما كالأولوية، أو بمعنى حرية التصرف فقط، أو غير ذلك، من غير أن يكون هناك استبعاد لشمول مفهوم الحق لدلالات أخرى غير ما ذُكِر، مع إمكانية وجود أثر للعرف الزماني والمكاني أيضاً. وهي النتيجة نفسها تقريباً التي وصلنا إليها في البحث الفقهي، لهذا لا يوجد تمايز حقيقي يعتد به بين الأفق الفقهي والقانوني في تعريف مفهوم الحق.
فتلخص بأن الحق فقهياً وقانونياً عبارة عن امتياز خاص يمنحه القانون الشرعي أو الإنساني، سواء قلنا بأنه اعتبار خاص مغاير للملكية والسلطنة وأنهما مجرد آثار له كما قال بذلك الآخوند الخراساني بحسب ما أسلفنا، أو قلنا بأنه بعينه يكون في موارد بمعنى الملكية وفي موارد أخرى بمعنى السلطنة وهكذا، وهذا الامتياز يحميه القانون بكلا قسميه الشرعي والإنساني 1.
- 1. الموقع الرسمي لسماحة الشيخ فيصل العوامي حفظه الله.