مجموع الأصوات: 63
نشر قبل 7 سنوات
القراءات: 6416

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

التخطيط في الانفاق

في المجتمعات التي يتوافر لأبنائها وعي اقتصادي حياتي، يعتمد كل فرد له ميزانية سنوية، وفق مستوى دخله، وحسب أولويات احتياجاته، فيحدد نسبة من دخله لكل مجال من مجالات حياته، فللتعليم كذا في المائة، وللصحة كذا، وللغذاء كذا وهكذا.
وعادة ما تخصص نسبة للادخار لمواجهة الحالات الطارئة، والتي انطلقت منها شركات التأمين في المجالات المختلفة.

كتب أحدهم رسالة لجريدة عكاظ هي نموذج يحكي حالة الكثيرين ومما جاء فيها: أنا شاب متزوج ولدي طفلة صغيرة، وأعمل في وظيفة محترمة، واتقاضى راتبا يبلغ تسعة آلاف ريال شهريا، وما ان يأتي آخر الشهر لا أجد ريالا في جيبي، ومشكلتي تكمن في عجزي عن ادخار أي مبلغ ينفعني في الأيام الصعبة، ويساعدني على تأمين مستقبل جيد لأولادي، عجزت عن شراء متر أرض واحد او بناء منزل لي ولأولادي.
ان انفاق الانسان يجب ان يكون في حدود دخله، وصرفه يجب ان يكون ضمن ميزانية يعتمدها بدراسة وتفكير، لا ان يصبح دخله في مهب رياح الدعاية والإعلان، وتحت تأثير الرغبات الاستهلاكية الارتجالية.

عادات الإسراف والتبذير

لقد تحول الاسراف والتبذير والمبالغة في الاستهلاك الى عادات وأعراف حاكمة في مجتمعاتنا.
فأطفالنا يتربون من صغرهم على حب الاستهلاك، فتعطى لهم النقود دون حاجة، ويتعلمون الاستمتاع بالشراء، لمجرد الشراء وان كان لشيء لا يفيدهم، بل قد يكون ضارا لهم. وترى في حالات كثيرة حينما يبكي الطفل ويريد أهله تهدئته يقال له خذ ريالا او خمسة او عشرة واذهب الى البقالة!! في مقابل ذلك تشجع بعض العوائل في المجتمعات المتقدمة أبناءها منذ صغرهم على فتح حسابات للادخار، وتعلمهم كيف يفكرون فيما يشترون قبل ان يشتروا.
وعلى المستوى العام فالتسوق والشراء لم يعد تلبية لحاجة في حياة العائلة، بل أصبح برنامجا للترفيه والتمتع، فيذهبون الى السوق ليس لشراء حاجات معينة يريدونها، وانما يتجولون في المحلات التجارية لتتخلق عندهم الحاجة ورغبة الشراء، فالاستهلاك بحد ذاته مصدر لذة وارتياح.
كما تعود الناس على ان يشتروا الأشياء بالكميات، وحتى فيما يسرع اليه التلف، فيحملوا أنفسهم نفقات التخزين والتبريد، ويخسروا قسما كبيرا منها بالخراب والتلف، ذلك ان الواحد منا يستحي ان يشتري بالكيلو او الحبة الواحدة!!
بينما ترى في أمريكا وأوروبا ان العائلة تشتري بضع حبات من البرتقال او التفاح أو جزءا من حبة البطيخ وما أشبه.
وعاداتنا في الأكل والشرب قائمة على الاسراف والتبذير غالبا، وخاصة في الولائم والمناسبات العامة، حيث يقدم لشخصين او ثلاثة صحن طعام ممتلئا يكفي لعشرة أشخاص فيتناولون منه مقدارا يسيرا ويرمى الباقي!! وهي حالة مألوفة معروفة.
وتحكي أرقام وزن النفايات المنزلية صورة عن مستوى الاسراف والتبذير، فقبل سنوات أشارت دراسة نفذها المعهد العربي لانماء المدن بعد مسح شامل لحوالي 111 مدينة عام 1986م، الى ان النفايات المنزلية في 29 مدينة في دول مجلس التعاون الخليجي تشكل 79% من المجموع العام للنفايات المختلفة، وهذه النسبة تعتبر من أعلى النسب في كل دول العالم. ويلقي الفرد في مدينة الرياض نحو 2000 جرام من النفايات العامة يوميا!!
في بعض الدول الأوروبية تجمع القمامة والنفايات المنزلية يومين في الأسبوع، اما عندنا فهي تجمع يوميا، بل يلاحظ انها تزيد على استيعاب البراميل المعدة لها.
كما أصبح الاستهلاك ميدانا للتفاخر والتباهي، فاختيار نوع السيارة او أثاث المنزل، او طريقة احتفال الزواج في هذه الصالة او تلك، وبهذا الشكل او غيره، لا يتم نتيجة اختيار موضوعي وانما لتسجيل نقاط في مجال التفاخر والتباهي، ومحاكاة لذلك الشخص او تلك الجهة.
اننا ندفع ثمنا باهظا لهذه العادات السيئة، فأولا: غضب الله سبحانه وتعالى والذي نهانا عن الاسراف والتبذير، يقول تعالى: ﴿ ... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ 1ويقول تعالى:﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ... 2.
وثانيا: ترهقنا بأعبائها، حيث يجد الواحد نفسه منساقا لمماشاة هذه العادات والأعراف، مع عدم قدرته وضعف امكانياته، فيتحمل الديون والقروض، ويتعرض للاحراج والمشقة، كما تتعرقل بسببها متطلبات وحاجات الحياة، وتنتج المشاكل العائلية والاجتماعية.
فالزواج أصبح يتطلب كلفة كبيرة، ومراسيم العزاء عند الوفاة تحتاج مبالغ طائلة، وتقديم الهدايا عند الولادة من قبل المرأة لصديقاتها يستلزم ميزانية باهظة.
دعوة الى الترشيد:
لم تكن مجتمعاتنا تعيش مثل هذه الحالة الاستهلاكية في الماضي، وحتى لدى الطبقات الثرية والمتمكنة، لكن توافر السيولة في الأيدي، والتأثر بوسائل الإعلام والدعاية، هو الذي شجع على عادات الترف والاسراف. لكن الوضع الاقتصادي الآن أصبح ضاغطا على الأكثرية الساحقة، فالحاجة ماسة لتغيير أنماط الاستهلاك السائدة، وترشيدها بما يتناسب مع ارتفاع مستوى المعيشة، ومحدودية المداخيل. ومع ان الناس جميعا يتبرمون من هذه العادات الضاغطة المرهقة، إلا انهم يخضعون لها ويتقيدون بها، خوفا من الانتقاد والاتهام بالبخل.
والمطلوب تجاوز هذا الاحساس المضخم، وان تبدأ مبادرات الترشيد على مستوى الانفاق الخاص، وفي المناسبات العامة، واذا ما تعددت هذه المبادرات فسوف تتكون عادات جديدة راشدة يقبل عليها الكثيرون3.