حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
- أبوذر - أصحاب النبي - ابوذر - ابي ذر - اصحاب الامام علي - الربذه - تاريخ الخلفاء
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
أبو ذر
قال الأميني : هل تعرف موقف أبي ذر الغفاري من الإيمان ، و ثباته على المبدأ ، و محله من الفضل ، و مبلغه من العلم ، و مقامه من الصدق ، و مبوأه من الزهد ، و مرتقاه من العظمة ، و خشونته في ذات الله ، و مكانته عند صاحب الرسالة الخاتمة ؟ فإن كنت لا تعرف ؟ فإلى الملتقى .
تعبده قبل البعثة . سبقه في الاسلام . ثباته على المبدأ
1 ـ أخرج ابن سعد في الطبقات 4 ، 161 من طريق عبد الله بن الصامت قال : قال أبو ذر . صليت قبل الاسلام قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه و آله ثلاث سنين . فقلت : لمن ؟ قال . لله . فقلت : أين توجه ؟ قال : أتوجه حيث يوجهني الله .
و أخرج من طريق أبي معشر نجيح قال : كان أبو ذر يتأله في الجاهلية و يقول :
لا إله إلا الله ، و لا يعبد الأصنام ، فمر عليه رجل من أهل مكة بعد ما أوحي إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا أبا ذر! إن رجلا بمكة يقول مثل ما تقول : لا إله إلا الله . و يزعم إنه نبي . و ذكر حديث إسلامه ص 164 .
و في صحيح مسلم في المناقب 7 : 153 ، بلفظ ابن سعد الأول ، و في ص 155 بلفظ : صليت سنتين قبل مبعث النبي ، قال : قلت : فأين كنت توجه ؟ قال : حيث و وجهني الله .
و في لفظ أبي نعيم في الحلية 1 : 157 : يا ابن أخي صليت قبل الاسلام بأربع سنين و ذكره ابن الجوزي في صفوة الصفوة 1 : 238 .
و في حديث أخرجه ابن عساكر في تاريخه 7 : 218 : أخذ أبو بكر بيد أبي ذر و قال : يا أبا ذر ! هل كنت تتأله في جاهليتك ؟ قال : نعم لقد رأيتني أقوم عند الشمس فما أزال مصليا حتى يؤذيني حرها فأخر كأني خفاء ، فقال : فأين كنت تتوجه ؟ قال : لا أدري إلا حيث وجهني الله .
2 ـ أخرج ابن سعد في الطبقات 4 : 161 من طريق أبي ذر قال : كنت في الاسلام خامسا . و في لفظ أبي عمر و ابن الأثير : أسلم بعد أربعة . و في لفظ آخر . يقال : أسلم بعد ثلاثة . و يقال : بعد أربعة . و في لفظ الحاكم : كنت ربع الاسلام ، أسلم قبلي ثلاثة نفر و أنا الرابع . و في لفظ أبي نعيم : كنت رابع الاسلام ، أسلم قبلي ثلاثة و أنا الرابع .
و في لفظ المناوي : أنا رابع الاسلام . و في لفظ ابن سعد من طريق ابن أبي وضاح البصري : كان إسلام أبي ذر رابعا أو خامسا .
راجع حلية الأولياء 1 : 157 ، مستدرك الحاكم 3 : 342 ، الاستيعاب 1 : 83 ، ج 2 : 664 ، أسد الغابة 5 : 186 ، شرح الجامع الصغير للمناوي 5 : 423 ، الإصابة 4 : 63 .
3 ـ أخرج ابن سعد في الطبقات 4 : 161 من طريق أبي ذر قال : كنت أول من حياه صلى الله عليه و آله و سلم بتحية الاسلام فقلت : السلام عليك يا رسول الله ! فقال : و عليك و رحمة الله . و في لفظ أبي نعيم : انتهيت إلى النبي صلى الله عليه و آله حين قضى صلاته فقلت : السلام عليك فقال : و عليك السلام .
و أخرجه مسلم في " المناقب " من الصحيح 7 : 154 ، 155 ، و أبو نعيم في " الحلية " 1 : 159 ، و أبو عمر في " الاستيعاب 2 : 664 .
4 ـ أخرج ابن سعد و الشيخان في الصحيحين من طريق ابن عباس و اللفظ للأول قال : لما بلغه أن رجلا خرج بمكة يزعم إنه نبي أرسل أخاه فقال : إذهب فائتني بخبر هذا الرجل و بما تسمع منه . فانطلق الرجل حتى أتى مكة فسمع من رسول الله صلى الله عليه و آله فرجع إلى أبي ذر فأخبره إنه : يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يأمر بمكارم الأخلاق فقال أبو ذر : ما شفيتني . فخرج أبو ذر و معه شنة فيها ماءه و زاده حتى أتى مكة ففرق أن يسأل أحدا عن شئ و لما يلق رسول الله صلى الله عليه و آله فأدركه الليل فبات في ناحية المسجد فلما اعتم مر به علي فقال : ممن الرجل ؟ قال : رجل من بني غفار . قال : قم إلى منزلك قال : فانطلق به إلى منزله ولم يسأل واحد منهما صاحبه عن شئ و غدا أبو ذر يطلب فلم يلقه و كره أن يسأل أحدا عنه ، فعاد فنام حتى أمسى فمر به علي فقال : أما آن للرجل أن يعرف منزله ؟ فانطلق به فبات حتى أصبح لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شئ فأصبح اليوم الثالث فأخذ على علي لئن أفشي إليه الذي يريد ليكتمن عليه و ليسترنه ، ففعل فأخبره إنه بلغه خروج هذا الرجل يزعم إنه نبي فأرسلت أخي ليأتيني بخبره و بما سمع منه فلم يأتيني بما يشفيني من حديثه فجئت بنفسي لألقاه ، فقال له على إني غاد فاتبع أثري فإني إن رأيت ما أخاف عليك إعتللت بالقيام كأني اهريق الماء فأتيك ، و إن لم أر أحدا فاتبع أثري حتى تدخل حيث أدخل . ففعل حتى دخل على أثر علي على النبي صلى الله عليه و آله فأخبره الخبر و سمع قول رسول الله صلى الله عليه و آله فأسلم من ساعته ثم قال : يا نبي الله ما تأمرني ؟
قال : ترجع إلى قومك حتى يبلغك أمري . قال : فقال له : و الذي نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالاسلام في المسجد . قال : فدخل المسجد فنادى بأعلى صوته : أشهد أن لا إله إلا الله ، و أن محمدا عبده و رسوله . قال : فقال المشركون : صبأ الرجل ، صبأ الرجل ، فضربوه حتى صرع فأتاه العباس فأكب عليه و قال : قتلتم الرجل يا معشر قريش !
أنتم تجار و طريقكم على غفار فتريدون أن يقطع الطريق فأمسكوا عنه . ثم عاد اليوم الثاني فصنع مثل ذلك ثم ضربوه حتى صرع فأكب عليه العباس و قال لهم مثل ما قال في أول مرة فأمسكوا عنه .
و ذكر ابن سعد في حديث إسلامه : ضربه لإسلامه فتية من قريش فجاء إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا رسول الله ! أما قريش فلا أدعهم حتى أثأر منهم ، ضربوني ، فخرج حتى أقام بعسفان و كلما أقبلت عير لقريش يحملون الطعام ينفر لهم على ثنية غزال فتلقى أحمالها فجمعوا الحنط فقال لقومه : لا يمس أحد حبة حتى تقولوا : لا إله إلا الله . فيقولون : لا إله إلا الله ، و يأخذون الغرائر .
راجع طبقات ابن سعد 4 : 165 ، 166 ، صحيح البخاري كتاب المناقب باب إسلام أبي ذر 6 : 24 ، صحيح مسلم كتاب المناقب 7 : 156 ، دلائل النبوة لأبي نعيم 2 : 86 ، حلية الأولياء له 1 : 159 ، مستدرك الحاكم 3 : 338 ، الاستيعاب 2 : 664 و أخرج أبو نعيم في الحلية 1 : 158 من طريق ابن عباس عن أبي ذر قال : أقمت مع رسول الله صلى الله عليه و آله بمكة فعلمني الاسلام و قرأت من القرآن شيئا ، فقلت : يا رسول الله !
إني أريد أن أظهر ديني . فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : إني أخاف عليك أن تقتل . قلت :
لا بد منه و إن قتلت . قال : فسكت عني فجئت و قريش حلق يتحدثون في المسجد فقلت أشهد أن لا إله إلا الله ، و أن محمدا رسول الله . فانتقضت الحلق فقاموا فضربوني حتى تركوني كأني نصب أحمر ، و كانوا يرون إنهم قد قتلوني فأفقت فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فرأى ما بي من الحال فقال لي : ألم أنهك . فقلت : يا رسول الله ! كانت حاجة في نفسي فقضيتها ، فأقمت مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال : إلحق بقومك فإذا بلغك ظهور فأتني و أخرج من طريق عبد الله بن الصامت قال : قال لي أبو ذر رضي الله عنه : قدمت مكة فقلت : أين الصابئ ؟ فقالوا : الصابئ . فأقبلوا يرمونني بكل عظم و حجر حتى تركوني مثل النصب الأحمر .
و أخرجه أحمد في " المسند " 5 : 174 بصورة مفصلة ، و مسلم في " المناقب " ، و الطبراني كما في مجمع الزوائد 9 : 329 .
حديث علمه
1 ـ أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى 5 : 170 طليدن من طريق زاذان سئل علي عن أبي ذر فقال : وعى علما عجز فيه ، و كان شحيحا حريصا على دينه ، حريصا على العلم ، و كان يكثر السؤال فيعطى و يمنع ، أما أن قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ .
و قال أبو عمر : روى عنه جماعة من الصحابة و كان من أوعية العلم المبرزين في الزهد و الورع و القول بالحق ، سئل علي عن أبي ذر فقال : ذلك رجل وعى علما عجز عنه الناس ، ثم أوكأ فيه فلم يخرج شيئا منه " الاستيعاب 1 : 83 ، ج 2 : 664 " .
و حديث علي عليه السلام ذكره ابن الأثير في أسد الغابة 5 : 186 ، و المناوي في شرح الجامع الصغير 5 : 423 و لفظه : وعاء ملئ علما ثم أوكأ عليه ، و ابن حجر في الإصابة 4 : 64 و قال : أخرجه أبو داود بسند جيد .
2 ـ أخرج المحاملي في أماليه و الطبراني من طريق أبي ذر قال : ما ترك رسول الله صلى الله عليه و آله شيئا مما صبه جبرئيل و ميكائيل في صدره إلا و قد صبه في صدري . الحديث .
مجمع الزوائد 9 : 331 ، الإصابة 3 : 484 .
قال أبو نعيم في الحلية 1 : 156 : العابد الزهيد ، القانت الوحيد ، رابع الاسلام و رافض الأزلام قبل نزل الشرع و الأحكام ، تعبد قبل الدعوة بالشهور و الأعوام ، وأول من حيا الرسول بتحية الاسلام ، لم يكن تأخذه في الحق لائمة اللوام ، و لا تفزعه سطوة الولاة و الحكام ، أول من تكلم في علم البقاء و الفناء ، و ثبت على المشقة والعناء ، و حفظ العهود و الوصايا ، و صبر على المحن و الرزايا ، و اعتزل مخالطة البرايا ، إلى أن حل بساحة المنايا . أبو ذر الغفاري رضي الله عنه . خدم الرسول ، و تعلم الأصول ، و نبذ الفضول .
و في ص 169 : قال الشيخ رحمه الله تعالى : كان أبو ذر رضي الله تعالى عنه للرسول صلى الله عليه و آله ملازما و جليسا ، و على مسائلته و الاقتباس منه حريصا ، و للقيام على ما استفاد منه أنيسا ، سأله عن الأصول و الفروع ، و سأله عن الإيمان و الاحسان ، و سأله عن رؤية ربه تعالى ، و سأله عن أحب الكلام إلى الله تعالى ، و سأله عن ليلة القدر أترفع مع الأنبياء أم تبقى ؟ و سأله عن كل شئ حتى مس الحصى في الصلاة . ثم أخرج من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه و آله عن كل شيئ حتى سألته عن مس الحصى . فقال : مسه مرة أودع .
و أخرج أحمد في " مسند " 5 : 163 عن أبي ذر قال : سألت النبي صلى الله عليه و آله عن كل شئ حتى سألته عن مسح الحصي فقال : واحدة أودع .
و قال ابن حجر في الإصابة 4 : 64 : كان يوازي ابن مسعود في العلم .
حديث صدقه و زهده
1 ـ أخرج ابن سعد و الترمذي من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص ، و عبد الله بن عمر ، و أبي الدرداء مرفوعا : ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر .
و أخرج الترمذي بلفظ : ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق و لا أوفى من أبي ذر ، شبه عيسى بن مريم . فقال عمر بن الخطاب كالحاسد : يا رسول الله ! أفتعرف ذلك له ؟ قال : نعم فاعرفوه .
و في لفظ الحاكم . ما تقل الغبراء و لا تظل الخضراء من ذي لهجة أصدق و لا أو في من أبي ذر شبيه عيسى بن مريم . فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله ! فنعرف ذلك له ؟ قال : نعم فاعرفوه له .
و في لفظ ابن ماجة من طريق عبد الله بن عمرو : ما أظلت الخضراء ، و لا أقلت الغبراء بعد النبيين أصدق من أبي ذر .
و في لفظ أبي نعيم من ريق أبي ذر : ما تظل الخضراء و لا تقل الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر شبيه ابن مريم .
و في لفظ ابن سعد من طريق أبي هريرة : ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر .
و في لفظ لأبي نعيم : أشبه الناس بعيسى نسكا و زهدا و برا .
و في لفظ من طريق الهجنع بن قيس : ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ثم رجل بعدي ، من سره أن ينظر إلى عيسى بن مريم زهدا و سمتا فلينظر إلى أبي ذر .
و في لفظ من طريق علي عليه السلام : ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، يطلب شيئا من الزهد عجز عنه الناس .
و في لفظ من طريق أبي هريرة : ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، فإذا أردتم أن تنظروا إلى أشبه الناس بعيسى بن مريم هديا و برا و نسكا فعليكم به .
و في لفظ من طريق أبي الدرداء : ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر .
و في لفظ ابن سعد من طريق مالك بن دينار : ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، من سره أن ينظر إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر .
أخرجه على اختلاف ألفاظه . ابن سعد ، الترمذي ، ابن ماجة ، أحمد ، ابن أبي شيبة ، ابن جرير ، أبو عمر ، أبو نعيم ، البغوي ، الحاكم ، ابن عساكر ، الطبراني ، ابن الجوزي .
راجع طبقات ابن سعد 4 : 167 ، 168 ط ليدن ، صحيح الترمذي 2 : 221 ، سنن ابن ماجة 1 : 68 ، مسند أحمد 2 : 163 ، 175 ، 223 ، ج 5 : 197 ، ج 6 : 442 ، مستدرك الحاكم 3 : 342 صححه وأقره الذهبي ، و ج 4 : 480 صححه أيضا وأقره الذهبي ، مصابيح السنة 2 : 228 ، صفة الصفوة 1 240 ، الاستيعاب 1 : 84 ، تمييز الطيب لابن الديبع ص 137 ، مجمع الزوائد 9 : 329 ، الإصابة لابن حجر 3 : 622 ، و ج 4 : 64 ، الجامع الصغير للسيوطي من عدة طرق ، شرح الجامع الصغير للمناوي 5 : 423 فقال : قال الذهبي : سنده جيد و قال الهيثمي : رجال أحمد وثقوا و في بعضهم خلاف ، كنز العمال 6 : 169 ، و ج 8 : و ج 8 : 1715 .
2 ـ أخرج الترمذي في صحيحه 2 : 221 مرفوعا : أبو ذر يمشي في الأرض بزهد عيسى بن مريم .
و في لفظ أبي عمر في " الاستيعاب " 2 : 664 : أبو ذر في أمتي على زهد عيسى بن مريم و في ص 84 من ج 1 : أبو ذر في أمتي شبيه عيسى بن مريم في زهده . و بلفظ : من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر .
و ذكره ابن الأثير في أسد الغابة 5 : 186 بلفظ أبي عمر الأول .
3 ـ أخرج الطبراني مرفوعا : من أحب أن ينظر إلى المسيح عيسى بن مريم إلى برده و صدقه و جده فلينظر إلى أبي ذر .
كنز العمال 6 : 169 . مجمع الزوائد 9 : 330 .
4 ـ أخرج الطبراني من طريق ابن مسعود مرفوعا : من سره أن ينظر إلى شبه عيسى خلقا و خلقا فلينظر إلى أبي ذر .
مجمع الزوائد 9 : 330 ، كنز العمال 6 : 169 .
5 ـ أخرج الطبراني من طريق ابن مسعود مرفوعا : إن أبا ذر ليباري عيسى بن مريم في عبادته . كنز العمال 6 : 169 .
حديث فضله
1 ـ عن بريدة عن النبي صلى الله عليه و آله : إن الله عز و جل أمرني بحب أربعة و أخبرني إنه يحبهم : علي و أبو ذر و المقداد و سلمان .
أخرجه الترمذي في صحيحه 2 : 213 ، و ابن ماجة في سننه 1 : 66 ، و الحاكم في المستدرك 3 : 130 و صححه ، و أبو نعيم في الحلية 1 : 172 ، و أبو عمر في الاستيعاب 2 : 557 ، و ذكره السيوطي في الجامع الصغير و صححه و أقر تصحيحه المناوي في شرح الجامع 2 : 215 ، و ابن حجر في الإصابة 3 : 455 ، و قال السندي في شرح سنن ابن ماجة : الظاهر إنه أمر إيجاب و يحتمل الندب ، و على الوجهين فما أمر به النبي صلى الله عليه و آله فقد أمر به أمته ، فينبغي للناس أن يحبوا هؤلاء الأربعة خصوصا .
2 ـ أخرج ابن هشام في السيرة 4 : 179 مرفوعا : رحم الله أبا ذر يمشي وحده ، و يموت وحده ، و يبعث وحده .
و أخرج ابن هشام في السيرة ، و ابن سعد في الطبقات الكبرى 4 : 170 في حديث دفنه قال : فاستهل عبد الله بن مسعود يبكي و يقول : صدق رسول الله : تمشي وحدك ، و تموت وحدك ، و تبعث وحدك .
و ذكره أبو عمر في " الاستيعاب 1 : 83 ، و ابن الأثير في أسد الغابة " 5 : 188 ، و ابن حجر في " الإصابة " 4 : 164 .
3 ـ أخرج البزار من طريق أنس بن مالك مرفوعا : الجنة تشتاق إلى ثلاثة : علي و عمار و أبي ذر .
ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 330 فقال : إسناده حسن .
4 ـ أخرج أبو يعلى من طريق الحسين بن علي قال : أتى جبرئيل النبي صلى الله عليه و آله فقال :
يا محمد! إن الله يحب من أصحابك ثلاثة فأحبهم : علي بن أبي طالب ، و أبو ذر ، و المقداد بن الأسود . مجمع الزوائد 9 : 330 .
5 ـ أخرج الطبري من طريق أبي الدرداء إنه ذكر أبا ذر فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و آله كان يأتمنه حين لا يأتمن أحدا ، و يسر إليه حين لا يسر إلى أحد . كنز العمال 8 : 15 .
و أخرج أحمد في المسند 5 : 197 من طريق عبد الرحمن بن غنم قال : إنه زار أبا الدرداء بحمص فمكث عنده ليالي و أمر بحماره فأوكف فقال أبو الدرداء : ما أراني إلا متبعك فأمر بحماره فأسرج فسارا جميعا على حماريهما فلقيا رجلا شهد الجمعة بالأمس عند معاوية بالجابية فعرفهما الرجل ولم يعرفاه فأخبرهما خبر الناس ، ثم إن الرجل قال : و خبر آخر كرهت أن أخبركما أراكما تكرهانه . فقال أبو الدرداء : فلعل أبا ذر نفي ؟ قال : نعم والله ، فاسترجع أبو الدرداء و صاحبه قريبا من عشر مرات ثم قال : أبو الدرداء : إرتقبهم و اصطبر . كما قيل لأصحاب الناقة ، اللهم إن كذبوا أبا ذر فإني لا أكذبه ، أللهم و إن اتهموه فإني لا أتهمه ، اللهم و إن استغشوه فأني لا استغشه ، فإن رسول الله صلى الله عليه و آله كان يأتمنه حين لا يأتمن أحدا ، و يسر إليه حين لا يسر إلى أحد ، أما و الذي نفس أبي الدرداء بيده لو أن أبا ذر قطع يميني ما أبغضه بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه و آله يقول : ما أظلت الخضراء . الحديث .
و أخرجه الحاكم ملخصا في المستدرك 3 344 و صححه و قال الذهبي : سند جيد .
6 ـ من طريق ابن الحارث عن أبي الدرداء أنه قال و ذكرت له أبا ذر : والله إن كان رسول الله صلى الله عليه و آله ليدنيه دوننا إذا حضر ، و يتفقده إذا غاب ، و لقد علمت أنه قال : ما تحمل الغبراء و لا تظل الخضراء للبشر بقول أصدق لهجة من أبي ذر .
كنز العمال 8 : 15 ، مجمع الزوائد 9 : 330 ، الإصابة 4 : 63 ، نقلا عن الطبراني لفظه : كان رسول الله صلى الله عليه و آله يبتدئ أبا ذر إذا حضر و يتفقده إذا غاب .
7 ـ أخرج أحمد في مسنده 5 : 181 من طريق أبي الأسود الدؤلي أنه قال :
رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه و آله فما رأيت لأبي ذر شبيها .
و ذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 331 .
8 ـ روى شهاب الدين الأبشيهي في المستطرف 1 : 166 قال : مر أبو ذر على النبي صلى الله عليه و آله و معه جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي فلم يسلم فقال جبريل : هذا أبو ذر لو سلم لرددنا عليه . فقال : أتعرفه يا جبريل ؟ قال : والذي بعثك بالحق نبيا لهو في ملكوت السماوات السبع أشهر منه في الأرض قال : بم نال هذه المنزلة ؟ قال : بزهده في هذه الحطام الفانية . و ذكره الزمخشري في ربيع الأبرار باب 23 .
عهد النبي الأعظم إلى أبي ذر
1 ـ أخرج الحاكم في " المستدرك " 3 : 343 من طريق صححه عن أبي ذر قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و آله : يا أبا ذر! كيف أنت إذا كنت في حثالة ؟ و شبك بين أصابعه ، قلت :
يا رسول الله! فما تأمرني ؟ قال : اصبر اصبر اصبر ، خالقوا الناس بأخلاقهم ، و خالفوهم في أعمالهم .
2 ـ أخرج أبو نعيم في الحلية 1 . 162 من طريق سلمة بن الأكوع عن أبي ذر رضي الله عنه قال : بينا أنا واقف مع رسول الله صلى الله عليه و آله فقال لي : يا أبا ذر! أنت رجل صالح و سيصيبك بلاء بعدي . قلت : في الله ؟ قال : في الله . قلت : مرحبا بأمر الله .
3 ـ أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى 4 ص 166 ط ليدن من طريق أبي ذر قال : قال النبي صلى الله عليه و آله : يا أبا ذر! كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يستأثرون بالفئ ؟
قال : قلت : إذا والذي بعثك بالحق أضرب بسيفي حتى الحق به . فقال : أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ إصبر حتى تلقاني .
و في لفظ أحمد و أبي داود : كيف أنت و أئمة من بعدي تستأثرون بهذا الفئ ؟ قال : قلت : إذا والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي ثم أضرب به حتى ألقاك ؟ أو : الحق بك . قال : أ و لا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ تصبر حتى تلقاني و في لفظ : كيف أنت عند ولاة يستأثرون بهذا الفئ ؟ .
مسند أحمد 5 : 180 ، سنن أبي داود 2 : 282 ، لأحمد طريقان كلاهما صحيحان رجالهما كلهم ثقات ، و هم :
1 ـ يحيى بن آدم ، مجمع على ثقته من رجال الصحاح الست .
2 ـ زهير بن معاوية الكوفي ، متفق على ثقته من رجال الصحاح الست .
3 ـ يحيى بن أبي بكير الكوفي مجمع على ثقته من رجال الصحاح الست .
4 ـ مطرف بن طريف ، متفق على ثقته من رجال الصحاح الست .
5 ـ أبو الجهم سليمان بن الجهم الحارثي تابعي لا خلاف في ثقته .
6 ـ خالد بن وهبان ، تابعي ثقة .
4 ـ أخرج أحمد في المسند 5 : 178 من طريق أبي السليل في حديث عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه و آله قال : يا أبا ذر! كيف تصنع إن أخرجت من المدينة ؟ قال : قلت : إلى السعة و الدعة انطلق حتى أكون حمامة من حمام مكة . قال : كيف تصنع إن أخرجت من مكة ؟ قال : قلت : إلى السعة و الدعة إلى الشام و الأرض المقدسة . قال : و كيف تصنع إن أخرجت من الشام ؟ قال : إذا والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي قال :
أ و خير من ذلك ؟ قال : قلت : أ و خير من ذلك ؟ قال : تسمع و تطيع و إن كان عبدا حبشيا .
رجال الاسناد كلهم ثقات و هم :
1 ـ يزيد بن هارون بن وادي . مجمع على ثقته من رجال الصحيحين .
2 ـ كهمس بن الحسن البصري . ثقة من رجال الصحيحين .
3 ـ أبو السليل ضريب بن نقير البصري . ثقة من رجال مسلم و الصحاح الأربعة غير البخاري .
و في لفظ : كيف تصنع إذا خرجت منه ؟ أي المسجد النبوي . قال : آتي الشام .
قال : كيف تصنع إذا خرجت منها ؟ قال : أعود إليه أي المسجد . قال : كيف تصنع إذا خرجت منه ؟ قال : أضرب بسيفي . قال : أدلك على ما هو خير لك من ذلك و أقرب رشدا ؟ قال : تسمع و تطيع و تنساق لهم حيث ساقوك .
فتح الباري 3 : 213 ، عمدة القاري 4 : 291 .
5 ـ أخرج الواقدي من طريق أبي الأسود الدؤلي قال : كنت أحب لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه فنزلت الربذة فقلت له : ألا تخبرني أخرجت من المدينة طائعا ، أم خرجت مكرها ؟ فقال : كنت في ثغر من ثغور المسلمين أغنى عنهم فأخرجت إلى مدينة الرسول عليه السلام فقلت : أصحابي و دار هجرتي فأخرجت منها إلى ما ترى ثم قال :
بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد إذ مر بي رسول الله فضربني برجله و قال : لا أراك نائما في المسجد فقلت : بأبي أنت و أمي غلبتني عيني فنمت فيه فقال : كيف تصنع إذا أخرجوك منه ؟ فقلت : إذن الحق بالشام فإنها أرض مقدسة و أرض بقية الاسلام و أرض الجهاد فقال : فكيف تصنع إذا أخرجت منها ؟ فقلت : أرجع إلى المسجد قال : فكيف تصنع إذا أخرجوك منه ؟ قلت : إذن آخذ سيفي فأضرب به فقال صلى الله عليه و آله : ألا أدلك على خير من ذلك ؟ انسق معهم حيث ساقوك و تسمع و تطيع . فسمعت و اطع و أنا أسمع و أطيع والله ليلقين الله عثمان و هو آثم في جنبي . شرح ابن أبي الحديد 1 : 241 .
و بهذا الطريق و اللفظ أخرجه أحمد في المسند 5 : 156 و الإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات و هم :
1 ـ علي بن عبد الله المديني ، وثقه جماعة و قال النسائي : ثقة مأمون أحد الأئمة في الحديث .
2 ـ معمر بن سليمان أبو محمد البصري ، متفق على ثقته من رجال الصحاح الست
3 ـ داود بن أبي الهند أبو محمد البصري ، مجمع على ثقته من رجال الصحاح غير البخاري و هو يروي عنه في التاريخ من دون غمز فيه .
4 ـ أبو الحرب بن الأسود الدؤلي ، ثقة من رجال مسلم .
5 ـ أبو الأسود الدؤلي ، تابعي متفق على ثقته من رجال الصحاح الست .
6 ـ مر في ص 296 في حديث تسيير أبي ذر : قال " عثمان " : فإني مسيرك إلى الربذة . قال " أبو ذر " الله أكبر صدق رسول الله صلى الله عليه و آله قد أخبرني بكل ما أنا لاق قال عثمان : و ما قال لك ؟ قال : أخبرني بأني أمنع عن مكة والمدينة و أموت بالربذة . الحديث .
هذا أبو ذر
و فضايله و فواضله و علمه و تقواه و إسلامه و إيمانه و مكارمه و كرائمه و نفسياته و ملكاته الفاضلة و سابقته و لاحقته و بدء أمره و منتهاه ، فأيا منها كان ينقمه الخليفة عليها فطفق يعاقبه و يطارده من معتقل إلى منفي ، و يستجلبه على قتب بغير وطاء ، يطير مركبه خمسة من الصقالبة الأشداء حتى أتوا به المدينة و قد تسلخت بواطن أفخاذه و كاد أن يتلف ، ولم يفتأ يسومه سوء العذاب حتى سالت نفسه في منفاه الأخير " الربذة " على غير ماء و لا كلاء يلفحه حر الهجير ، و ليس له من ولي حميم يمرضه ، و لا أحد من قومه يواري جثمانه الطاهر ، مات رحمه الله وحده ، و سيحشر وحده كما أخبره رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم الذي خوله بتلكم الفضائل ، و الله سبحانه من فوقهما نعم الخصيم للمظلوم ، فانظر لمن الفلج يومئذ .
لقد كان الخليفة يباري الريح في العطاء لحامته و من ازدلف إليه ممن يجري مجراهم ، فملكوا من عطاياه و سماحه الملايين ، و ليس فيهم من يبلغ شأوابي ذر في السوابق و الفضائل ، و لا يشق له غبارا في أكرومة ، فماذا الذي أخر أبا ذر عنهم حتى قطعوا عنه عطائه الجاري ؟ و منعوه الحظوة بشئ من الدعة ، و أجفلوه عن عقر داره و جوار النبي الأعظم ، و ضاقت عليه الأرض بما رحبت ، و لماذا نودي عليه في الشام أن لا يجالسه أحد 1 ؟ و لماذا يفر الناس منه في المدينة ؟ و لماذا حظر عثمان على الناس أن يقاعدوه و يكلموه ؟ و لماذا يمنع الخليفة عن تشييعه و يأمر مروان أن لا يدع أحدا يكلمه ؟
فلم يحل ذلك الصحابي العظيم إلا محلا و عرا ، ولم يرتحل إلا إلى متبوأ الارهاب كأنما خلق أبو ذر للعقوبة فحسب ، و هو من عرفته الأحاديث التي ذكرناها ، و قصته لعمر الله و صمة على الاسلام و على خليفته لا تنسى مع الأبد .
نعم إن أبا ذر ينقم ما كان مطردا عند ذاك من السرف في العطاء من دون أي كفائة في المعطى ( بالفتح ) و مخالفة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في ذلك و في كلما يخالف السنة الشريفة و اضطهاد أهل السوابق من الأمة بيد أمراء البيت الأموي رجال العيث و العبث ، و كانوا يحسبون عرش ذلك اليوم قد استقر على تلكم الأعمال ، فرأوا أن في الاصاخة إلى قيل أبي ذر و شاكلته من صلحاء الصحابة تزحزحا لذلك العرش عن مستقره ، أو أن مهملجة الجشع الذين حصلوا على تلكم الثروات الطائلة خافوه أن يسلب ما في أيديهم إن وعى واع إلى هتافه ، فتألبوا عليه و أغروا خليفة الوقت به بتسويلات متنوعة حتى وقع ما وقع ، و الخليفة أسير هوى قومه ، و مسير بشهواتهم ، مدفوع بحب بني أبيه و إن كانوا من الشجرة المنعوتة في القرآن .
و ما كان أبو ذر يمنعهم عن جلب الثروة من حقها ، و لا يبغي سلب السلطة عمن ملك شيئا ملكا مشروعا ، لكنه كان ينقم أهل الأثرة على اغتصابهم حقوق المسلمين ، و خضمهم مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، و ما كان يتحرى إلا ما أراد الله سبحانه بقوله عز من قائل : ﴿ ... وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ 2 ، و ما جاء به رسول الله صلى الله عليه و آله في الجهات المالية .
أخرج أحمد في مسنده 5 : 164 ، 176 من طريق الأحنف بن قيس قال : كنت بالمدينة فإذا أنا برجل يفر الناس منه حين يرونه قال : قلت : من أنت ؟ قال : أنا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه و آله قال : قلت : ما يفر الناس منك ؟ قال : إني أنهاهم عن الكنوز بالذي كان ينهاهم عنه رسول الله .
و في لفظ مسلم في صحيحه 3 : 77 قال الأحنف بن قيس : كنت في نفر من قريش فمر أبو ذر رضي الله عنه و هو يقول : بشر الكانزين بكي في ظهورهم يخرج من جنوبهم ، و بكي من أقفيتهم بخرج من جباههم قال : ثم تنحى فقعد إلى سارية فقلت : من هذا ؟
قالوا : هذا أبو ذر فقمت إليه فقلت : ما شئ سمعتك تقول قبيل ؟ قال : ما قلت إ شيئا سمعته من نبيهم صلى الله عليه و آله قال : قلت : ما تقول في هذا العطاء ؟ قال : خذه فإن فيه اليوم معونة فإذا كان ثمنا لدينك فدعه . " سنن البيهقي 6 : 359 " .
و أخرج أبو نعيم في الحلية 1 : 162 من طريق سفيان بن عيينة بإسناده عن أبي ذر قال : إن بني أمية تهددني بالفقر و القتل ، و لبطن الأرض أحب إلي من ظهرها ، و للفقر أحب إلي من الغنى ، فقال له رجل : يا أبا ذر! مالك إذا جلست إلى قوم قاموا و تركوك ؟ قال : إني أنهاهم عن الكنوز .
و في فتح الباري 3 : 213 نقلا عن غيره : الصحيح إن إنكار أبي ذر كان على السلاطين الذين يأخذون المال لأنفسهم و لا ينفقونه في وجهه . و تعقبه النووي بالابطال لأن السلاطين حينئذ كانوا مثل أبي بكر و عمر و عثمان و هؤلاء لم يخونوا . ا ه .
و في هذا التعقيب تدجيل ظاهر فإن يوم هتاف أبي ذر بمناويه لم يكن العهد لأبي بكر و عمر ، و إنما كان ذلك يوم عثمان المخالف لهما في السيرة مخالفة واضحة ، و المبائن للسيرة النبوية في كل ما ذكرناه ، و لذلك كله كان سلام الله عليه ساكتا عن هتافه في العهدين و كان يقول لعثمان : ويحك يا عثمان! أما رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله ؟
و رأيت أبا بكر و عمر ؟ هل رأيت هذا هديهم ؟ إنك تبطش بي بطش الجبار . و يقول : إتبع سنة صاحبيك لا يكن لأحد عليك كلام . راجع ص 298 و 306 .
ولم يكن لأبي ذر منتدح من نداءه و الدعوة إلى المعروف الضايع ، و النهي عن المنكر الشايع و هو يتلو آناء الليل و أطراف النهار قوله تعالى : ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ 3 . قال ابن خراش : وجدت أبا ذر بالربذة في مظلة شعر فقال : ما زال بي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حتى لم يترك الحق لي صديقا 4 .
و كان ينكر مع ذلك على معاوية المتخذ شناشن الأكاسرة و القياصرة بالترفه و التوسع و الاستيثار بالأموال و كان في العهد النبوي صعلوكا لا مال له و وصفه به رسول الله صلى الله عليه و آله 5 و في لفظ : إن معاوية ترب خفيف الحال 6 فما واجب أبي ذر عندئذ ؟ و قد أمره النبي الأعظم في حديث 7 السبعة التي أوصاه بها ، بأن يقول الحق و إن كان مرا ، و أمره بأن لا يخاف في الله لومة لائم . و ما الذي يجديه قول عثمان : مالك و ذلك ؟ لا أم لك ؟ و لأبي ذر أن يقول له كما قال : والله ما وجدت لي عذرا إلا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .
ولم تكن لما رفع به أبو ذر عقيرته جدة ليس لها سلف من العهد النبوي ، فلم يهتف إلا بما تعلمه من الكتاب و السنة ، و قد أخذه من الصادع الكريم من فلق فيه ، ولم يكن صلى الله عليه و آله يسلب ثروة أحد من أصحابه و كان فيهم تجار و ملاك ذوو يسار ، ولم يأخذ منهم زيادة على ما عليهم من الحقوق الإلهية ، و على حذوه حذا أبو ذر في الدعوة و التبليغ .
كان صلى الله عليه و آله أخبره بما يجري عليه من البلاء و العناء و ما يصنع به من طرده من الحواضر الإسلامية : مكة و المدينة و الشام و البصرة و الكوفة . و وصفه عند ذلك بالصلاح وأمره بالصبر وأن ما يصيبه في الله ، فقال أبو ذر : مرحبا بأمر الله . فصلاح أبي ذر يمنعه عن الأمر بخلاف السنة بما يخل نظام المجتمع ، و كون بلاءه في الله يأبى أن يكون ما جر إليه ذلك البلاء غير مشروع .
و إن كان ذلك خلاف الصالح العام ولم تكن فيه مرضاة الله و رسوله لوجب عليه صلى الله عليه و آله أن ينهاه عما سينوء به من الإنكار و هو يعلم أن تلك الدعوة تجر عليه الأذى و البلاء الفادح ، و تشوه سمعة خليفة المسلمين ، و تسود صحيفة تاريخه ، و تبقى وصمة عليه مع الأبد .
و ما كانت الشريعة السمحاء تأتي بذلك الحكم الشاق الذي اتهم به أبو ذر ، ولم يكن قط يقصده و هو شبيه عيسى في أمة محمد صلى الله عليه و آله زهدا و نسكا و برا و هديا و صدقا و جدا و خلقا .
هكذا وصفه رسول الله صلى الله عليه و آله غير أن عثمان قال لما غضب عليه : أشيروا علي في هذا الشيخ الكذاب إما أن اضربه أو أحبسه أو اقتله . و كذبه حين رواه عن رسول الله صلى الله عليه و آله حديث بني العاص ، عجبا هذا جزاء من نصح لله و رسوله و بلغ عنهما صادقا ؟
لاها الله هذا أدب يخص بالخليفة . و أعجب من هذا جواب عثمان لمولانا أمير المؤمنين لما دافع عن أبي ذر بقوله : أشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون . أجابه بجواب غليظ أخفاه الواقدي و ما أحب أن يذكره و نحن و إن وقفنا عليه من طريق آخر لكن ننزه الكتاب عن ذكره .
و قد تجهم عثمان مرة أخرى إمام المؤمنين عليه السلام بكلام فظ لما شيع هو و ولداه السبطان أبا ذر في سبيله إلى المنفى و مروان يراقبه و قد مر تفصيله ص 294 ، 297 و فيه قوله لعلي عليه السلام : ما أنت بأفضل عندي من مروان .
إن من هوان الدنيا على الله أن يقع التفاضل بين علي و مروان الوزغ ابن الوزغ اللعين ابن اللعين ، أنا لا أدري هل كان الخليفة في معزل عن النصوص النبوية في مروان ؟
أو لم يكن مروان ونزعاته الفاسدة بمرأى منه و مسمع ؟ أو القرابة والرحم بعثته إلى الاغضاء عنها فرأى ابن الحكم عدلا لمن طهره الجليل و رآه نفس النبي الأعظم في الذكر الحكيم . كبرت كلمة تخرج من أفواهم . .
﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ 8 9
- 1. أخرجه ابن سعد في الطبقات 4 : 168 .
- 2. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 34 ، الصفحة : 192 .
- 3. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 104 ، الصفحة : 63 .
- 4. الأنساب 5 : 55 ، و مر مثله من طريق آخر ص 301 .
- 5. صحيح مسلم كتاب النكاح و الطلاق 4 : 195 ، سنن النسائي 6 : 75 ، سنن البيهقي 7 : 135 .
- 6. صحيح مسلم 4 : 199 .
- 7. أخرجه ابن سعد في الطبقات 164 من طريق عبادة بن الصامت عن أبي ذر قال : أوصاني خليلي بسبع : بحب المساكين و الدنو منهم . و أمرني أن أنظر إلى من هو دوني و لا أنظر إلى من هو فوقي . و أمرني أن لا أسأل أحدا شيئا . و أمرني أن أصل الرحم و إن أدبرت . و أمرني أن أقول الحق و إن كان مرا . و أمرني أن لا أخاف لومة لائم . و أمرني أن أكثر من لا حول و لا قوة إلا بالله . فإنهن من كنز تحت العرش .
- 8. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 50 ، الصفحة : 116 .
- 9. أبوذر: 17 ـ 32 ، للعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني.