شهر رمضان المبارك أفضل منطقة زمنية يمرّ بها الإنسان خلال العام حيث اختصّه الله بالخير الفضيل من بين سائر الأزمنة والأوقات ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ... ﴾1، فقد جعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، واختاره لنزول القرآن.
وقد ورد عن النبي : «سَيِّدُ الشُّهورِ شَهرُ رَمَضانَ» .
روى الصدوق وبسند مُعتبر عَن الرّضا عليهالسلام عَن آبائِه عَن أمير المُؤمنين عَليهِ وعلى أولاده السَّلام ، قالَ : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله خطبنا ذات يَوم فقالَ :
أيها النّاس إنّه قَدْ أقبل إليكم شَهرُ الله بالبركةِ والرحمة والمغفرة شَهر هُوَ عِندَ الله أفَضل الشهور وأيامه أفضلُ الأيام ولياليهِ أفَضل الليالي وساعاته أفَضل الساعات...
يتميز الصوم من بين سائر العبادات بأنه متقوّم بترك أشياء معينة لمدة معينة كل يوم تبدأ من "طلوع الفجر الصادق" وتنتهي بـ"الغروب الشرعي" الذي يتحقق بذهاب الحمرة المشرقية، فإذا ترك الصائم الأشياء التي سنذكرها مع توافر الشروط العامة والخاصة لوجوب الصوم يقع الصوم صحيحاً ومبرءاً للذمة بنحو لا يجب معه على الإنسان القضاء.
أنّ المتقين هم أهل الفضائل والخصال الحميدة والأخلاق الرفيعة، ومن مواصفاتهم الأساسية المنطق الصواب في القول وفي الفعل فلا يتسرّعون ولا يتحاملون ولا يظلمون.
وإذا كانت حكمة الله اقتضت نظاما بموجبه تكون ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ... ﴾1، فإنها ارتضت لنا دينا وخلقا وسلوكا لا يتغير بتغير الشهور ولا يتبدل بتبدل الأزمان، ولا يتأثر بتعاقب الليل والنهار.
وهذه الوحدة هي الحصن المنيع لكل بلاد المسلمين لأنها تحمي المسلمين وتجعلهم بعيشون حياة مليئة بالعزة والكرامة والاستقلال والإرادة المتحررة من كل الضغوطات الداخلية أو الخارجية، وتجمعهم كلمة لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه و أله.
في شهر الله، شهر البركة والرحمة والمغفرة، والذي يعد أفضل الشهور بأيامه وساعاته، وجميع لحظاته، وهو شهر استثنائي ومميز، وهو دورة تدريبية سنوية ومدرسة تربوية يتعلم فيها الصائم الكثير، منها:
ما أكثر الدموع التي تتهاطل من أعيننا في لحظات الخشوع والتذلل لله سبحانه وتعالى، حيث يكون الإنسان مستذكرا لتقصيره ولما اقترفته يداه وهو بين يدي خالقه يدعو ويتضرع.
والدعاء للإمام المهدي في شهر رمضان بالخصوص يرتبط بتلك الحالة الروحية التي تستجلي وتظهر بأروع صورها، والمؤمن يعيش بين حلل الإيمان ومضامين العبادة الواعية وروح الإخلاص ومراقبة نفسه وتصرفاته، وقد انطلق في عملية الإصلاح والتهذيب بادئا بنفسه؛ ليكون عنصرا فاعلا وناشطا في النهضة الإصلاحية الكبرى التي يقودها المخلص العظيم ويقضي على مظاهر الانحلال والفساد والظلم على مستوى المعمورة.
الشهر الكريم صناعة للإنسان في فكره الواعي ولقلبه السليم جنة من الكراهيات ولخلقه وتعامله مع الناس صبغة الحسن والطيب، فجني ثماره ونيل جوائزه لا يكون بالتوقف عن الطعام والشراب مع بقاء نقطة سوداء في قلبه، فيمارس العدوان والقطيعة والتجاهل لمن اختلف معه في موقف، وإنما هو تطهير للنفس من أسر الشهوات والأهواء وتنقية علاقاته من الخصومات.
إذا قصد الإنسان الصوم ونواه، واتبع هذا القصد بالإمساك أو الكف عن المفطرات من أذان الفجر إلى أذان المغرب، فصومه صحيح ومبرئ لذمته، ويعتبر عند الفقهاء مؤدياً لما عليه من التكليف الشرعي المأمور به، لأن ما أتى به مخرج له من عهدة التكليف.
عندما نعلم بمقدم أحد الضيوف إلى منزلنا فإن من دواعي الحفاوة والكرم أن نستعد لهذا المتفضل علينا بطلته، وهذا التهيؤ يشمل كل ما نقدمه لراحته وهنائه، فإذا علمنا بأن المقبل علينا هو صاحب الهبات والنفحات السنية وهو شهر رمضان الكريم، فهلا شمرنا سواعد الهمة والعمل المثابر لاستقباله بتلك الحفاوة التي تليق بمقامه الكبير!