حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
هل التقية عند الشيعة عائق وعقبة أمام الوصول إلى الوحدة الإسلامية؟
نص الشبهة:
جميع المسلمين امتلكوا الآن وعيًا، وامتلكوا الآن نضجًا، وبدأ جميع المسلمين ينشد الوحدة، ويرفع شعار الوحدة، ويريد أن يكون مع أخيه المسلم صفًا واحدًا في همومه وأهدافه العليا، ولكن ما هي العقبات التي يجب إزالتها من أجل سلوك طريق الوحدة والوصل إلى هدف الوحدة؟ بعض الباحثين ذكر أنّ أهم عقبة من عقبات الوحدة هي التقية، الشيعة الإمامية يؤمنون بالتقية والتقية عائق وعقبة كؤود أمام الوصول إلى الوحدة، لماذا؟ لأن التقية لها خطران، لها أثران سلبيان:
الأثر السلبي الأول: أنّ التقية تهدم الثقة بين المسلمين
إذا عرف المسلمون أنّ الشيعة الإمامية ليسوا صريحين معهم، إذا عرف المسلمون أنّ الشيعة الإمامية لا يتعاملون بالصراحة معهم فسوف تنعدم الثقة بينهم، سوف لن يثقوا بهم، لا بأقوالهم، ولا بأفعالهم، ولا بتصرفاتهم، لأن جميع أقوالهم وأفعالهم محمولة على التقية، وبالتالي فليس هناك ثقة متبادلة بينهم وبين المذاهب الإسلامية الأخرى، وإذا انعدمت الثقة طار مبدأ الوحدة وتبخر مفهوم الوحدة، فهذا هو الأثر السلبي الأول لمبدأ التقية.
الأثر السلبي الثاني: أنّ العمل بمبدأ التقية يزرع ازدواجية الشخصية
الشيعة الإمامية عندما يربّون أبناءهم على التقية ويقولون لأبنائهم: ”لا تصرّحوا بعقائدكم، لا تصرحوا بأفكاركم“ فإنّهم يربّون أبناءهم على مرض مقيت، ألا وهو مرض ازدواجية الشخصية، يعلّمون أبناءهم على أن تكون لهم شخصيتان: شخصية ظاهرة وشخصية باطنة، وازدواجية الشخصية من أمقت الأمراض ومن أشدّ الأمراض مقتًا ومن أشدّ الأمراض خطرًا ومن أشدّ الأمراض فتكًا بالوحدة الإسلامية، إذن التقية تربيةٌ على ازدواجية الشخصية فهي تنخر في جسم الوحدة الإسلامية وفي كيان الوحدة الإسلامية.
الجواب:
هذه العقبة التي طرحها بعض الباحثين عند حديثه حول الوحدة الإسلامية، ونجيب عن هذه المقالة المطروحة، نحن عندنا ملاحظات ثلاث:
الملاحظة الأولى: الدليل على مشروعية التقية
علماؤنا قسّموا التقية إلى قسمين: تقية خوفية، وتقية مداراتية. التقية الخوفية هي عبارة عن أن تخفي معتقدًا أو عملاً إذا خفت على نفسك الخطر أو خفت على عرضك الخطر أو خفت على غيرك من المؤمنين الخطر، فتخفي معتقدًا من أجلّ دفع هذا الخطر، مثلاً: الشيعة الإمامية في زمان الحجاج بن يوسف الثقفي، أو في زمان بني أمية، ماذا كانوا يفعلون؟ كانوا يتمسكون بالتقية الخوفية لأن ولاء علي بن أبي طالب في تلك الأزمنة سببٌ كافٍ للقضاء على الحياة، سببٌ كافٍ للدمار، فكانوا يستخدمون التقية، أي التقية الخوفية حفظًا لدمائهم ودرءًا للخطر عنهم. هل التقية الخوفية مشروعة في الإسلام أم ليست مشروعة؟ نعم، التقية الخوفية مشروعة في الإسلام وهناك عدّة أدلة:
الدليل الأول: القرآن الكريم
القرآن يقول: ﴿ ... إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ... ﴾ 1. من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان فهو معذورٌ عند الله سواء كان الإكراه من قبل كافر أو كان الإكراه من قبل مسلم، الآية القرآنية مطلقة، كل من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان فهو معذورٌ عند ربه سواء كان ذلك أمام كافر أو كان ذلك أمام مسلم.
الدليل الثاني: الروايات
ما رواه الترمذي في سننه [ج4، ص622] عن النبي محمدٍ صلى الله عليه و آله أنه قال: ”لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه“، قيل: يا رسول الله! وكيف يذل نفسه؟ قال: ”أن يعرّضها لما لا يطيق“. تعريض النفس لما لا يطيق لا ينبغي للمؤمن ولا يحق للمؤمن سواء كان ما لا يطيق من الكافر أو كان ما لا يطيق من المسلم الآخر.
اليعقوبي في تاريخه [ج4، ص43] ينقل هذه القصة عن الإمام أحمد بن حنبل، يقول: المعتصم العباسي في زمان كان يرى خلق القرآن، المعتصم العباسي كان يرى أنّ القرآن مخلوق، الإمام أحمد بن حنبل لا يرى أنّ القرآن مخلوق، سمع المعتصم العباسي فأمر بإحضار أحمد بن حنبل، أحضر الإمام أحمد بن حنبل بين يديّ المعتصم العباسي، قال له المعتصم العباسي: أأنت لا تقول بخلق القرآن؟ قال الإمام أحمد: أنا أقول القرآن كلام الله لا أزيد ولا أنقص. يعني لا يريد أن يصرّح لا بالخلق ولا بعدم الخلق. قال: لا، لا بد أن تقول بخلق القرآن، وأمر بأن يجلد خمسًا وعشرين سوطًا فلمّا همّ بجلده أشفق عليه الحاضرون فجاؤوا إليه وقالوا له: قل بمقالة أمير المؤمنين وخلّص نفسك من الجلد والضرب، قال: أقول بمقالة أمير المؤمنين، قال المعتصم: لا يكفيني هذا، لا بد أن يقول: أقول بمقالة أمير المؤمنين بخلق القرآن، لا بد أن يصرّح بهذا، قال: أقول بمقالة أمير المؤمنين بخلق القرآن. فلمّا صرّح بذلك أعفي وأطلق صراحه وعنانه، فهذا الإمام أحد الأئمة المعروفين بين المسلمين يعمل بمبدأ التقية مع أنّ المتّقى منه مسلم وليس بكافر تبعًا لأحاديث النبي المصطفى وآيات القرآن الكريم، إذن التقية الخوفية أمر مشروع بالأدلة المختلفة.
ولكن ما معنى التقية المداراتية؟
نحن الشيعة الإمامية في العصر الحاضر لا نعمل بالتقية الخوفية لأننا لا نخاف، الشيعة الإمامية كانوا يعملون بالتقية الخوفية في زمان الأمويين والعباسيين، ولكنّهم الآن لا يعملون بالتقية الخوفية، الشيعة الإمامية في الزمان الحاضر يعيشون تحت ظل حكومات عاقلة عادلة رشيدة حكيمة فتحت لهم المجال لممارسة عقائدهم وشعائرهم المختلفة فلا يحتاج الشيعة الإمامية في الأزمنة الحاضرة إلى العمل بالتقية الخوفية أبدًا، إنّما الشيعة الإمامية يدعون إلى التقية المداراتية، إلى الآن وإلى الغد وإلى يوم القيامة نحن ندعو للتقية المداراتية، ليست التقية الخوفية وإنّما التقية المداراتية، ما معنى التقية المداراتية؟
التقية المداراتية لها مظهران يتعرّض إليهما سيدنا الخوئي - قدّس سرّه - وهو مرجع الشيعة في زمانه في كتابه [التنقيح في شرح العروة الوثقى، ج4]، في بحث الوضوء يتعرض للتقية المداراتية ويذكر أنّ التقية المداراتية لها مظهران:
المظهر الأول: الصلاة خلف أئمة المذاهب الإسلامية الأخرى
يجوز للشيعي أن يذهب ويصلي خلف أئمة المذاهب الإسلامية الأخرى وإذا صلى لهم يجوز له أن يسجد على الزلف ولا حاجة إلى أن يهيّأ ما يصح السجود عليه، يصلي خلفهم ويسجد على الزلف ولكن بشرط أن يقرأ لنفسه، يعني أن يقرأ الفاتحة والسورة لنفسه ولا يعتمد على قراءة الإمام، إذا صلى معهم وإن سجد على الزلف إذا قرأ لنفسه صلاته صحيحة ولا تجب عليه الإعادة، صلاته صحيحة مجزية، وهذا ما يسمى بالتقية المداراتية، وقد ذكر سيدنا الخوئي في كتابه استنادًا لصاحب [الوسائل، الباب الخامس من أبواب صلاة الجماعة] روايات معتبرة عن الإمام الصادق عليه السلام : ”من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله صلى الله عليه و آله“. استنادًا لأمثال هذه الروايات أفتى سيدنا الخوئي - قدّس سرّه - باستحباب التقية المداراتية وأنّ الصلاة خلف أئمة المذاهب الإسلامية بشرط ان يقرأ لنفسه صلاة صحيحة مجزية طبقًا لهذه الروايات الشريفة.
المظهر الثاني: حسن المعاملة مع أبناء المذاهب الأخرى
اقرأ الروايات التي تعرّض لها سيدنا الخوئي «قدّس سرّه»، منها صحيحة هشام الكندي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ”إياكم أن تعملوا عملاً نعيّر به فإنّ ولد السوء يعيّر والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم إليه زينًا ولا تكونوا عليه شينًا، صلّوا في عشائرهم وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم واشهدوا لهم وعليهم ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير فأنتم أولى به“، ثم يقول الإمام الصادق عليه السلام في رواية زيد الشحّام: ”خالطوا الناس بأخلاقهم، عودوا مرضاهم وصلّوا معهم في مساجدهم فإنّكم إذا فعلتم ذلك قيل: هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفر ما كان أحسن ما يؤدّب به أصحابه، وإذا كنتم على خلاف ذلك قالوا: انظر! هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما فعل ما كان أسوأ ما يؤدّب به أصحابه“.
لاحظوا كيف يؤدّبنا أئمتنا، كيف يربّينا أئمتنا، كيف يعلّمنا أئمتنا على مبدأ التقية المداراتية، صلوهم، خالطوهم، كونوا معهم على حسن الأمانة وحسن الأخلاق، عودوا مرضاهم، اشهدوا جنائزهم، صلّوا معهم في مساجدهم، إذا رأوكم كذلك عكستم صورة حسنة نقية عن الأئمة الهداة سلام الله عليهم، عكستم صورة نقية رائعة عن مذهب أهل البيت، عكستم صورة نقية رائعة عن علماء هذه المذهب، ”فإنّكم إذا فعلتم ذلك قيل: هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفر ما كان أحسن ما يؤدّب به أصحابه“.
والتقية المداراتية هي تطبيق لما أجمع عليه المسلمون من الرواية عن النبي محمدٍ صلى الله عليه و آله : ”إنّ الله أمرني بالمداراة كما أمرني بأداء الفرائض“، مداراة الآخرين أُمِرْت بها كما أمِرْت بأداء الفرائض، هذه الملاحظة الأولى.
الملاحظة الثانية: التقية المداراتية تعني احترام الرأي الآخر
أنّ الشيعية الإمامية عندما تنادي بمبدأ التقية المداراتية وتربّي أبناءها على التقية المداراتية فهي لا تربيهم على ازدواجية الشخصية، وإنّما تربّيهم على احترام الرأي الآخر، تربّيهم على احترام المذهب الآخر، احترام الرأي الآخر شيء، وازدواجية الشخصية شيء آخر، التقية المداراتية خلق عظيم لأنه عبارة عن احترام الرأي الآخر، احترام المذهب الآخر، أذكر لكم أمثلة.
الكثير من فقهائنا ومنهم السيد الأستاذ السيد السيستاني - حفظه الله وحرسه وأدام ظله - يذكرون مسألة عقد الأمان، ما معنى عقد الأمان؟ يقولون: أنت إذا ذهبت إلى أمريكا أو ذهبت إلى أوربا لا يمكنك أن تدخل أمريكا إلا بفيزا، فإذا كنت لا تستطيع الدخول إلى أمريكا إلا بفيزا في الجواز إذا أخذت الفيزا هذه الفيزا تعتبر عقد أمان، ما معنى عقد أمان؟ يعني لا تعتدي علينا ولا نعتدي عليك، عندما يطبعون لك فيزا في الجواز فهذا عقد بينك وبينهم، يقولون: معنى هذه الفيزا يعني أذنا لك في دخول بلادنا بشرط ألا تعتدي علينا ولا نعتدي عليك، فإذا دخلتَ بلادهم فلا يجوز لك شرعًا لا الاعتداء على الأموال ولا على المرافق العامة ولا على الأعراض ولا على أي ذرة من كيانهم أو نظامهم فإنّك لا بد أن تسير على ضوء عقد الأمان الذي قمتَ به بينك وبينهم.
لاحظوا مثلاً المجتمعات الإنسانية المشتركة، مثلاً مجتمع لبنان، لبنان بلد يضم طوائف متعددة «مسيحيين، يهود، مسلمين، سنة، شيعة...» فرق مختلفة يعيشون في بلد واحد، ما الذي يجمعهم؟ يجمعهم عقد الأمان، هناك ميثاق اجتماعي وعقد اجتماعي بينهم كلّ طائفة تحترم الطائفة الأخرى، كلّ طائفة تكرّم الطائفة الأخرى، كلّ طائفة تتداخل مع الطائفة الأخرى في سبيل المصلحة الوطنية المشتركة، كلّ طائفة تتعاون مع الطائفة الأخرى في سبيل المصالح العليا العامة، يجمعهم شيء اسمه عقد الأمان.
إذا كان علماؤنا وفقهاؤنا - منهم السيد الأستاذ - يأمروننا ويعلّموننا على أن نحترم الكفّار فكيف بالمسلمين؟ علينا أن نحترم المسلمين، إذن التقية ليست ازدواجية وإنّما هي احترامٌ للرأي الآخر، نحن عندما نقول لأطفالنا وأجيالنا اندمجوا مع المذاهب الإسلامية الأخرى، اندمجوا معه، صلّوا معهم، عاملوهم بالحسنى، اختلطوا معهم، أقيموا العلاقات الوثيقة بينكم وبينهم، نحن لا ندعوهم لازدواجية الشخصية وإنّما ندعوهم لاحترام الرأي الآخر، احترام الفكر الآخر، احترام المذهب الآخر، فالتقية المداراتية تربية لأبنائنا على احترام الرأي الآخر، واحترام الرأي الآخر خلق وليس مرضًا، فالتقية المداراتية خلق وليست مرضًا مقيتًا يهدم الوحدة الإسلامية.
الملاحظة الثالثة: التقية المداراتية تعني التضحية في سبيل المصالح العليا
نحن عندما ننادي بمبدأ التقية المداراتية فإنّنا ننادي بالتضحية في سبيل المصالح العامة وفي سبيل الأهداف العامة، أنا أضرب لك أمثلة: أنت لو صعدت السيارة وكانت عندك مباراة كرة قدم تريد أن تلحق على هذه المباراة، المباراة تبدأ مثلاً الساعة التاسعة وأنت تريد أن تصل إلى هذه المباراة، هل يجوز لك قانونًا وشرعًا من أجل مصلحتك الشخصية وهي الوصول إلى المباراة أن تقطع الإشارة وتضحي ببعض الأنفس وببعض الأموال؟! هل يجوز؟! هل يجوز لك من أجل المصلحة الشخصية أن تضحي بالمصالح العامة لأجل أن تصل إلى موقع مباراة القدم وتشترك فيها؟! طبعًا لا يجوز لك لا قانونًا ولا شرعًا، هذا ما يسمى؟ يسمى مبدأ التضحية بالمصالح الخاصة في سبيل المصالح العامة.
أنت عندما تذهب إلى الكورنيش أو شاطئ القرب وتريد أن تجلس مرتاحًا مع أهلك وأطفالك وتريد أن تأكل لحمًا مشويًا في هذا الليل على الكورنيش مثلاً هل يجوز لك أن تشعل النار وتتلف الزرع والعشب الموجود في سبيل أن تأكل شيئًا من اللحم المشوي؟! طبعًا لا يجوز لك، إتلاف الزرع وإتلاف العشب قضاءٌ على المصلحة العامة في سبيل المصلحة الخاصة، عندنا مبدأ التضحية في سبيل المصالح العامة، وهذا هو مبدأ التقية، ليست التقية شيئًا غير هذه، فلسفة التقية هي هذه، فلسفة التقية هي عبارة عن التضحية في سبيل المصالح العامة، أهم المصالح العامة مبدأ الوحدة، مبدأ الوحدة عندنا نحن الشيعة مبدأ الوحدة الإسلامية مبدأ ثمينٌ، مبدأ عظيم، مبدأ غالٍ، نضحي من أجله بكثير من الأمور، فمن أجل هذا المبدأ ندعو للتقية المداراتية، التقية المداراتية عبارة عن تقديم المصالح الإسلامية العامة على المصالح الخاصة.
وهذا هو عبارة عمّا انطلق به أمير المؤمنين عليه السلام، أمير المؤمنين كان يرى أنّه صاحب حقٍ في الخلافة لأنه إمام منصوصٌ عليه، ولكنّ عليًا عليه السلام سكت عن المطالبة بحقه خمسًا وعشرين سنة عملاً بالتقية، لماذا؟ أكان عليٌ جبانًا أم كان إنسانًا يهرب إذا نشبت الحرب وقامت على قدم وساق؟! لا، وإنّما عليٌ كان يقدّم المصالح الإسلامية العامة، وهي الذي قال: ”لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن جورٌ إلا عليّ خاصة“، علي بن أبي طالب أسّس مبدأ التقية، أوّل من عمل بالتقية، أول من قدّم المصالح الإسلامية العامة علي بن أبي طالب، لذلك قال الإمام الصادق: ”التقية ديني ودين آبائي“، أي: خطّنا واحد وهو تقديم المصالح الإسلامية العامة، تقديم الأهداف الإسلامية العامة، فعندما نربّي أبناءنا على التقية فنحن لا نربّيهم على ازدواجية الشخصية ولا نربّيهم على انعدام الثقة بين المسلمين، نربّيهم على الاهتمام بالمصالح الإسلامية العامة، نربّيهم على احترام الآخرين، نربّيهم على احترام الرأي الآخر، نربّيهم على أن يعيشوا التعدّدية الدينية في أجواء المجتمع الإسلامي، هذا هو مبدأ التقية الذي سنّه أمير المؤمنين وسار عليه الإمام الحسن الزكي سلام الله عليه.
من أعظم أبطال مبدأ التقية الإمام الحسن، الإمام الحسن فعلاً جسّد مبدأ التقية بشكل واضح لأنه اهتمّ بالمصالح الإسلامية العامة، الإمام الحسن بن علي هو الذي لما صالح معاوية بن أبي سفيان وأتى بعض الشيعة ناقمين عليه ودخلوا عليه وقالوا: السلام عليك يا مذل المؤمنين! وقالوا: ليتك متّ يا حسن ولم تبايع معاوية! أحيانًا بعض المسلمين يعيش حرارة عاطفية: كيف نتنازل؟! نحن لا نتنازل! أبد واللهِ نحن لا نتنازل عن هذه الأمور! فيعيش غليانًا عاطفيًا قد يؤدّي به إلى تلف الأموال وتلف النفوس، أمّا الإنسان الواعي، الإنسان الحكيم، الإنسان الناضج هو الذي يضحي في سبيل المصالح العامة، هو الذي يعمل بالتقية المداراتية حقنًا للدماء وحقنًا للأموال وحقنًا للأعراض، يضحي في سبيل المصالح العامة، لذلك قال الحسن بن علي: ”إنّ الذي اختلفتُ فيه أنا ومعاوية حقٌ لي تركته لإصلاح أمر الأمّة وحقن دمائها“، وقال: ”إنّي خشيتُ أن يُجْتَثَّ المسلمون عن وجه الأرض فأردتُ أن يكون للدين ناعي“. الإمام الحسن كان يرسّخ مبدأ الصلح ومبدأ التقية من خلال كلماته المختلفة، وصبر على أقصى الآلام، صبر على أشد الآلام قسوةُ وضراوةً في سبيل المصالح العامة 2.
- 1. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 106، الصفحة: 279.
- 2. المصدر: الموقع الرسمي لسماحة السيد منير الخباز حفظه الله.