نشر قبل 6 سنوات
مجموع الأصوات: 74
القراءات: 6708

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تنزيه سليمان عن المعصية

نص الشبهة: 

فإن قيل فما معنى قوله تعالى:﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ أو ليس ظاهر هذه الآيات يدل على أن مشاهدة الخيل الهاه واشغله عن ذكر ربه، حتى روي أن الصلاة فاتته وقيل إنها صلاة العصر، ثم إنه عرقب الخيل وقطع سوقها وأعناقها غيظا عليها، وهذا كله فعل يقتضي ظاهره القبح.

الجواب: 

قلنا أما ظاهر الآية فلا يدل على إضافة قبيح إلى النبي (ع) والرواية إذا كانت مخالفة لما تقتضيه الأدلة لا يلتفت إليها لو كانت قوية صحيحة ظاهرة، فكيف إذا كانت ضعيفة واهية؟
والذي يدل على ما ذكرناه على سبيل الجملة أن الله تعالى ابتدأ الآية بمدحه وتعريفه والثناء عليه، فقال: نعم العبد إنه أواب، وليس يجوز أن يثني عليه بهذا الثناء ثم يتبعه من غير فصل بإضافة القبيح إليه، وأنه تلهى بعرض الخيل عن فعل المفروض عليه من الصلاة والذي يقتضيه الظاهر أن حبه للخيل وشغفه بها كان بإذن ربه وبأمره وتذكيره إياه لأن الله تعالى قد أمرنا بارتباط الخيل وإعدادها لمحاربة الأعداء، فلا ينكر أن يكون سليمان عليه السلام مأمورا بمثل ذلك. فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي، ليعلم من حضره أن اشتغاله بها واستعداده لها لم يكن لهوا ولا لعبا، وإنما أتبع فيه أمر الله تعالى وآثر طاعته.
وأما قوله: أحببت حب الخير ففيه وجهان. أحدهما: أنه أراد أني أحببت حبا ثم أضاف الحب إلى الخير. والوجه الآخر: أنه أراد أحببت اتخاذ الخير. فجعل قوله بدل اتخاذ الخير حب الخير.
فأما قوله تعالى:﴿ رُدُّوهَا عَلَيَّ ... 1فهو للخيل لا محالة على مذهب سائر أهل التفسير.
فأما قوله تعالى:﴿ ... حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ 2، فإن أبا مسلم محمد بن بحر وحده قال إنه عائد إلى الخيل دون الشمس، لأن الشمس لم يجر لها ذكر في القصة. وقد جرى للخيل ذكر فرده إليها أولى إذا كانت له محتملة، وهذا التأويل يبرئ النبي (ع) عن المعصية.
فأما من قال إن قوله تعالى:﴿ ... حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ 2كناية عن الشمس، فليس في ظاهر القرآن أيضا على هذا الوجه ما يدل على أن التواري كان سببا لفوت الصلاة، ولا يمتنع أن يكون ذلك على سبيل الغاية لعرض الخيل عليه ثم استعادته لها.
فأما أبو علي الجبائي وغيره، فإنه ذهب إلى أن الشمس لما توارت بالحجاب وغابت كان ذلك سببا لترك عبادة كان يتعبد بها بالعشي، وصلاة نافلة كان يصليها فنسيها شغلا بهذه الخيل وإعجابا بتقليبها، فقال هذا القول على سبيل الاغتمام لما فاته من الطاعة، وهذا الوجه أيضا لا يقتضي إضافة قبيح إليه (ع) لأن ترك النافلة ليس بقبيح ولا معصية.
وأما قوله تعالى:﴿ ... فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ 1فقد قيل فيه وجوه:
منها: أنه عرقبها ومسح أعناقها وسوقها بالسيف من حيث شغلته عن الطاعة، ولم يكن ذلك على سبيل العقوبة لها لكن حتى لا يتشاغل في المستقبل بها عن الطاعات، لأن للإنسان أن يذبح فرسه لأكل لحمها، فكيف إذا انضاف إلى ذلك وجه آخر يحسنه.
وقد قيل أنه يجوز أن يكون لما كانت الخيل أعز ما له عليه أراد أن يكفر عن تفريطه في النافلة فذبحها وتصدق بلحمها على المساكين. قالوا فلما رأى حسن الخيل راقته وأعجبته، أراد أن يقترب إلى الله تعالى بالمعجب له الرائق في عينه، ويشهد بصحة هذا المذهب قوله تعالى:﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ... 3
فأما أبو مسلم فإنه ضعف هذا الوجه وقال: لم يجر للسيف ذكر فيضاف إليه المسح، ولا يسمى العرب الضرب بالسيف والقطع به مسحا، قال فإن ذهب ذاهب إلى قول الشاعر:
مدمن يجلو بأطراف الذرى *** دنس الأسوق بالعضب الأفل
فإن هذا الشاعر يعني أنه عرقب الإبل للأضياف فمسح بأسنمتها ما صار على سيفه من دنس عراقبها وهو الدم الذي أصابه منها، وليس في الآية ما يوجب ذلك ولا ما يقاربه، وليس الذي أنكره أبو مسلم بمنكر لأن أكثر أهل التأويل وفيهم من يشار إليه في اللغة، روى أن المسح ههنا هو القطع وفي الاستعمال المعروف: مسحه بالسيف إذا قطعه وبتره. والعرب تقول مسح علاوتها أي ضربها.
ومنها: أن يكون معنى مسحها هو أنه أمر يده عليها صيانة لها وإكراما لما رأى من حسنها. فمن عادة من عرضت عليه الخيل أن يمر يده على أعرافها وأعناقها وقوائمها.
ومنها: أن يكون معنى المسح ههنا هو الغسل، فإن العرب تسمي الغسل مسحا، فكأنه لما رأى حسنها أراد صيانتها وإكرامها فغسل قوائمها وأعناقها وكل هذا واضح 4.