حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
العزلة
نص الشبهة:
بسم الله الرحمن الرحيم
أود أن أسأل سماحتكم عن العزلة والخلوة الشرعية والاختلاء بالنفس، والتأمل في قدرة الله، عن فضلها وأثرها وكيفية أدائها بالشكل الصحيح، وكيفية الخشوع المطلوب؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فقد حث القرآن الكريم على التفكر والتدبر في آيات الله، وفي عجائب خلقه وصنعه، في موارد كثيرة، ومنها قوله تعالى:
﴿ ... كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ... ﴾ 1 .
وقال:﴿ ... وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا ... ﴾ 2.
وقال:﴿ ... إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ 3.
ووردت روايات تحث على التفكر والتدبر أيضاً، منها: ما رواه الكليني رحمه الله، عن أمير المؤمنين عليه السلام:
«نبِّه بالفكر قلبك، وجاف عن الليل جنبك، واتق الله ربك».. 4.
وعنه عليه السلام:
«التفكر يدعو إلى البر والعمل به».. 5.
وعن الإمام الصادق عليه السلام:
«كان أكثر عبادة أبي ذر التفكر والاعتبار».. 6.
وعن الإمام الرضا عليه السلام:
«ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة، إنما العبادة كثرة التفكر في أمر الله».. 7.
والروايات في ذلك كثيرة جداً 8، غير أنه لا بد من لفت النظر إلى أمرين:
أحدهما: أن التفكر يفرض تزويد الفكر بأدوات ووسائل ومواد يتصرف فيها، ويرتِّبها وفق معايير وضوابط، ليصل من خلالها إلى نتائج جديدة، لم يكن ليحصل عليها، لولا هذا التصرف فيما توفر لديه من معلومات..
ثم ينتقل من هذه المرحلة إلى مرحلة الاعتبار، الذي يتمثل في إفساح المجال لما حصل عليه من معارف من خلال ذلك التفكر والتدبر، ليدخل إلى آفاق النفس، ويثير فيها حالة من الانفعال الإيجابي، المؤثر في إيجاد الحوافز للمبادرة إلى التحرز مما تفرض الحكمة التحرز منه، والاندفاع لتهيئة الوسائل والأدوات التي تصله وتوصله إلى ما يتحتم عليه الاتصال به، والوصول إليه..
ولا شك في أن الحصول على رضا الله سبحانه يأتي في المقام الأول في هذا السياق، ولعل هذا هو ما يقصده المحقق الطوسي حين قال:
«التفكر سير الباطن من المبادي إلى المقاصد»..
وهذا معناه.. أنه لا بد من تغذية الفكر بالمعارف الحقة، والصحيحة، بالاعتماد على هدي القرآن، والاستفادة من مضامين الأحاديث الشريفة، الواردة عن أهل بيت العصمة بما في ذلك مضامين الأدعية والزيارات المرسومة، وخطب أمير المؤمنين عليه السلام، وغير ذلك..
ولا يكون التفكر مجرد حالة صمت، وإيحاء للنفس بالخوف والرهبة، بل مبدأ التفكر هو التدبر في آيات الله، والاطلاع على حقائق التكوين، وأسرار التشريع، وروائع الحِكَم التي زخرت بها المجاميع الحديثية عن أهل البيت عليهم السلام..
الثاني: قد ورد عنهم عليهم السلام النهي عن التفكر في ذات الباري جل وعلا. وقد عقد العلامة المجلسي في بحار الأنوار باباً لبيان هذا الأمر.. 9.
وقد روي أن رجلاً قال لأمير المؤمنين عليه السلام: هل تصف ربنا، نزداد له حباً، وبه معرفة ؟
فغضب، وخطب الناس، فقال فيما قال:
«عليك يا عبد الله بما دلك عليه القرآن من صفته، وتقدسك فيه الرسول من معرفته، فائتم به، واستضئ بنور هدايته، فإنما هي نعمة وحكمة أوتيتها، فخذ ما أوتيت، وكن من الشاكرين.
وما كلفك الشيطان علمه مما ليس عليك في الكتاب فرضه، ولا في سنة الرسول، وأئمة الهداة أثره، فكل علمه إلى الله. ولا تقدر عليه عظمة الله على قدر عقلك، فتكون من الهالكين» 10.
فأمير المؤمنين عليه السلام يأمرنا بأن نأخذ بما ورد في القرآن، وعن الرسول صلى الله عليه وآله، والأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وذلك يفرض علينا المبادرة إلى تعلم ذلك، وفهمه.. وأن لا نجعل للشيطان علينا سبيلاً، بالدخول في مداخل قد نضيع فيها، حيث لا يكون لدينا نور هداية، أو سبيل نجاة، من أعلام الهدى، وسفن وسُبُل النجاة..
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين 11..
- 1. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 219 و 220، الصفحة: 34.
- 2. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 191، الصفحة: 75.
- 3. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآية: 21، الصفحة: 406.
- 4. وسائل الشيعة ط الإسلامية ج 11 ص 153 ومعدن الجواهر ص 32.
- 5. سفينة البحار ج 7 ص 144.
- 6. البحار ج 22 ص 431 عن الخصال.
- 7. البحار ج 75 ص 373، و ج 68 ص 325.
- 8. راجع: البحار ج 68 ص 318 ـ 328 وغير ذلك.راجع: البحار ج 68 ص 318 ـ 328 وغير ذلك.
- 9. راجع: البحار ج 3 ص 257 ـ 267.
- 10. تفسير العياشي ج 1 ص 163.
- 11. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة السابعة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1423 ـ 2002، السؤال (401).