الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

مناظرة للمأمون العباسي في فضل علي (ع)

ولو أردنا التحدث عن مناقب وفضائل أمير المؤمنين علي (ع) لاحتاج ذلك إلى مجلدات وما أوردناه فيه الكفاية لذي عينين ونختم هذا المطلب بمناظرة الخليفة العباسي المأمون واحتجاجه على الفقهاء في زمانه حول فضل علي (ع) بالرغم من أن المأمون وكل الخلفاء العباسيين كانوا ممن ينصبون العداء لأهل البيت (ع) إلا أنهم في البداية عندما تسلموا زمام الأمور ولتوطيد أركان حكمهم كانوا ينادون بالرضا من آل محمد وكانت ثورتهم على الأمويين تحت هذا الشعار ولكن الملك عقيم .. ما إن استقر وضعهم حتى بدأوا في محاربة آل محمد (ع) وشيعتهم وكانوا أعظم من بني أمية في عداوتهم لأهل البيت (ع) ، جاء في العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي 1:
بعث المأمون إلى يحيى بن أكثم قاضي القضاة وعدة من العلماء وأمره أن يحضر معه مع الفجر أربعين رجلا كلهم فقيه يفقه ما يقال ويحسن الجواب ، فأتموا العدد وغدوا عليه قبل طلوع الفجر وبدأ معهم الحوار في مواضيع شتى ثم قال : إنني لم أبعث إليكم لهذا ولكنني أحببت أن أنبئكم أن أمير المؤمنين أراد مناظرتكم في مذهبه الذي هو عليه ودينه الذي يدين الله به ، قالوا : فليفعل أمير المؤمنين وفقه الله فقال المأمون : إن أمير المؤمنين يدين الله على أن علي بن أبي طالب خير خلق الله بعد رسوله صلى الله عليه و آله و سلم وأولى الناس بالخلافة ، قال إسحاق (أحد الفقهاء) قلت : يا أمير المؤمنين) إن فينا من لا يعرف ما ذكر أمير المؤمنين في علي وقد دعانا أمير المؤمنين للمناظرة ، فقال يا إسحاق : اختر إنشيء ت أن أسألك وإنشيء ت أن تسأل قال إسحاق : فاغتنمتها منه ، فقلت : بل أسألك يا أمير المؤمنين. قال : سل ، قلت من أين قال أمير المؤمنين إن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد رسول الله وأحقهم بالخلافة بعده؟ قال : يا إسحاق أخبرني عن الناس بم يتفاضلون حتى يقال فلان أفضل من فلان؟ قلت : بالأعمال الصالحة ، قال : صدقت. قال : فأخبرني عمن فضل صاحبه على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ثم إن المفضول عمل بعد وفاة الرسول بأفضل من عمل الفاضل على عهد الرسول ، أيلحق به؟ قال إسحاق : فأطرقت ، فقال لي : يا إسحاق لا تقل نعم فإنك إن قلت نعم أوجدتك في دهرنا هذا من هو أكثر منه جهادا وحجا وصياما وصلاة وصدقة قلت : أجل يا أمير المؤمنين لا يلحق المفضول على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم الفاضل أبدا ، قال. يا إسحاق فانظر ما رواه لك أصحابك ومن أخذت عنهم دينك وجعلتهم قدوتك من فضائل علي بن أبي طالب فقس عليها ما أتوك به من فضائل أبي بكر وعمر فإن وجدت لهما من الفضائل ما لعلي وحده فقل إنهما أفضل منه ، لا والله ولكن قس إلى فضائله فضائل أبي بكر وعمر وعثمان فإن وجدتها مثل فضائل علي فقل أنهم أفضل منه ، لا والله ، ولكن قس إلى فضائله فضائل العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بالجنة فإن وجدتها تشاكل فضائله فقل إنهم أفضل منه ، ثم قال : يا إسحاق أي الأعمال كانت أفضل يوم بعث الله رسوله؟ قلت الإخلاص بالشهادة قال : أليس السبق إلى الإسلام؟ قلت : نعم قال أقرأ ذلك في كتاب الله تعالى :﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ 2 إنما عنى من سبق إلى الإسلام ، فهل علمت أحدا سبق عليا إلى الإسلام؟ قلت : يا أمير المؤمنين ، إن عليا أسلم وهو حديث السن لا يجوز عليه الحكم ، وأبو بكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم ، قال : أخبرني أيهما أسلم قبل؟ ثم أناظرك من بعده في الحداثة والكمال ، قلت : علي أسلم قبل أبي بكر على هذه الشريطة فقال : نعم فأخبرني عن إسلام علي حين أسلم لا يخلو من أن يكون رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم دعاه إلى الإسلام أو يكون إلهاما من الله ، قال إسحاق : ـ فأطرقت فقال لي : يا إسحاق لا تقل إلهاما فتقدمه على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لأن رسول الله لم يعرف الإسلام حتى أتاه جبرئيل عن الله تعالى.قلت : أجل بل دعاه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال : يا إسحاق ، فهل يخلو رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حين دعاه إلى الإسلام من أن يكون دعاه بأمر الله أو تكلف ذلك من نفسه؟ قال : فأطرقت. فقال : يا إسحاق لا تنسب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى التكلف فإن الله يقول عن الرسول ﴿ ... وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ 3 قلت : أجل يا أمير المؤمنين ، بل دعاه بأمر الله ، فقال : فهل صفة الجبار جل ذكره أن يكلف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم؟ قلت : أعوذ بالله! فقال : أفتراه في قياس قولك يا إسحاق إن عليا أسلم صبيا لا يجوز عليه الحكم ، وقد كلف رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم دعاء الصبيان إلى ما لا يطيقونه ، فهو يدعوهم الساعة ويرتدون بعد ساعة فلا يجب عليهم في ارتدادهمشيء ولا يجوز عليهم حكم الرسول صلى الله عليه و آله و سلم؟ أترى هذا جائزا عندك أن تنسبه إلى الله عز وجل؟ قلت أعوذ بالله قال : يا إسحاق فأراك إنما قصدت لفضيلة فضل بها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عليا على هذا الخلق أبانه بها منهم ليعرف مكانه وفضله ولو كان الله تبارك وتعالى أمره بدعاء الصبيان لدعاهم كما دعا عليا؟ قلت : بلى قال : فهل بلغك أن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم دعا أحدا من الصبيان من أهله وقرابته ، لئلا تقول إن عليا ابن عمه؟ قلت : لا أعلم ، ولا أدري فعل أو لم يفعل. قال يا إسحاق ، أرأيت ما لم تدره ولم تعلمه هل تسأل عنه؟ قلت : لا. قال : فدع ما قد وضعه الله عنا وعنك.

ثم قال : أي الأعمال كانت أفضل بعد السبق إلى الإسلام؟ قلت : الجهاد في سبيل الله ، قال : صدقت ، فهل تجد لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما تجد لعلي في الجهاد؟ قلت : من أي وقت؟ قال : في أي الأوقاتشيء ت؟ قلت : بدر قال : لا أريد غيرها ، فهل تجد لأحد إلا دون ما تجد لعلي يوم بدر ، أخبرني كم قتلى بدر؟ قلت نيف وستون رجلا من المشركين. قال : فكم قتلى علي وحده؟ قلت لا أدري. قال : ثلاثة وعشرون أو اثنان وعشرون والأربعون لسائر الناس. قلت يا أمير المؤمنين ، كان أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في عريشه ، قال : ليصنع ماذا؟ قلت : يدبر ، قال : ويحك! يدبر دون رسول الله أو معه شريكا أم افتقارا من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى رأيه ، قال : أي الثلاثة أحب إليك؟ قلت : أعوذ بالله أن يدبر أبو بكر دون رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أو أن يكون معه شريكا أو أن يكون برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم افتقار إلى رأيه. قال : فما الفضيلة بالعريش إذا كان الأمر كذلك؟ أليس من ضرب بسيفه بين يدي رسول الله أفضل ممن هو جالس؟ قلت : يا أمير المؤمنين كل الجيش كان مجاهدا. قال : صدقت ، كل مجاهد ولكن الضارب بالسيف المحامي عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم وعن الجالس أفضل من الجالس ، أما قرأت في كتاب الله ﴿ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ 4.
قلت : وكان أبو بكر وعمر مجاهدين قال : فهل كان لأبي بكر وعمر فضل على من لم يشهد ذلك المشهد؟ قلت : نعم. قال : فكذلك سبق الباذل نفسه فضل أبي بكر وعمر.
قلت : أجل قال : يا إسحاق ، هل تقرأ القرآن؟ قلت : نعم قال : إقرأ علي :﴿ ... هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا 5 فقرأت منها حتى بلغت ﴿ ... يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا 6 إلى قوله :﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ 7 قال : على رسلك ، فيمن أنزلت هذه الآيات؟ قلت : في علي. قال : فهل بلغك أن عليا حين أطعم المسكين واليتيم والأسير قال : إنما نطعمكم لوجه الله؟ قلت : أجل قال وسمعت الله وصف في كتابه أحدا بمثل ما وصف به عليا؟ قلت : لا قال : صدقت ، لأن الله جل ثناؤه عرف سيرته ، يا إسحاق ألست تشهد أن العشرة في الجنة؟ قلت : بلى يا أمير المؤمنين. قال : أرأيت لو أن رجلا قال : والله ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا ، ولا أدري إن كان رسول الله قاله أم لم يقله ، أكان عندك كافرا ، قلت : أعوذ بالله قال : أرأيت لو أنه قال ما أدري هذه السورة من كتاب الله أم لا أكان كافرا؟ قلت : نعم. قال : يا إسحاق أرى بينهما فرقا. يا إسحاق أتروي الحديث؟ قلت : نعم قال : فهل تعرف حديث الطير 8؟ قلت : نعم قال : فحدثني به.

قال فحدثته الحديث. يا إسحاق ، إني كنت أكلمك وأنا أظنك غير معاند للحق ، فأما الآن فقد بان لي عنادك ، إنك توافق أن هذا الحديث صحيح قلت : نعم ، رواه من لا يمكنني رده. قال : أفرأيت أن من أيقن أن هذا الحديث صحيح ، ثم زعم أن أن أحدا أفضل من علي ، لا يخلو من إحدى ثلاثة : من أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عنده مردودة عليه ، أو أن يقول : إن الله عز وجل عرف الفاضل من خلقه وكان المفضول أحب إليه ، أو أن يقول : إن الله عز وجل لم يعرف الفاضل من المفضول ، فأي الثلاثة أحب إليك؟
فأطرقت. ثم قال : يا إسحاق لا تقل منها شيئا ، فإنك إن قلت منها شيئا استتبتك ، وإن كان للحديث عندك تأويل غير هذه الثلاثة الأوجه فقله. قلت : لا أعلم ، وإن لأبي بكر فضلا. قال : أجل ، لولا أن له فضلا لما قيل إن عليا أفضل منه ، فما فضله الذي قصدت إليه الساعة؟ قلت : قول الله عز وجل :﴿ ... ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ... 9 فنسبه إلى صحبته ، قال : يا إسحاق ، أما إني لا أحملك على الوعر من طريقك ، إني وجدت الله تعالى نسب إلى صحبة من رضيه ورضي عنه كافرا ، وهو قوله ﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴾ 10 الآية.

قلت : إن ذلك صاحب كان كافرا ، وأبو بكر مؤمن. قال : فإذا جاز أن ينسب إلى صحبة من رضيه كافرا جاز أن ينسب إلى صحبة نبيه مؤمنا وليس بأفضل المؤمنين ولا الثاني ولا الثالث ، قلت : يا أمير المؤمنين إن قدر الآية عظيم ، إن الله يقول :﴿ ... ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ... 9 قال : يا إسحاق تأبى الآن إلا أن أخرجك إلى الاستقصاء عليك ، أخبرني عن حزن أبي بكر ، أكان رضى أم سخطا؟ قلت : إن أبا بكر إنما حزن من أجل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم وغما أن يصل إلى رسول اللهشيء من المكروه قال : ليس هذا جوابي ، إنما كان جوابي أن تقول : رضى الله أم سخطا؟ قلت : بل رضى لله. قال : فكأن الله جل ذكره بعث إلينا رسولا ينهى عن رضى الله عز وجل وعن طاعته ، قلت : أعوذ بالله. قال : أو ليس قد زعمت أن حزن أبي بكر رضى لله؟ قلت : بلى قال : أو لم تجد أن القرآن يشهد أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال له :﴿ ... لَا تَحْزَنْ ... 9 نهيا له عن الحزن ، قلت : أعوذ بالله. قال : يا إسحاق ، إن مذهبي الرفق بك لعل الله يردك إلى الحق ويعدل بك عن الباطل لكثرة ما تستعيذ به. وحدثني عن قول الله ﴿ ... مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ ... 9 من عنى بذلك : رسول الله أم أبا بكر؟ قلت : بل رسول الله قال : صدقت. قال فحدثني عن قول الله عز وجل :﴿ ... وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ... 11 إلى قوله ﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ... 12 أتعلم من المؤمنون الذين أراد الله في هذا الموضع؟ قلت : لا أدري يا أمير المؤمنين. قال : الناس جميعا انهزموا يوم حنين فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلا سبعة نفر من بني هاشم : علي يضرب بسيفه بين يدي رسول الله ، والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله ، والخمسة محدقون به خوفا من أن يناله من جراح القومشيء ، حتى أعطى الله لرسوله الظفر فالمؤمنون في هذا الموضع علي خاصة ثم من حضره من بني هاشم. قال: فمن أفضل : من كان مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في ذلك الوقت وأنزل عليه السكينة ،أم من انهزم عنه ولم يره الله موضعا لينزلها عليه؟ قلت : بل من أنزلت عليه السكينة! قال : يا إسحاق ، من أفضل ، من كان معه في الغار أم من نام على فراشه ووقاه بنفسه ، حتى تم لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما أراد من الهجرة؟ إن الله تبارك وتعالى أمر رسوله أن يأمر عليا بالنوم على فراشه وأن يقي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بنفسه ، فأمره رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بذلك.

فبكى علي رضي الله عنه. فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : ما يبكيك يا علي أجزعا من الموت؟ قال : لا ، والذي بعثك بالحق يا رسول الله ، ولكن خوفا عليك ، أفتسلم يا رسول الله؟ قال : نعم قال : سمعا وطاعة وطيبة نفس بالفداء لك يا رسول الله. ثم أتى مضجعه واضطجع ، وتسجى بثوبه. وجاء المشركون من قريش فحفوا به ، لا يشكون أنه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم وقد أجمعوا أن يضربه من كل بطن من بطون قريش رجل ضربة بالسيف لئلا يطلب الهاشميون من البطون بطنا بدمه. وعلي يسمع ما القوم فيه من تلف النفس ولم يدعه ذلك إلى الجزع ، كما جزع صاحبه في الغار ، ولم يزل علي صابرا محتسبا. فبعث الله ملائكته فمنعته من مشركي قريش حتى أصبح فلما أصبح قام ، فنظر القوم إليه فقالوا : أين محمد؟ قال : وما علمي بمحمد أين هو؟ قالوا : فلا نراك إلا كنت مغررا بنفسك منذ ليلتنا. فلم يزل علي أفضل ، ما بدأ به يزيد ولا ينقص حتى قبضه الله إليه. يا إسحاق هل تروي حديث الولاية؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين. قال : أروه ففعلت. فقال : يا إسحاق ، أرأيت هذا الحديث هل أوجب لعلي أبي بكر وعمر ما لم يوجب لهما عليه؟ قلت : إن الناس ذكروا أن الحديث إنما كان بسبب زيد بن حارثة لشئ جرى بينه وبين علي وأنكر ولاء علي ، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال : وفي أي موضع قال هذا؟ أليس بعد منصرفه من حجة الوداع؟ قلت : أجل قال : فإن زيد بن حارثة استشهد قبل الغدير ، كيف رضيت لنفسك بذلك؟ أخبرني لو رأيت أبنا لك قد أتت عليه خمس عشرة سنة يقول : مولاي مولى ابن عمي أيها الناس ، فاعلموا ذلك.
أكنت منكرا عليه تعريفه الناس ما لا ينكرون ولا يجهلون؟ فقلت : اللهم نعم. قال : يا إسحاق : أتنزه ابنك عما لا تنزه عنه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، ويحكم! لا تجعلوا فقهاءكم أربابا إن الله جل ذكره قال في كتابه :﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ... 13 ولم يصلوا لهم ولا صاموا ولا زعموا أنهم أرباب ، ولكن أمروهم فأطاعوا أمرهم يا إسحاق أتروي حديث « أنت مني بمنزلة هارون من موسى »؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، قد سمعته وسمعت من صححه ومن جحده. قال : فمن أوثق عندك من سمعت منه فصححه أو من جحده؟ قلت : من صححه. قال : فهل يمكن أن يكون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مزح بهذا القول؟ قلت : أعوذ بالله.قال : فقال قولا لا معنى له فلا يوقف عليه؟ قلت أعوذ بالله. قال : أفما تعلم أن هارون كان أخا موسى لأبيه وأمه؟ قلت : بلى. قال فعلي أخو رسول الله لأبيه وأمه؟ قلت : لا. قال : أوليس هارون كان نبيا وعلي غير نبي؟ قلت : بلى. قال : فهذان الحالان معدومان من علي وقد كانا في هارون ، فما معنى قوله « أنت مني بمنزلة. هارون من موسى » قلت له : إنما أراد أن يطيب بذلك نفس علي لما قال المنافقون إنه خلفه استثقالا له. قال : فأراد أن يطيب نفسه بقول لا معنى له؟ قال فأطرقت قال : يا إسحاق له معنى في كتاب الله بين. قلت : وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال : قوله عز وجل حكاية عن موسى أنه قال لأخيه هارون :﴿ ... اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ 14 قلت : يا أمير المؤمنين إن موسى خلف هارون في قومه وهو حي ، وإن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خلف عليا كذلك حين خرج إلى غزاته. قال : كلا ليس كما قلت. أخبرني عن موسى حين خلف هارون ، هل كان معه حين ذهب إلى ربه أحد من الصحابة أو أحد من بني إسرائيل؟ قلت : لا. قال : أوليس استخلفه على جماعتهم قلت : نعم قال : فأخبرني عن رسول الله حين خرج إلى غزاته ، هل خلف إلا الضعفاء والنساء والصبيان؟ فأنى يكون مثل ذلك؟ وله عندي تأويل آخر من كتاب الله يدل على استخلافه عليا لا يقدر أحد أن يحاجج فيه. قلت : وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال : قوله عز وجل حين حكى عن موسى قوله :﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا 15 ( واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا ) فأنت مني يا علي بمنزلة هارون من موسى ، وزيري من أهلي ، وأخي أشد به أزري ، وأشركه في أمري ، كي نسبح الله كثيرا ونذكره كثيرا أمر أن يدخل في هذا شيئا غير هذا؟ ولم يكن ليبطل قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم وأن يكون لا معنى له. قال : فطال المجلس وارتفع النهار فقال يحيى بن أكثم القاضي : يا أمير المؤمنين قد أوضحت الحق لمن أراد الله به الخير وأثبت ما لا يقدر أحد أن يدفعه 16.