مجموع الأصوات: 66
نشر قبل 4 سنوات
القراءات: 7031

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

فرق الشيعة أو مقالات الامامية للنوبختي أم للأشعري ؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله ربّ العالمين والصلاة والسلام على النبيّ الأمين و على آله الطاهرين.

من بين العديد من المستشرقين الّذين تفرغوا لنشر التراث العربي والاسلامي يبرز المستشرق الألماني الاُستاذ ( هـ. ريتر Ritter Hellmut ) بأعماله الضخمة في مجال العقائد والفرق، ومما يلفت النظر من بين أعماله هو كتاب (فرق الشيعة) الذي جعله القسم الرابع من (النشريات الاسلامية لجمعية المستشرقين الألمانية)، وطبع لأول مرة بمطبعة الدولة باستانبول سنة (١٩٣١) ناسباً تأليفه إلى أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي 1، وقد اعتنى به كثيراً في الاخراج والتصحيح، وأعدّ له فهارس علمية، فأسدى بذلك لتراثنا يداً تشكر.

وقدّم للكتاب في طبعته هذه العلّامة المرحوم السيد هبة الدين الشهرستاني الكاظمي بترجمة لصاحب التأليف ـ النوبختي ـ، و بحث حول الكتاب نفسه.

و منذ صدور المطبوع وقع البحث في نسبته إلى (النوبختي)، و تداوله إثنان من المحقّقين في هذا المجال، وهما العلّامة الشيخ فضل الله الزنجاني، شيخ الإسلام في زنجان، وكان يرى صحة النسبة إلى النوبختي.

والاُستاذ عباس إقبال الآشتياني، وكان يرى عدم صحتها، ويرى أنه من تآليف أبي القاسم سعد بن عبدالله، الأشعري، المعاصر للنوبختي، وقد اعتمد الاُستاذ إقبال في ماذهب إليه على المقارنة بين المطبوع وبين النصوص عن كتاب الأشعري.

وكان هذا البحث في وقت لم يوجد فيه نصّ كامل لكتاب الأشعري، لكن عثر ـ أخيراً ـ الدكتور محمد جواد مشكور على نسخة منه وطبعه في طهران سنة (١٩٦٣) باسم (المقالات والفرق) و بظنّ الدكتور مشكور أنّ عثوره على كتاب الاشعري هو الحلّ النهائي للبحث، حيث تتمّ نسبة كتاب (فرق الشيعة) إلى النوبختي، ويذهب إلى رأي الزنجاني فيقول:

«وارتفعت الشبهة التي أوجدها المرحوم عباس إقبال ـ بحمدالله و منّته ـ بعد العثور على نسخة (فرق الشيعة) لسعد بن عبدالله بن أبي خلف الأشعري، وثبت أن (فرق الشيعة) للنوبختي هو غير (الفرق والمقالات) أو (فرق الشيعة) للأشعري.

وهذان الكتابان وصلا إلينا من بين كتب فرق الشيعة الكثيرة التي ضاعت كلّها». 2

لكنّي أرى أنّ الشبهة لم تزل بمجرد العثور على كتاب الأشعري، وذلك لأنّ منشأ الشبهة عند الاُستاذ إقبال إنّما هو المقارنة بين المطبوع والنصوص المنقولة عن كتاب الأشعري في كتب القدماء، ومن الواضح أنّ دعواه تحتوي على جهتين:

إحداهما: أنّ المطبوع باستانبول ليس من تأليف النوبختي.

الثانية: أنّ المطبوع باستانبول إنّما هو للأشعري.

وبالعثور على النصّ الكامل لكتاب الأشعري ـ وسيأتي بيان الأدلّة على صحة نسبته إليه ـ لاتتمّ الجهة الثانية للاختلاف المحسوس بين (فرق الشيعة) المطبوع منسوباً إلى النوبختي و نصّ كتاب الأشعري.

وأمّا بالنسبة إلى الجهة الاُولى، فانّ البحث وإن اختلف شيئاً ما، إلّا أنّه ليس اختلافاً جوهرياً، فانّه ـ بعد العثور على كتاب الأشعري ـ يصحّ البحث معتمداً على المقارنة بينه و بين المطبوع باستانبول.

فالموضوع لايزال بحاجة إلى المزيد من التتبّع و المقارنة والدرس كي ينتهي إلى نتيجة مرضيّة لفضول الباحث، ولابدّ من إلقاء نظرات على المؤلّفَين والكتابين:

النوبختي

هو الحسن بن موسى النوبختي، أبومحمد، ابن اُخت أبي سهل، ذكره الشيخ الطوسي في كتاب رجاله و وثّقه 3، و وصفه في (الفهرست) بالمتكلّم الفيلسوف، وقال: إنّه كان إمامياً حسن الاعتقاد، وأورد إسم عدد من مؤلّفاته. 4

وقال النجاشي في كتاب رجاله: شيخنا المتكلّم، المبرّز على نظرائه في زمانه قبل الثلاثمائة و بعدها، وعدّد كثيراً من كتبه. 5

وقد قدّم السيد هبة الدين الشهرستاني لطبعة إستانبول بترجمة ضافية له، مقتبساً من كتابه (النوبختية) في تراجم آل نوبخت 6، وطبعت في سائر طبعات الكتاب.

وترجمه الاُستاذ إقبال بتفصيل في كتابه (خاندان نوبختى) بالفارسية. 7

وهو من أعلام فنّ: (الآراء والمقالات والفرق) وقد ألّف في المسائل الكلامية والردود عدّة كتب وأشهر مؤلفاته هو كتاب (الآراء والديانات) في تاريخ الفرق وعقائدها ذكره له الطوسي، وقال: لم يتمّه 8، و ذكره النجاشي، وقال: إنّه قرأه على الشيخ المفيد 9، وأورده ابن شهر آشوب في ترجمته. 10

ونقل بعض فصوله عبدالرحمن ابن الجوزي في كتابه (تلبيس إبليس) 11 وأورد الاُستاذ (هـ. ريتر) كل ما ذكره ابن الجوزي، في مقدّمة الطبعة الاُولى لـ (فرق الشيعة). 12

و وضع الاُستاذ إقبال قائمة بمواضع النقل عن هذا الكتاب عند ابن الجوزي وغيره. 13

كتاب فرق الشيعة

ذكره له النجاشي في رجاله بهذا العنوان، وذكر له بعده مباشرة كتاب (الردّ على فرق الشيعة ماخلا الامامية). 14

ولم يذكر له غير النجاشي من قدماء المفهرسين كتاباً بهذا العنوان، كابن النديم والطوسي وابن شهرآشوب. 15

لكن جاء ذكر كتاب النوبختي في بعض المؤلفات عند الحديث عن تعداد فرق الشيعة، وقد استفاد بعض الفضلاء من ذلك أن كتاب النوبختي المذكور فيها إنّما يراد به (فرق الشيعة)، فلنتابع تلك المؤلفات لنرى مدى دلالتها على ذلك:

١ ـ (الفصول المختارة): وهو اختيار الشريف المرتضى لبعض فصول كتاب (العيون والمحاسن) لاُستاذه الشيخ المفيد 16، فقد جاء فيه عند ذكر الفرق الشيعية بعد وفاة الامام الحادي عشر الحسن بن عليّ العسكري (عليه السلام) مانصّه: «افترق أصحابه بعده ـ على ما حكاه أبو محمد الحسن بن موسى رضي الله عنه ـ أربع عشر فرقة». 17

ولو كانت الجملة المعترضة أصليّة في نسخ الفصول المختارة ـ حيث أنّا لم نقف إلّا على نسخة مخطوطة حديثاً وهي أصل المطبوع ـ فهي إحدى المؤيّدات لعدم صحة نسبة فرق الشيعة إلى النوبختي للاختلاف الشاسع بين مانقله المفيد عنه، وماهو الموجود في فرق الشيعة المطبوع من حيث الكمّية، ومن حيث الترتيب لتعديد الفرق 18، كما سيأتي بيانه.

٢ ـ (منهاج السنّة النبوية) لابن تيميّة الحنبلي، فانّه قال ـ بصدد بيان كثرة فرق الشيعة ـ: «وقد صنّف الحسن بن موسى النوبختي و غيره في تعديد فرق الشيعة» 19، وهذا النصّ لايدلّ إلّا على أنّ النوبختي وغيره قد صنّف كتاباً فيه تعداد الفرق الشيعية من دون دلالة على أن إسم المصنّف هو (فرق الشيعة)، فقد يكون ابن تيميّة وقف على كتاب النوبختي الذي ذكره النجاشي بعنوان (الردّ على فرق الشيعة ما خلا الاماميّة).

على أنّه من المحتمل أنّ ابن تيميّة لم يقف إلّا على ذكر النجاشي لفرق الشيعة للنوبختي و غيره، ولم يقف على أصل المصنفّات، فلم يدلّ هذا النصّ على وجود كتاب للنوبختي عند ابن تيميّة، فضلًا عن كونه باسم (فرق الشيعة).

٣ ـ (الدروس الشرعية في فقه الامامية) للشهيد الأول العاملي، فقد ذكر في الدرس الثاني من كتاب الوقف، عند تعيين الموقوف عليهم، مانصّه: «والشيعة من شايع علياً عليه السلام في الامامة بغير فصل، وقد جعلهم ابن نوبخت هم المسلمين، وكمل منهم الفرق الثلاث والسبعين». 20

وظاهر هذا النصّ أنّ الشهيد إنّما اطّلع على كتاب للنوبختي يتضمّن البحث عن حصر المسلمين في الشيعة، ومحاولته أن يحصر فيهم الفرق الثلاث والسبعين التي أخبر النبيّ صلّى الله عليه وآله عن أنّها هالكة وفي النار إلّا فرقة واحدة، وعليه فمن المحتمل أن يكون الشهيد قد وقف على كتاب النوبختي الآخر (الردّ على فرق الشيعة ماخلا الامامية) حيث أنّ النوبختي نفسه كان إمامياً، فلا بدّ أنّه تصدّى للردّ على الفرق الاثنين والسبعين وإثبات نجاة فرقته الامامية.

على أنّ هذا الاحتمال أنسب بما ذكره الشهيد من كون الكتاب الذي وقف عليه هو فرق الشيعة المطبوع، وذلك لأنّ المطبوع جاء فيه مايلي: «... فانّ فرق الاُمّة كلّها المتشيّعة وغيرها اختلفت في الامامة في كل عصر ووقت... منذ قبض الله محمداً صلّى الله عليه وآله». 21

وهذا يدلّ على أنّ (الاُمّة) التي هي عبارة اُخرى من (المسلمين) تصدق عند مؤلف هذا الكتاب على الشيعة وغيرهم، فلايناسب الحصر الذي نقله الشهيد عن النوبختي.

مضافاً إلى أنّ الموجود من الفرق في كتاب (فرق الشيعة) المطبوع لايوافق العدد المذكور، فانّه إمّا أن يزيد عليه بكثير إن عدّت الفرق الفرعية في كل عصر و وقت، وإمّا أن ينقص منه بكثير إن اقتصر على الفرق الأصلية.

فلابدّ أن يكون ماوقف عليه الشهيد غير هذا المطبوع جزماً، كما أنّه لم يتعيّن لنا اسم الكتاب الذي رآه.

٤ ـ (المغني) للقاضي عبدالجبّار، فقد جاء في فصل فرق الامامية قوله: «وذكر الحسن بن موسى في بيان قول الاسماعيلية والقرامطة» 22، وجاء في بيان فرق الزيدية قوله: «حُكي عن الحسن بن موسى». 23

والنقل الثاني يدلّ على وجود الواسطة الشفهية، لكن النقل الأول ظاهر في أنّ القاضي اعتمد كتاباً للنوبختي في النقل، إلّا أنّه لا دلالة فيه على النقل من خصوص كتاب (فرق الشيعة) من كتبه.

والغرض من المتابعة للمصادر الناقلة عن النوبختي هو ماتحصّل من عدم اشتهار كتابه (فرق الشيعة) وأنّه لم يثبت استناد المصادر في النقل عليه، وإلّا لم يكن أيّ داع لاخفاء اسمه، ولا لهذه الشحّة في النقل عنه.

وأمّا أصل نسبة كتاب باسم (فرق الشيعة) إلى النوبختي، فهي وإن لم يذكرها أكثر القدماء، إلّا أنّها لامرية فيها بعد أن نصّ النجاشي عليها وهو إمام غير معارض، كما أنّ الظاهر من ترجمته له أنّه كان أكثر عناية بمؤلفاته حيث قرأ كتابه (الآراء والديانات) على الشيخ المفيد، و عدّد منها مجموعة كبيرة لم يذكرها غيره من المترجمين، ومنها (فرق الشيعة). 14

(فرق الشيعة) المتداول

وهذا النصّ المتداول و المتعدّد نسخه المخطوطة لم يُعرف بين المؤلفين والرواة قبل ابتداء هذا القرن ـ الرابع عشر الهجري ـ، فأوّل نسخة هي التي عرفت عند المرحوم المحدّث النوري، يقول السيد هبة الدين الشهرستاني الذي قدّم للمطبوع: «إنّ تأليفه الموسوم بفرق الشيعة رأينا منه نسخاً متعدّدة، واختصرت لنفسي النسخة التي وجدتها في خزانة شيخي المحدّث النوري محمد حسين، المتوفّى ١٣٢٠». 24

ويقول السيد الصدر: «وكتاب الفرق موجود عندنا نسخة، وهو في فرق الشيعة» 25، ويقول الشيخ الطهراني تحت عنوان (فرق الشيعة): «وقد يقال له (مذاهب الفرق) وهو موجود عندي استنسخته بخطّي» إلى أن يقول: «وهو كتاب لطيف جامع مهذّب معتمد إليه معوّل عليه، و نسخة منه في مكتبة راجه فيض آباد الهند» 26، و توجد مخطوطة منه في مكتبة (كاشف الغطاء) بالنجف في مجموعة برقم (١٠٨٢) جاء اسم الكتاب فيها هكذا: «كتاب (تعداد فرق الشيعة) لشيخنا النوبختي رضي الله عنه».

وتقع في الصفحات من (٢١٣) إلى (٢٧٠) من المجموعة، أي في (٥٧) صفحة.

أرّخ الكتاب الذي سبقها في المجموعة بسنة (١٣٢٥)، وختم الكتاب الذي يليها فيها بما يلي: «تمّت الرسالة الرجالية في الحائر الحسينية [ كذا ] على مشرّفها ألف الثناء والتحية، بيد العاصي الجاني عبدالحميد الشريف الاصفهاني، في شهر الرجب من شهور سنة (١٣٢٤)».

ومخطوطة اُخرى في مكتبة (كاشف الغطاء) في مجموعة برقم (٦٧٩)، وتقع في الصفحات من (١) إلى (٤٤)، جاء في آخرها مايلي: «هذا آخر مابلغنا من نسخة (الفرق والمقالات) تمّ بحمد الله، يوم الاثنين، على يد راقمه الأحقر هادي خلف المرحوم الشيخ عبدعلي بن المرحوم الشيخ موسى آل الشيخ خضر، عُفي عنهم، آمين».

وتوجد مخطوطة في مكتبة (آية الله الحكيم) بالنجف، في مجموعة برقم (١٨٦٧)، تقع النسخة في (٢١) ورقة من أولها جاء في الصفحة الأولى منها مايلي: «بسم الله الرحمن الرحيم، فيه مذاهب فرق أهل الامامة وأسماءها وذكر دلائل مستقيمها من سقيمها، واختلافها وعللها، من تاليف الشيخ أبي محمد»، وهي بخط سماحة الامام العلم، المحقّق الشهير، شيخ الشريعة الاصبهاني رحمه الله، كتبها سنة (١٣٢٦ هـ).

وفي آخرها، ص (٤١) مايلي: «هذا آخر ما بلغنا من نسخة الفرق والمقالات».

ونسخة اُخرى في مكتبة (آية الله الحكيم) في مجموعة برقم (١٠٣٧) بخط العلّامة الشيخ محمد السماوي، في صدر الصفحة الأولى منها بالمداد الأحمر مايلي: «كتاب (الفرق في المذاهب والفرق)، تأليف الشيخ الجليل أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي»، وفي آخرها ص (٦٢) بمداد الأصل، مايلي: «تمّ الفرق بين الفرق، للعالم الكبير ابن نوبخت، أبي محمد الحسن بن موسى، على يد عبدالله الفقير، محمد بن الشيخ طاهر السماوي، لليلة بقيت من ربيع الثاني، سنة الألف والثلاثمائة والاثنين والثلاثين من الهجرة، على نسخة مخطوطة في بلد الكاظمين».

وعلى هوامشها تصحيحات بمداد أسود فاتح، وجاء بنفس المداد في آخرها مايلي: «تمّ صُححت على نسخة في كربلا».

وأمّا المطبوعة فقد اعتمد ناشرها نسخة وصفها بمايلي: «عنون بكتاب فيه مذاهب فرق أهل الامامة وأسماءها، وذكر أهل مستقيمها من سقيمها، واختلافها وعللها، تأليف أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي»، وفي آخرها ماصورته: «تمّ الكتاب، والحمدلله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا وآله الطاهرين، فرغ من كتابته الفقير إلى الله تعالى أحمد بن الحسين العومي يوم الأحد الرابع من العشر الاول من شهر شعبان المبارك، من سنة أربعين وسبعمائة..». 27

وهذه جملة ما وقفت عليه أو على وصفه من النسخ المخطوطة للكتاب في النجف.

والملاحظ فيها اختلافها الكبير في تسمية الكتاب، فقد تعدّدت، كما يلي: فرق الشيعة، الفرق، مذاهب الفرق، تعداد فرق الشيعة، الفرق والمقالات، الفرق في المذاهب والفِرق، الفَرق بين الفِرق، وأخيراً العنوان الطويل الذي جاء في نسخة العومي التي اعتمد عليها في الطبعة الاُولى وجاء في نسخة مكتبة السيد الحكيم برقم ١٨٦٧).

ثم إنّ جميع هذه النسخ ـ ومع هذا الاختلاف في تسمية الكتاب ـ تتّفق في نسبته إلى النوبختي الحسن بن موسى، فمن أين جاء هذا الاتّفاق؟!

والمؤسف أنّ الناسخين لم يذكروا على مَ اعتمدوا في كتابة النسخ؟ فهل كلّها تعتمد على نسخة العومي ـ التي تبدو أنّها أقدم النسخ تاريخاً ـ ؟! وإذا كان كذلك، فعلى مَ تعتمد نسخة العومي نفسها؟؟

وإذا رجعنا إلى متن الكتاب المطبوع باسم (فرق الشيعة) وجدناه خالياً عمّا يقوم قرينة ـ ولو ضعيفة ـ على نسبته إلى النوبختي!

وقد طبع لأول مرة ـ كما أشرنا في صدر البحث ـ باهتمام المستشرق (هـ. ريتر) وتقديم السيد الشهرستاني، وبالرغم من قيامهما بأداء حقّ النسخة بما يلزم، وهما على جانب كبير من الشهرة، إلّا أنّهما ـ ومع الأسف ـ لم يأتيا في ما كتبا بما يبرهن ويبّرر نسبة الكتاب إلى النوبختي.

يقول الاُستاذ إقبال ما ترجمته: «نسب الكتاب إلى أبي محمد من قبل الناشر المحترم والسيد الشهرستاني من دون إراءة أيّ مصدر في الوقت الذي لم يذكر في الكتاب نفسه: لا إسم المؤلّف ولا عنوان الكتاب، والوحيد أنّ كاتب النسخة التي تعود إلى السيد (إليس) [ النسخة الأصل لطبع الكتاب ] كتب على ظهرها: «فيه مذاهب فرق أهل الامامة وأسماءها، وذكر مستقيمها من سقيمها و اختلافها، تأليف أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي».

وعلماء العراق الّذين استنسخوا نسخاً من مكتبة المرحوم الميرزا النوري كلّهم التزموا بأنّ الكتاب هو (فرق الشيعة للنوبختي)، وتداولوه بينهم بهذا الإسم.

أفهل يكفي مجرّد اشتراك النسخة المطبوعة مع كتاب (فرق الشيعة للنوبختي) في الموضوع لأن نعتقد بأنّها للنوبختي، مع أنّ جميع النسخ الحاضرة منه هي حديثة العهد؟ ولأن نحكم بأنّ الكتاب للنوبختي وليس لغيره ممّن ألّف في هذا الموضوع؟» 28، ونحن نشارك الاُستاذ إقبال في هذا التساؤل.

وقد طبع الكتاب بعنوان (فرق الشيعة) بعد طبع إستانبول عدّة طبعات، فمّرة في النجف سنة (١٣٥٥) بالمطبعة الحيدرية، ومرّة سنة (١٣٧٩) بها أيضاً، واُخرى سنة (١٣٨٨) بها أيضاً وهي الطبعة الرابع، وقد علّق على الكتاب في طبعاته النجفية العلّامة الجليل السيد محمد صادق بحر العلوم، وألفت ناشرها النظر إلى أنّ طبعته معتمدة على طبعة المستشرق ريتر باستانبول. 29

ولديّ طبعة جاء في ذيل الصفحة الاُولى منها: «أشرف على تصحيحه إبراهيم الزيني ـ دارالفكر ـ بيروت»، وليس فيها تاريخ الطبع ولامحلّه ولاذكر المطبعة، والظاهر أنّها من مطبوعات بيروت، والملاحظ أنّها مطبوعة عن مطبوعة إستانبول حرفياً مع التقطيع في المقدّمة بوضع نصفها في مؤخر الكتاب، لكن من دون أيّة إشارة إلى ذلك.

وأخيراً يقول علّامة الفنّ الشيخ آقا بزرگ الطهراني حول طبعات الكتاب في عنوان (فرق الشيعة للنوبختي): «وقد طبع الفرق هذا من نسخ عتيقة مثل خط أحمد بن الحسين العومي في (٧٤٠) في إستانبول (١٩٣١)، وجدّد طبعه في النجف في (١٣٥٥)، وفي طهران في (١٣٨٥) منسوباً إلى سعد بن عبدالله». 26

وهذا الكلام من الشيخ الطهراني يقتضي أنّه كان يرى اتّحاد الكتابين، أي (فرق الشيعة) المنسوب إلى النوبختي، و(المقالات و الفرق) المنسوب إلى الأشعري، وأنّه تارة نسب إلى النوبختي وطبع باسمه، واُخرى نسب إلى الأشعري كذلك، وفي هذا تأييد لوجهة النظر القائلة بالاتحاد، كما سيأتي.

الأشعري

هو سعد بن عبدالله ابن أبي خلف الأشعري، القمي، ترجم له النجاشي بقوله: «أبوالقاسم شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها» 30، وذكره الطوسي بقوله: «جليل القدر، واسع الأخبار، كثير التصانيف، ثقة» 31، وأورد أسماء عدّة من مؤلّفاته.

توفّي سنة (٢٩٩) أو (٣٠٠) أو (٣٠١) على ما أورده العلّامة الحلّي من الروايات 32، و ترجم له في كافّة المعاجم الرجالية و كتب التراجم والأعلام، و توسّع في ترجمته الدكتور محمد جواد مشكور في تقديمه لكتاب المقالات والفرق 33، وأورد أسماء عدّة من كتبه ومؤلّفاته.

وكتابه في الفرق

ورد عند الطوسي باسم (مقالات الامامية) 34، و كذا عند ابن شهرآشوب 35، ولم يرد عند النجاشي بهذا العنوان، بل أورد له كتاب (فرق الشيعة). 36

وكان هذا الكتاب موجوداً عند العلّامة المجلسي صاحب البحار، وذكر باسم «كتاب المقالات والفرق وأسماءها وصنوفها، تأليف الشيخ الأجلّ المتقدّم سعد بن عبدالله رحمه الله» 37، وقال في فصل توثيق مصادره: «وكتاب المقالات عدّه الشيخ والنجاشي من جملة كتب سعد، وأوردا أسانيدهما الصحيحة إليه، ومؤلّفه في الثقة والفضل والجلالة فوق الوصف والبيان، ونقل الشيخ في كتاب الغيبة والكشي في كتاب الرجال من هذا الكتاب». 38

ويظهر من كلام المجلسي ـ وهو الخبير بكتب الطائفة وشؤونها ـ عدة اُمور:

الأول: أنّ ما ذكره النجاشي بعنوان (فرق الشيعة) هو بعينه ما ذكره الشيخ بعنوان (مقالات الامامية)، وأنّ التسميتين لمسمّى واحد، وإلى هذا الرأي يذهب علم الفنّ الشيخ آقا بزرگ الطهراني على مايظهر من موسوعته (الذريعة) حيث عنون كتاب سعد بفرق الشيعة تارة وبالمقالات اُخرى. 39

الثاني: أنّ العنوان المثبّت في نسخة المجلسي ـ أعني «المقالات والفرق... الى آخره» ـ إنّما هو بيان لموضوع الكتاب، وأمّا اسمه فهو أحد الاسمين عند النجاشي والطوسي.

الثالث: أنّ ما ذكره الكشي في كتاب الرجال نقلًا عن بعض أهل العلم، إنّما هو منقول عن كتاب سعد هذا: (المقالات)، ويؤكّد هذا أنّا نجد ما أثبته الكشي مطابقاً لما في المقالات حرفياً، وإليك الموارد للمقارنة:

  1. في تعريف الفطحية: أصحاب عبدالله الأفطح. 40
  2. في تعريف البشيرية، أصحاب محمد بن بشير الأسدي 41، وفي هذا المورد روى الكشي رواية جاء مؤلف المقالات سعد بن عبدالله الأشعري في سندها.
  3. في التعريف بعبدالله بن سبأ، المنسوبة إليه فرقة السبئيّة. 42
  4. في التعريف بمحمد بن نصير النميري، المنسوبة إليه فرقة النصيرية. 43

والذي يبدو بعد المقارنة أنّ الكشي ـ بالرغم من أنّ عبارته مطابقة بالنصّ لما في المقالات ـ لم يصرّح بالنقل عن كتاب الأشعري، بل لم يسند كلامه إلى سعد صريحاً، إلّا مايسنده بعنوان مبهم، كقوله: «بعض أهل العلم» مثلًا، وإنّما صرّح باسم سعد في المورد الثاني كما أشرنا إلى ذلك في سند رواية أوردها، وهذا التصرح وإن كان محتملًا للنقل عن كتابه بواسطة ابن قولويه إلّا أنّه ظاهر في التحمل الشفهي.

لكن المتراءىٰ من العلّامة المجلسي فهمه أنّ الكشي إنّما اعتمد أصل كتاب الأشعري: (المقالات)، وكذا الاُستاذ إقبال لايشكّ في ذلك، فيقول ماترجمته: «لكن يظهر بوضوح أنّ نقله إنّما هو من كتاب سعد دون غيره، بمقارنة منقولاته [ الكشي ] بمنقولات الشيخ الطوسي» 44، وذلك لأنّ منقولات الطوسي كما سيأتي مقتبسة من كتاب الأشعري بلا شكّ.

إنّما تبقى نقطة واحدة وهي الاختلاف البسيط الذي يُرى بين منقولات الكشي، والموجود في المقالات، ولقد أجاب الاُستاذ إقبال عن هذه بقوله: «ولايعبأ بما يلاحظ من حذف أو زيادة في الكلمات والحروف، فانّ ذلك لا يضّر بجوهر المضامين،

و ذلك: لأنّه نقل لها بعبارات اُخر حصل من الناقلين أو الناسخين، ومثل ذلك كان مستعملًا و معتاداً». 45

وكلام الاُستاذ إقبال هذا إنّما هو في مقام تطبيق المنقولات بما في فرق الشيعة المطبوع باسم النوبختي، زعماً منه أنّه عين كتاب المقالات للأشعري لكن لو طبّقناها بالموجود من المقالات للأشعري يتبيّن بوضوح صحة هذا الكلام، إذ أنّ الاختلافات تتضاءل و تقلّ بدرجة كبيرة جداً.

وبهذا المقارنة يمكننا القول بأنّ نسخة المقالات للأشعري كانت موجودة عند الكشي وأنّه اعتمد عليها في كتاب (الرجال).

وكذا الشيخ الطوسي في كتابه (الغيبة) فقد أورد فيه قوله: «قال سعد بن عبدالله: كان محمد بن نصير النميري يدّعي أنّه رسول نبيّ...» إلى آخر ما ورد نصّه في المقالات. 46

والمفهوم من كلام المجلسي الذي سبق نقله هو أنّ الطوسي اعتمد كتاب المقالات ونقل عنه، وكذا الاُستاذ إقبال ذكر ذلك معلّلًا بأنّ الطوسي إنّما نقل في كتابه بلفظ: «قال سعد» ولم ينقل بلفظ: «روي عن سعد» أو «أخبرني فلان عن سعد»، والتعبير الاُول يدلّ على أنّ النقل إنّما كان مباشرة عن كتاب سعد، لابواسطة شفهيّة. 47

وبهذا يمكننا القول ـ أيضاً ـ بأنّ نسخة المقالات كانت موجودة عند الطوسي، وأنّه اعتمد عليها.

نسخ المقالات

فقد تحصّل أنّ (المقالات) كان معروفاً عند القدماء من أعلام الطائفة، وقد وقع كذلك عند الشيخ المجلسي فاعتمده و تحقّق نسبته، وأمّا عن نسخه الموجودة فعلا فيقول علّامة الفنّ الشيخ الطهراني: «نسخة منه عند سلطان علي السطاني البهبهاني، وكيل المجلس في طهران، واُخرى عند السيد محمد المحيط». 48

ولم أقف على ذكر مخطوطة اُخرى حتى الآن.

ونسخة السلطاني هي التي عثر عليها الدكتور محمد جواد مشكور، فأخرج على أساسها الطبعة الاُولى من الكتاب سنة ١٩٦٣ باسم (المقالات والفرق)، واحتمل أن تكون هي النسخة التي كانت عند المجلسي وقد وصفها بمايلي: «جاء اسمها في ظهر الصفحة الاُولى هكذا: كتاب المقالات والفرق وأسماءها وصنوفها وألقابها، تصنيف سعد بن عبدالله بن أبي خلف الأشعري القمي»، ثم يقول: «ولا تاريخ له، أمّا خطّه فليس بحديث، ويمكن تقدير تاريخ كتابته بأنّه يعود إلى القرن العاشر الهجري». 49

وقد أخرج الدكتور محمد جواد مشكور كتاب الأشعري بشكل أنيق مشفعاً بتحقيقات رائعة ومصدراً بمقدّمة مفصّلة، كما علّق على المتن بتعليقات واسعة المصادر، وأفرد للتعليقات آخر الكتاب من ص ١١٨ ـ ٢٥٢ كما أتمّ عمله بالفهارس العلمية، ولقد أسدى هو الآخر إلى الملأ العلمي يداً تذكر فتشكر.

والجدير بالذكر أنّ الدكتور مشكور قد اهتمّ بكتاب (فرق الشيعة) المنسوب إلى النوبختي فترجمه إلى الفرنسية وطبع في خمسة أعداد من مجلة (تاريخ الأديان) بباريس. 50

وهو يقف في الرأي إلى جانب الشيخ الزنجاني، وقد تعرّض للبحث عن ذلك في مقدّمة المقالات 51، وفي مقال له ألقاه في الذكرى الألفيّة للشيخ الطوسي بجامعة مشهد. 52

وأمّا نسبة هذا المطبوع إلى الأشعري، فيستند إلى قرينتين:

الاُولى: وهي قرينة خارجية، أي النصوص التي أثبتها الكشي والطوسي في كتابيهما، وقد عرفنا اعتماد هما لكتاب الأشعري، فانّا نجد أنّها تطابق الموجود في هذا المطبوع حرفياً و بدون تفاوت، عدا مايرى من اختلاف بعض الكلمات و التقدّم و التأخّر لبعض الحروف، وهذا أمر لايضرّ بتاتاً حيث أن مثله متعارف الوقوع في النسخ المتعدّدة للكتاب الواحد.

الثانية: وهي قرينة داخلية، أي: اشتمال المطبوع على الرواية عن محمد بن عيسى بن عبيد، المعروف بالعبيدي، وباليقطيني، فقد ورد النقل عنه في موردين من المقالات بعنوان «حدّثني» وهو ظاهر في النقل الشفهي المباشر 53، و جاء في موردين آخرين النقل عنه بعنوان «حكى» وهذا أيضاً ظاهر في النقل عنه بلا واسطة. 54

وهذا الرجل هو شيخ الأشعري مؤلّف المقالات، بل من المشتهرين برواية سعد عنه، وقد وردت الرواية عنه في كتاب سعد (بصائر الدرجات) 55، وفي (الغيبة) للطوسي 56، وقد ترجم له الرجاليّون كافّة. 57

و ورد في هذا الكتاب ـ المقالات ـ أيضاً: الرواية عن يحيي بن عبدالرحمن بن خاقان 58، وهذا الرجل وإن لم يترجم في المعاجم الرجالية، إلّا أنّه من حيث الطبقة محتمل لرواية سعد عنه حيث أورد الكليني في الكافي رواية عن علي بن إبراهيم، عنه. 59

وبهاتين القرينتين نجزم بنسبة الكتاب المطبوع باسم (المقالات والفرق) إلى سعد بن عبدالله الأشعري.

المقارنة بين الكتابين

وللمقارنة بين الكتابين لابدّ من بيان أوجه التشابه والاختلاف بينهما، فنقول: ذكر الدكتور مشكور بهذا الصدد مايلي: «إنّ كتابي فرق الشيعة للنوبختي، والفرق والمقالات للأشعري: هما كتابان وصلا إلينا من بين كتب فرق الشيعة الضائعة، وبينهما تشابه في المطالب، وكذلك بين اُسلوب تنظيمهما بصورة عامّة، وقد بيّنّا أوجه التباين والاختلاف بين هذا الكتاب [ للأشعري ] وبين كتاب النوبختي من ناحية العبارات في نهاية كل صفحة، ولكن كتاب الأشعري يتضمّن إضافات كلية بالاضافة [ كذا ] على فرق الشيعة للنوبختي مايحويه من الاضافات الجزئية»، ثم أورد قائمة بمواضع الافتراق بين الكتابين من حيث الزيادة والنقص، وحدّده بزيادة كتاب الأشعري حوالي ثلاثين صفحة على كتاب النوبختي. 60

ويقول أيضاً في مقاله ما ترجمته: «يتّحد نصّ هذين الكتابين من حيث الأبواب وتوالي الأبحاث، وحتى من حيث العبارات، و واضح أنّ أحدهما مأخوذ من الآخر.

والفرق الموجود بينهما أنّ كتاب (المقالات والفرق) لسعد بن عبدالله يحتوي ـ في كثير من الموارد ـ على إضافات على (فرق الشيعة) للنوبختي، ويبلغ مجموعها زيادة ثلاثين صفحة عليه». 61

ومن الملاحظ ـ فعلًا ـ تشابه الكتابين تشابهاً كبيراً جداً، بحيث يُتراءى للباحث أنّهما نسختان من كتاب واحد، أو يرجعان إلى أصل فارد: إمّا حرّف واختصر فكان ما نسب إلى النوبختي، أو زيد عليه ونظّم فكان مانسب إلى الأشعري.

ويقول الاُستاذ إقبال بهذا الصدد ماترجمته: «إنّ أبا القاسم الأشعري وأبا محمد النوبختي، كانا متعاصرين، وتوفّيا في زمن واحد تقريباً، يعني على التحقيق، في العشرة من المائة الرابعة للهجرة، فلو لم يطّلع كل من هذين العلمين على كتاب الآخر، وكان الكتاب الحاضر [ أي فرق الشيعة ] من تأليف النوبختي، فأي شيء هذا الاتحاد الموجود بين مضامين وعبارات الكتاب وبين ما نقل عن الأشعري؟!

هل أنّ النوبختي أخذ المطالب عيناً من كتاب الأشعري، من دون إيراد المستند؟ وهل أنّه ـ مع سعة علمه واطّلاعه وإحاطته بالفنون المختلفة من الكلام و الحكمة و الأدب و فنّ الملل والنحل ـ بادر إلىٰ هذا العمل [ أي الاقتباس من الأشعري من دون إشارة إليه ] وهو يعدّ من السرقات الأدبية؟!

أو أنّ الأشعري ـ وهو من الفقهاء والمحدّثين المعتمد عليهم عند الشيعة، بل هو أصل لرواية كثير من أخبار الطائفة الامامية ـ عمد إلى اقتباس المطالب من كتاب النوبختي عيناً، وتأبّى ـ على خلاف الطريقة المطردة ـ عن ذكر اسمه واسمكتابه، وهما غير مجهولين عند علماء هذه الفرقة؟

فعلى فرض كل واحد من هذين الاحتمالين، فلابدّ أنّ المقتبس لمطالب الآخر من دون تصريح بالنقل، يعتبر سارقاً!

وكلّ من النوبختي والأشعري ـ وهما من الأعلام في فنّيهما ـ ساحتهما بريئة من هذه النسبة البذيئة، ولن نحتاج إلى أيّ من الغرضين فيما لو نسبنا كتاب (فرق الشيعة) المطبوع إلى الأشعري. 62

وحيث أن الاُستاذ إقبال لم يطّلع على كتاب (المقالات) للأشعري، كان يعتقد بأنّ (فرق الشيعة) المطبوع باستانبول هو كتاب الأشعري، لكن بما أنّا أثبتنا أنّ (المقالات) المطبوع هو النصّ الكامل للأشعري، فليس لنا أن نلتزم بأنّ (فرق الشيعة) له، بل نعتقد ـ كما سيأتي ـ أنّه مختصر مخلوط من كتابه، ونتّفق مع الاُستاذ إقبال في أنّه ليس للنوبختي.

والملاحظ أنّ شيخ الاسلام الزنجاني ـ وهو ممّن يرى صحة نسبة (فرق الشيعة) إلى النوبختي ـ يستدلّ بالفوارق الموجودة بينه وبين نصوص كتاب الأشعري على مايذهب إليه، لكنّه يهمل جانب التشابه الموجود بينهما، فلا يستفيد من الاتّحاد، بل يقول بهذا الصدد: «حيث أنّ أبا محمد النوبختي وسعد بن عبدالله القمي الأشعري كانا متعاصرين، يمكننا أن نستكشف من هذه العبارات [ المنقولة عن كتاب الأشعري والموجودة في فرق الشيعة المطبوع ]: أنّ كتاب فرق الشيعة [ المقالات ] لسعد متأخّر في التأليف عن فرق الشيعة تأليف النوبختي، حيث أنّ المعتاد في التأليف المتأخّر غالباً أن يضاف عليه ويتصرّف في شيء من عبارات المؤلّف للتقدّم». 63

ويلتزم بهذه الدعوى الدكتور مشكور أيضاً 64، لكنّها بلا بيّنة ولابرهان، وذلك للوجوه التي ذكرها الاُستاذ إقبال، وهي:

الأول: أنّه ليس لنا أيّ مصدر يدلّ على تقدّم تأليف النوبختي على تأليف سعد، مع أنّهما كانا متعاصرين، ويعيشان الأحداث، فأيّ داع لنقل أحدهما عن الآخر ماكان يعيشه ويراه، أو يستوي في إمكانيات تحصيله والوقوف عليه مع غيره.

الثاني: أيّ داع في عدم إشارة سعد إلى نقله عن النوبختي، وفي أن ينسب كتاب النوبختي إلى نفسه بمجرّد إضافة شيء، إن كان الأمر كذلك ثم مع هذا لم يلتفت أعلام الفنّ ـ كالنجاشي والطوسي ـ إلى ذلك؟!. 65

الثالث: أنّه لو كان سعد ناقلًا لكتاب النوبختي ـ مع التصريح أو بدونه ـ لم يك أيّ سبب لعدم نقل الكشّي والطوسي مباشرة عن النوبختي، وهو في غاية الشهرة في هذا الفن، وهو ـ بالفرض ـ مصدر لسعد في كتابه. 66

وتتمخّض هذه المقارنة عن أمرين

الأول: الاختلاف بين الكتابين بزيادة كتاب الأشعري على كتاب النوبختي،

وتقدّر الزيادة بحوالي (٣٠) صفحة، وقد جعل الدكتور مشكور هذا دليلا على التعدّد.

الثاني: أوجه الشبه بينهما حتى في النظم والاُسلوب، وفي كثير من الجمل والمقاطع، وهذا ممّا نستند إليه في ما نرى كما سيأتي، ويؤكّد هذا الأمر أنّ علّامة الفنّ شيخنا الطهراني كان يعتبر كتاب (فرق الشيعة) المنسوب إلى النوبختي نسخة لكتاب (المقالات) للأشعري، وأنّه كتاب واحد طبع تارة باسم (فرق الشيعة) منسوباً إلى النوبختي، واُخرى باسم (المقالات والفرق) منسوباً إلى سعد. 67

(فرق الشيعة) المطبوع، هل هو للنوبختي؟

وقبل أن نذكر رأينا في البحث لابدّ أن نأتي على أدلّة الطرفين، فالاُستاذ إقبال يستند في نفيه عن النوبختي إلى اُمور:

الأول: عدم وجود أيّة قرينة داخلية أو خارجية تدلّ على نسبة المطبوع إلى النوبختي، عدا وجود اسمه عل النسخ المخطوطة وهي كلّها حديثة، لااعتبار بها، وقد أوضحنا ذلك عند حديثنا عن نسخه.

الثاني: مطابقة الموجود في (فرق الشيعة) المطبوع للمنقولات عن الأشعري، عند الكشّي والطوسي وقد سبق أن منقولاتهما صحيحة النسبة إلى كتاب الأشعري.

الثالث: أنّ المنقولات عن النوبختي عند المفيد ومورده افتراق الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري عليه السلام إلى أربعة عشر فرقة 68، لاتطابق الموجود في (فرق الشيعة) المطبوع، فلا يكون المطبوع للنوبختي.

يقول الاُستاذ إقبال في كلمة جامعة لأدلّته بعد أن فارق بين المنقولات عن سعد وبين الموجود في (فرق الشيعة) المطبوع، ما ترجمته: «إنّ مانقلناه في الجداول عن الطوسي والكشّي هو منقول عن سعد بن عبدالله الأشعري قطعاً، ومانقلناه عن المطبوع يتّحد معها من حيث العبارة ومن حيث المضمون ومع أنّه ليس هناك أيّ قرينة، أو إشارة إلى نسبته إلى النوبختي، فلأيّ سبب لانعتقد بأنّ الكتاب هو لسعد ابن عبدالله، بل نعدّه من تأليفات أبي محمد النوبختي؟». 69

وقد ردّ الشيخ الزنجاني على الأمر الثاني من أدلّته بما ترجمته: «إنّ الشيخ المفيد قد تصرّف في العبارة [ التي نقلها عن كتاب النوبختي ] ولم ينقل نصّ الكتاب لطوله، بمعنى أنّه قدّم أولًا الفرقة الامامية الأصلية، التي هي في كتاب النوبختي الفرقة الثانية عشرة لأهمّيّتها، وذكر مقالاتها من عند نفسه وفق المذهب الإمامي، وبعد ذلك أورد الفرق الاُخرى بنفس ترتيب كتاب النوبختي وسياقه مع التلخيص والتصرّف من عند نفسه بحيث يصحّ مع التأمّل». 70

ودفع الاُستاذ إقبال هذا الردّ بما ترجمته: «أمّا الاختلافات الواقعة بين عبارة المفيد في (الفصول المختارة من العيون والمحاسن)، وبين (فرق الشيعة) المطبوع، وعدم ترتيب الفرق الأربعة عشر ـ الموجودة في الكتابين ـ فنحن نجعلها دليلًا على أنّ (فرق الشيعة) المطبوع هو كتاب الأشعري لا النوبختي، إذ أنّ الاتّحاد الموجود بين المطالب المنقولة بواسطة الكشّي والطوسي وبين (فرق الشيعة) المطبوع، لا يوجد بين عبارة المفيد وبين فرق الشيعة المطبوع.

مضافاً إلى الاختصار الشديد في عبارة المفيد، فانّها لاتتّفق مع الكتاب المطبوع، لامن حيث المتن ولامن حيث تعداد الفرق، فانّها على ترتيب آخر، وفيها بعض المواضيع الاضافية على المطبوع، ونحن نشير هنا إلى الفروق المهمّة بين عبارة المفيد المنقولة عن النوبختي وبين الموجود في فرق الشيعة المطبوع:

  1. ذكر الفرقة الاُولى = الفرقة الثانية عشرة في (فرق الشيعة) المطبوع.
  2. ذكر الفرقة الرابعة = الفرقة الثالثة في (فرق الشيعة).
  3. ذكر الفرقة الخامسة = الفرقة الرابعة في (فرق الشيعة).
  4. ذكر الفرقة السابعة = الفرقة السادسة في (فرق الشيعة). 71

نقول: إنّ هذ المقارنة تقتضي التأكّد من نفي نسبة (فرق الشيعة) المطبوع إلى النوبختي لأنّ ظاهر المفيد هو النقل عن النوبختي بدون تصرّف.

ولو فرض عدم الالتزام بمطابقة نقل المفيد للمنقول عنه بل نلتزم بأنّه تصرّف عند النقل، فغاية ما يدلّ عليه النقل إنّما هو وجود كتاب للنوبختي في موضوع الفرق قد نقل عنه المفيد، وهذا لابحث فيه ولانزاع، وأمّا كون المنقول عنه هو هذا المطبوع، باسم فرق الشيعة، فلا دلالة في كلام المفيد عليه مادامت عبارته تختلف عمّا فيه، ومجرّد ذكر الفرق الأربعة عشر في المطبوع لايكفي، إذ لعلّ المفيد اعتمد كتاباً آخر في كتب النوبختي ولكثيرة في هذا الموضوع.

وردّ الشيخ الزنجاني على الأمر الثالث من أدلّة إقبال بقوله: «إنّ ما نقله الكشّي ـ وهو يُتراءى أنّه عين عبارة هذا الكتاب (فرق الشيعة) ـ يبدو بعد الموازنة والمقارنة بين عبارتيهما أنّهما على اختلاف بيّن.

وهكذا العبارة المنقولة في (الغيبة) للطوسي... تختلف عن الموجود في هذا الكتاب (فرق الشيعة)» 72.

ودفعه الاُستاذ إقبال بأنّ هنا الاختلاف نشأ من قبل الناقلين عن كتاب سعد. 66

ونقول: إنّ الاختلافات بين منقولات الكشّي والطوسي وبين (فرق الشيعة) طفيفة تبتنى على الاختصار، ولو قرنت بما في نسخة المقالات لاتّضح التقارب بين (فرق الشيعة) وبين المنقولات، وأنّ التفاوت إنّما هو ضئيل جداً.

مضافاً إلى أنّ الاختلاف واقع بين المنقولات عن سعد عند الكشي والطوسي، ونفس كتاب سعد.

ويستند الشيخ الزنجاني والدكتور مشكور في قولهما بصحة نسبة ( فرق الشيعة ) المطبوع إلى النوبختي إلى دليلين:

الأول: ما ذكره الزنجاني بقوله: «إنّ سياق عبارة الكتاب [ أي فرق الشيعة ] المطبوع ينبىء عن أنّ الاُسلوب اُسلوب شخص متكلّم مثل النوبختي، لاكلام شخص فقيه مثل الأشعري». 73

وقد ردّ عليه الاُستاذ إقبال بقوله:

«إنّ هذا ليس برهاناً قاطعاً، حيث أنّ فقهاء ذلك العصر ـ الذي كان عصر المجادلات والمناظرات ـ كانوا يلجأون إلى هذا الطور من البحث أحياناً في ردّ خصومهم، والمثال عليه أنّ الصدوق يتصدّى لردّ أقوال خصومه ويناظرهم في أول كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) وكأنّه متكلّم إماميّ» 74، والصدوق محمد بن عليّ من المحدّثين الشيعة بل (رئيس المحدثين) منهم.

نقول: لم يبق بحال لادّعاء الشيخ الزنجاني، بعد العثور على نصّ كتاب الأشعري، وملاحظة الشبه الكبير بين نسخته ونسخة فرق الشيعة فلو كان لمدّع أن يلتزم بمثل هذا، لزمه أن ينسب نصّ كتاب (المقالات) إلى النوبختي.

والغريب أنّ الدكتور مشكور الذي أشرف على طبع المقالات و قارنه بفرق الشيعة يتمسّك بمثل هذا الادّعاء، فكيف يمكنه الالتزام به مع التزامه بأنّ كتاب (المقالات) ـ وهو على نفس الاُسلوب بزعمه، ولايختلف عن (فرق الشيعة) إلّا في الزيادة ـ إنّما هو لمحدّث فقيه وهو سعد بن عبدالله الأشعري؟!

الثاني: ماذكره الدكتور مشكور من زيادة المقالات على فرق الشيعة، وأنّ ذلك آية التعدّد، يقول: «إنّ سطور متن هذا الكتاب تزيد بنسبة غير قليلة في كل صفحة من صفحاته على كتاب النوبختي (فرق الشيعة) المطبوع». 75

نقول: هل أنّ مجرد زيادة نسخة على نسخة في مقدار (سطور ) الصفحات يدلّ على كونهما من تأليف شخصين، ويهمل جانب التشابه بينهما والتطابق التامّ في العبارات في الصفحات المشتركة، وكذا جانب نظم المواضيع والاُسلوب وما إلى ذلك من أوجه الشبه المقتضية للاتّحاد؟ نعم إنّ الاختلاف بينهما في الزيادة والنقيصة يقتضي الاعتقاد باختصار الناقص عن الكامل.

رأينا

وفي الختام نورد مانراه في هذا الكتاب وهو أنّه ليس من تأليف النوبختي وإنّما هو نسخة مختصرة من كتاب الأشعري نسب إلى النوبختي خطأ، وذلك للقرائن التالية:

القرينة الاُولى: تماثل اختلاف النسخ

إنّ من المعروف أنّ الكتاب الواحد قد تختلف نسخه المتعدّدة في بعض العبارات، فتختلف العبارة من نسخة إلى اُخرى، وهذا الأمر متداول معروف لأهل المزاولة للمخطوطات، أمّا الكتابان المختلفان لمؤلّفين مختلفين فلا وجه في أن يكون اختلاف نسخهما بشكل واحد متماثل، لكن هذا هو الواقع في (فرق الشيعة) و (مقالات الأشعري) فما نجده من اختلاف النسخ في بعض كلمات المقالات، نجده بعينه في تلك الكلمة من (فرق الشيعة)

وهذا ممّا يقرب الظنّ بأنّهما كتاب واحد لمؤلّف واحد، لاكتابان لمؤلّفين ولم يسعني الوقت إلّا لمطابقة صفحات من الكتابين، وهاك قائمة ببعض الموارد وقد اعتمدنا نسخة (المقالات) المطبوعة ونسخة (فرق الشيعة) المطبوعة ١٣٨٨ طبعة رابعة بالنجف: ـ

  1. قارن التعليقة رقم (١) ص (٣٠) من فرق الشيعة، بالتعليقة رقم (٤) ص (٩) من المقالات.
  2. قارن التعليقة رقم (٢ و٣) ص (٣٠) من الفرق، بالتعليقة رقم (١) ص (١٠) من المقالات.
  3. قارن التعاليق رقم (٥ و٦ و٧) ص (٣٣) من الفرق، بالتعليقة رقم (١ و٢) ص (١٢) من المقالات.
  4. قارن التعليقة رقم (٢) ص (٣٤) من الفرق، بالتعليقة رقم (٥) ص (١٢) من المقالات.
  5. قارن التعليقة رقم (٤ و٥) ص (٣٧) من الفرق، بالتعليقة رقم (١ و٢) ص (١٦) من المقالات.
  6. قارن التعليقة رقم (١) ص (٣٩) من الفرق، بالتعليقة رقم (٦) ص (١٧) من المقالات.
  7. قارن التعاليق رقم (١ و٢ و٣) ص (٤٠) من الفرق، بالتعاليق رقم (٣ و٤ و٥) ص (٢٠) من المقالات.

القرينة الثانية: التشويش في (فرق الشيعة)

إنّ (فرق الشيعة) المطبوع بالاضافة إلى ركاكة تعبيره في كثير من المواضع وخروجه عن النسق العباري المتّحد الذي يقتضيه تأليف الكتاب الواحد، يحتوي على جملة من المطالب التي لايمكن الالتزام بها، وليس منشأها الاختلاف في الآراء، بل إنّها أخطاء لامبرّر لها إطلاقاً، ومع هذا الخطأ الواضح لايمكن نسبة الكتاب إلى النوبختي، الذي يعدّ من أعلام الفنّ، بل أشهر المؤلّفين فيه، والمبرّز على نظرائه فيه، كما يقول النجاشي. 76

بينما نرى أن نفس تلك المطالب ـ وبتحوير قليل في العبارة ـ موجودة في المقالات للأشعري بمعنى مفهوم صحيح.

وهذا يقرّب كون كتاب (فرق الشيعة) مقتبساً بالاختصار من (المقالات) وإليك بعض المواضع المذكورة:

  1. جاء في (فرق الشيعة) عند ذكر أئمّة الزيدية: «فمن خرج مستحقاً للإمامة فهو الإمام» 77، وهذا الكلام غير متوازن، إذ المفروض في مذهب الزيدية أنّهم يجعلون الخروج إمارة على استحقاق الإمامة، فلامعنى للقول بأنّ الإمام إذا خرج وكان مستحقاً للإمامة فهو إمام، لأنّ مفاد ذلك هو ثبوت حقّ الإمامة له سابقاً على الخروج، وهم إنّما يريدون معرفة الاستحقاق بنفس الخروج، بينما نجد عبارة الأشعري في المقالات: «فمن خرج منهم وشهر سيفه و دعا إلى نفسه فهو مستحقّ للامامة» 78.
  2. جاء في (فرق الشيعة) عند ذكر آراء الزيدية: «وهاتان الفرقتان هما اللّتان ينتحلان أمر زيد بن علي بن الحسين، وأمر زيد بن الحسن بن علي» 79، والخطأ هنا أن زيداً الثاني ليس هو ابن الحسن السبط وإنّما هو زيد بن الحسن المثنّى بن الحسن السبط بن الامام عليّ عليهم السلام وهذا هو الذي جاء في المقالات 80.
  3. جاء في (فرق الشيعة) عند ذكر مدّة إمامة الحسين عليه السلام: «وكانت إمامته ستّ عشرة سنة وعشرة أشهر وخمسة عشر يوماً» 81، وهذا خطأ واضح لأنّه جاء فيه قبل هذا أنّ وفاة الحسن عليه السلام كان في صفر سنة (٤٧) للهجرة، وقد كان قتل الحسين عليه السلام في محرم سنة (٦١) للهجرة فيكون مجموع إمامة الحسين: ثلاثة عشر سنة وعشرة أشهر وأياماً، وهذا هو الثابت عند الأشعري في (المقالات). 82.

وتتّفق جميع النسخ المخطوطة مع النسخ المطبوعة في ما أوردنا عن (فرق الشيعة).

القرينة الثالثة: جملة (ليس من الأصل)

جاء في (فرقة الشيعة) المطبوع ذكر نسب اُمّ الهادي الخليفة العباسي، الخيزران بنت منصور، وجاء في آخره الكلمات التالية: «إلى زيادة ليس من الأصل» وهذه الجملة موجودة في جميع نسخ فرق الشيعة، فهي في ص (٢٦) ط إستانبول، وص (٧٢) ط الثالثة بالنجف، وص (٦٥) ط الرابعة بالنجف.

وفي النسخ المخطوطة: ص (٢٩) من نسخ كاشف الغطاء برقم (١٠٨٢)، وص (٢١) من نسخته برقم (٦٧٩)، وص (٢٠) من نسخة السيد الحكيم برقم (١٨٦٧)، وص (٣٠) من نسخته برقم (١٠٣٧).

والمستفاد من هذه الجملة ابتداء هو أنّ نسخة فرق الشيعة المطبوع إنّما هو فرع لنسخة اُخرى، وهل المراد بكلمة (الأصل) هو النسخة الأصلية المنتسخ عنها، أو المراد الأصل المختصر منه؟ لا سبيل للقطع بأحد الأمرين.

لكن هنا قرينة تثبت مانحن بصدده فإنّا إذا رجعنا إلى نسخة (المقالات) للأشعري لم نجد فيها هذه الجملة الزائدة، فعلى ماذا تدلّ هذه المقارنة؟

إنّا نعتبرها قرينة داخلية واضحة على أنّ نسخة (المقالات) هي الأصل لـ (فرق الشيعة)، ثم إنّ النسب المذكور موجود في المقالات أيضاً لكنّه فيها ينتهي «يعرب بن قحطان» 83، لكن في (فرق الشيعة) جاء بعده: «قحطان بن زيادة بن اليسع بن الهميسع... إلى آخره».

نقول: إنّ (قحطان) هو أصل عرب اليمن، وإليه تنسب القحطانية، وفي اسم أبيه قولان:

الأول: ما عليه الجمهور، من أنّه (عابر بن شالخ).

الثاني: قول البعض: من أنّه (الهميسع بن سلامان).

جاء ذلك في تعليقة على كلمة (قحطان) من شجرة أنساب العرب من كتاب السويدي، ومن ذلك يعلم أنّ ماورد في (فرق الشيعة) من أنّ قحطان بن زيادة غلط قطعاً.

والذي يبدو لي أنّ المذكور بعد كلمة قحطان في فرق الشيعة، إنّما هو كلمة (من زيادة) والمقصود بها: أنّ الزيادة تبدأ من هنا، ويقابلها كلمة (إلى زيادة) في آخر النسب، وهنا الاستعمال متعارف عند الكتّاب والنسّاخ القدامى، حيث كانوا يشيرون به إلى مواضع الزيادة ابتداء في النسخ.

وحيث أنّ نسخ (المقالات) تنتهي عند كلمة قحطان، فتكون الزيادة في فرق الشيعة مبتدئة من ما بعدها، ويكون (المقالات) هو الأصل لكتاب (فرق الشيعة) ويكون هو ـ طبعاً ـ مختصراً و مأخوذاً منه.

ومن الغريب أنّ الدكتور مشكور ـ الذي اعتنى بطبع كتاب (المقالات) ومقابلته بكتاب فرق الشيعة ـ يغفل عن مدلول هذه الجملة، ولم يتنبّه إلى هذه القرينة.

بينما نجد الاُستاذ إقبال ـ وهو لم يقف على نسخة (المقالات) ـ قد تنبّأ من ذي قبل بهذه القرينة، وعبّر عنها بقوله: «إنّ المطبوعة التي لم يحصل منها ـ لسوء الحظ ـ على نسخة قديمة تبدو لمن يطالعها بدقّة مليئة بالأغلاط والتحريفات، وكأنّها نسخة ثانية مأخوذة من أصلها».

القرينة الرابعة وهي قرينة خارجية

إنّ التشابه الكبير بين الكتابين والذي ذكرناه سابقاً يزيد في الظنّ باتّحادهما وأنّهما لمؤلف واحد، وحيث أنّ كتاب (فرق الشيعة) وإن نسب إلى النوبختي إلّا أنّه لم يقم دليل على صحّة هذه النسبة، وقد أشرنا إلى ذلك فيما مرّ، كما أوضحنا عدم علميّة ما ادّعي دليلًا على صحّة النسبة، ومن جهة ثانية: فإنّ كتاب (المقالات) صحيح الإنتساب إلى الأشعري كما أوضحناه أيضاً.

ويحصل من مجموع هذا قياس ينتج: أنّ (فرق الشيعة) ليس للنوبختي وإنّما هو مأخوذ من كتاب الأشعري.

وباجتماع هذه القرائن الأربع، وتأكّد بعضها ببعض، يتحصّل الإطمئنان بما ذهبنا إليه من أنّ (فرق الشيعة) ليس إلّا نسخة مختصرة من (مقالات) الأشعري.

وليس هو النصّ الكامل لكتاب الاشعري كما زعم الاُستاذ إقبال، لأنّه لم يطّلع على النصّ الكامل لكتاب (المقالات)، وإلّا فمن الواضح أنّ النقول التي استند إليها فيما ذهب إليه أوفق بكتاب (المقالات) من (فرق الشيعة) وأكثر تطابقاً معه.

هذا، ولم نعرف عن الشخص الذي قام بعملية الاختصار ولاعن زمن الاختصار بالتحديد، ولكنّ المقطوع به أنّه لم يكن عالماً بالفنّ، ولذا قد خلط وخبط في اختصاره، وفي رأينا أنّ الإلتزام بهذا الرأي يعتبر الحدّ الوسط بين الرأيين، و به تحلّ جميع مشاكل البحث، والحمدلله ربّ العالمين. 84 85

  • 1. Bibliotheca Islamica

    Die Sekten Der Schi\'a Von AL - Hasan

    Ibn Musa An - Naubahti

    Istanbul - ١٩٣١.

  • 2. المقالات والفرق سعد بن عبدالله الأشعري، ط ١٩٦٣، مط حيدري ـ طهران، مقدّمة الدكتور محمد جواد مشكور، ص: كج.
  • 3. رجال الطوسي: محمد بن الحسن الطوسي، شيخ الطائفة، ط ١٣٨١ هـ، مط الحيدرية ـ النجف ص ٤٦٢.
  • 4. الفهرست: شيخ الطائفة، ط ١٣٨٠ هـ، مط الحيدرية ـ النجف، ص ٧١ برقم ١٦١.
  • 5. الرجال: أحمد بن علي، أبوالعباس، النجاشي، المتوفّ سنة ٤٠٥، ط... ـ مركز نشر كتاب طهران ـ مط مصطفوي، ص ٤٩ ـ ٥٠.
  • 6. فرق الشيعة: الحسن بن موسى النوبختي، ط ١٩٣١ ـ مطبعة الدولة ـ إستانبول، ص: ح ـ كا.
  • 7. خاندان نوبختي: عباس إقبال آشتياني، ط ١٣١١ ش ـ مط مجلس ـ طهران، ص ١٢٥ ـ ١٦٥.
  • 8. الفهرست: الشيخ الطوسي، ص ٧١ برقم ١٦١.
  • 9. الرجال: النجاشي ص ٥٠.
  • 10. معالم العلماء: محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني، ط ١٣٨٠ هـ مط الحيدرية ـ النجف، ص ٣٢ ـ ٣٣.
  • 11. نقد العلم و العلماء أو تلبيس إبليس: عبدالرحمن ابن الجوزي البغدادي، ط....، مط إدارة الطباعة المنيرية ـ مصر، ص ٣٩ و ٤٦ و ٦٣ و غيرها.
  • 12. فرق الشيعة: النوبختي، ط إستانبول، المقدّمة ص: كب ـ كز.
  • 13. خاندان نوبختي: إقبال، ص ١٣٩.
  • 14. a. b. الرجال: النجاشي، ص ٥٠.
  • 15. الفهرست: محمد بن إسحاق الورّاق، ابن النديم ١٣٩١ هـ، مط دانشگاه طهران، ص: ٢٢٥، الفهرست: الشيخ الطوسي، ص ٧١ برقم ١٦١، معالم العلماء: ابن شهر آشوب، ص: ٣٢ ـ ٣٣.
  • 16. راجع: الذريعة إل تصانيف الشيعة: آقا بزرگ الطهراني، ج ١٦ ص: ٢٤٤ وج ١٥ ص: ٣٨٦.
  • 17. الفصول المختارة من العيون والمحاسن للمفيد: الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي، ط ١٣٨١ هـ، مط الحيدرية ـ النجف، ص ٢٥٨.
  • 18. فرق الشيعة: النوبختي، ط إستانبول، ص ٧٩، وقارنه بالمصدر السابق.
  • 19. منهاج السنّة النبوية: أحمد بن عبدالحليم، ابن تيميّة الحراني، ط ١٣٢١، مط بولاق ـ مصر ج ٢ ص ١٠٥.
  • 20. الدروس الشرعية في فقه الامامية: محمد بن مكي الشهيد الأول، ط.... على الحجر ـ إيران بالقطع الوزيري، الورقة: ١١٦.
  • 21. فرق الشيعة: النوبختي، ط إستانبول، ص ٢.
  • 22. المغني في أبواب العدل والتوحيد: القاضي عبدالجبّار الهمداني الأسد آبادي، ط....، مط الدار المصرية للتأليف ـ القاهرة، جزء الامامة، القسم ٢ص: ١٨٢.
  • 23. المصدر السابق، ص: ١٨٥.
  • 24. فرق الشيعة: النوبختي، ط إستانبول، ص: كا.
  • 25. الشيعة وفنون الاسلام: السيد حسن الصدر الكاظمي، ط....، مط العرفان ـ صيدا، ص ٥٧.
  • 26. a. b. الذريعة: آقا بزرگ الطهراني، ج ١٦ ص: ١٧٩.
  • 27. فرق الشيعة: النوبختي، ط إستانبول، مقدمة الناشر، ص: و.
  • 28. خاندان نوبختي: عباس إقبال، ص ١٤٢.
  • 29. فرق الشيعة: النوبختي، ط ١٣٨٨، الرابعة، النجف، ص ٢١.
  • 30. لرجال: النجاشي، ص ١٣٣.
  • 31. الفهرست: الشيخ الطوسي، ص: ١٠١ برقم ٣١٨.
  • 32. رجال العلّامة الحلي (خلاصة الأقوال): الحسن بن يوسف الحلّي، ط ١٣٨١، مط الحيدرية ـ النجف ص: ٧٨ ـ ٨٩.
  • 33. المقالات والفرق: الأشعري، تقديم الدكتور مشكور ص: ج ـ يا.
  • 34. لفهرست: الشيخ الطوسي، ص ١٠١ برقم ٣١٨.
  • 35. معالم العلماء: ابن شهر آشوب، ص ٥٤.
  • 36. الرجال: النجاشي، ص ١٣٤.
  • 37. بحار الأنوار: العلّامة الشيخ محمد باقر المجلسي، ط ٣٧٦، مط حيدري ـ طهران، ج ١ ص ١٥.
  • 38. المصدر السابق، ج ١ ص ٣٢.
  • 39. لذريعة: آقا بزرگ الطهراني ج ٢١ ص ٣٩٤، وج ١٦ ص ١٧٩.
  • 40. اُنظر: المقالات والفرق: الأشعري، ص ٨٧، الفقرة رقم ١٦٣، وقارن: اختيار معرفة الرجال (المعروف برجال الكشّي، لانتخابه منه): الشيخ الطوسي ط ١٣٤٨ ش، مط دانشگاه، مشهد، ص ٢٥٤، الفقرة رقم ٤٧٢.
  • 41. اُنظر: المقالات والفرق: الأشعري، ص٩١ ـ ٩٢، الفقرة رقم ١٧٨، وقارن: اختيار معرفة الرجال: الطوسي، ص ٤٧٨ ـ ٤٧٩، الفقرتين رقم ٩٠٦ و ٩٠٧.
  • 42. اُنظر: المقالات والفرق: الأشعري، ص٢٠، الفقرة رقم ٥٦، وقارن: اختيار معرفة الرجال: الطوسي، ص ١٠٨، الفقرة رقم ١٨٤.
  • 43. اُنظر: المقالات والفرق: الأشعري، ص١٠٠، الفقرة رقم ١٩٥، وقارن: اختيار معرفة الرجال: الطوسي، ص ٥٢٠ الفقرة رقم ١٠٠.
  • 44. خاندان نوبختي: إقبال، ص ١٥٥.
  • 45. المصدر السابق، ١٥٥ ـ ١٥٦.
  • 46. المقالات والفرق: الأشعري، ص ١٠٠ الفقرة رقم ١٩٥، وقارن: الغيبة: الشيخ الطوسي، ط ١٣٨٥ مط النعمان ـ النجف، ص٢٤٤ - ٢٤٥.
  • 47. خاندان نوبختي: إقبال، ص ١٥.
  • 48. الذريعة: آقا بزرگ الطهراني: ج ٢١ ص ٣٩٤.
  • 49. المقالات والفرق، الأشعري، مقدمة مشكور، ص: يح ـ يط.
  • 50. Dr. Mashkur: An - Nawbakhti: - Les Sectes Shiites

    Traduction Annotee avec Introduction،

    parue dans la revue l\'histoire des  religions.

    presses Universitaires de France, cl ٣.١٩٥٨.

  • 51. المقالات والفرق: الاشعري، المقدمة ص: ك ـ كد.
  • 52. هزاره شيخ طوسى (مجموعة من الكلمات التي اُلقيت في الذكرى الألفية للشيخ)، ترجمة: علي دواني، ط ١٣٤٩ مط كرج ـ إيران ج ٢ ص١٩٣.
  • 53. المقالات والفرق: الأشعري، ص ٩١، الفقرة رقم ١٧٨، وص ١٠٠، الفقرة رقم ١٩٤.
  • 54. المصدر السابق، ص ٦٢ الفقرتين برقم ١٢٢ و ١٢٣.
  • 55. مختصر بصائر الدرجات: الشيخ حسن بن سليمان الحلي، ط ١٣٧٠ هـ، مط الحيدرية ـ النجف، ص ٣.
  • 56. الغيبة: الطوسي، ص ١٦٠ و ٢٨١.
  • 57. راجع: تنقيح المقال في أحوال الرجال: الشيخ عبدالله المامقاني، ط ١٣٥٢، مط المرتضوية ـ النجف، ج ٣ ص١٦٧ ـ ١٦٩.
  • 58. لمقالات والفرق: الأشعري، ص١٠٠ الفقرة رقم ١٩٥.
  • 59. الكافي: محمد بن يعقوب، الشيخ الكليني، ط ١٣٧٧ هـ، مط حيدري ـ طهران، ج٣ (الاول من الفروع) ص ٣٢٤، الحديث رقم (١٥).
  • 60. المقالات والفرق: الأشعري، المقدمة، ص: ك ـ كج.
  • 61. هزاره شيخ طوسي: ترجمة: علي دواني، ج ٢ ص ١٩٩.
  • 62. خاندان نوبختي: إقبال، ص ١٥٦ ـ ١٥٧.
  • 63. لمصدر السابق، ص ١٥٧.
  • 64. المقالات والفرق: الأشعري، مقدّمة الدكتور مشكور، ص: كج ـ كد.
  • 65. خاندان نوبختي: إقبال، ص ١٥٩.
  • 66. a. b. لمصدر السابق، ص ١٥٨.
  • 67. الذريعة: آقا بزرگ الطهراني، ج ١٦ ص ١٧٦، وج ٢١ ص ٣٩٤.
  • 68. فرق الشيعة: النوبختي، ط استانبول، ص ٧٩، والفصول المختارة: الشريف المرتضى، ص ٢٥٨.
  • 69. خاندان نوبخت: إقبال، ص ١٥٦.
  • 70. المصدر السابق، ص ١٥٧ ـ ٥٨.
  • 71. لمصدر السابق، ص ١٥٩ ـ ١٦٠.
  • 72. المصدر السابق، ص ١٥٧.
  • 73. المصدر السابق، ص ١٥٨، والمقالات والفرق: الأشعري، المقدّمة، ص: كد.
  • 74. خاندان نوبختي: إقبال، ص١٦١.
  • 75. لمقالات والفرق: الأشعري، المقدّمة، ص كج.
  • 76. الرجال: النجاشي، ص ٤٩.
  • 77. فرق الشيعة، ط الرابعة ـ النجف، ص ٤٠.
  • 78. لمقالات والفرق: الأشعري، ص ١٨.
  • 79. فرق الشيعة، ط الرابعة ـ النجف، ص ٤٣.
  • 80. المقالات والفرق: الأشعري، ص ٢٥.
  • 81. لمصدر السابق، ص ٦٩.
  • 82. سبائك الذهب للسويدي ص ١٦.
  • 83. خاندان نوبختي، ص١٥٥.
  • 84. هذا المقال فصل من دراسة موسّعة أعددناها عن شيخ الطائفة سعد بن عبدالله الأشعري، صاحب كتاب (المقالات والفرق).
  • 85. نشرت هذه المقالة في مجلة تراثنا العدد 1 ـ التابعة لمؤسسة آل البيت لإحياء التراث.