مجموع الأصوات: 39
نشر قبل 3 سنوات
القراءات: 3592

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

التحقيق في احد اسانيد حديث الثقلين من رواية الصحابي زيد بن ارقم

ومن طرق حديث الثقلين الصحيحة ما رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في كتابه المعرفة والتاريخ، فقال: (حدّثنا يحيى، قال: حدّثنا جريـر، عـن الحسن بن عبيد الله، عن أبي الضّحى، عن زيد بن أرقم، قال: قال النبي «صلّى الله عليه وآله وسلّم»: «إنّي تارك فيكم ما إنْ تمسكتم به لن تضلّوا؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض») 1.
ورجال السّند كلّهم من الثّقات عند أهل السّنة، أمّا يحيى، فهو: يحيى بن يحيى بن بكير التميمي المنقري، أبو زكريّا النيسابوري، من حفّاظ أهل السّنة، وثقة من ثقاتهم، أخرج له من السّتة البخاري ومسلم والترمذي 2.
وجرير، هو: جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبّي الرّازي، ثقة، أخرج له الستة جميعهم 3.
والحسن بن عبيد الله، هو: ابن عروة أبو عروة النّخعي، وهو ثقة من رجال مسلم والبقية عدا البخاري 4.
وأبو الضّحى، هو: مسلم بن صبيح الهمداني الكوفي العطّار، ثقة، من رجال الجميع 5.
فهذه الطريق للحديث صحيحة، لا غبار على صحّتها، فما من علّة في السّند تدعو إلى الحكم عليه بخلاف ذلك.
نعم هناك أشخاص ديدنهم الطعن في أحاديث رسول الله «صلّى الله عليه وآله» الصّادرة منه في أهل بيته وعترته، والتّي تميّزهم عن غيرهم من سائر المسلمين، وتثبت أفضليتهم عليهم، أو التّي يستند إليها الشيعة الإمامية لإثبات أحقيّتهم «عليهم السلام» بتولّي منصب الولاية العظمى والإمامة الكبرى على الأمّة من بعده «صلّى الله عليه وآله»، فيبحثون عن علّة قادحة في السّند لتضعيف الحديث، أو يردّونه مضموناً، ويميّعونه دلالة، أو يوردون الشكوك حول سنده أو متنه، وبما أنّ حديث الثقلين له دلالة أفضليتهم وأحقيّتهم بمنصب الولاية والإمامة، ويوجب على الأمّة لزوم التّمسك بهم دون غيرهم، لم تسلم طرقه من الطعن والتشكيك، فحتّى طرقه الصحيحة حاولوا الطعن والتشكيك فيها، فهذه الطريق للحديث أثار أحدهم في بعض المواقع على شبكة المعلومات الدّولية «الإنترنت» حولها بعض الطعون، فزعم أنّ في السند انقطاعًا بين أبي الضّحى مسلم بن صبيح وزيد بن أرقم 6، وحجته في ذلك أنّه لا يعلم لأبي الضّحى سماعٌ من زيد ابن أرقم، خصوصًا أنّ وفاة أبي الضّحى كانت في سنة ١٠٠هـ، وزيد بن أرقم توفي سنة ٦٥هـ 7، ونردُّ بالقول:
أوّلًا: لقد أثبت مسلم بن الحاج صاحب الصحيح المعروف بـ «صحيح مسلم» في كتابه «الكنى والأسماء» سماع أبي الضّحى من زيد بن أرقم، فقال: (أبو الضّحى مسلم بن صبيح، سمع ابن عبّاس، والنّعمان بن بشير، وزيد بن أرقم، روى عن الأعمش، وحبيب بن أبي ثابت) 8.
ثانيًا: إذا كان أبو الضّحى قد سمع من عبد الله بن عبّاس، الذي مات سنة ٦٨هـ، فالمانع أن يكون قد سمع من زيد بن أرقم، لا سيما وأنّ أبا الضّحى كوفي، وزيد بن أرقم استوطن الكوفة ومات فيها.
ثالثًا: إنّ أقران أبي الضّحى من مثل أبي إسحاق السبيعي، والشّعبي، وإبراهيم النّخعي، وغيرهم، سمعوا من صغار الصّحابة ومن معمّريهم، فلا مانع أيضًا من سماع أبي الضّحى منهم.
رابعًا: إنّ من جملة من روى عنهم أبو الضّحى هو الرّاوي علقمة بن قيس، وعلقمة هذا قيل أنّه مات في سنة ٦١ هـ، وقيل في سنة ٦٢هـ، ولم يصرّح أحدٌ من العلماء بعدم سماعه منه، ولا بأنّ روايته عنه مرسلة، ولم يوصف أبو الضّحى بالتدليس.
وعليه فإنّ إعلال هذه الطريق بالانقطاع في السند بين أبي الضّحى وزيد بن أرقم مردود، فلم يثبت عدم سماعه منه، والثابت خلافه، وكذلك فإنّ الأصل هو السّماع مع عدم وجود المانع.
وحاول بعضهم الطعن في سند هذه الطريق بالقول أنّ البخاري قال: (لم أخرج حديث الحسن بن عبيد الله لأنّ عامّة حديثه مضطرب) 9، وأنّ الدّارقطني قال عنه: (ليس بالقوي) 10.
قلت: وثّق الحسن بن عبيد الله النّخعي العديد من العلماء، فقال عنه ابن معين: (ثقة صالح)، ووثقه العجلي، والنّسائي، وأبو حاتم، وقال عنه السّاجي: (صدوق)، وذكره ابن حبّان في الثقات 11، وقال يحيى بن سعيد عنه وعن الحسن بن عمرو: (ثقتان، صدوقان)، وروى عنه العديد من الرّواه الأجلّة عندهم، كشعبة وسفيان الثوري، وغيرهما.
وأمّا قول البخاري، فهو جرح مبهم لا يقدّم على التعديل، وتضعيف الدّارقطني فهو إنّما ضعّفه نسبة إلى راو آخر، لا مطلقًا، قال الدكتور سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد: (وقال البخاري: «لم أخرج حديث الحسن بن عبيد الله، لأنّ عامّة حديثه مضطرب»، وضعّفه الدارقطني بالنّسبة إلى الأعمش، فقال في العلل بعد أن ذكر حديثًا للحسن هذا خالفه فيه الأعمش: «الحسن ليس بالقوي، ولا يقاس بالأعمش».
قلت: أمّا قول البخاري ففيه مجازفة - إن صحّ عنه - وأين كان أولئك الذين وثّقوه عن أحاديثه الّتي عامتها مضطربة؟!
وأمّا قول الدّارقطني السابق، فليس على إطلاقه، وإنّما هو بالنّسبة إلى الأعمش، وأين الحسن من الأعمش؟ فإذا اختلف هو وإيّاه في حديث قدّم الأعمش، مع كون الحسن ثقة) 1213.

  • 1. المعرفة والتّاريخ ١/٥٣٦.
  • 2. انظر ترجمته في تهذيب الكمال ٣٢/٣١، رقم الترجمة: ٦٩٤٣، تهذيب التهذيب ٤/٣٩٧.
  • 3. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب ١/٢٩٧، تهذيب الكمال ٤/٥٤٠، رقم الترجمة: ٩١٨.
  • 4. انظر ترجمته في تهذيب الكمال ٦/١٩٩، رقم الترجمة: ١٢٤٢، تهذيب التهذيب ١/٤٠١.
  • 5. انظر ترجمته في تهذيب الكمال ٢٧/٥٢٠، رقم الترجمة: ٥٩٣١.
  • 6. وشكك نبيل بن منصور البصارة في كتابه «أنيس السّاري ٧/٥٢٨٤» في سماع أبي الضّحى من زيد بن أرقم، وذلك عند حديثه عن أحد طرق حديث الغدير، فقال: (ورواته ثقات، لكن لا أدري أسمع أبو الضّحى من زيد ابن أرقم أم لا، فإنّه لم يذكر سماعًا منه، ولم أر أحدًا صرح بسماعه منه).
  • 7. اختلفوا في تاريخ وفاة زيد بن أرقم إلى عدّة أقوال، ففي «إكمال تهذيب الكمال ٥/١٢٨- ١٢٩، رقم الترجمة: ١٧٥٧، قال مغلطاي: (وفي «أنساب الخزرج» مات سنة ستين)، وقال المدائني وخليفة خيّاط: أنّه توفي سنة ست وستين، وقال الواقدي وإبراهيم بن المنذر الحزامي، والهيثم بن عدي وغيرهم أنّه توفي سنة ثمان وستين، وقال ابن حبّان: أنّه مات سنة خمس وستين، انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ٢/١٦٨، رقم الترجمة: ٢٨.
  • 8. الكنى والأسماء، صفحة ٤٥٥، رقم الترجمة: ١٧٢٢.
  • 9. تهذيب التّهذيب ١/٤٠٢.
  • 10. نفس المصدر.
  • 11. الثقات ٦/١٦٠.
  • 12. سنن سعيد بن منصور، بتحقيق الدكتور المذكور ١/٦٧.
  • 13. المصدر كتاب "حديث الثقلين فوق الشّبهات" للشيخ حسن عبد الله العجمي،نقلا عن الموقع الرسمي لسماحته حفظه الله.