حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
المنتديات الثقافية.. والحاجة إلى تعميق المعرفة
لقد وجدت في اللقاء الذي جمع فيه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، أصحاب المنتديات الثقافية الأهلية، في شهر مايو الفائت بمكة المكرمة، فرصة لإعادة التفكير في هذه المنتديات، وتجديد النظر في هذه الظاهرة الثقافية، ووضعها في دائرة الفحص والتأمل والاستشراف.
وكان من المهم أن يتوقف أصحاب هذه المنتديات ناظرين لأنفسهم، ومنظورين من غيرهم، في أول لقاء من نوعه يجمعهم بهذا العدد، وبهذا التعدد والتنوع الذي مثل مختلف مكونات المجتمع السعودي، وبالشكل الذي جعل هذه الظاهرة تتصل ببعضها، وتعبر عن وجودها وحضورها في إطارها الجمعي والكلي، وتسجل لنفسها هذا الموقف، وتؤرخ له كحدث ثقافي يحسب في رصيدها.
ويفترض أن أصحاب هذه المنتديات رجعوا من هذا اللقاء، بثقة وزخم كبيرين، لكن الأهم من ذلك أن يكونوا قد رجعوا بأفق جديد.
ويأتي هذا السياق من الكلام، بعد أن تزايد انبعاث هذه المنتديات، بصورة تحولت إلى ظاهرة تلفت الانتباه، وكشفت عن واقع ومستوى الحراك الثقافي والاجتماعي في داخل المجتمع السعودي، الذي يشهد تجربة رائعة في الحوار الوطني، التجربة التي جعلت المجتمع السعودي يتعارف مع ذاته، ويتواصل مع شرائحه، ويكتشف التعدد والتنوع في مكوناته.
كما كشفت هذه الظاهرة أيضاً، عن حاجة المجتمع السعودي إلى توسيع دائرة ومساحة الفعل الثقافي، والرغبة في تسجيل الحضور الثقافي الذي يعبر عن التنوع والتعدد المجتمعي.
وبعد أن أخذت هذه المنتديات فرصتها من التجريب، والتعبير عن ذاتها، وأصبح فعلها الحضوري مرئياً عندها، ومنكشفاً لغيرها، بات من الضروري فحص هذه الظاهرة، والتعامل معها بطريقة نقدية، بحثاً وتطلعاً عن البقاء والاستمرار لهذه المنتديات، وعن التجدد والتطوير في مهامها الفكرية والثقافية.
والدعوة التي أود إثارتها والتأكيد عليها في هذا النطاق، هي حاجة هذه المنتديات إلى ضرورة تعميق المعرفة، كسباً وعطاء، كسباً على مستوى الذات، وعطاء على مستوى المجتمع، لكي تمتلك هذه المنتديات القدرة في إنتاج المعرفة، وبناءها وتوليدها، وتساهم في إشاعتها وتعميمها، ومتى ما عرفت هذه المنتديات بهذا الدور سيكون لها شأن لامع.
ودائماً ما كنت أتساءل: أين مكان وموضع المعارف العميقة من هذه المنتديات؟ كالمعارف التي تتصل بالفلسفة وعلم الكلام الجديد، والدراسات القرآنية الحديثة، والبحث في مقاصد الشريعة، وإسلامية المعرفة، والمنهجيات الحديثة في العلوم الاجتماعية، والاتجاهات الجديدة في أصول الفقه، وفلسفة الفقه، إلى البحث في قضايا المسألة الحضارية والمسألة الثقافة وغير ذلك من معارف وعلوم وقضايا فكرية.
فهل هذا النمط من المعارف لا مكان له في هذه المنتديات؟ وهل هو نمط غريب عليها حقاً؟
بوصف أن هذا النمط إنما يعبر عن معارف نظرية، وموغلة في البحث النظري، في حين أن طبيعة هذه المنتديات ميالة إلى تغليب الاهتمام بمسائل الشأن العام، والعناية بالقضايا الواقعية والوثيقة الصلة بحاجات ومقتضيات الواقع الموضوعي الراهن. لكن ما هي الفرادة والميزة لهذه المنتديات عندما تتشابه فيما بينها، وتتماثل لحد كبير، وكأنها تكرر نفسها، وتعيد إنتاج صورتها، وتظل في أكثر الأحيان على هذا الحال وتفقد توهجها مع مرور الوقت!
لا نمنع على هذه المنتديات تغليب الاهتمام بمسائل الشأن العام، لكننا نطمح إلى منتديات تعنى برفع مستوى المعرفة، وتصبح هذه المنتديات رافداً من روافد البحث عن المعارف الجديدة والعميقة، وحتى يكون لهذه المعارف مجالها التداولي في مجتمعنا1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء / 12 يوليو 2006م، العدد 14564.