نشر قبل 8 سنوات
مجموع الأصوات: 81
القراءات: 24575

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الرجال قوامون على النساء

نص الشبهة: 

قال تعالى في سورة النساء: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا .
وهذه القواميّة هي للأزواج على الزوجات(خلافاً لصاحب الميزان السيد الطباطبائي حيث قال: إنّها ليست قوامية الأزواج على الزوجات، بل هي قوامية كلّ الرجال على كلّ النساء، والقرينة عليه عموم التعليل ﴿ ... بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ... .  وليست مطلقة; للقرائن الموجودة في الآية من الإنفاق وخوف النشوز، والإطاعة وخوف الشقاق.
فهل هذه القواميّة التي جعلها القرآن للزوج على زوجته تكون مخالفة لسلطنة الزوجة على مالها وأفعالها وكونها مستقلّة في تصرّفاتها؟

الجواب: 

إنّ معنى الآية يتوقّف على معرفة القواميّة التي جعلها الله للأزواج على زوجاتهم (كلّ زوج هو قيّم على زوجته).
وإذا راجعنا كلمات اللغويين في تفسير "قوّام" رأيناها جميعاً لا دلالة لها على إعمال القدرة والسيطرة، وإعمال الأوامر والنواهي على الزوجة، بل معناها المحافظة والاهتمام بالشخص وتدبير شؤونه.

وإليك المعاني التي ذكرها اللغويون لمادة "قوّام":
1 ـ ففي المصباح المنير: "قام بالأمر، يقوم به، قياماً، فهو قوّام وقائم" 1، فهذه الجملة تشهد على أنّ قوّام بمعنى قائم، أي صيغة مبالغة لمعنى قائم.
2 ـ وفي أقرب الموارد يقول: "قام الرجلُ المرأة وعليها ]أي: قام الرجل على المرأة[ مانَها ]أي: موّلها[ وقام بشأنها" 2.
3 ـ وأيضاً جاء في أقرب الموارد: (القوّام، كشدّاد: الحَسَنُ القيام بالأمر" 3.
4 ـ وفي النهاية لابن الأثير نقل عن كتاب أبي موسى محمد بن أبي بكر الأصفهاني يقول: "القوم في الأصل: مصدر قام، فوصف به، ثمّ غلب على الرجال دون النساء... وسمّوا بذلك لأنّهم قوّامون على النساء بالاُمور التي ليس للنساء أن يقمن بها" 4.
وهذا معناه أنّ الرجال يقوّمون النساء بأشياء تعجز المرأة عن القيام بها.
5 ـ وجاء في لسان العرب: "قام الرجل على المرأة: مانَها. وإنّه لقوّام عليها مائنٌ لها" 5.
6 ـ وأيضاً في لسان العرب "وفي التنزيل العزيز ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ... 6وليس يراد ههنا ـ والله اعلم ـ القيام الذي هو المُثُول والتّنصُّب وضدّ القعود، إنّما هو من قولهم قمتُ بأمرك، فكأنّه ـ والله اعلم ـ الرجال متكفّلون باُمور النساء معنيّون بشؤونهن" 5.

7 ـ وقال أيضاً في لسان العرب: "وقد يجيء القيام بمعنى المحافظة والإصلاح، ومنه قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ... 6وقوله تعالى: ﴿ ... إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ... 7أي ملازماً محافظاً" 5.

فاتضح بهذا الذي تقدّم أنّ القوّامية لا تنافي سيطرة الزوجة على مالها وأفعالها، بل معناها: إنّ الرجال يحافظون ويهتمون بنسائهم وتدبير شؤونهن.
نعم، هذه القوّامية حينما تنسب إلى المقام عليه إذا كان إنساناً عاقلاً، فيؤمَر ويُنهى، باعتبار أنّ المحافظة عليه وإدارة شؤونه تحتاح إلى شيء من الأمر والنهي، فلا تدلّ الآية على أمر الزوج ونهيه لزوجته في كلّ شيء حتى تنافي سلطنتها على مالها وتصرّفاتها.
إذن سوف يكون معنى الآية: أنّ الرجل له فضل على زوجته; لأنّه يقوم بأمرها ويحافظ عليها ويدير شؤونها، ولأنّه ينفق عليها. وهذا المعنى مقبول عرفاً، وهو الظاهر من الآية، كما يصح لنا أن نقول: إنّ الزوجة إذا أنفقت على زوجها وكان طريح فراش المرض وقامت بأمره ودارت شؤونه، فهي صاحبة فضل عليه بهذا المقدار، فليست الآية ناظرة إلى التفضيل المطلق.

اذن نفهم من الآية امرين

الأول: أنّ نفوذ أوامر الزوج على الزوجة لا يشمل الأوامر التحكمية; لوضوح أنّ الأوامر التحكمية لا تدبّر أمر المرأة ولا تصلحها ولا ترعاها، فليس حال الآية الكريمة حال روايات الطاعة، بل الأمر بالعكس، فالزوج هو بخدمة زوجته يدبّر أمرها ويرعاها ويحافظ عليها ويموّلها ويفعل لها ما لا تستطيع المرأة فعله بنفسها.
وقد يستفاد هذا أيضاً ـ على تأمل ـ من تقييد الآية بقوله تعالى في سورة النساء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ... 8.
وبقوله تعالى في سورة المائدة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ ... 9.
فالقواميّة للزوج على زوجته لا يجوز أن تنطلق من التحكّم والهوى والمزاج، بل يجب أن تكون قواميّة بما يرضي الله تعالى.
الثاني: أنّ قوّامية الزوح على الزوجة وإن كانت مشتملة بنحو الموجبة الجزئية على نفوذ بعض أوامر الزوج على زوجته، ولكن ليست هذه الأوامر النافذة عبارة عن كلّ أمر يراه الزوج في صالح هذه المرأة كإنسانة، وإلاّ لكان المترقّب أن تكون الاُخت والبنت غير المتزوّجة أيضاً تحت ولاية الأخ والأب.
فالزوجة مستقلّة في إنسانيتها لا قائم عليها في الإنسانية، فهي ليست مملوكة للزوج بالضرورة الفقهية، وليست نسبة الزوجة لزوجها كنسبة الولد الصغير بالنسبة لوالده الذي يحدّ من حريته كإنسان. ولذا نرى عندما يخاف الشقاق بين الزوجين ـ كما ذكرت الآية التي بعد آية القوامية ـ بصدور الاتهامات بينهما، فالزوج يقول لها: أنتِ ناشز، وهي تقول له: أنتَ ناشز، قالت الآية: ﴿ ... فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ... 10، فإنّ التعبير بكلمة الحكم يعطي معنى الاستقلالية لكلٍّ من الزوجين، فليست هي تابعة له في كلّ ما يراه صالحاً لها.
إذن تبيّن أنّ ملاك هذه القواميّة التي تكون في صالح المرأة قد ذكرته الآية، وهو تفضيل الرجال على النساء، إلاّ أنّ هذا التفضيل ليس في الإنسانية أو الخلق أو العلم أو التقوى; لأنّ الإسلام جعل المفاضلة الحقيقية في التقوى أو العلم مع الإيمان، وهما لا يختصان بالرجال.
إذن الأفضلية هي منصب تنفيذي في تنظيم اُمور الزوجة لأقوائية الرجل من المرأة فسيولوجياً، وغلبة عقله على عاطفته التي تنفع في قيادة البيت إلى شاطئ السلامة والأمن، وهذا هو القدر المتيقّن في أفضلية الزوج على زوجته.
فهو الأولى في قيادة بيت الزوجية، فلا إطلاق في الأفضلية.
وعلى هذا ستكون الأفضلية في الآية القرآنية، نسبية وليست مطلقة، كما يصح لنا أن نقول: إنّ المرأة أفضل من الرجل في تربية ورعاية وحضانة الأطفال; لغلبة عاطفتها على عقلها التي يحتاجها الطفل، فإنّ عاطفة المرأة وحنانها ممّا يحتاج إليه الطفل ليشعر بالسعادة والطمأنينة، كما يصح لنا أن نقول: إنّ المرأة أفضل من الرجل في عاطفتها ورحمتها ورقّتها (جمال المرأة في هذه الاُمور).
وقد ذكرت الآية ملاكاً آخر للقوّامية، وهو إنفاق الزوج على زوجته الذي شرّعه الشارع المقدّس.
إذن ليس في الآية ما يدلّ على أنّ القوّامية عبارة عن الحدّ من سيطرة وسلطنة الزوجة على مالها وتصرّفاتها، وليس فيها سلباً لحرّيتها واختيارها فيما يكون من شؤونها الخاصة والعامة 11.