الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
ولا ينبئك مثل خبير.. دعوة للتخصص (1)
أصبح التخصص في هذا العصر ضرورة وليس ترفا، حيث نشهد في كل يوم ولادة تخصصات جديدة في كل مجالات الحياة العلمية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ومع تشعبات العلوم وتداخلها لم يعد من الممكن أن يلم أي شخص إلماما تاما بكل العلوم ذات العلاقة بمجاله ناهيك عن المجالات الأخرى.
وإذا كان إمامنا الصادق قد واجه الظواهر الفكرية والعقائدية التي ظهرت في عصره مثل الزندقة، والغلو، والاعتزال، والجبر، ومدرسة الرأي، وما نتج عنها من ظهور صيغ جديدة لفهم الرسالة في مجال الفقه وتفسير الحديث والقرآن الكريم... و التشكيك حتى في السُنّة النبوية بل في فهم الكتاب الإلهي العظيم والركون الى الرأي والاستحسان والتجاوز عن مداليل النصوص المأثورة بلا قانون علمي قويم1، إذا كان إمامنا قد واجه ذلك بتخريج متخصصين من جامعته من أمثال هشام بن الحكم عميد المتكلمين وأبان بن تغلب عميد الفقهاء وغيرهما، فما أحوجنا اليوم إلى خبراء يتخصصون في مجالات الشريعة المختلفة، نحن بحاجة إلى فقهاء متخصصين في المجال العقائدي من أجل إثراء البحوث العقائدية وتأصيلها ووضع ضوابط البحث فيها، فكما للفقه أصوله كذلك ينبغي أن يكون للفقه العقائدي أصوله، ونفس الكلام ينطبق على القرآن وتفسيره وعلومه، وعلم الكلام الجديد بقضاياه المعاصرة، بل نحتاج أيضا إلى فقهاء متخصصين في فقه النفس وفقه الاجتماع وفقه الاقتصاد وفقه الدستور وفقه الحقوق وغيرها لأننا إذا توافرنا على جملة متخصصين في هذه المجالات فإننا نستطيع أن نقدم الإسلام للعالم بصورة أفضل، كما نستطيع أن نقرب المسافة بين الفقيه والمثقف حيث يستفيد الفقيه من أسئلة وإثارات وإشكالات المثقف، ويستفيد المثقف من تأصيل الفقيه واستنباطاته.
وأخيرا أختم بما ذكره سيدنا الشيرازي في كنابه الفقه- الإدارة عن التخصص كمبدأ من مبادئ الإدارة إذ يقول:
الرابع: مبدأ التخصص، وكلما زاد التخصص، زادت الكفاية، والعكس صحيح، فإن الكفاءات الإدارية، رهينة بالتخصصات في الأفراد، وعندما يقتصر عمل الموظف على نوع واحد من الأعمال له تخصص فيه ويتفرغ له، فإن ذلك يؤدي إلى إتقانه وإجادته، وقد قال الشيخ البهائي (رحمه الله): (غلبت كل ذي فنون، وغلبني كل ذي فن).
صحيح أن السيد الشيرازي يتحدث عن إدارة الأعمال، ولكن يمكننا إجراء نفس المبدأ على إدارة الفقه، بل الحاجة هنا أشد، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار قول الشيخ البهائي رحمه الله2.