حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
مع الامام الحسين في ثورته الاصلاحية
جرت معركة كربلاء بين الإمام الحسين (عليه السلام) ومن معه من أهل بيته وأصحابه وبين الجيش الأموي في ظروفٍ غير متناسبة من حيث حجم القوى عند الفريقين، ففي الوقت الذي لم يتجاوز عدد جيش الإمام الحسين (عليه السلام) السبعين رجلاً إلّا بنيِّفٍ من الرجال تجاوز عدد الجيش الأموي الثلاثين ألفاً كما في بعض الروايات والمصادر التاريخية، ممّا يعني أنّ نتيجة المعركة كانت محسومة سلفاً قبل أن تبدأ، وهذه المعركة يوردها قرّاء العزاء بتفاصيلها شبه الدقيقة فلا حاجة لسردها ونترك أمر ذلك للأخوة.
والذي يعنينا في هذا المجال هو: ما هو الدور الذي لعبته الثورة الحسينية لحماية الدين الإسلامي من الإندثار، خصوصاً أنّ المعركة أسفرت عن هزيمة للإمام الحسين (عليه السلام) واستشهاده مع كلّ من كان معه من أهل بيته وأصحابه.
وللجواب عن ذلك نقول إنّ دور عاشوراء الحسين في حفظ الإسلام عبر العصور وإلى الآن كان كبيراً جداً لأسبابٍ عديدة:
أولاً: شرح أبعاد الثورة الحسينية للمسلمين عبر العصور وأنّها ثورة قيم الدين والمبادئ ضدّ الإنحراف عنه، وأنّها الثورة التي أرادت أن تحفظ دين الله ليبقى الهادي للبشرية في مقابل من كان يعمل لإعادة الناس إلى زمن الجاهلية والتعصّب والتحزّب البغيض القائم على العشائرية والقَبَلية والفئوية الضيّقة.
ثانياً: إنّ الثورة الحسينية كانت السبب المباشر لقيام الكثير من الثورات بعدها والتي استفادت كلّها من استشهاد الحسين (عليه السلام) كزخمٍ معنوي كبير لتجييش الناس وحشدها في مواجهة الحكم الأموي تحت شعار "يا لثارات الحسين" (عليه السلام)، حتى استطاعت تلك الثورات المتلاحقة أن تُنْهِكَ الحكم الأموي وتزيله من الوجود، وهذا ما جعل السلطة العباسية البديلة تمالىء وتهادن الأئمة (عليهم السلام) وأنصارهم في أوائل حكمهم ممّا سمح للمفاهيم الإسلامية الأصيلة بالإنتشار من خلال الإمامين الصادقين (عليهما السلام).
ثالثاً: لعبت الثورة الحسينية دوراً كبيراً في إغناء الحركة الفكرية والثقافية في العصور التي تلتها، ونظّم الكثير من الشعراء قصائد كثيرة تتحدّث عن الثورة وأسباب قيامها وما نتج عنها من صورٍ مأساوية، وكذلك كتب حول الثورة العديد من العلماء والمؤلّفين الذين تناولوا الثورة بالعرض أو بالتحليل أو كليهما، وهذا كلّه ترك أثره الكبير في الوجدان الشعبي عند الأمة عامة، وأتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) خاصة الذين صاروا يعتبرون أنّ عاشوراء الحسين (عليه السلام) هي جزء لا يتجزّأ من واقعهم وحياتهم وينبغي أن يعطوها حقها من رعايتهم واهتمامهم كونها تشكِّل بعضاً من الوفاء لأناسٍ بذلوا مهجهم وسُفِكَتْ دماؤهم دفاعاً عن دينهم وعقائدهم.
رابعاً: ابتداع طريقة مجالس العزاء للتعبير عن المظلومية وعن الصور المأساوية التي نتجت عن معركة كربلاء والحاصلة بيد الجلاوزة من الأمويين الحاقدين على الإسلام، وأول من ابتكر هذه الطريقة الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وسار عليها الأئمة (عليهم السلام) من بعده، ثمّ تطوّرت عبر العصور، إلى أن تحوّلت هذه المجالس إلى مدارس لتلقين الدين الإسلامي للناس ولإيصال المفاهيم الإسلامية الأصيلة وشحن النفوس المتعطّشة إلى إحقاق وإزهاق الباطل بالقوة الروحية والمعنوية اللازمة لمواجهة كلّ مظاهر الفساد والإنحراف في ضمن مجتمعاتنا، ولذا نجد الإمام الخميني "قده" يقول في بعض كلماته المهمة في هذا المجال (إنّ كلّ ما لدينا هو من عاشوراء) كتعبيرٍ يتضمّن كلّ تلك المعاني التي ذكرناها عن تأثير عاشوراء ونتائجها الإيجابية المهمة في مسيرة الإسلام والمسلمين.
بل يمكن القول إنّ كلّ السلطات التي حكمت باسم الإسلام بعد زمان عاشوراء كانت مضطرّة للحفاظ على كثيرٍ أو قليل من مظاهر الأسلمة في المجتمعات الإسلامية التي حكمتها لأنّ تأثير عاشوراء كان قادراً على فضح انحرافات الحكام وكشف نفاقهم ولو من خلال الأتباع الصادقين للأئمة (عليهم السلام) الذين كانوا يتحمّلون مسؤولية توضيح أبعاد الثورة الحسينية في كلّ مجال وفي كلّ محفل وفي كلّ مجلس كانوا قادرين على ذلك من دون خوفٍ على أنفسهم وعلى من يتولّون أمورهم.
وإذا أردنا أن نحدّد بدقة تأثير عاشوراء الحسين (عليه السلام) في مسيرة هذا الدين العظيم يكفي أن ننظر إلى هذا الزمان الذي نحن فيه لنرى مقدار ما تنتجه هذه الذكرى المجيدة عبر إحيائها الذي تحوّل إلى جزءٍ من واقعنا اليومي الذي يرافقنا في كلّ أمرٍ من أمور حياتنا تقريباً، فنرى أنّها مؤثّرة في سلوكنا الإجتماعي، وفي ارتقاء معنوياتنا وروحيتنا، وانظروا ماذا يقول الإمام الخميني المقدّس: (إنّ مراسم عاشوراء العزيزة هي التي تثير الحماس في الناس وتهيؤهم لحفظ الأهداف الإسلامية، فيجب أن لا نتساهل في هذا الأمر، وكما كان يُعْمَل في السابق فَلتُقَمْ مجالس العزاء ولِتُتْلَ المراثي وليُقل الشعر والنثر في فضائل أهل البيت ومصائبهم ليتأهّب الناس وليكونوا في الميدان...)، ثمّ يقول في كلمةٍ أخرى: (أبقوا عاشوراء حية فبحفظ عاشوراء لن يصيب بلدكم أيّ أذى).
من كلّ هذا العرض يمكن القول إنّ ثورة الحسين (عليه السلام) التي كانت تعبّر عن الإخلاص المحض والوفاء الخالص من الإمام (عليه السلام) لدينه ورسالته مع من كان معه من أهل بيته وأصحابه، تلك الثورة جديرة بأن تُحْفَظَ في القلوب والعقول وأن تتغلغل في الوجدان والضمير لتكون الوقود الذي لا ينفذ من الأمور الروحية والمعنوية التي لها الدور الكبير والأساس في بقاء الإنسان مستمراً في خط الإسلام المحمدي الأصيل وليتحمّل مسؤوليته في المواجهة الكبرى ضدّ كلّ قوى الكفر والإستكبار تأسّياً بالحسين (عليه السلام) واقتداءً به واهتداءً بنهجه الصادق. والحمد لله ربّ العالمين1.
- 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.