مجموع الأصوات: 36
نشر قبل سنتان
القراءات: 1916

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

مثقف فقيه وفقيه مثقف

عند البحث عن مخرج لطبيعة التأزم في جدلية العلاقة بين المثقف والفقيه، لعل هذا المخرج يتحدد في اقتراب المثقف من المعرفة التي يمثلها الفقيه، ومحاولة النظر إلى الفقيه بوصفه يمثل معرفة بحاجة إلى كسب وتواصل. وفي الجانب الآخر اقتراب الفقيه من المعرفة التي يمثلها المثقف، ومحاولة النظر إلى المثقف بوصفه يمثل معرفة بحاجة إلى كسب وتواصل.
وأما المخرج الأمثل فهو البحث عن نموذج يكون فيه المثقف فقيهاً على مستوى المعرفة، ويكون فيه الفقيه مثقفاً على مستوى المعرفة كذلك. وهذا هو النموذج الذي نفتقده في حياتنا الفكرية المعاصرة، وبدأنا نلتفت وندرك مدى الحاجة إليه لردم الفجوة التي تفصل بين المثقف والفقيه.
هذه الفكرة كنت قد أشرت إليها في وقت سابق يعود إلى صيف 1994م، حين نشرت مقالة بعنوان: (الفقيه المثقف والمثقف الفقيه)، وجاءت هذه المقالة في وقت بدأ فيه الحديث يتجدد حول هذه الفكرة، لكن من دون أن يتسع ويتراكم، ويدخل في دائرة الجدل السيال، وحضر في هذا الجدل المثقف الذي يصنف على المجال الديني، وغاب عنه المثقف الذي يصنف على خارج هذا المجال الديني.
ورجعت إلى هذه الفكرة في وقت آخر مع كتاب: (الجامع والجامعة والجماعة.. دراسة في المكونات المفاهيمية والتكامل المعرفي) الصادر عام 1998م، الذي شرحت فيه كيف التقى الجامع والجامعة في الحضارة الإسلامية، وكيف تشكلت وانطلقت الجامعات من الجوامع، وكيف أن الجامع كان يتحول إلى جامعة، والجامعة تتحول إلى جامع، ويكفي معرفة أن جامعات العالم الإسلامي وهي من أقدم وأعرق جامعات العالم ظهرت في الجوامع، كجامعة الأزهر في القاهرة، وجامعة القرويين في فاس، وجامعة الزيتونة في تونس.
وما تفككت هذه العلاقة وانقطعت بين الجامع والجامعة إلا في أزمنة وعصور التراجع والجمود التي مرت العالم الإسلامي، وكان من نتائج هذا الوضع تفكك وانقطاع العلاقة بين المثقف والفقيه، فبعد أن كان المثقف ينشأ ويتكون فقيهاً أو قريباً من الفقيه في ظل التقاء الجامع والجامعة، أصبح المثقف لاحقاً ينتمي إلى مؤسسة تعليمية غير المؤسسة التي بات ينتمي إليها الفقيه، واختلفت وتباينت كذلك طبيعة المعرفة التي يكتسبها ويعرف بها المثقف والفقيه.
كما رجعت إلى هذه الفكرة أيضاً مع كتاب: (محنة المثقف مع العصر) الصادر عام 2000م، الذي عالجت فيه مشكلة المثقف مع الدين، وحاولت شرح طبيعة التحول الذي حصل في الكتابات والأدبيات الإسلامية حول العلاقة بين المثقف والفقيه، فبعد أن كانت هذه القضية تطرح في السابق على أساس التباين والانقسام متأثرة بالطابع السجالي والاحتجاجي الذي كان مهيمناً آنذاك على المشهد الثقافي العربي نتيجة الصراعات والنزاعات الفكرية والأيديولوجية بين النخب والجماعات المتعددة والمتنوعة، بعد هذا المنحى أخذت الكتابات الإسلامية ذات البعد الحضاري والمعاصر تلتفت إلى ضرورة البحث عن التوافق والتكامل بين المثقف والفقيه على مستوى المعرفة، وهكذا على مستوى الوظائف والأدوار والعلائق.
وحديثاً أثرت هذه الفكرة حين دعيت للمشاركة في ندوة نظمها النادي الأدبي بالرياض في إطار برنامج منبر الحوار، للحديث عن جدلية العلاقة بين المثقف والفقيه، عقدت أواخر شهر ابريل الفائت.
وكنت أتوقع سلفاً أن إثارة الحديث عن مقولة مثقف فقيه وفقيه مثقف، سوف تثير جدلاً ومساءلة، وتعدداً واختلافاً في وجهات النظر، لكون أن هذه المقولة لها طبيعة جدلية، وتستحق الجدل والمساءلة، لكنني كنت متمسكاً بهذه المقولة التي أقصد منها ضرورة أن يتواصل المثقف مع المعرفة الدينية، ويتواصل الفقيه مع المعرفة الإنسانية، التواصل الذي يفك عزلة المثقف عن الدين، ويفك عزلة الفقيه عن العصر1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ، العدد 14887.