مجموع الأصوات: 44
نشر قبل سنتان
القراءات: 4623

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

ماذا تعلمت من الزهراء (ع)؟

تلك الدرة الزاهرة والحوراء الأنسية خزانة الأسرار ومجمع الكمالات والفضائل، تتلقف عطاءها والقيم التي تدعو إليها تلك النفوس المهذبة والساعية إلى مدارج الترقي في فهم وتطبيق فكرها وتعاليمها، ولكل من السالكين درجات وتفاضل وتمايز بقدر ما تحلوا به من قدر تدبرهم وتأملهم في معارف ومضامين كلماتها الزاهرة، ومن ثم انطلقوا في تجسيدها والتالق في درجات العمل درجة تلو الأخرى.

فهل يوما نظرت في زخارف الدنيا ومتاعها الذي افتتن به الناس على مر الزمان، فأورثهم هذا التهافت واللهث السريع نحو جمع الأموال واقتناء الذهب الثمين وكنزه، فما أخذوا منه شيئا في لحودهم وخلفوه من وراءهم، فاكتست نفوسهم طمعا وشحا وحسدا وأنانية، فكان رصيدهم الأخروي خاويا!

أي درس نتعلمه من حياتها المتواضعة وصنعها لمعالم السعادة والمحبة في بيتها رغم الفاقة وبساطة العيش، ولكن جمال روحها وتألق عاطفتها الجياشة أزاح الهموم الناجمة عن مهام التبليغ وتوجيه الناس وتعليمهم من قبل بعلها المرتضى عليه السلام، واحتوت نجليها الحسنيين برقة مشاعرها لتكون مثالا لكل أم عظيمة.

زهدها في الحياة يعلمنا ترتيب الأولويات وتنظيم الأهداف، فلتدبير المعيشة وتوفير لقمة العيش من الرجل وتحمل أعباء المنزل من المرأة وتربية الأبناء المشتركة بينهما جزء من الوقت، ولتنمية العلاقة مع الباري عز وجل والانقطاع إلى مناجاته والوقوف بين يديه وتلاوة كتابه مقتطع آخر، وما بينهما يمارس المرء الجوانب الأخرى من حياته ويقوي علاقاته الأسرية والاجتماعية ويروح عن نفسه، فالزهد ليس بتخل عن مباهج الدنيا ولكنه سعي في المعيشة دون نسيان وغفلة لتنمية مستقبله الأخروي.

ولكل من غرته الدنيا وما نال من حظوظها في العلم والمال والوجاهة الاجتماعية، فأورثه ذلك تكبرا وتعاليا على الآخرين وإعجابا بنفسه، اقرأ سيرة العظمة والشموخ في سيرة الزهراء عليها السلام وسيورثك التواضع ولين الجانب والحسن في التعامل مع الناس، ففي وقت كان يشكو العبيد والجواري من صلافة وخشونة تعاملهم وإهانتهم، كانت خادمة الزهراء عليها السلام السيدة فضة «رض» ممن نقل عن عظمة تعامل الزهراء وتواضعها وتقاسم عمل البيت معها.

لم يكن للزهراء عليها السلام أي تعلق أو حتى مجرد تخيل مظاهر البذخ واقتناء الحلي وسكنى البيوت الفارهة، بل كان قلبها له هم ومبتغى واحد هو رضوان الله تعالى، وكذا نتأسى بها إن أردنا سعادة الدارين فنخلف ذكرى عطرة وسيرة حسنة وليس دورا تبلى وتتلاشى وتصبح أثرا بعد عين مع تقادم الزمان.

لم تستنكف سيدة نساء العالمين من خدمة أسرتها فاستقت بالقربة وطحنت الشعير والقمح، وكنست دارها دون أن تبدي تبرما بل وجدت سعادتها في ذلك دون تقصير، وهذا يعطيني تصورا واضحا لتقسيم الزهراء عليها السلام لوقتها ما بين محالفة وملازمة محراب الخشية والذكر، وبين قضاء وقت في ترتيب بيتها، وما بين وقت تأنس وتؤنس أسرتها، ووقت تمكث فيه بين النساء توجههن وتعلمهن أحكام دينهن وتفسير كتاب الله تعالى، هكذا شيدت مولاتنا عليها السلام معالم الفلاح والسعادة والكمال 1.  

  • 1. نقلا عن موقع الجهينة الاخبارية.