مجموع الأصوات: 4
نشر قبل يومين
القراءات: 83

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

لنتحد ضد الكراهية

الكراهية هي أشد بلاء من الأمراض التي تصيب الإنسان في بدنه وجسمه، لأنها تصيب الإنسان في نفسه وعقله وقلبه ووجدانه وشعوره، وتمتص منه جمالية القيم، ومكارم الأخلاق، وتطفئ فيه شعلة الضمير، وجذوة الروح، وقبس النور، وصفاء النفس، وتجفف فيه منابع الفيض الإنساني الخلاق، وأنهار المشاعر الإنسانية السيالة في العالم الداخلي للإنسان. وهذا بخلاف الأمراض التي تصيب بدن الإنسان وجسمه، والتي يمكن لها أن تساهم في يقظة النفس والعقل والقلب والوجدان والشعور.
والكراهية هي أشد بلاء من الزلازل والأعاصير والبراكين التي تقتلع الأشجار، وتقطع الكهرباء، وتخرب الشوارع والطرقات، وتدمر المساكن والممتلكات، وتزهق النفوس والأرواح، لكنها توحد المشاعر، وتقرب القلوب، وتجلب عون الآخرين وعطفهم. وهذا بخلاف الكراهية التي تفرق المشاعر، وتباعد القلوب، وتجلب العداوات، ونقمة الآخرين وسخطهم.
والكراهية هي أشد بلاء من التلوث المنبعث من عوادم السيارات والطائرات والباخرات في البر والجو والبحر، ومن الأدخنة المنبعثة من المصانع والمعامل، وأشد بلاء من الاحتباس الحراري الناشئ من ارتفاع نسبة الغازات في الجو، وإذا كان التلوث والاحتباس الحراري يؤثران على المناخ الخارجي، وطبقة الغلاف الجوي، ويؤديان إلى ارتفاع الحرارة، ويؤثران على الصحة العامة للناس، فإن الكراهية تنشر تلوثاً أشد بلاء، لأنه يلوث النفوس والقلوب والعقول والمشاعر والوجدان، ويخرب جسور التواصل، والعلاقات بين الناس، وبين الأمم والشعوب.
والكراهية هي أشد بلاء من الوباء، وأكثر هولاً من الحريق، وأعظم تخريباً من السيل، وأخطر وبالاً من الجوع، لأن الكراهية ظلام تعمي الأبصار والقلوب التي في الصدور، ويجعل قلب الإنسان أسود داكناً ينفث العداوة والبغضاء بين الناس.
والكراهية هي بمثابة دخان أسود أشد سواداً من الدخان المنتشر في الهواء، وهي بمثابة رائحة نتنة أشد نتانة من الرائحة المنبعثة من المستنقعات المائية، أو من الجيفة الميتة، أو من الأطعمة الفاسدة، أو من الروائح الكريهة.
والكراهية هي ذلك الفعل البغيض الذي ينبذه الناس كافة، وجاء في الأثر عن الرسول الأكرم (ص) أنه قال (ألا أنبئكم بشر الناس؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: من أبغض الناس وأبغضوه).
ولو كانت الكراهية شجرة، لكان جذره البغض، وساقها الحقد، وأغصانها الحمق، وورقها القبح، وثمرها العداوة والخصومة.
ولو كانت الكراهية رجلاً لكان رأسه السفه، وقلبه الجهل، وروحه الخسة، ورجلاه السخط، ويداه الضعة، وعيناه الرزالة، وفمه الكذب، ولسانه الفحشاء، وأذناه الشماتة.
ولو كانت الكراهية جبلاً لكان حصاه من سوء الخلق، ولو كانت بحراً لكانت قطراته من اللؤم، ولو كانت براً لكان رمله من التعصب.
لقد تقصدت تصوير الكراهية بهذه الطريقة التي لا تخلو من مبالغة وتهويل، واستفدت من بعض تصويرات عبد الرحمن الكواكبي وهو يتحدث عن طبائع الاستبداد في كتابه الذي قدم فيه أعظم خطاب في كراهية الاستبداد، وذلك لأننا بحاجة إلى خطاب صارم ضد الكراهية، يمقتها ويجرمها ويشنع عليها، ومن يمارسها أو تصدر منه يكون منبوذاً، ولأننا بحاجة لأن يرفع الجميع صوته عالياً ومدوياً ضد الكراهية هذا الفعل البغيض، ولنقلها بكل لغات العالم ولهجاته، وبلغة الإشارة والرموز كفى كراهية، ولنتحد ضد الكراهية1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس / 13 ديسمبر 2007م، العدد 15083.