الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

قوّة الإحياء الحسيني

قوّة أشبه بأن تكون لا إرادية تشدّك للمشاركة والحضور لإحياء عاشوراء الحسين ، فلا تكاد تستطيع أن تتجاهل هذا الموسم العظيم، أو أن يكون أمراً ثانوياً في برنامجك اليومي.

وأعتقد يقيناً أن كلَّ من يؤمن بالإمام الحسين وثورته العظيمة يجد نفسه ملزماً، وبلا اختيارٍ منه، أن يشارك الجماهير المؤمنة في إحياء هذه الذكرى الأليمة.

والسؤال المهم الذي ينبغي أن تطرحه على نفسك: لماذا أشارك المؤمنين في إحياء عاشوراء الحسين ؛ وكيف تتحقق قوّّة الإحياء الحسيني؟

بكل تأكيد لن تكون إجابتك متطابقة مع إجابات الجميع، ولذا فإن وعيك بحقيقة مشاركتك في هذا الموسم هي التي تعطي لتلك المشاركة ثقلاً وأهميّة، أما حين تكون غير مدركٍ لذلك فحينها ينطبق عليك قول الإمام موسى الكاظم : «لا تكن إمعة؛ فتقول: أنا مع الناس، إن رسول الله ﷺ قال: إنما هما نجدان: نجد خيرٍ، ونجد شر، فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير».

وحين تكون واعياً بحقيقة مشاركتك فستدرك مستوى وعيك بالقضية الحسينية، وما إذا كان يتطلب منك أن تبذل جهداً أكبر لترتقي بذاتك وعياً، لتكون مشاركتك في عاشوراء الحسين بمستولى وعيٍ متقدّم، وعندها فقط ستكون مشاركتك أكثر ثباتاً وقوّةً لأنها تستند إلى إدراكٍ واعٍ منك بذاتك وبالقضية الحسينية في آنٍ واحد.

وتكمن قدرتك على الإجابة على هذا التساؤل في مدى وعيك بذاتك، فلكلٍّ منّا ما يُحرّكه ويدفعه باتّجاه أي عملٍ يقوم به، صغيراً كان أو كبيراً، حتى وإن كان ذلك العمل روتينياً، إلا أن الفارق الجوهري بين الناس هو أن بعضهم يعي حقيقة تلك الدوافع، مما يجعله أكثر تحكّماً بذاته، وأكثر قدرةً على التطوير والارتقاء لمستوى متقدّمٍ يُحقق له أهدافه وتطلعاته العليا. بينما يعيش البعض الآخر غفلةً وغياباً للوعي مما يجعل حياتهم تكون أشبه بحياة القطيع الذين لا يُدركون إلى أين يسيرون، إنما هناك ما يدفعهم للحركة لتبقى حياتهم هكذا حتى يأذن الله لهم بالرحيل عن هذه الدنيا ولم يُحرّكوا ساكناً في الوجود.

والغريب في الأمر أنك تجد أن غالبية الناس لا يعترفون بالمستوى الذي ينتمون إليه، بل قد يدّعي لنفسه مرتبةً ليس منها، وهذا أخطر ما يواجه الفرد، إذ أنه بذلك يضع حاجزاً منيعاً أمام نفسه، يعيقه عن قراءة ذاته قراءةً صحيحةً سليمة، وبذلك لن يتمكّن من تحقيق أيَّ تقدّمٍ يخدمه في حياته الدنيا والآخرة.

ولذا فإن تحلّي الفرد بالصدق، ولو مع نفسه فقط، من شأنه أن يحقق له تقدّماً رائداً على صعيد الإحياء الحسيني، كما أنه يفتح له الآفاق على مختلف الأصعدة في حياته.

ويمكننا الحديث عن سبعة نماذج من الناس في إحيائهم لموسم عاشوراء الحسين ، يتمايزون باختلاف الدوافع التي تشدّهم لذلك، وهذا التمايز يُمثّل حقيقة العلاقة التي تربط الفرد بالقضية الحسينية، وهو الذي يُعطي للمشاركة قيمة عليا أو قيمة دنيا، تبعاً للمستوى الذي ينتمي إليه الفرد وفقاً للدوافع التي تُحرّكه لإحياء موسم عاشوراء العظيم.

أولاً - الإحياء التَّبعي

حين يتحرّك الفرد لإحياء عاشوراء الحسين تبعاً وتقليداً لمن سبقوه، فإما أنه يُحاكي أبواه، أو أنه يرافقهما في المشاركة طوعاً أو كرها. وقد يشكّل الإطعام الذي يتميّز به موسم عاشوراء عن غيره من المواسم محفّزاً داعماً لهذا النموذج للمشاركة في إحياء عاشوراء.

وإذا شاءت الأقدار أن يكون الخطيب بدائياً فإن الاستفادة من موسم عاشوراء بالنسبة لهذا النموذج لا تعدو كونها موسم إطعامٍ وفقط. أما حين يحظى هذا النموذج بخطيبٍ رسالي فإنه ولا شك سيكون هناك أثرٌ كبير لموسم عاشوراء في توجيه هذا النموذج من الناس حيث أنهم تبعيّون بالفطرة.

ثانياً - الإحياء القَبَلي

قد يتحول الإحياء الحسيني إلى جانبٍ أشبه ما يكون بالمفاخرة التي تحصل بين القبائل، فكلُّ جهةٍ تتفاخر وتتباهى بما لديها، وكل جهةٍ تجد نفسها مندفعةً للتمايز على الآخرين.

فليس المهم جوهر القضية، وإنما المهم تحقيق الغلبة على الجهات المنافسة.

وغالباً ما يوجّه أصحاب هذا النموذج اهتمامهم بالقضايا الجزئية الثانوية من القضية الحسينية.

وحين يُبتلى هذا النموذج بخطيبٍ من ذات المستوى فإن الواقع سيكون مشابهاً لتلك الصراعات القبلية التي كانت تعيشها القبائل في الجاهلية.

ثالثاً - الإحياء الأناني

قد يُشارك الفرد في موسم عاشوراء بروح أنانية، فالهم الأكبر الذي يشغل تفكيره هو ذاته وفقط، ولا يهمّه الآخرين، المهم أن يستفيد هو، أوأن يظهر هو في الصورة، ويُشار إليه بالبنان، أو أن يكون هو الأقوى والأبرز بين الأقران.

رابعاً - الإحياء التقليدي

حين يتحوّل الإحياء الحسيني إلى تقليدٍ اجتماعي، لينضمّ إلى مجموعة العادات والأعراف والتقاليد الاجتماعية، فإن مشاركة الناس فيها لا تعدو كونها عادة اجتماعية، لتتحوّل فيما بعد لموروثٍ اجتماعي.

وقد يواجه هذا النموذج خطيباً مقيّداً بما يألفه الناس ويمارسونه من عادات وأعرافٍ وتقاليد، وحينها ستكون الفائدة من الإحياء الحسيني في حدودها الدنيا.

وأبرز ما يتصف به هذا النموذج من الناس أن يكون الإحياء الحسيني من أجل الإحياء وفقط، فهؤلاء الناس لا يُحدّثون أنفسهم بأي دور، إنما هم يتأثّرون برأي زعامات المجتمع، فيسيرون كما يُراد لهم ذلك.

ولذا تجد أن كلَّ مجموعةٍ ترتبط بجهةٍ تمتلك زمام أمورها، وقد يصل بهم الأمر إلى التعصّب للرأي والتشكيك في الآراء المخالفة، وقد يصل بهم الأمر إلى الاحتراب.

خامساً - الإحياء المصلحي

موسم عاشوراء أشبه ما يكون بموسم الحج، الذي يقول فيه تعالى: ﴿ليشهدوا منافع لهم. والبعض من الناس يستغلّون هذا الموسم في تحقيق أرباحٍ مادّية ذاتية، فالموسم بالنسبة لهم موسماً تجارياً، وقد يصبغونها بصبغة دينية يُدغدون بها مشاعر المجتمع التقليدي، فيقول عنها: تجارة مع الحسين . وهذه العبارة تحمل في أعماقها أحد احتمالين:

الأول: أن تكون شعاراً يُخفي في داخله أهدافاً شخصية لكسب أكبر ربح، ولا فرق بين أن يكون الفرد واعياً بحقيقة دواخله أم أنه غافلاً عنها.

الثاني: أن يكون حقيقةً يُتاجر مع الحسين ، فهو لا ينظر للربح كهدفٍ خاص، وإنما هناك هدفٌ أسمى، يجعله منتمياً للمستويات المتقدّمة، والربح بالنسبة له لا يعدو كونه وسيلة لتحقيق مزيدٍ من الإنجازات فيما يرتبط بأهدافه العليا لإحياء موسم عاشوراء الحسين .

سادساً - الإحياء الإنساني

يتجلّى الإحياء الإنساني في أؤلائك الذين يعيشون في أعماقهم القيم الإنسانية السامية، ولذا تجدهم في موسم عاشوراء كالنحل يُحلّق فوق الأزهار، لينشر الرحيق في كل مكان.

هؤلاء الناس، يجسّدون القيم الإنسانية التي نهض من أجل إحيائها الإمام الحسين ، وهم لا يرجون شيئاً لأنفسهم، إنما هدفهم الأسمى هو الآخر، فتراهم يُبادرون لأي مساعدة وأي خدمة بروح إنسانية.

إنهم يُؤمنون بأن الإمام الحسين هو إمام الإنسانية، فاستقوا من إنسانية الحسين ما يُغذّي إنسانيّتهم ليبثّوها بروحٍ ملؤها الحب للجميع، لكل الناس، ولا فرق عندهم بين قريبٍ أو بعيد.

سابعاً - الإحياء التكاملي

الوعي بالقضية الحسينية وأنها لم تكن إلا لتحقيق أهدافٍ سامية، وترسيخ مبادئ عظيمة، ومحاربة الظلم بكل أشكاله وأنواعه، يجعل من الفرد الواعي يتأمّل جيّداً في هذه القضية، فلا يرضى أن تكون مشاركته كفردٍ استهلاكي، أو كفردٍ انتهازي، أو أن يكون إمّعة يُشارك كما الجميع، إنه يُحدّث نفسه دوماً بدورٍ في هذا الموسم العظيم، فمشاركته لابد أن يكون فيها تميّزٍ يرتقي بذاته، ويُحقق له أهدافاً عظيمة.

إنه هنا يتكامل مع الآخرين في تقديم صورةٍ مشرقةٍ لهذا الموسم العظيم، حيث يتدافع الواعون كلٌّ في مجاله يؤدّون أدواراً رائدةً على صعيد الإحياء الحسيني، وهم بذلك يسدّون الثغرات التي ينتجها أؤلائك الذي يعيشون هذا الموسم ضمن مستوياتهم الدنيا.

هذا النموذج من الناس وضمن أي نشاطٍ يقوم به، سواءً كان النّشاط شخصياً أو جماعياً، لابد وأن يكون وراءه هدفاً أسمى يرتقي بذلك النشاط، كما أنه يُحقق لذاته تميّزاً وتقدماً، فيكون نموذجاً حسينياً رائداً.

ماذا بعد؟

أيها الأحبة إن الحسين بثورته المباركة أراد أن يرسم لنا نهجاً رسالياً في الحياة، وعلينا حين نُحيي هذه الذكرى العظيمة أن لا نكتفي بالإحياء الحسيني بطريقة استرسالية عفوية، وإنما علينا أن نتأمّل في ذواتنا وأن نُحدّث أنفسنا بكلِّ صدقٍ وشفافية، وأن نتساءل: إلى أي نموذجٍ ينتمي إحياؤنا لعاشوراء الحسين ؟ وحين نقف على حقيقة إحيائنا علينا أن نعقد العزم فإما الثبات على المستويات المتقدّمة حين نجد أنفسنا منها، أو الارتقاء بإحيائنا لعاشوراء الحسين لتلك المستويات التي تُعزّز من انتمائنا لمدرسة أهل البيت ، وتُعطي لإحياء موسم عاشوراء القيمة الحقيقية التي ينبغي أن يُطالب كل فردٍ منّا ذاته بتحقيقها كواقعٍ ملموسٍ على الأرض فيما ببينه وبين القضية الحسينية المباركة.

وقد تجد ظاهراً أن اثنان يحيون عاشوراء الحسين بنفس الطريقة إلا أن الفارق بينهما كبير، ويكمن هذا الفارق في الدافع الذي يُحرّك كلاً منهما للمشاركة، فكلّما كان الدافع راقياً، فإن ثمرة الإحياء الحسيني تكون أقوى وأرقى وأعظم 1.

 

  • 1. المصدر: موقع جهات الاخبارية.