الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

صورة عامة لعصر الظهور

مع أن القرآن الكريم بنفسه معجزة نبينا صلى الله عليه وآله الخالدة في كل عصر ، فإن من معجزاته المتجددة أيضاً ما أخبر به صلى الله عليه وآله عن مستقبل البشرية ومسيرة الإسلام فيها ، إلى أن يجئ عصر الإسلام الموعود ، فيظهره الله على الدين كله .
وعصر ظهور الإسلام هو موضوع هذا الكتاب 1 . وهو نفسه عصر ظهور الإمام المهدي الموعود عليه السلام ، لا فرق بينهما في أحاديث البشارة النبوية التي تبلغ مئات الأحاديث ، والتي رواها الصحابة والتابعون ، وأصحاب الصحاح والمجاميع ، على اختلاف مذاهبهم .
بل نراها تبلغ مئات الأحاديث إذا أضفنا إليها أحاديث الأئمة من أهل البيت عليهم السلام لأن ما يحدثون به إنما عن جدهم خاتم النبيين صلى الله عليه وآله .
والصورة التي ترسمها هذه الأحاديث لوضع العالم في عصر الظهور وخاصة لوضع منطقة الظهور ، التي تشمل اليمن والحجاز وإيران والعراق وبلاد الشام وفلسطين ومصر والمغرب ، صورة شاملة ، فيها الكثير من الأحداث الكبري ، والعديد من التفاصيل ، وأسماء الأمكنة ، والأشخاص .
وقد سعيت أن أستخلصها من النصوص بأكثر ما يمكن من الوضوح والتسلسل والدقة ، لتكون في متناول جماهيرنا المسلمة المباركة .
وفي هذا الفصل أعرض خلاصة عامة لعصر الظهور ، قبل تفاصيله :
تذكر الأحاديث الشريفة أن حركة ظهور الإمام المهدي أرواحنا فداه تبدأ في مكة المكرمة بعد تمهيدات عالمية وإقليمية .
فعلى صعيد المنطقة تقوم دولتان مواليتان للمهدي عليه السلام في إيران واليمن .
أما أنصاره الإيرانيون فتقوم دولتهم قبله بمدة ، ويخوضون حرباً طويلة وينتصرون فيها ، ثم يظهر فيهم قبيل ظهوره عليه السلام شخصيتان هما السيد الخراساني القائد السياسي ، وشعيب بن صالح القائد العسكري ، ويكون للإيرانيين بقيادتهما دور هام في حركة ظهوره عليه السلام .
وأما أنصاره اليمانيون فتكون ثورتهم قبل ظهوره عليه السلام ببضعة أشهر . ويبدو أنهم يساعدون في ملء الفراغ السياسي الذي يحدث في الحجاز ، كما يمهدون لحركة ظهوره عليه السلام .
وسبب هذا الفراغ السياسي في الحجاز أنه يقتل ملك من آل فلان اسمه ( عبد الله ) فيكون آخر ملوك الحجاز ، ويختلفون بعده على خليفته ، ويستمر اختلافهم إلى ظهور المهدي عليه السلام :
( أما إنه إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد ، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله ، ويذهب ملك السنين ويكون ملك الشهور والأيام . قال أبو بصير فقلت : يطول ذلك ؟ قال : كلا ) .
ويتحول الخلاف بعد مقتل هذا الملك إلى صراع بين قبائل الحجاز : ( إن من علامات الفرج حدثاً يكون بين الحرمين . قلت وأي شئ يكون الحدث ؟ فقال : عصبية تكون بين الحرمين ، ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشاً ) أي يقتل شخص خمسة عشر زعيماً أو شخصية ، من القبيلة المعادية له ، أو من أبناء زعيم معروف معادين له .
و ( عن عبد الرحمن بن سيابة ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم ؟ يتبرأ بعضكم من بعض ؟ ! فعند ذلك تميزون وتمحصون وتغربلون ، وعند ذلك اختلاف السيفين وإمارة من أول النهار ، وقتل وخلع من آخر النهار ) 2.
في هذه الأثناء تبدأ آيات ظهور المهدي عليه السلام ، ولعل أعظمها النداء من السماء باسمه في الثالث والعشرين من شهر رمضان : ( قال سيف بن عميرة : كنت عند أبي جعفر المنصور فقال ابتداء : يا سيف بن عميرة لا بد من مناد ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب . فقلت : جعلت فداك يا أمير المؤمنين ، تروي هذا ؟ قال : إي والذي نفسي بيده ، لسماع أذني له . فقلت له : يا أمير المؤمنين إن هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا ! قال يا سيف ، إنه لحق ، فإذا كان ذلك فنحن أول من يجيب ، أما إنه نداء إلى رجل من بني عمنا . فقلت : رجل من ولد فاطمة عليها السلام ؟ قال : نعم يا سيف ، لولا أني سمعته من أبي جعفر محمد بن علي ولو يحدثني به أهل الأرض كلهم ما قبلته منهم ، ولكنه محمد بن علي ! ) .
بعد هذا النداء السماوي يبدأ المهدي عليه السلام بالاتصال ببعض أنصاره ويكثر الحديث عنه في العالم ويلهج الناس بذكره ( ويُشربون حبه ) كما تذكر الأحاديث ، ويتخوف أعداؤه من ظهوره ، فينشطون في البحث عنه .
ويشيع عند الناس أنه يسكن المدينة المنورة ، فتستدعي حكومة الحجاز أو القوى الخارجية جيش السفياني من سورية ، من أجل ضبط الوضع الداخلي في الحجاز ، وإنهاء صراع القبائل فيه على السلطة .
ويدخل هذا الجيش إلى المدينة المنورة فيلقي القبض على كل هاشمي يظن فيه ، ويقتل الكثير منهم ومن شيعتهم ، ويحبس الباقين .
ويبعث السفياني بعثاً أي جيشاً إلى المدينة فيقتل بها رجلاً ، ويهرب المهدي والمنصور منها ، ويؤخذ آل محمد صغيرهم وكبيرهم لا يترك منهم أحد إلا أخذ وحبس . كما تقول رواية ابن حماد .
ويخرج الجيش في طلب الرجلين ، ويخرج المهدي منها على سنة موسى عليه السلام خائفاً يترقب ، حتى يقدم مكة .
وفي مكة يواصل المهدي عليه السلام اتصالاته ببعض أنصاره ، حتى يبدأ حركته المقدسة من الحرم الشريف في ليلة العاشر من محرم بعد صلاة العشاء ، حيث يلقي بيانه الأول على أهل مكة ، فيحاول أعداؤه قتله ، ولكن أنصاره يحيطون به ويدفعونهم عنه ، ويسيطرون على المسجد ومكة .
وفي صبيحة اليوم العاشر من محرم يوجه الإمام المهدي عليه السلام بيانه إلى شعوب العالم بلغاتهم المختلفة ، ويدعوهم إلى نصرته .
ويعلن أنه سيبقى في مكة حتى تحدث المعجزة التي وعد بها جده المصطفى صلى الله عليه وآله ، وهي الخسف بالجيش الذي يتوجه إلى مكة للقضاء على حركته . وبالفعل تقع المعجزة الموعودة بعد فترة قصيرة حيث يتوجه جيش السفياني إلى مكة :
( حتى إذا انتهى إلى بيداء المدينة خسف الله به . وذلك قول الله عز وجل : ﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ﴾ 3.
( حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم ، فيرجع من كان أمامهم لينظر ما فعل القوم فيصيبهم ما أصابهم . ويلحق بهم من خلفهم لينظر ما فعلوه فيصيبهم ما أصابهم ) .
وبعد معجزة الخسف هذه ، يتوجه الإمام المهدي عليه السلام من مكة بجيشه المكون من بضعة عشر ألفاً إلى المدينة المنورة ، فيحررها بعد معركة صغيرة مع القوات المعادية التي تكون فيها .
وبتحرير الحرمين يتم له فتح الحجاز والسيطرة عليه .
وفي طريقه من الحجاز إلى العراق يلتحق به جيش الإيرانيين وجمهورهم بقيادة الخراساني وشعيب بن صالح فيبايعونه ، ويدخل الإمام بعد ذلك إلى العراق ويصفي أوضاعه الداخلية ، فيقاتل بقايا قوات السفياني ويهزمها ، ويقاتل فئات الخوارج المتعددة ويقتلهم ، ويتخذ العراق مركزاً لدولته ، والكوفة عاصمة له .
ويكون بذلك قد وحد اليمن والحجاز وإيران والعراق وبلاد الخليج تحت حكمه .
وتذكر بعض الروايات أن أول حرب يخوضها الإمام المهدي عليه السلام بعد فتحه العراق تكون مع الترك : ( أول لواء يعقده يبعثه إلى الترك فيهزمهم ) .
وقد يكون المقصود بهم الأتراك ، أو الروس لأنه ورد التعبير عن كل الأمم الشرقية بأمم الترك !
ثم يُعدُّ الإمام المهدي عليه السلام جيشه الكبير و يزحف به نحو القدس ، فيتراجع أمامه السفياني حتى ينزل جيش المهدي عليه السلام في ( مرج عذراء ) قرب دمشق ، وتجري مفاوضات بينه وبين السفياني فيكون موقف السفياني أمامه ضعيفاً ، خاصة وأن التيار الشعبي العام يكون إلى جانب الإمام المهدي عليه السلام ، ويكاد السفياني أن يسلم الأمر إليه كما تذكر بعض الروايات ، ولكن الذين وراءه من اليهود والروم ووزرائه يوبخونه ، ويعبئون قواتهم ويخوضون معركة كبرى مع الإمام المهدي عليه السلام وجيشه تمتد محاورها من عكا في فلسطين إلى أنطاكية في تركيا ساحلياً ، ومن طبرية إلى دمشق والقدس داخلياً . وينزل فيها الغضب الإلهي على قوات السفياني واليهود والروم فيقتلهم المسلمون ، حتى لو اختبأ أحدهم وراء حجر لقال الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله . وينزل النصر الإلهي على الإمام المهدي عليه السلام فيدخل القدس فاتحاً .

ويتفاجأ الغرب المسيحي بهزيمة اليهود والقوات المساعدة لهم ، على يد المهدي عليه السلام فيستشيط غضباً ويعلن الحرب على الإمام المهدي والمسلمين ولكنه يتفاجأ بنزول المسيح عليه السلام من السماء ، ويكون نزوله آية للعالم يفرح بها المسلمون والشعوب المسيحية .
ويبدو أن المسيح عليه السلام هو الذي يقوم بالوساطة بين المهدي عليه السلام والغربيين ، فيتفقون على عقد هدنة سلام مدتها سبع سنوات :
( بينكم وبين الروم أربع هدن ، تتم الرابعة على يد رجل من أهل ( آل ) هرقل ، تدوم سبع سنن . فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستور بن غيلان : يا رسول الله ، من إمام الناس يومئذ ؟ قال : المهدي من ولدي ، ابن أربعين سنة ، كأن وجهه كوكب دري ، في خده الأيمن خال ، عليه عباءتان قطوانيتان ، كأنه من رجال بني إسرائيل . يستخرج الكنوز ، ويفتح مدائن الشرك ) .
ولعل السبب في أن الغربيين ينقضون هذه الهدنة بعد سنتين أو ثلاث كما تذكر الروايات ، أنهم يتخوفون من التيار الذي يحدثه المسيح عليه السلام في شعوبهم فيدخل كثير منهم في الإسلام ، ويؤيدون الإمام المهدي عليه السلام . لذلك ينقض الروم الهدنة ويقومون بهجوم مباغت على منطقة بلاد الشام وفلسطين بنحو مليون جندي : ( ثم يغدرونكم فيأتونكم تحت ثمانين راية كل راية اثنا عشر ألفاً ) .
ويعلن المسيح موقفه إلى جانب الإمام المهدي عليهما السلام ، ويصلي خلفه في القدس . وتدور المعركة معهم على نفس محاور معركة فتح القدس تقريباً ، من عكا إلى أنطاكية ، ومن دمشق إلى القدس ومرج دابق ، وتكون الهزيمة الساحقة على الروم ، والنصر المبين للمسلمين .
وبعد هذه المعركة ينفتح الباب أمام المهدي عليه السلام لفتح أوروبا والغرب المسيحي .
ويبدو أن كثيراً من بلادها تفتحها شعوبها التي تقوم بإسقاط حكوماتها المعادية للمسيح والمهدي عليهما السلام ، وتقيم فيها حكومات موالية لهما عليهما السلام .
وبعد فتح المهدي الغرب ودخوله تحت حكمه وإسلام أكثر أهله ، يتوفى المسيح عليه السلام فيصلي عليه الإمام المهدي عليه السلام والمسلمون ، ويقيم مراسم دفنه دفنه والصلاة عليه على مرأى من الناس ومسمع ، كما تذكر الرواية ، حتى لا يقول الناس فيه ما قالوا أول مرة ، ويكفنه بثوب من نسج أمه الصديقة مريم عليها السلام ، ويدفنه إلى جانب قبرها الشريف في القدس .

وبعد فتحه العالم وتوحيده في دولة واحدة . يعمل الإمام المهدي عليه السلام في تحقيق الأهداف الإلهية في شعوب الأرض ، في المجالات المختلفة . فيقوم بتطوير الحياة المادية وتحقيق الغنى والرفاهية لجميع الناس ، وتعميم الثقافة ، ورفع مستوى الوعي الديني والدنيوي .
وتذكر بعض الأحاديث أن نسبة ما يضيفه إلى معلومات الناس في العلوم نسبة خمس وعشرين إلى اثنين ، حيث يضيف الخمس وعشرين جزءا من العلم ويضمها إلى الاثنين ويبثها في الناس سبعاً وعشرين .
كما يتحقق في عصره عليه السلام انفتاح سكان الأرض على سكان الكواكب الأخرى ، بل تبدأ مرحلة انفتاح عالم الغيب على عالم الشهادة ، فيأتي أناس من الجنة إلى الأرض ويكونون آية للناس ، ويرجع عدد من الأنبياء والأئمة عليهم السلام إلى الأرض في زمن المهدي عليه السلام وبعده ، ويحكمون إلى ما شاء الله من الزمان .
ويبدو أن حركة الدجال الملعون وفتنته ، تكون حركة استغلال منحرفة لحالة الرفاهية وتطور العلوم الذي يصل إليه المجتمع البشري في عصر الإمام المهدي عليه السلام ، فيستعمل الدجال أساليب الشعوذة لإغراء الناس ، ويتبعه اليهود والنواصب والشاذون والشاذات ، ويستعمل الحيل والمخاريق والألاعيب فيصدقه بعض الناس أو يشاركونه في شيطنته فيحدث في العالم فتنة . لكن الإمام المهدي عليه السلام يكشف زيفه ، ويقضي عليه وعلى أتباعه .
هذه صورة عامة عن حركة المهدي الموعود عليه السلام وثورته العالمية .

أما العصر الذي تحدث فيه ، فهذه أبرز معالمه وأحداثه :
من ذلك الفتنة التي تذكر الأحاديث أنها تحدث على الأمة الإسلامية وتصفها بأنها تكون آخر الفتن التي تمر عليها وأصعبها ، حتى تنجلي بظهور المهدي المنتظر عليه السلام .
ومن الملفت حقاً أن الأوصاف الكلية والتفصيلية لهذه الفتنة تنطبق على فتنة الغربيين وسيطرتهم على بلاد المسلمين في مطلع هذا القرن ، وعلى حلفائهم الشرقيين أيضاً . فهي فتنة تشمل كل بلاد المسلمين وكل عائلة فيها : ( حتى لا يبقى بيتٌ إلا دخلته ولا مسلمٌ إلا صكته ) !
وتتداعى فيها الأمم الكافرة على بلاد المسلمين كما يتزاحم الجائعون النهمون على مائدة دسمة : ( وعندها يأتي قوم من المغرب وقوم من المشرق فيلون أمر أمتي ) ! أي يحكمون بلاد المسلمين .
وهي فتنة تبدأ من بلاد الشام ، التي بدأ أعداؤنا منها مدهم الاستعماري المظلم ، وسموها مركز الإشعاع الحضاري .
وتنتج عنها فتنة تسميها الأحاديث الشريفة باسمها ( فتنة فلسطين ) وتصفها بأنها تمخض بلاد الشام مخض الماء في القربة : ( إذا ثارت فتنة فلسطين تردد في بلاد الشام تردد الماء في القربة ، ثم تنجلي حين تنجلي وأنتم قليل نادمون ) !
أي قليلون لكثرة ما يقتل منكم ، بيد أعدائكم وبيد أنفسكم .
وتصف الأحاديث أجيال أبناء المسلمين الذين ينشؤون على ثقافة هذه الفتنة حتى لا يكادون يعرفون غيرها .
وتصف الحكام الجبابرة الذين يحكمون شعوب المسلمين بأحكام الكفر والأهواء ، ويسومونهم سوء العذاب .
وتسمي الروم أصحاب هذه الفتنة ، وإخوان الترك الذين يرجح أن يكون المقصود بهم الروس ، وأنهم عندما تتفاقم الأحداث في سنة ظهور المهدي عليه السلام ، ينزلون قواتهم في الرملة بفلسطين وفي أنطاكية على الساحل التركي السوري ، وفي الجزيرة عند الحدود السورية العراقية التركية :
( فإذا استثارت عليكم الروم والترك . ويتخالف الترك والروم وتكثر الحروب في الأرض . . . ستقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة ، وستقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرملة ) .
وتذكر الأحاديث الشريفة أن بداية ظهور المهدي عليه السلام يكون من المشرق : ( يكون مبدؤه من قبل المشرق ، وإذا كان ذلك خرج السفياني ) .
أي مبدأ التمهيد له عليه السلام على يد قوم سلمان أصحاب الرايات السود ، وأن حركتهم تكون على يد ( رجل من قم يدعو الناس إلى الحق . يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد ، لا تزلهم الرياح العواصف ، لا يملون من الحرب ولا يجبنون ، وعلى الله يتوكلون . والعاقبة للمتقين ) .
وأنهم بعد خروجهم وثورتهم يطلبون من أعدائهم ( الدول الكبرى ) أن يتركوهم وشأنهم فلا يتركونهم :
( يطلبون الحق فلا يعطونه ، ثم يطلبونه فلا يعطونه ، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم ، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يقوموا . ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم ( أي المهدي عليه السلام ) . قتلاهم شهداء ) .
وتذكر الأحاديث أنهم تظهر فيهم شخصيتان موعودتان يسمى أحدهما الخراساني وهو فقيه مرجع أو قائد سياسي ، والثاني شعيب بن صالح وهو قائد عسكري ، شاب أسمر خفيف اللحية ورد أنه من أهل الري ، وأنهما يسلمان الراية إلى الإمام المهدي عليه السلام ويشاركان مع جيشهما في حركة ظهوره ويكون شعيب بن صالح القائد العام لقواته عليه السلام .

وتصف الأحاديث حركة في سوريا يقوم بها ( عثمان السفياني ) الموالي للروم والمتحالف مع اليهود ، وأنه يوحد سوريا والأردن تحت حكمه : ( السفياني من المحتوم ، وخروجه من أوله إلى آخره خمسة عشر شهرا . ستة أشهر يقاتل فيها ، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر ولم يزد عليها يوماً ) !
والكور الخمس تشمل بالإضافة إلى سوريا ، الأردن كما تدل الأحاديث ، ويحتمل أن تشمل لبنان . ولكن هذه الوحدة التي يحققها السفياني لبلاد الشام تكون وحدة غير مباركة ، لأن الغرض منها أن تكون خط دفاع ( عربي ) عن إسرائيل ، وقاعدة مواجهة للإيرانيين الممهدين للمهدي عليه السلام .
ولذلك يقوم السفياني باحتلال العراق فتدخله قواته : ( ويبعث مئة وثلاثين ألفاً إلى الكوفة ، وينزلون الروحاء والفاروق ، فيسير منها ستون ألفا حتى ينزلوا الكوفة ، موضع قبر هود عليه السلام بالنخيلة . . .كأني بالسفياني ( أو بصاحب السفياني ) قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة ، فنادى مناديه : من جاء برأس ( من ) شيعة علي فله ألف درهم . فيثب الجار على جاره ويقول هذا منهم ) .
ثم يكلفونه أن يملأ الفراغ السياسي الذي يحدث في الحجاز ، ويساعد حكومته الضعيفة للقضاء على حركة المهدي عليه السلام التي يلهج الناس بها ، ويتوقعون بدايتها في مكة ، فيرسل السفياني جيشه إلى الحجاز ، ويدخل المدينة المنورة ويعيث فيها فساداً ، ثم يقصد مكة المكرمة حيث يكون الإمام المهدي عليه السلام قد بدأ حركته ، فتقع المعجزة الموعودة على لسان النبي صلى الله عليه وآله في جيش السفياني فيخسف به قبل وصوله إلى مكة : ( يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه جيش ، حتى إذا كانوا بالبيداء بيداء المدينة خسف بهم ) !
ثم يتراجع السفياني بعد هزيمته في العراق على يد الإيرانيين واليمانيين ، وهزيمته في الحجاز بالمعجزة على يد المهدي عليه السلام ، ويجمع قواته داخل بلاد الشام لمواجهة زحف الإمام المهدي عليه السلام بجيشه نحو دمشق والقدس .
وتصف الروايات هذه المعركة بأنها ملحمة كبرى ، تمتد من عكا إلى صور إلى أنطاكية في الساحل ، ومن دمشق إلى طبرية والقدس في الداخل ، وأن الغضب الإلهي ينزل على السفياني وحلفائه اليهود والروم فيهزمون هزيمة ساحقة ويؤخذ السفياني أسيراً ويقتل .
ويدخل الإمام المهدي عليه السلام والمسلمون القدس .

كما تذكر الأحاديث حركة أخرى ممهدة للمهدي عليه السلام تحدث في اليمن . وتمدح قائدها ( اليماني ) وتوجب على المسلمين نصرته :
( وليس في الرايات أهدى من راية اليماني ، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس . وإذا خرج اليماني فانهض إليه ، فإن رايته راية هدى . ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار ، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) !
وتذكر بعض الروايات دخول القوات اليمانية إلى العراق لمساعدة الإيرانيين في مواجهة قوات السفياني . كما يبدو أن لهذا اليماني وقواته دوراً هاماً في الحجاز ، في نصرة الإمام المهدي عليه السلام .

وفي مصر تذكر الروايات دخول قوات غربية أو مغربية إلى مصر ، وأنه على أثرها يكون خروج السفياني في بلاد الشام .

وتذكر أن الإمام المهدي عليه السلام يجعل لمصر مكانة إعلامية خاصة في العالم ، ويتخذها منبراً له . وتصف دخوله مع أصحابه إلى مصر : ( ثم يسيرون إلى مصر فيصعد منبره فيخطب الناس ، فتستبشر الأرض بالعدل . وتعطي السماء قطرها ، والشجر ثمارها ، والأرض نباتها ، وتتزين لأهلها ، وتأمن الوحوش حتى ترتعي في طرق الأرض كالأنعام . ويقذف في قلوب المؤمنين العلم فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من العلم . فيومئذ تأويل هذه الآية : يغني الله كلاً من سعته ) .

وتذكر أحاديث عصر الظهور أن اليهود في آخر الزمان يفسدون في الأرض ويعلون علواً كبيراً ، كما أخبر الله تعالى في كتابه ، وأن تدمير علوهم يكون على يد رايات تخرج : ( من خراسان فلا يردها شئ حتى تنصب بإيلياء ) . أي في القدس ، وأن الإيرانيين والشيعة هم القوم الذين سيبعثهم الله تعالى هذه المرة على اليهود : ( بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) ، وقد يكون المقصود أن عمدة جيش الإمام المهدي عليه السلام الذي يفتح القدس يكون منهم .
ولا تحدد الأحاديث هل يكون هذا التدمير الموعود مرحلة واحدة ، أم على مراحل قبل ظهور المهدي عليه السلام وبعده . لكنها تصف المرحلة النهائية ، وأنها تكون على يد المهدي عليه السلام وجيشه ، وذلك في معركة كبرى يكون فيها عثمان السفياني حاكم بلاد الشام واجهة اليهود الروم ، وخطهم الدفاعي المباشر .
وتذكر أن الإمام المهدي عليه السلام يستخرج أسفار التوراة الأصلية من غار بأنطاكية ، ومن جبل بفلسطين ، ومن بحيرة طبرية ، ويحتج بها على اليهود ، ويظهر لهم الآيات والمعجزات ، فيسلم له بعض من بقي منهم بعد معركة فتح القدس . ثم يخرج من لم يسلم منهم من بلاد العرب .

كما تصف الأحاديث الشريفة حرباً عالمية تكون قبيل ظهور المهدي عليه السلام ، يكون سببها من المشرق ، ويفهم من بعض أحاديثها أنها تكون في سنة الظهور على شكل حروب إقليمية ( وتكثر الحروب في الأرض ) ، وأن خسائرها تتركز على أمريكا وأوروبا :
( وتشب نار في الحطب الجزل في غربي الأرض ) .
( يختلف أهل الشرق وأهل الغرب نعم وأهل القبلة ، ويلقى الناس جهداً شديداً مما يمر بهم من الخوف ) .
وتذكر أن خسائرها مع الطاعون الذي يكون قبلها وبعدها تبلغ ثلثي سكان العالم ، ولا تصل إلى المسلمين إلا بشكل ثانوي :
( لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس . فقلنا : إذا ذهب ثلثا الناس فمن يبقى ؟ قال : أما ترضون أن تكونوا في الثلث الباقي ) .
وتشير بعض الرويات إلى أن هذه الحرب تكون على مراحل ، وأن آخر مراحلها تكون بعد ظهور المهدي عليه السلام وتحريره الحجاز ودخوله العراق . وأن سببها يكون له ارتباط بالفراغ السياسي وأزمة الحكم في الحجاز .
إلى آخر ما سيأتي تفصيله إن شاء الله 4.

 

  • 1. كتاب عصر الظهور.
  • 2. الإمامة والتبصرة ص 130.
  • 3. القران الكريم: سورة سبإ (34)، الآية: 51، الصفحة: 434.
  • 4. المصدر: كتاب عصر الظهور ، الشيخ علي الكوراني العاملي حفظه الله.