حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
النسوية الاسلامية.. وعوائق التجديد الفكري
النسوية الإسلامية بهذا التركيب اللفظي الثنائي هي تسمية حديثة، جرى استعمالها وتداولها حديثا في المجال الفكري والثقافي والنقدي العربي، والجديد في هذه التسمية هو إضافة الإسلامية، وذلك لكون أن مفردة النسوية هي من المفردات اللغوية المتداولة خاصة في حقل الدراسات النقدية الغربية.
ومن ناحية المبنى والتركيب اللغوي والبياني واللساني، فهذه التسمية "النسوية الإسلامية" على حداثتها ليس عليها تحفظ، وبالإمكان التعامل مع هذه التسمية من دون خشية أو حذر أو حساسية، التي تظهر في نطاق بناء واستعمال الألفاظ والمصطلحات، ويمكن إدماج هذه التسمية في المجال التداولي الفكري العربي والإسلامي، فهي تسمية من ناحية اللغة والبيان تطابق تسمية النساء المسلمات.
ومن ناحية المعنى والمحتوى والمضمون، فإذا كان يراد من هذه التسمية لفت الانتباه إلى إسهام النساء المسلمات في ميادين المعرفة الإسلامية والإنسانية، الإسهام الذي يكاد يكون مغيبا أو منتقصا أو مهمشا، وبالشكل الذي يكسب النساء المسلمات اعترافا بدورهن في ميادين الفكر والمعرفة، واعترافا بحضورهن ووجودهن الثقافي والاجتماعي، وإزالة كافة أشكال التمييز والاستنقاص والتفاضل الممارس عليهن أو الموجه لهن، فهذا المعنى للنسوية الإسلامية ليس عليه تحفظ من هذه الجهة، بل التحفظ على خلافه.
وإذا كان يراد من هذه التسمية، خلق حالة من الوعي عند النساء المسلمات بقصد الدفاع عن حقوقهن، والمطالبة بهذه الحقوق التي تعرضت في مجتمعات العرب والمسلمين إلى حالات من الانتهاك والتعسف والاستنقاص، فمن حق النساء المسلمات النهوض بهذا الدور لضمان حقوقهن، وحفظ كرامتهن، وتحسين نوعية حياتهن، وفتح فرص النشاط العمومي لهن، فهذا المعنى للنسوية الإسلامية ليس علية تحفظ، والتحفظ على خلافه كذلك.
وإذا كان يراد من هذه التسمية، وبلحاظ مفهوم "الإسلامية" تحديدا، اعتبار أن الإسلام يمثل إطارا مرجعيا لخطاب نسوي يدعو لإصلاح أحوال النساء المسلمات في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، على أساس مفاهيم العدل والمساواة والكرامة والحقوق، واعتبار أن ما وقع على المرأة من ظلم وتعسف وانتهاك لحقوقها وكرامتها وشخصيتها، حصل بخلاف ما جاء وأمر به الشرع الإسلامي كتابا وسنة، وأنه يتعارض كليا مع مبادئه وقيمه وخطابه وشريعته، وهذا المعنى للنسوية الإسلامية ليس عليه تحفظ كذلك، والتحفظ على خلافه.
أما إذا كان يراد من هذه التسمية، إيجاد تكتل من النساء المسلمات على أساس النوع والفصل، وبدافع حس الأنوثة، في مقابل الرجال، وكرد فعل معاكس وعنيف على جانب الذكورة وطغيانها المفرط عند الرجال، وخلق حالة من النزاع أو السجال الفكري والنقدي والاجتماعي الذي يكرس الفصل والتمايز النوعي، فهنا منشأ التحفظ على هذه التسمية، باعتبار أن الإسلام لا يقبل حالة من التناقض والتصادم بين الرجل والمرأة على أساس الذكورة والأنوثة، ويرى أن النساء هن شقائق الرجال.
ومع هذا التحديد بهذه الصور لمفهوم النسوية الإسلامية، إلا أن السؤال الذي يطرح في هذا النطاق: ما هي عوائق التجديد الفكري والديني لمسألة النسوية الإسلامية؟
أمام هذا السؤال يمكن الإشارة إلى ثلاثة أنماط أساسية، تقع في طريق إعاقة التجديد الفكري والديني لمسألة النسوية الإسلامية، هذه الأنماط الثلاثة هي:
النمط الأول: العائق الفكري العام، ونعني به أن التجديد الفكري في مسألة النسوية الإسلامية له وضعية المفهوم الخاص، أمام المفهوم العام الذي يمثله التجديد الفكري في الفكر الإسلامي بصفة عامة.
بمعنى أن التجديد الفكري في مسألة النسوية الإسلامية، يتأثر تقدما وتراجعا، صعودا وهبوطا، بوضعية الفكر الإسلامي العام، فكلما تقدم الإصلاح والتجديد في ساحة الفكر الإسلامي، كلما تهيأت الفرص لتقدم التجديد الفكري والديني في مسألة النسوية الإسلامية، وكلما تراجع الإصلاح والتجديد في ساحة الفكر الإسلامي، تقلصت معه فرص التجديد وتراجعت في مسألة النسوية الإسلامية.
النمط الثاني: العائق الموضوعي العام، ونعني به أن التجديد الفكري في مسألة النسوية الإسلامية، يتأثر تقدما وتراجعا، صعودا وهبوطا، بتقدم الحياة وتراجعها في المجتمعات العربية والإسلامية، فكلما تقدمت الحياة في هذه المجتمعات، يتقدم معها الفكر، ويزدهر فيها التجديد الفكري، التجديد الذي يمتد بالطبع إلى موضوع النسوية الإسلامية.
وكلما تراجعت الحياة في هذه المجتمعات، يتراجع معها الفكر، وينتكس فيها التجديد الفكري، ويتأثر منه تراجعا موضوع النسوية الإسلامية. ولهذا نرى أن وضعيات النسوية الإسلامية هي أكثر تقدما في المجتمعات الإسلامية الأفضل حالا من باقي المجتمعات العربية والإسلامية الأخرى.
النمط الثالث: العائق النسوي الخاص، ونعني به أن التجديد الفكري في مسألة النسوية الإسلامية، يتأثر حكما واطرادا بواقع المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية، فكلما تقدم واقع المرأة تقدم معه التجديد الفكري، وكلما تراجع هذا الواقع تراجع معه التجديد الفكري1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة اليوم، الأحد 27 ديسمبر 2015م، العدد 15535.