مجموع الأصوات: 59
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1804

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

المبلغون

قال الله تعإلى في محكم كتابه: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ 1.
تتعرض الآية لبيأن مهمة جليلة وعظيمة الشأن هي التبليغ التي تعنى أن تقوم فئة من أبناء هذه الأمة بممارسة دورها الرسالي المؤثر في إيصال كلمة الله عزوجل إلى كل المؤمنين بهذه الرسالة لكي يكون ذلك وسيلة للتطبيق السليم من جهة، ومنع تغلغل الأفكار والعقائد المخالفة إلى ساحاتنا.
وهذه المهمة كما يبدو من معناها تقتضي أن يكون المتصدون لها من ذوي المواصفات التي تؤهلهم للقيام بها بطريقة تحقق ما يراد منها على مستوى نشر الثقافة والوعي وتشجيع حركة الالتزام العقائدي والعملي.
إلا أن الذي ينبغي الالفات إليه تبعاً لما تشير اليه الآية أن هذه المهمة ليست يسيرة وسهلة، وذلك لأن القوى المضادة العاملة على الترويج لأفكارها ولطريقة حياتها قد لا تسمح للمبلغين بأن يمارسوا هذا الدور بأساليب متنوعة، فبعضها قد يمارس دور الخداع والنفاق والتدليس على الناس عبر إشاعة المفاهيم المنحرفة استناداً إلى التفسير الباطل لعدد من المفاهيم الإسلامية، وبعضهم قد يستعمل أسلوب الدعوة إلى أفكار أخرى والترويج لها بنحو لافت للنظر من جهة، وجاذب للناس من جهة أخرى لكونه مشبعاً بالمغريات الدنيوية الزائفة التي يصورها أولئك على أنها المنال والهدف الذي ينبغي أن يسعى إليه الانسأن. وبعضهم قد لا يكتفي بذلك فيضيف استعمال أساليب العنف والقوة عندما يرى أن كل أساليب التمويه والزيف لم تؤدّ للوصول إلى هدفه الباطل، وهذا هو ما نلمسه اليوم في العديد من الدول الإسلامية التي تستعمل كل هذه الأساليب مجتمعة من أجل وضع العراقيل والموانع في وجه عمل المبلّغين الرساليين الذين يريدون الخلاص والنجاة لشعوبهم من كل الانحراف والفساد المتفشي.

أمام كل هذا الواقع نرى بأن الآية القرآنية تريد أن تشيع جواً من القوة المعنوية والتفاؤل غير المحدد وعند الأمة كلها من جهة، وعند هذه الفئة المتصدية للتبليغ من جهة اخرى، وهذا الجو يراد منه بالدرجة الأولى إعطاء دفعة قوية وجرعة كافية لهؤلاء حتى لا يسقطوا أو يستسلموا أمام هجمات أولئك المنحرفين، ونرى بأن الآية التي نذروا أنفسهم من أجلها، وأن يعيشوا الخوف الحقيقي من الله سبحانه الذي يمثل القوة المطلقة التي ينبغي على المنطلقين من دينه وعقيدته أن يلاحظوها في أثناء سيرهم وحركتهم ضمن الواقع الذي يعيشون فيه ويمارسون دورهم الرسالي والتبليغي، وأن هذا النحو من الارتباط الصحيح بالله عزوجل هو الكفيل بإزاحة كل العقبات والموانع التي يعمل المنحرفون على ترسيخها أو نشرها بين المسلمين.
وتحاول الآية من الناحية الأخرى أن تنبه المبلّغين إلى أنهم عندما يعيشون الخوف والخشية من الله، فلن تتمكن كل تهديدات الآخرين مهما كانت قوتهم وسطوتهم من أن تقهر الذين تنطبق عليهم مواصفات هذه الآية.
ومما لا شك فيه أن هنالك مواسم ومناسبات مهمة جداً يتمكن هؤلاء المبلّغون من ممارسة دورهم الرسالي لأن الأجواء يمكن أن تساعد ولو في الحدود الدنيا على القيام بهذه الوظيفة الإلهية المقدسة ومن هذه المواسم شهر رمضان المبارك الذي يعتبر من أهم المواسم لممارسة هذا النشاط المؤثر الذي يأخذ أبعاداً غيبية من جهة، واجتماعية من جهة أخرى.
فهذا الشهر فرصة يمكن استغلالها بشكل مهم لممارسة العمل التبليغي على كل المستويات لأن نفوس المسلمين تكون مهيأة بنسبة معقولة لما لهذا الشهر من قدسية واحترام عندهم جميعاً، وإن اختلفت النسبة بين مسلم وآخر تبعاً لالتزامه وتمسكه بهذا الدين العظيم، ولهذا فإن المبلّغين مدعوون في مثل هذا الموسم إلى القيام بنشاط تبليغي ملفت ومهم ومؤثر يمكن أن يلعب دوراً في استنهاض الأمة على كل المستويات. 2

  • 1. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 39، الصفحة: 423.
  • 2. نُشرت هذه المقالة على الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد بتاريخ: السبت, 15 شباط/فبراير 2014.