حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
أهل البيت عليهم السلام وحتمية الانتظار
ولم تخلُ الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام من الإشارة إلى أهمية الانتظار، والتأكيد على ضرورة التكامل الروحي الذي يتمتع به المنتظِر، وكون الانتظار حالة إعادة بناء لنفوسٍ مضطهدةٍ تحت ظروفٍ قاهرةٍ تستعيدُ النفوس من خلال ممارسة برنامج تربوي هيمنتها على الاحداث المحدقة بها وصمودها للاحداث القادمةِ المستقبلية التي تنتظرها بعد ذلك.
روى الصدوق بسندٍ صحيح عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق، المظهر للدين، والباسط للعدل، قال الحسين: فقلت له: يا أمير المؤمنين وإن ذلك لكائن؟ فقال عليه السلام: أي والذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة واصطفاه على جميع البرية، ولكن بعد غيبة وحيرة فلا يثبت فيها على دينه إلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ الله عز وجل ميثاقهم بولايتنا وكتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه1.
وعن علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام أنه قال: من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله عز وجل أجر ألف شهيد من شهداء بدر وأُحد2.
وروى جابر الانصاري عن أبي جعفر عليه السلام قال: يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري جل جلاله فيقول: عبادي آمنتم بسري وصدقتم بغيبي، فابشروا بحسن الثواب مني، فأنتم عبادي وإمائي حقاً منكم أتقبل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي. قال جابر: فقلت: يا ابن رسول الله فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟ قال: حفظ اللسان ولزوم البيت3.
والظاهر أن العزلة التي أوصى بها أئمة أهل البيت عليهم السلام هي العزلة التي يُراد منها حفظ النفس وعدم الزج في متاهات الإتجاهات السطحية، أو الولوج في معترك الحياة المادية التي لا تصب مصلحتها في خط أئمة الهدى عليهم السلام، وإلا فإن أئمة أهل البيت عليهم السلام يحثون شيعتهم بالتصدي في كل ما من شأنه مصلحة مذهبهم وخدمة شيعتهم، بل الحث على ذلك يظهر من روايات ليس هنا محل التعرض لها.
وقال المفضل بن عمر: سمعت الصادق جعفر بن محمد يقول: من مات منتظراً لهذا الأمر كان كمن كان مع القائم في فسطاطه، لا بل كان كالضارب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف4.
وعن محمد بن النعمان قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: أقرب ما يكون العبد إلى الله عز وجل وأرضى ما يكون عنه إذا افتقدوا حجة الله فلم يظهر لهم، وحجب عنهم فلم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنه لا تبطل حجج الله ولا بيناته، فعندها فليتوقعوا الفرج صباحاً ومساءً، وإن أشدَ ما يكون الله غضباً على أعدائه إذا أفقدهم حجته فلم يظهر لهم، وقد علم أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنهم يرتابون لما أفقدهم حجته طرفة عين5.
وعن أبي بصير قال: قال الصادق جعفر بن محمد: طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية، فقلت له: جعلت فداك وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة أصلها في دار علي بن أبي طالب عليه السلام، وليس من مؤمن إلا وفي داره غصنٌ من أغصانها، وذلك قول الله عز وجل ﴿ ... طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾ 67.
واذ سردنا بعضاً من هذه الأحاديث فللتذكير باهتمامهم عليهم السلام على أهمية الانتظار وماله من أهميةٍ في تحديد معالم الظهور وعلاماته، إذ خلق قاعدةٍ واعية بمسؤليتها عارفة بتكليفها يضمن (قاعدة الظهور) والمقصود من (قاعدة الظهور)، هي القاعدة التي يستند تحقيق الظهور عليها، فالإمام عليه السلام لا يمكنه التحرك _ وهذا على الحسابات المادية، أما على أساس الإعجاز الغيبي فالأمر يختلف، إذ لا يحتاج بعد ذلك إلى أيّة آلية تحقق ظهوره عليه السلام _ ما لم تكن هناك قاعدة شعبية عريضة تستوعب حركة الإصلاح التي توليها عملية الظهور بالإهتمام، أي لم تستطع حركة الإمام عليه السلام من النفوذ دون أن تجد لها إنسيابية (طبيعية) من خلال مجتمعٍ يعي ضرورة التغيير ويتطلع إلى أهمية الإصلاح، ولا يمكن أن تتوفر هذه الخصوصيات لدى مجتمع بعيدٍ عن ثقافة الظهور أو التمدن على (حيوية) الانتظار وممارسة دور البناء التكاملي الذي يسمو به إلى آفاق النهضة وطموحات التغيير8.
- 1. كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق ١: ٢٨٦ مؤسسة الأعلمي الطبعة الاولى ١٩٩١.
- 2. كمال الدين للصدوق: ٣٢٣ / ح ٧، (ط: مؤسسة النشر الإسلامي/ قم).
- 3. كمال الدين للصدوق: ٣٣٠ / ح ١٥، (ط: مؤسسة النشر الإسلامي / قم).
- 4. كمال الدين للصدوق: ٣٣٨ / ح ١١، (ط: مؤسسة النشر الإسلامي / قم).
- 5. كمال الدين للصدوق: ٣٣٩ / ح ١٦، (ط: مؤسسة النشر الإسلامي / قم).
- 6. القران الكريم: سورة الرعد (13)، الآية: 29، الصفحة: 253.
- 7. كمال الدين للصدوق: ٣٥٨ / ح ٥٥، (ط: مؤسسة النشر الإسلامي / قم)، والآية في سورة الرعد: ٢٩.
- 8. المصدر: كتاب علامات الظهور، جدلية صراع أم تحديات مستقبل؟ للسيد محمد علي الحلو رحمه الله.