حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
أدلة القول بالجبر والردّ عليها
الدليل الأوّل:
إنّ إرادة الإنسان لا تمتلك القوام الذاتي ، ولا يمتلك الإنسان القدرة على إيجاد إرادته بنفسه ، بل هو محتاج في إيجاد إرادته إلى إرادة اللّه تعالى ، ولا تحدث ارادة الإنسان إلاّ بإرادة اللّه تعالى 1.
يرد عليه :
1 ـ اختار اللّه تعالى أن يكون العباد أصحاب إرادة في أفعالهم ، فأعطاهم الإرادة ، ثمّ أعطاهم قدرة الاختيار لتوجيه إرادتهم كيفما يشاؤون.
بعبارة أُخرى :
إنّ اللّه تعالى هو الذي منح العباد هذه الميزة بأن تكون لهم الإرادة في أفعالهم ، فالإرادة ـ في الواقع ـ آلة لصدور الفعل من العبد ، وإذا كانت آلة الاختيار من اللّه تعالى ، فإنّ ذلك لا يستلزم الجبر .
2 ـ إنّ إرادة اللّه عزّ وجلّ لم تتعلّق بصدور أفعال العباد منه تعالى بصورة مباشرة ومن دون واسطة ، بل تعلّقت إرادة اللّه تعالى في مجال أفعال الإنسان الاختيارية أن لا تصدر من الإنسان إلاّ بعد إرادة الإنسان واختياره لها 2.
الدليل الثاني:
إنّ اللّه تعالى يعلم بأفعال العباد التي ستقع في المستقبل .
وما علم اللّه تعالى وقوعه فهو واجب الوقوع .
وما علم اللّه تعالى عدم وقوعه فهو ممتنع الوقوع .
ودون ذلك ينقلب العلم الإلهي إلى الجهل ، وهو محال .
ومن هنا يثبت بأنّ الإنسان مجبور على فعل ما هو في علم اللّه تعالى 3.
يرد عليه :
1 ـ لو صحّ القول بأنّ الإنسان مجبور في أفعاله نتيجة علم اللّه تعالى بها، فسيكون اللّه تعالى أيضاً مجبوراً في أفعاله نتيجة علمه تعالى بما سيقع من أفعاله ، فيلزم ذلك أن نقول بأنّ اللّه تعالى مجبور بأن يفعل ما يعلم! وهذا باطل 4.
2 ـ إنّ اللّه تعالى لا يختار أن يعلم بأنّ الشخص الفلاني سيفعل كذا ، ليكون هذا العلم علّة لذلك الفعل ، وإنّما علمه تعالى عبارة عن انكشاف المعلوم عنده كما سيكون في الواقع 5.
3 ـ يتعلّق علمه تعالى بكل شيء حسب الخصوصيات المتوفّرة في ذلك الشيء .
ومن هنا يكون تعلّق العلم الإلهي بأفعال الإنسان باعتبارها أفعال تصدر من فاعل يمتلك الاختيار ، وهذا ما يؤكد وقوع أفعال الإنسان باختياره .
بعبارة أُخرى :
قال المجبّرة بأنّ ما علم اللّه وقوعه فهو واجب الوقوع .
فنقول لهم: علم اللّه تعالى بأنّ أفعال العباد لا تقع إلاّ باختيارهم ، لأ نّه شاء أن يكون العباد أصحاب اختيار.
إذن يجب أن تقع أفعال العباد باختيارهم ، لأنّ عدم وقوعها بهذه الصفة يوجب ـ حسب ادّعاء المجبرة ـ انقلاب علم اللّه إلى الجهل .
وبهذا يثبت أنّ الإنسان مختار وغير مجبور في أفعاله .
النتيجة :
إنّ "العلم" مجرّد انكشاف يحكي المعلوم ويبيّنه كما هو عليه، وليس للعلم أي تأثير على المعلوم في الواقع الخارجي .
مثال توضيحي :
إنّ نسبة المعلوم إلى العلم كنسبة الشيء إلى المرآة .
فالمرآة لا تؤثّر في الشيء، وإنّما تبيّنه كما هو عليه في الواقع الخارجي .
فإذا أرتنا المرآة شيئاً بصورة قبيحة ، فليس هذا القبح مفروضاً من المرآة على ذلك الشيء ، بل لأنّ ذلك الشيء قبيح في نفسه ، عكست المرآة ما هو عليه ، فأرتنا ذلك الشيء بصورة قبيحة 6.
أمثلة عدم تأثير العلم في المعلوم :
1 ـ إخبار المتخصص عن الأنواء الجوية وتقلّبات الهواء ، فلو كان العلم عاملا من عوامل إيجاد الشيء، لكان هذا المخبر من جملة أسباب وقوع هذه التقلّبات الجوّية .
2 ـ إخبار الفلكي عن وقوع الكسوف أو الخسوف ، إذ لو كان العلم مؤثّراً في إيجاد المعلوم، لكان هذا الفلكي من جملة أسباب وقوع هذا الكسوف والخسوف .
3 ـ إخبار المدرّس عن مستوى الطالب في الامتحان القادم نتيجة معرفته به خلال فترة التدريس ، فإذا صدق إخبار المدرّس ، فلا يعني أنّ علم المدرِّس هو السبب في وصول الطالب إلى النتيجة التي أخبرها المدرِّس .
4 ـ إخبار الطبيب الحاذق عن الحالة التي سيواجهها المريض ، فإذا وقع الأمر كما قال الطبيب، فلا يعني أنّ الطبيب كان سبباً فيما أصاب المريض 7.
- 1. انظر: المواقف، عضد الدين الإيجي : ج3، الموقف 5 ، المرصد 6 ، المقصد 1 ، ص223 ـ 224 .
- 2. انظر: الميزان ، العلاّمة الطباطبائي: ج1 ، تفسير سورة البقرة، آية 26 ـ 27 ، ص99 ـ 100 .
- 3. انظر: المواقف ، عضد الدين الإيجي: ج3، الموقف 5، المرصد 6، المقصد 1 ، ص223.
- 4. انظر: تلخيص المحصل ، نصير الدين الطوسي: الركن الثالث ، القسم الثالث: ص340. إشراق اللاهوت ، عبد المطلب العُبيدلي: المقصد العاشر، المسألة الرابعة ، ص390.
- 5. انظر: المنقذ من التقليد ، سديد الدين الحمصي: ج1، الكلام في التكليف وحسنه و ... ، ص247.إشراق اللاهوت ، عبد المطلب العُبيدلي: المقصد العاشر، المسألة الثالثة ، المبحث الثالث ، ص389.
- 6. انظر: المنقذ من التقليد ، سديد الدين الحمصي: ج1، الكلام في التكليف وحسنه و ... ص246 .
- 7. المصدر: كتاب العـدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لـشيخ علاء الحسّون.