التدبر في الآيات التي تحدثت عن النبي نوح ــ على نبينا و آله و عليه السلام ــ تنير لنا الدرب لسلوك الطريق الصحيح في فهم قصة الطوفان الذي عم المعمورة في عصر نوح عليه السلام . و من باب المقدمة و التمهيد نقول : لا شك في أن نوحاً عليه السلام كان من الانبياء اولي العزم 1 عليهم السلام ، و معنى ذلك أنه عليه السلام كان مبعوثاً من قِبَل الله عَزَّ و جَلَّ إلى شرق العالم و غربه و إلى البشرية كافة ، بل كان مبعوثاً حتى إلى الجن ، فعَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ 2 عليه السلام : قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ :﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ... ﴾3؟
1. أُولُوا العزم مصطلح قرآني يُطلق على أصحاب الشرائع و الكتب من الرسل الذين بعثهم الله عَزَّ و جَلَّ إلى شرق العالم و غربه ، أي إلى البشرية كافة ، بل إلى الجن أيضاً ، و هم سادة النبيين و المرسلين ، و هم خمسة : 1. النبي نوح ( عليه السَّلام ) . 2. النبي إبراهيم خليل الله ( عليه السَّلام ) . 3. النبي موسى كليم الله ( عليه السَّلام ) . 4. النبي عيسى روح الله ( عليه السَّلام ) . 5. نبينا محمد المصطفى حبيب الله ( صلى الله عليه و آله ).
2. أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق عليه السلام ، سادس أئمة أهل البيت عليهم السلام .
أن نفيه لأن يكون من أهله لم يتناول فيه نفي النسب، وإنما نفى أن يكون من أهله الذين وعده الله تعالى بنجاتهم، لأنه عز وجل كان وعد نوحا عليه السلام بأن ينجي أهله في قوله: ﴿ ... قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ... ﴾1 فاستثنى من أهله من أراد إهلاكه بالغرق.
أولاً : إنه ليس ثمة من دليل ملموس يدل على أن نوحاً [عليه السلام] كان يعلم بكفر ولده، فلعله كان قد أخفى كفره عن أبيه، فكان من الطبيعي أن يتوقع [عليه السلام] نجاة ذلك الولد الذي كان مؤمناً في ظاهر الأمر، وذلك لأنه مشمول للوعد الإلهي، فكان أن سأل الله سبحانه أن يهديه للحق ، ويعرفه واقع الأمور ، فأعلمه الله سبحانه بأن ولده لم يكن من أهله المؤمنين.
يتصور البعض أن نوح النبي ( عليه السلام ) عاش 950 عاماً فقط و ذلك لقول الله عزَّ و جلّ : ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ 1 ، لكن الصحيح أن الأعوام الـ ( 950 ) التي أشار اليها القرآن الكريم هي الفترة التي عاشها نوح ( عليه السلام ) بين قومه و هو يدعوهم الى عبادة الله جل جلاله ، و بأدنى تدبّر في الآية الكريمة يظهر أن المراد من مدة لبثه في قومه هي فترة ما بعد رسالته حتى حدوث الطوفان .
جاءت القصّة في التوراة كسائر الأحداث التاريخية القديمة مشوّهةً في خِضمًّ من خرافات بائدة و من غير أن تتأكّد على مواضع العِبر منها ، بل و أغفلتها في الأكثر . أمّا القرآن فبما أنّه كتاب هداية و عِبر نراهُ يقتطف من أحداث التاريخ عبرها و يجتني من شجرة حياة الإنسان السالفة يانع ثمرها ، فليتمتّع الإنسان بها في حياته الحاضرة في شعفٍ و هناء .